الجمعة، 23 ديسمبر 2011

7٫3 ٪ ذلك هو حظّك أيّتها المرأة

تكبدت النساء التونسيات اللاتي يعلم الجميع أنهنّ شاركن منذ مطلع القرن الماضي في معركة تحرير البلاد وفي رفع التحديات على اختلافها، هزيمة مدويّة إذ لم تتجاوز نسبة حضورهن في التركيبة الحكومية 7٫3 ٪ أي 3 حقائب من جملة 41 حقيبة وهي على التوالي وزارة شؤون المرأة والأسرة (سهام بادي عن المؤتمر) ووزارة البيئة (مامية البنا مستقلة) وكتابة الدولة للإسكان (شهيدة بن فرج بوراوي مستقلة).
وكما تلاحظون فإنّ النسبة أكثر من ضئيلة في بلد تمثل فيه الكفاءات النسائية مرجعا لعديد البلدان العربية وحتى الغربيّة، فالقاضيات والطبيبات والمحاميات والأساتذة ونساء الأعمال وغيرهن من المهنيات التونسيات يمثلن منجما حقيقيا لهذا البلد.
وإذا عدنا لتحليل النسبة المذكورة، نلاحظ أنّ حزب النهضة الذي يشارك في هذه الحكومة بـ18 حقيبة إلى جانب منصب الوزير الأوّل، لم يمنح ثقته لأي امرأة لتولي أيّة حقيبة في حين أن هذا الحزب يضم عددا من الكفاءات النسائية المتميزة على غرار الأستاذة فريدة العبيدي والسيدة محرزية العبيدي والأستاذة لطيفة حباشي وسعاد عبد الرحيم وغيرهن كثيرات.
الشيء نفسه ينسحب على المؤتمر من أجل الجمهورية الذي منح حقيبة واحدة من جملة 6 حقائب وزارية لامرأة في حين أنّه يعجّ في صفوفه بشخصيات نسائية مقتدرة أبرزهن السيدة نزيهة رجيبة (أم زياد) والأستاذة زهور كوردة وغيرهما من الطاقات الشابة.. أمّا بالنسبة للضلع الثالث في الترويكا الحكومية وأقصد التكتل من أجل العمل والحريّات فقد حجب ثقته عن النساء وكانت المناصب الستة التي ظفر بها رجالية بامتياز والحال أنّ هذا الحزب يضم بدوره خبرات نسائية مشهود لها على غرار لبنى الجريبي التي كان يفترض ان تتولى منصب كاتبة دولة لدى وزير تكنولوجيا الاتصال والدكتورة سلمى سعادة وغيرهما.
على صعيد آخر، بات واضحا أنّ الحكومة بقيت رهينة فكر تقليدي، اذ لم تخرج عما كان معمولا به من قبل، حيث أسندت حقائب المرأة والبيئة لامرأتين في حين أنّه كان يمكن إسناد حقائب وزارية أخرى ـ غير مرتبطة تاريخيا بالمرأة ـ كالشؤون الدينية أو لما لا وزارة الصناعة والتجارة أو الثقافة لكفاءة نسائية.. وقد دفع هذا التناسي او التجاهل النائبة النهضوية سعاد عبد الرحيم إلى التساءل عن سبب تغييب المرأة من الوزارات السيادية وكأنّ في الأمر استنقاصا لقيمتها أو لخبرتها.
إنّ نسبة 7٫3 ٪ لاتنصف المرأة التونسية المناضلة والكادحة التي أنجبت وربّت أجيالا متعاقبة من أبناء هذا الوطن الغني بفكر بناته وأبناءه.
فهل تعي حكومة حمادي الجبالي هذا الكلام؟
• شيراز بن مراد

الخميس، 22 ديسمبر 2011

الـمـارقات عن القانون

أثارت التسريبات عن تشكيلة الحكومة الجديدة تعليقات عديدة منها ما له صلة بتضخّم حجمها حتى انّ أحدهم علّق ساخرا بأنّ الصين التي تعدّ مليار و300 مليون نسمة لا يتجاوز فيها عدد الوزراء 26 وزيرا، ومنها ما تعلّق بتعيين صهر راشد الغنوشي، رفيق عبد السلام وزيرا للخارجيّة..
أمّا أنا، فأرغب في التوقّف عند تسمية السيد نور الدين الخادمي (الإمام والأستاذ الزيتوني ورئيس جمعية العلوم الشرعية) على رأس وزارة الشؤون الدّينية، فقد طلع علينا منذ أيّام، على قناة حنبعل وتحديدا في برنامج «في دائرة الضوء» بموازاة لا أدري الى ماذا يمكن أن تقودنا نحن التونسيات.. فقد صرّح أنّ «الحجاب فريضة اسلامية وواجب شرعي على كل امرأة مسلمة دخلت هذا الدّين عن طواعية، كالذي يتمتّع بالجنسيّة فهو ملزم بقوانين هذه الجنسية.. هذا الحكم الشرعي واجب كالصلاة والصوم والحج».. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا، في ظلّ هذا التفكير هل سيسعى وزير الشؤون الدينية إلى سنّ قوانين ضدّ كلّ من ترفض ارتداء الحجاب ـ وإن كان إيمانها قويّ بدينها ـ ما دامه شبّه هذا الفرض بقوانين الجنسية التي يمكن أن تسحب في حالة ارتكاب جناية ضدّ أمن الدولة أو القيام بأعمال تضرّ بمصالح البلد.. فهل أصبحت أركان الإسلام ستة بعد هذا الموقف الخطير؟
هل يريد الوزير الخادمي أن يعود بنا الى زمن محاكم التفتيش التي عرفتها اسبانيا في القرن الخامس عشر عندما حوكم آلاف من المواطنين لعدم اعتناقهم المسيحية وكانوا من المسلمين واليهود وحتى من المسيحيين البروتستان؟
بصراحة لقد وجدت وزيرنا الجديد متشدّدا رغم أنّي حفيدة شيخ الإسلام محمد الصالح بن مراد الذي أسند له المنصف باي في ديسمبر 1942 خطة شيخ الإسلام الحنفي ورئاسة المحكمة الشرعية، إذ لم يعمد إلى فرض الحجاب على أيّة واحدة من بناته، بل كان يشجّعهنّ على طلب العلم والنضال ضد الاستعمار ويحثّهنّ على الانخراط في العمل الاجتماعي ضد الفقر والأمية لما فيه خير البلاد..
لقد بدا لي الوزير الجديد على صلابة ليس لها ـ على حدّ علمي ـ أي مرجعية في ديننا الحنيف الذي يدعو إلى الرّحمة والتعايش والتسامح والوسطيّة والسّلام .. تعلمت منذ صغري انّ الاسلام هو دين حرّية، دين جامع الزيتونة ولا دين طالبان.. فإلى أين يريد أن يمضي بنا وزيرنا الجديد بكلامه هذا؟ وهل سنشاهد قريبا، بعد عرض فيلم «المارقون عن القانون» للمخرج الجزائري رشيد بوشارب، فيلم «المارقات عن القانون» الذي يستعرض محاكمات النساء اللاتي رفضن ارتداء الحجاب لا لأنّهنّ غير مسلمات بل لأنّهنّ يؤمنّ بأنّ المرأة ليست عورة يجب سترها خوفا من غريزة الرّجل وفي هذا استنقاص لقيمتها ككائن بشريّ يتمتّع بعقل ووعي شأنها شأن الرّجل وكذلك استنقاص لقيمة الرّجل  الذي يصبح بمثابة الجنس المتنقّل الذي لا يبحث الاّ عن اشباع حاجياته البدائيّة..
سؤال أخير: هل يكون نور الدين الخادمي ملكيا أكثر من الملك وأقصد بذلك أحرص على الدين من راشد الغنوشي الذي لم يتحدّث في وسائل الإعلام بهذا المنطق.. أم انّ ما أتاه الخادمي هو نوع من «التكفير السوفت» الذي سيفتح أبواب جهنم على الحرّيات بمفهومها الشّامل.. عندها فقط سيبدأ التقهقر الذي كم نخاف على تونس منه...
شيراز بن مراد

الخميس، 15 ديسمبر 2011

الأكاديمي السوري سلام الكواكبي: الشعـب السـوري استـــعـاد السياسة وسيستعيد السيادة

في الوقت الذي تزداد فيه الأوضاع في سوريا تأزما، تسعى المعارضة السورية وأطياف من النخبة إلى إيجاد حلول وبدائل بعيدا عن كلّ تدخل عسكري خارجي... بخصوص الوضع الراهن والتطورات الممكنة حاورنا الباحث السياسي السوري وعضو «مبادرة الإصلاح العربي» سلام الكواكبي الذي عبّر عن تفاؤله الحذر في ضوء المعطيات المتوفرة قائلا إنّ رفض الإصلاح والإمعان في القمع طريقان يؤديان إلى حائط لا يمكن أن تحطمه الا إرادة الشعب..

ما هي قراءتك للوضع الحالي في سوريا وللتطورات أو السيناريوهات الممكنة؟
انسانيا، الوضع مأسوي والحالة المعيشية في تدهور وعدد الضحايا من القتلي والجرحى يرتفع وكذلك عدد المعتقلين. سياسياً، هناك استعصاء محلي وعربي ودولي في إيجاد حل سياسي سريع.  الأزمة السورية تتقاذفها مصالح إقليمية ودولية مختلفة، متقاطعة حيناً، ومتنافرة أحياناً أخرى. والأمر متوقع، فمتى كان صاحب البيت بالطبل ضاربا، فكل الجيران والمارين وحتى البعيدين، سيحاولون استغلال الفرصة أو مد اليد أو اللسان أو المساعدة أو التدخل أو الحماية أو إلخ. إخراج الأزمة من حلّها السوري هو مسؤولية الدولة السورية أولاً وأخيراً، ولا مسؤولية أيّة جهة أخرى.
وماهي مقترحات المعارضة السورية؟
المعارضة السورية ظلت تعرض حلولاً محلية منذ بدء الألفية الثانية ومدت يدها لأكثر من مرة لتلاقى بالصد وبالاعتقال. ومن المؤكد أن البلدان العربية التي تدعو النظام السوري للاستجابة لمطالب شعبه ليست واحات للديمقراطية وهدفها ليس بالضرورة حرية الشعب السوري وانتقاله إلى إدارة شؤون بلده بالأساليب الديمقراطية وبالتداول السلمي على السلطة وبالانتخابات الحرة.. هذا شيء، وإساءة الظن المطلقة واعتبار أن مجرد دعمها للتغيير هو سبب أساسي لرفض هذا التغيير، إنّما هو سذاجة سياسية وتخلّف تحليلي.
والجامعة العربية؟
الجامعة العربية تتخبط ويريحها تأخير موعد اتخاذ الموقف الواضح، وهي ليست وحدها في هذه الحالة، فالموضوع صعب ومعقد، وبالتالي، لا تمتلك الحلول. المهل تكررت وأصبحت مدعاة للسخرية من القاصي والداني. وهذا لا يعني أن الجامعة قادرة على الحسم، فدورها مستجد وهي بذلك تختلف عن الاتحاد الإفريقي الذي لديه مؤسسات وآليات فاعلة أكثر. الحل السوري ـ السوري كان متاحاً لمدة لا بأس بها كما ذكرت بداية. ثم هناك الحل السوري ـ العربي الذي يراوح بين بروتوكولات وشروط، وشروط على الشروط، وتحفظات على البروتوكولات المشروطة، وشروط على التحفظات.. وكأنها متاهات مدن الملاهي أو أحجيات الأطفال. أمّا التدويل فلا يعني التدخل الخارجي بالمفهوم العسكري أبداً. فالتدويل يمكن أن يتم عبر المنظمات الإنسانية غير الحكومية أو المنظمات الدولية أو مجلس الأمن أو الجمعية العامة. وهناك أشكال مخلفة لعملية التدويل والتدخل الخارجي ليس مطروحاً من قبل المعارضة السورية في شكله المباشر لأسباب عدّة، ثمّ إنّ رفض هذا التدخل مرتبط بتحليل منطقي حول عدم توقع حصوله في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة على المستوى الأوروبي على الأقل، والتجارب المؤلمة والتي نجمت عنها خسائر كبيرة أفغانيا وعراقيا وليبيا.
وموقف تركيا كيف ترونه؟
يجب أخذ الحذر التركي بجدية، تركيا معنية بشدة بالملف السوري وباستقرار الجار الأهم بالنسبة لها اقتصادياً واستراتيجياً وسياسياً. غير أنّ الملف الكردي ما زال يشكل للأتراك قلقاً واضحاً وقدرة السوريين على تحريكه تبدو للأتراك مصدر تهديد ولو نسبي. تركيا ليست قادرة، ولا ترغب، بأن تكون وحدها المسؤول عن إدراة عدم استقرار جارتها الجنوبية.
هل أنتم متفائلون بحلّ سلمي؟
التفاؤل بحلّ سلمي يفضي إلى تحقيق مطالب الشعب السوري، الذي استعاد السياسة ويبحث عن استعادة السيادة، يبقى حذراً في ضوء المعطيات المتوفرة. وفي المقابل، فإنّ التحليل المنطقي يقود إلى وجوب تحقق الحتمية التاريخية والتي تتعلق بمآل الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في دول عربية كتونس ومصر. رفض الإصلاح في البداية ومن ثم الإمعان في القمع، طريقان يؤديان إلى حائط مسدود لا يمكن أن تحطمه سوى إرادة شعبية كسرت حاجز الخوف بعد عقود من مصادرة الفضاء العام والتعبير.
 كيف يمكن للشعب السوري أن يطوي صفحة «الـ9 أشهر الاخيرة» وما عاشه خلالها من ممارسات؟
الشعب السوري لديه طاقات انسانية وأخلاقية هائلة سمحت له بأن يستمر في احتجاجاته السلمية طوال هذه الفترة وستسمح بأن يمارس حريته بشكل واع وإيجابي دون انتقام وأن يتجاوز ذكريات هذه المرحلة القاسية التي يعيشها. وفي المقابل، يعتبر تطبيق العدالة الانتقالية هو أساس لكل تحول ناجح، وكذلك وضع أسس قويمة لإنصاف الضحايا وعائلاتهم وبناء قواعد المصالحة مع من اقترفت أيديهم أو ألسنتهم أو أموالهم الخطايا بحق الشعب الثائر. السوريون لم يمارسوا العنف بحق بعضهم البعض في تاريخهم الحديث. مورس بحقهم العنف من قبل قوى استعمارية، قوى احتلال، وأنظمة استبداد، ولكنهم ظلّوا موحدين متجانسين على الرغم، أو بفضل، تنوعهم الإثني والديني الذي تمت محاولة استغلاله من قبل القوى الثلاث السابق ذكرها لتأجيج الفرقة ومحاولة السيطرة على المجتمع.
دور المجتمع المدني السوري سيكون كبيراً في مرحلة إعادة البناء للخروج من عنق الزجاجة التي قبعت فيها سوريا منذ عقود.
ما هي قراءتكم لصعود تيارات الاسلام السياسي لسدة الحكم في تونس و مصر؟
من الجيد استخدام صيغة الجمع في السؤال حيث أن العادة أن يتم الحديث عن تيار الإسلام السياسي في البلدان العربية وهو غير موجود وإنما هناك تيارات متنوعة المقاصد والبرامج والطرائق. ففي تونس، يمكن اعتبار ما جرى انتصارا لتيار إسلامي وسطي ينأى بنفسه عن التطرف وعن الأحزاب المتطرفة في حديقته الخلفية مثل السلفيين وحزب التحرير. وفي هذا الإطار، فإن زعماء حركة النهضة مطالبون من قواعدهم قبل أن تتم مطالبتهم ممن يعادونهم فكراً، بأن يميّزوا أنفسهم بحق عن هذه التيارات ويبعدوا عن نفسهم شبهة، تتعزز بمقتضى بعض الأحداث، حول نوع من توزيع الأدوار والاستفادة السياسوية من خطاب متطرف لكي تُرفع عصا الطاعة أمام من يهاجم سياساتها.
أما الأخوان المصريون، فهم ليسوا في ذات موقع الوسطية التونسي، أو على الأقل، ليست قياداتهم التقليدية في هذا المكان. وهم قادرون، وربما راغبون، في عقد تحالفات على مستويات معينة مع الأحزاب السلفية المصرية. هذه الأحزاب التي ما فتئت تنأى بنفسها عن العمل السياسي، أو هكذا أدعت، والتي تعتبر بأن الانتخاب هو نوع من ممارسة الديمقراطية، وبالتالي، فهو نوع من المنكر حيث أن الديمقراطية بدعة غربية كافرة بعيدة عن مفهوم الشورى الديني، هذه الأحزاب إذا، انخرطت في العملية الانتخابية بهدف التأثير في مسار متحرك لا قدرة لها على إيقافه وإنما هي قادرة فقط على إبطائه أو تعديل اتجاهه. وهذه الأحزاب التي يمكن أن يقال عنها، وبلا أي تجن، بأنها تطور خطاباً ظلامياً متخلفاً يرفضه العقل الديني الواعي قبل أن تلفظه الأفكار العلمانية، تعتبر ظاهرة قروسطوية يُعاد إحياؤها في أرضٍ خصبة من الخيبات ومختلف أنواع الفشل للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي مرت بها.
تسعون إلى فتح مكتب "مبادرة الإصلاح العربي" في تونس, فما هي أهدافه؟
مبادرة الإصلاح العربي مؤسسة قائمة منذ ست سنوات تقريباً وهي تجمع خمسة عشر مركزاً بحثياً تعنى بشؤون الدمقرطة والإصلاح في العالم العربي، وجاء تأسيسها في محاولة للرد على مبادرات الإصلاح السياسي من الخارج والتي تبنتها الإدارة الأميركية بعد غزوها للعراق سنة 2003. وتتركز المبادرة على فكرة أن الإصلاح السياسي يأتي من قوى المجتمع العربي الحية من دون أن يكون مؤطراً أو محفّزاً من قوى خارجية. والمبادرة تنشر منذ ثلاث سنوات تقريراً عن حالة الإصلاح في البلدان العربية وتنظم المؤتمرات العلمية حول أمور الإصلاح وشجونه. ومن أهم مشاريعها البحثية التي تعمل عليها منذ سنوات أيضاً، مشروع إصلاح القطاع الأمني المرتبط عضوياً بالإصلاح السياسي. ونحن نتبين الآن ضرورة هذا الملف في الحالتين التونسية والمصرية. حيث الاستفادة من الحوار الصريح بين كل الجهات المعنية من قطاع أمني إلى منظمات حقوقية ومروراً بالإعلام، وهي ضرورة لا غنى عنها للوصول بالقطاع الأمني إلى تغيير عقيدة لازمته طوال عقود وارتبطت بحماية النظام، ليصبح قطاعاً أمنيا يعمل على حماية القانون في دولة القانون.
ولقد افتتحت المبادرة مكتباً لها في القاهرة لمواكبة عملية التحول الديمقراطي، وهي تقوم حالياً على مأسسة وجودها في تونس لكي تعمل أيضاً إلى جانب المنظمات التونسية غير الحكومية والمؤسسات العلمية على إطلاق برامج بحثية في مجالاتها التي سبق ذكرها وفي مجالات جديدة يمكن أن يتم استنباطها من خلال التعاون مع الأخوات والأخوة في تونس.
شيراز بن مراد

نجاح التيارات الإسلامية في عيون صحافيين مصريين

أثارت النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشعب المصرية ردود أفعال مختلفة وذلك بعد تصدر حزب «الحرية والعدالة» للإخوان المسلمين الترتيب يليه حزب «النور» السلفي ثمّ الكتلة المصرية في المركز الثالث.
فقد عنونت صحيفة الشروق المصرية مقالها الرئيسي الصادر بتاريخ يوم 1 ديسمبر «الإخوان يدقون طبول النصر» بالنظر الى النسبة التي حققتها حركة الإخوان المسلمين والتي ناهـــزت 40 ٪ من جملة الأصوات وجاء العنوان الرئيسي لصحيفة الأهرام بتاريخ 8 ديسمبر كالآتي: «الإسلاميون يكتسحون الفردي».
المجتمع أصدرأحكامه
وعلّق الكاتب الصحفي فهمي الهويدي بأنّ «المجتمع أصدر حكمه» وانتقد في الوقت نفسه الإعلام المصري الذي شبهه «بسرادق العزاء التي اجتمع فيها خلق من المثقفين والسياسيين الذين ظلوا يتبادلون العزاء ويلطمون الخدود ويشقون الجيوب وينعون الثورة التي سرقت دماء الشهداء والتي راحت هدرا وحلم الدولة المدنية الذي تبدد أو كاد».
ولم يخف فهمي الهويدي المحسوب على الإسلاميين «ارتياحه» لفشل أحد النّواب السلفيين حيث علّق قائلا «لا أخفي شعورا بالارتياح إزاء سقوط ممثل الدعوة السلفية عبد المنعم الشحات، وهو من غلاة السلفيين الذين لم يكفوا عن تخويف الناس بالإساءة إلى الدين والدنيا» وأضاف أنّ المجتمع عاقب الرجل بالإعراض عن التطرف والانحياز الى الاعتدال...
الإسلاميون لا يصلحون للحكم
وقد كان المفكر والصحفي حسنين هيكل صرّح لقناة الجزيرة نهاية شهر أكتوبر أنّ الديمقراطية لا تستقيم في دولة إلاّ بوجود طرفين: اليسار واليمين الذي يمثله التيار الديني مشيرا إلى أنّه بالرغم من تدين الشعب المصري فإنّ مصر لا يمكن أن تحكم من منظور ديني ولا يصلح أن تحكمها سلطة مثل الإخوان المسلمين.
الإخوان المسلمون سيتعاملون بحنكة
أمّا الإعلامي حمدي قنديل فقد ذكر في برنامجه «قلم رصاص» الذى يعرض على قناة «التحرير» تعليقا على مخاوف البعض من نتائج الانتخابات وسيطرة التيار الإسلامي عليها ومن أن تتحول الدولة إلى دولة دينية يحكمها رجال الدين قائلا: «يجب القبول بنتيجة الانتخابات مهما كانت، فتلك هي الديمقراطية وإن كانت لصالح الإسلامي، وأنا لست متخوفا، بل إنّي متفائل وأرى أن السلفيين مع الاحتكاك والممارسة سوف يطورون من أسلوبهم إلى مواقف أكثر اعتدالا.  وأعتقد أنّ الإخوان المسلمين، من منطلق خبرتهم السياسية، ستكون لديهم عقلانية ستجعلهم يتعاملون بحنكة دون الصدام مع التيارات الإسلامية الأخرى ولا الليبرالية ولا حتى المجلس العسكري».
هذا ليس برلمان الثورة
أمّا الصحفي إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة «التحرير»، فقد عنون أحد مقالاته: «نعم لحكومة الإخوان.. وفورا» وجاء فيه أنّه من حق الإخوان المسلمين تشكيل حكومتهم طبقا للنتائج التي حققوها، لكنّه أكّد في الوقت نفسه أنّ الانتخابات يشوبها البطلان لما شهدته من فوضى قانونية ومسخرة وسط صمت وتواطؤ الجميع من أجل تمرير الانتخابات. واعتبر ابراهيم عيسى أنّ البرلمان الذي ستفرزه العملية الانتخابية لايمكن أن يحمل لقب «برلمان الثورة» لأنّ الثوار الذين قاموا بثورة 25 جانفي لم يتحوّلوا إلى سياسيين بين ليلة وضحاها ولم يتمكنوا من الترشح في ظرف أشهر قليلة.
وأضاف: «برلمان الثورة هو الذي يفوز فيه بالأغلبية حزب الثورة، أمّا أن يفوز فريق أو فريقان قفز أحدهما على الثورة، ولم ير فيها إلاّ التخلص من جهاز بوليسي كان يملك أسراره وخفايا تمويله (يقصد الإخوان) والآخر حزب كاره للثورة ومكفر بها وبأصحابها (يقصد السلفيين)، ثم في انتهازية لا تليق بالاتقياء قرّر أن يركب مركبها حتى يفرقها في بحر الظلمات من التشدد والغلو، فهذا لن يكون برلمانا للثورة ولو حلف لنا على المصحف».
لا لاحتكار التيار الإسلامي للسلطة
أمّا مصطفى بكري رئيس تحرير صحيفة «الأسبوع» فقد حذّر من اندلاع ثورة جديدة في حال احتكار التيار الإسلامي للسلطة مشيرا إلى أنّ النسب التي حصل عليها الإسلاميون لم تكن متوقعة وعلى هذا التيار أن يثبت للشعب أنّه مختلف عن الحزب الوطني المنحل في ممارساته السياسية.. وقال إنّ يقظة الشعب هي الحامية لمستقبله.
محنة الإسلاميين
أمّا الكاتب والمنسق العام لحركة «كفاية» عبد الحليم قنديل فقد كتب مقالا  أردفه بالعنوان التالي: «محنة الإسلاميين» وذكر فيه أنّ «التيارات الإسلامية خاطبت بؤس المجتمع كجمعية خيريّة كما خاطبت يأس المجتمع كجمعية دينية»، وأضاف أنّ الجماعات الإخوانية تنتظرها «محنة الحكم وربّما لا ينجحون فيها إلاّ إذا تحوّلوا إلى شيء آخر تماما». أما بخصوص السلفيين، فقد كتب أنّهم «يبدون في حالة بدائية وصحراويّة تماما، أفكارهم تخاصم العصر بالجملة وآراؤهم تثير العجب والفزع من نوع منع نشر صور مرشحاتهم أو ستر الأهرامات والآثار ببطانيات».
مفاجأة السلفيين
وذكر الكاتب والمحلل السياسي عمر الشوبكي في صحيفة «المصري اليوم» أنّه بينما توقع كثيرون تقدّم الإخوان المسلمين في الانتخابات فإنهم لم يتوقعوا تقدّم السلفيين. وعزا الشوبكي فشل التيارات المدنية الى عدد من العوامل ومنها النظام الانتخابي وتشتت التيارات المدنية وعدم قدرتها على التواصل مع بسطاء الناس.

الكـلام المعطّــر والكـلام الـمــرّ

الكـلام المعطّــر والكـلام الـمــرّ

من الصّور التي ارتسمت في أذهان المتابعين لمداولات المجلس التأسيسي في أيّامه الأولى، انزعاج النوّاب النهضويين وحلفائهم من النقد، اذ اتّضح انّ صدورهم ضاقت بمقترحات واعتراضات الأقلّية وكأنّهم هم ـ وحدهم ـ الذين يدركون مصلحة تونس في حين «يتخبّط» الآخرون خبط عشواء في الضلالة...
وقد راح بعضهم يستعمل مصطلحات من قبيل «عرقلة» و«مؤامرة» و«اتهامات» بهدف التشكيك في جدّية النوّاب المعارضين،  وهو ما يعتبر في حدّ ذاته انعكاسا لنفسيّة اقصائيّة لا تعترف بالتحاور وبتبادل الآراء..
ولقد استغرب العديد من متابعي الشأن السياسي ردود الفعل المتشنجة لكل من رئيس كتلة النهضة في البرلمان نور الدين البحيري  وزميليه سمير ديلو ووليد البناني إزاء مداخلات بعض ممثلي المعارضة.. ولكي لا أبدو متحاملة، أنقل لكم ما كتبه أحد صحفيي جريدة الفجر لسان حال حركة النهضة تعليقا على ما صدر من النائب البحيري: «قدّم نور الدين البحيري صفعة قويّة في وجه كل من زايد من داخل المجلس على حركة النهضة»! ولكم حرّية التعليق على عبارة «صفعة قويّة» ويبدو أنّنا دخلنا في عهد الصفعات «وربي يستر» من القادم.. كما استغربوا ما جاء في تدخل نائب المؤتمر محمد عبو الذي أشار إلى مؤامرة تستهدف البلاد.. وإذا سلمنا جدلا بأنّ هناك مؤامرة فعليه ان يكشف خيوطها فورا.. انّ هذا الكلام مردود على صاحبه خاصّة أنّه جاء في شكل استعراض عضلات على أقلّية لم تتمكّن، في أحيان عديدة من تمرير اقتراحاتها بسبب عدم تكافؤ موازين القوى داخل المجلس لصالح الثالوث: النهضة والمؤتمر والتكتّل..
وفي اعتقادي، فإنّه على النواب، وهم على أبواب صياغة دستور كل التونسيين ولا فئة واحدة منهم، أن يتحلّوا بقدر اضافي من الأريحية ورحابة الصّدر والتواضع، وانّ يفتحوا عقولهم لما هو مختلف ومغاير  خدمة لمصلحة تونس وحدها، فقد تخطئ الأغلبيّة وإن كان أعضاؤها على قدر من الحكمة والرصانة..
على صعيد آخر، رأى بعض النوّاب في اعتصام باردو ضربا لاستقرار البلاد، ولكنهم لم يروا ـ مع الأسف ـ الرّوح الإيجابيّة التي تميّز بها واليقظة التي كانت تلهب المعتصمين الذين لم يعبّروا عن ولائهم لهذا الحزب أو ذاك بقدر ما عبّروا عن ولائهم لتونس الحقوق والحرّيات والعدالة دون سواها.. وكان يكفي لأيّ  منّا ان يواكب هذا الاعتصام ليعي الرّسالة  القويّة التي بعث بها المحتجّون والتي مفادها أنّ المجتمع المدني عيونه مفتوحة ويراقب ما يحدث داخل مبنى مجلس النوّاب من تجاذبات سياسيّة مصيريّة ستحدّد مستقبل البلاد.. ولا أخفي عليكم انّ أكثر ما حزّ في نفسي، وانا أستمع لعدد من المعتصمين، هو تهميش ملف شهداء وجرحى الثورة الذين لولا دماؤهم ما كان لهذه الثورة، ان تنجح في  خطواتها الأولى وما كانت الأحزاب السياسيّة لتجتمع في هذا المجلس اليوم.. لقد كان من الضروري في تقديري، ان يعلن المجلس التأسيسي الموقّر في أوّل عمل له، قبل الانصراف إلى مشاريع قوانين السلط العموميّة والنظام الدّاخلي، عن تكوين لجنة تعنى بملف  الشهداء والجرحى اذ لن أذيع سرّا إذا قلت انّ عددا من المصابين يعانون من حالات صحية متدهورة.. ألم يكن من الضروري تقديم هذه اللّمسة الإنسانية على النقاشات السياسية؟
وفي سياق متصل، اسمحوا لي بأن أتوجّه بتحيّة لامرأة لم تكن من بين معتصمي باردو، لكنّها كانت بصدد المرور أمام مقرّ المجلس للالتحاق ببيتها بعد يوم عمل... لقد استمالتها النقاشات التي كانت تدور هناك فعبّرت عمّا يخالج نفسها حيث قالت : «إنّ أهمّ شيء بالنسبة إلي هو القطع مع ممارسات الماضي من نهب وفساد وتهميش وهيمنة»، لقد اختصرت بكلمات بسيطة مبادئ كبيرة وهي شفافيّة الإدارة ومحاسبة المسؤولين الكبار والعدالة الاجتماعيّة وتوازن السلط.. فما أروع موقفها ويا ليت نوّابنا المحترمين يصغون الى الكلام المرّ إصغاءهم للكلام المعطّر..
وحرّي بنا ان نتساءل اليوم عن مدى تقبّل النهضويين وحلفائهم للنّقد وهم الذين سيتولّون رئاسة الحكومة وأغلب الوزارات بعدما حذّر بعض الحقوقيين والمفكّرين من امكانيّة عودة الاستبداد مجدّدا في حالة عدم تقبّل الأغلبيّة لسلطة مضادّة قويّة تعمل على تحقيق توازن القوى..
 لن يفيدنا نظام «اضحك حتى تكون الصورة جميلة» والذي تظهر فيه الشفاه باسمة ومؤيّدة فقط، بقدر ما سنتعظ بالآراء المخالفة التي قد تزعج وتعكّر الأمزجة لكنها قد تفرز المعادلات الأنسب.

التفكير بدل التكفيــــر

هاتفني منذ أيّام أحد أقربائي ليروي لي «المصيبة» التي باتت تؤرقه بعد الإعلان عن نتائج انتخابات 23 أكتوبر.. فقد أسرّ لي بأنّ  بعض أفراد عائلته صاروا يعتبرونه «كافرا» لأنّه لم يصوّت للنّهضة التي تجسّد ـ في نظرهم ـ الإسلام والهويّة العربيّة..
وقد أحالتني هذه الواقعة على اعتصام باردو  إذ تمّ تصنيف المعتصمين فيه الى فئتين اثنتين: فئة حداثيّة «كافرة» وفئة محافظة «مسلمة» بما يؤكّد رغبة البعض في الزجّ بنا في متاهات وصراعات ايديولوجيّة  بعيدة كلّ البعد عن مطالب الشّعب التونسي الذي يرغب في القضاء على البطالة ويتطلّع إلى توزيع عادل للثروات وإلى الحقّ في الشغل والصحّة والكرامة..
وفي محاولة لتخفيف «مصابه» أكّدت لقريبي،  أنّ الذين صوّتوا للأحزاب المنافسة للنهضة مسلمون وهم لا ينتظرون «شهادة حسن سيرة دينيّة» من أنصار النهضة بل  منهم من قد يكون أكثر تقوى والتزاما بتعاليم الدّين من الذين  منحوا أصواتهم لهذا الحزب، وقد تكون أحزاب أخرى أقنعتهم أكثر ببرامجها الاقتصادية والاجتماعية فتعاطفوا معها.. كما لاحظت له أنّ البلدان التي يستشهد بها أقرباؤه على أنّها نماذج في التديّن والصّلاح غير خالية من الفساد..
ولعلّ السّؤال الذي يطرح نفسه بحدّة اليوم يتعلّق بمدى احترامنا، كتونسيين، لخصوصيّات شركائنا في هذا الوطن واختياراتهم وذلك انطلاقا من حرّية اللباس والإيديولوجيّة وصولا الى حرّية المعتقد..
علينا أن نكون في الظرف الرّاهن على درجة من الوعي وأن نعمل على نشر ثقافة «حقّ الاختلاف» إذ لا يجوز لأيّ طرف أن يقصي طرفا آخر مهما كانت درجة تناقضه الفكري أو الدّيني أو السياسي.
لقد آن الأوان لأن نعدّل الموازين بهدف وضع حدّ للغة الاقصاء والتكفير وهتك الأعراض ومن أجل إرساء تقاليد الإحترام والنقاش.. علينا أن نقلب ترتيب الحروف التي تكوّن كلمة «تكفير» لتصبح أجمل وأرقى وأنبل وهي «التفكير»، التفكير في مصلحة بلادنا وفي أولوياتها وفي البحث عن أفضل الحلول التي تضمن العيش الكريم لكل أبناء هذا الوطن..
وأنا بصدد كتابة هذا المقال، ألقيت نظرة على موقع الفايس بوك، ففوجئت بالمستوى المنحطّ وغير الأخلاقي الذي علّق به البعض على الأفكار التي وردت في  الحوار الذي أدلت به الصحفيّة نزيهة رجيبة لجريدة الصّباح الأسبوعي وعبّرت فيه عن موقفها من حزب المؤتمر الذي كانت تنتمي اليه وكذلك من حزب النّهضة.. فهل يستحي هؤلاء وهل يأتي اليوم الذي يفهمون فيه أنّنا لم نصنع من عجينة واحدة بل لكلّ منّا آراؤه وموافقه من أيّ موضوع كان..
لن تنفعنا لغة الشّارع ولا منطق التحقير والتقزيم ولغة اسفل الحزام في فضّ مشاكلنا ـ وكم هي عديدة ـ بل انّ اللحظة تقتضي أن نمدّ أيدينا الى بعضنا البعض وأن نفتح آذاننا على آخرها لكلّ الأفكار التي يمكن أن تفيد العباد والبلاد وان نفكّر ونفكّر ونفكّر حتى نهتدي للطريق السويّ لا ان نكفر ونكفر ونكفر لأنّنا بذلك سنضل الطريق..

هل أخطـأ المفكّـرون؟

من منّا بإمكانه استقراء المستقبل وما ستؤول إليه الأحوال في تونس؟ لا أحد تقريبا، لكن قد نثق بقراءات مفكّرينا ونخبنا الثّقافيّة أكثر من وثوقنا بخطابات زعمائنا السياسيين الذين انشغلوا بتقاسم المناصب والحقائب الوزاريّة أكثر من اهتمامهم بالقضايا المصيريّة التي تشغل الرأي العام.
قد  يخطئ مفكّرونا، لكن ينبغي علينا أن نستمع الى طروحاتهم والى آرائهم في ما يخصّ وضع الحريات في البلاد، وكانت تعالت في الفترة الأخيرة عدّة أصوات لتلفت النظر الى خطورة الانفلات الحاصل في بعض المؤسّسات الجامعيّة والى غرابة بعض التصريحات السياسية التي لا تنبئ بخير.. ولنكن أكثر صراحة ومباشرة، لقد دقّ بعض المفكّرين نواقيس الخطر محذّرين من عواقب انتهاك الحرّيات الفرديّة بما يفتح الباب واسعا أمام الظلاميّة وعودة الديكتاتوريّة تحت قناع مغاير..
ولعلّ مردّ ذلك تعدّد التجاوزات في الآونة الأخيرة، اذ هدّد عميد كلّية الآداب بسوسة بالذّبح بسبب رفضه تسجيل طالبة منقّبة، كما هُدّد صاحب قاعة أفريكا بالذبح بسبب عرضه فيلم «لائكيّة ان شاء الله»، وهوجم صاحب قناة «نسمة» في بيته بالمولوتوف بسبب عرض فيلم برسيبوليس، وطردت مديرة إذاعة الزيتونة إقبال الغربي من مكتبها، من قبل جمعية «الأمر بالمعروف والنهي عن  المنكر»  ورغم كل هذه الخروقات، ظلّت الأحزاب ملازمة الصمت..
 وفي هذا الصّدد صرّح المفكّر محمد الطالبي بما يلي:«أنا في ظل حكم النهضة صرت أخشى على حياتي فثلاث منظمات سلفية طالبت بقتلي على الفايس بوك، وقالت انّ ذلك مكرمة، يعني هذا انّ كل من يكتب كلمة لا يستسيغها علماء الدين والأوصياء عليه ينفذ فيه حكم الردّة امّا بالمحاكمات أو عن طريق المجموعات السلفيّة، أي سندخل في مرحلة فكريّة ارهابيّة».
أمّا الأستاذ يوسف الصديق، فقد صرّح قائلا:«أنا حزين على بلدي المتجه نحو «طلبنة» المجتمع، انّ البلاد بصدد التراجع عمّا بلغته من تقدّم وانفتاح فكري مقارنة بكثير من المجتمعات العربيّة.. انّ الحزب الذي لا يربّي اتّباعه ليتركهم يمارسون العنف يرتكب جريمة في حقّ المجتمع»..
ومن موقعها كتبت  الأستاذة نائلة السليني تعليقا على خطاب الخلافة لحمادي الجبالي قائلة:«ان هذا النّهج في الخطابة الشعبويّة لن يكرّس الاّ الظلامية ولن ينتج الا مجتمعا متخاذلا مستقيلا»..
وردّا على سؤال وجّه إليها، صرحت الدكتورة ألفة يوسف أنّه ليس بوسعها الحكم على المستقبل، لكن الاعتداءات التي حدثت هنا وهناك ضد مديرة اذاعة الزيتونة اقبال الغربي أو أستاذة التربية التشكيلية فاطمة جغام او ما حدث بمعهد الفنون والحرف بالقيروان، كلّها عيّنات من التصرّفات الديكتاتوريّة.. وعابت ألفة يوسف على الأحزاب الماسكة بزمام السلطة عدم تنديدها بما حصل...
 مع العلم انّ عدّة مفكّرين وجامعيين وفنانين حذّروا من مغبّة الصمت عن التجاوزات التي تشهدها البلاد والتي قد تمثّل تراجعا حضاريا قد ينسف بالمكتسبات.. فهل أنّ تخوّفات المفكرين والمبدعين في محلّها؟ أم أنّ فضاءات الحرية والحقوق مفتوحة دون قيود أو عسس؟