الاثنين، 3 ديسمبر 2012

"بحثا عن محي الدين" للناصر خمير: ابن عربي, الشيخ الذي جعل من حبّ الآخرين دينا


من الأفلام الوثائقيّة التي تابعناها باهتمام في الدّورة 24 لأيّام قرطاج السينمائيّة شريط «بحثا عن محيي الدين» للمخرج الناصر خمير الذي قال انّه انجز هذا الفيلم لتكريم العملاق محيي الدين ابن عربي (1164 ـ 1240) وهو من أهمّ أعلام التصوّف الاسلامي الذي ارتقى بحبّ الآخرين الى منزلة الدّين.. كما ذكر خمير انّ الفيلم تطلّب 4 سنوات من العمل وصوّر في 9 بلدان مختلفة.. ومن خلال شهادات باحثين في الحضارة الإسلامية ومختصّين في شخصية ابن عربي، حاول الناصر خمير ان يلمّ بمختلف افكار من لقب بـ «سلطان العارفين» وبـ«البحر الزاخر» ومن ألّف قرابة 700 كتاب أشهرها «الفتوحات المكّية» و«رسالة الحب والجمال» و«التجليات» و«ترجمان الأشواق».. وتحدث عدد من المتدخّّلين, من لندن ومن إسبانيا وتركيا, بحبّ كبير عن ابن عربي الذي نادى منذ قرابة ثماني قرون بحب الآخرين وبإحترامهم وبالمساواة وبالرحمة في اطار رؤية توحّد البشرية جمعاء.. ويذكر انّ ابن عربي أفرد المرأة مقاما على نفس درجة من المساواة مع الرّجل وكانت له نظرة سابقة لعصره في ما يتعلّق بمكانتها في المجتمع...
وتنقّل الناصر خمير الذي يظهر في الفيلم في شخصيّة الرحالة التائق إلى المعرفة, تلبية لرغبة والده الذي طلب منه ان يوصل «أمانة» الى ابن عربي، من اسبانيا حيث مسقط رأس العلامة الى تركيا ثم الى المغرب والى أمريكا وانقلترا ومنها الى سوريا حيث يوجد ضريحه.. وجاء الفيلم بمثابة رحلة بحث عن انسانيّة العالم العربي المفقودة والتي يعرف ـ ربما ـ بعض الغربيين صفحات منها اكثر مما نعرفه نحن..
ويدفعنا خمير من خلال هذ الفيلم إلى مراجعة أنفسنا والبحث عن "الكاتب الكامن فينا، فمن عرف نفسه، عرف ربّه" مثلما يقول ابن عربي..
ولقد استوقفتنا بالخصوص في شريط «بحثا عن محيي الدين» المكانة التي أعطاها هذا المتصوف للحبّ حيث ارتقى به الى منزلة الدين وهو الذي اشتهر بمقولة:«أدين بدين الحبّ أين توجهت، فالحبّ ديني وإيماني»..
ولعلّ الانطباع الذي بقي راسخا في ذهننا من هذا الشريط الوثائقي الذي يدوم 3 ساعات هو البعد الرّوحي لواحد من أبرز أعلام الصوفية الذي سعى إلى تقريب الانسان من أخيه الانسان مهما كانت الاختلافات عميقة بينهما وإلى نزع الأقفال التي تعرقل تواصلهما، وما أبعدنا عن ذلك مع الأسف..
شيراز بن مراد

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

مانـموتش للنوري بوزيد: تـــونــــس، «امرأة» كـلّ يـــريـدهـــا عـلـى مــقــاســـــه


بعد خيبة العرضين الأولين اللذين لم تتوفّق فيهما إدارة أيّام قرطاج السينمائية في عرض شريط «مانموتش»، تمكّن أخيرا مرتادو المهرجان من اكتشاف مولود النوري بوزيد الجديد.. فما هي الرسالة التي أراد بوزيد ان يمرّرها، وماذا قصد بعبارة «مانموتش» التي فاحت منها رائحة التحدّي والاصرار الفنّي في ظلّ ما يتعرّض إليه الإبداع اليوم من تهديدات..
 الفيلم لم يكن كما توقّعنا حيث فاجأنا بوزيد بتيمة أشمل تتعلّق بمحاولة البعض التحكّم في تونس، هذه المرأة الجميلة، كلّ من منظوره، إمّا بالسعي الى «تلحيفها» ووضعها عنوة على سكة التديّن، أو بإبعادها عن هويّتها العربيّة الاسلاميّة.. وبين هذه الرغبة وتلك يتعذّب الجسد التونسي ويتمزّق كيانه وتهتزّ روحه من فرط قوّة التجاذبات التي تسعى إلى ارضاء النظرة الخاصّة والضيقة، لا إلى اعلاء صوت الجميع في كنف الاحترام والتعايش السلمي..
ويروي «مانموتش» المعاناة التي تعيشها صديقتان (نور مزيو وسهير بن عمارة) في الأيّام الأولى من الثورة التونسية
، ووضّح النوري بوزيد أنّ أحداث الفيلم تدور في الفترة الفاصلة بين سقوط نظام بن علي الى غاية أحداث القصبة2.. وقد شكّلت الأجواء السياسية المنفلتة والمشحونة آنذاك المسرح الذي تنقلت فيه بطلتي الفيلم زينب (نور مزيو) التائقة إلى الحرّية وإلى ممارسة مهنة تصميم الأزياء رغم محاولة أخيها الاسلامي ـ الخارج لتوّه من السجن ـ منعها من ذلك وسعي خطيبها إلى إلباسها الحجاب، وعائشة (سهير بن عمارة) الفتاة المحجبة التي تشتغل بأحد المطاعم لتلبية حاجات عائلتها والتي يحاول «عرفها» اقناعها بالتخلي على خمارها وإقامة علاقة جنسيّة معه..
وقد انطلق النوري بوزيد من معاناة هاتين الفتاتين لا لينقل قضايا المرأة فقط بل ما يهزّ جسد تونس اليوم من تناقضات وتجاذبات، كما حاول مخرج «ريح السد» و«مايكينغ أوف» ان يوازي بين جسد المرأة وجسد تونس الذي أصبح عرضة لكلّ أنواع التحرّشات.. فكيف لهذا الجسد (جسد المرأة أو جسد تونس) ان يقاوم ويصمد في وجه كل الرّياح السياسيّة والايديولوجيّة التي تعصف به؟
لقد أماط المخرج النوري بوزيد اللثام على الصّراع الذي حمي وطيسه في تونس مؤخّرا قبل ان يراه كثيرون، استطلعه بحسّ الفنان قبل ان تعيه البقيّة وهنا تكمن طلائعية المبدع الذي يستشعر نبضات مجتمعه ويستشرف ما هو قادم متجاوزا قصر نظر الآخرين..
ولأنّه إذا تعذب جسد تونس، تعذّب جسد أبنائها، استنجد النوري بوزيد بهذه الصورة ليجسّد حالة «الاحتضار» التّي تمرّ بها البلاد من خلال تصوير عمليّة تكفينه البطيئة إذ شاهدنا بالفعل مراحل من تغسيله بعد وفاته، وفاة الفنان الذي يهدي الجمال والحلم في بلد لا يولي الإبداع وحرية التعبير المكانة التي يستحقّها..
«مانموتش» خاطب بلغة سينمائيّة جميلة، الحيّ فينا ليدفعه إلى مقاومة الهرسلة التي تتعرّض إليها تونس من قبل أطراف تريد ان يكون البلد على مقاسها هي وحدها..
شيراز بن مراد

الخميس، 22 نوفمبر 2012

"ديقاج" لمحمد الزرن: حتى لا ننسى لحمة أبناء سيدي بوزيد ضد قمع نظام بن علي


أهدى المخرج محمد الزرن فيلم «ديقاج» الذي افتتح الدورة 24 لايام قرطاج السينمائية لروحي الشهيدين محمد البوعزيزي وحسين ناجي وهذا الأخير شاب اصيل مدينة سيدي بوزيد توفي يوم 22 ديسمبر2010 بعد ان انسدت الآفاق في وجهه فقرر ان يرمي بنفسه من أعلى عمود كهربائي..
ومن خلال هاتين الشخصيتين والمحيط الذي كانا يعيشان فيه حاول الزرن ان يرسم مختلف «عقد» النول الذي أهدانا سجاد الثورة التونسية.. وتعرّض الفيلم الوثائقي الذي صور أطوارا من القصبة 1 والقصبة 2  إلى  قضايا الفساد والظلم الذي يعاني منها مواطنو سيدي بوزيد والى «اللحمة» التي تجسدت بين المواطنين ومحامي الجهة واتحاد الشغل وكذلك بعض النشطاء السياسيين والتي لولاها لما توسعت رقعة الاحتجاجات..
هل نعرف البوعزيزي؟

سلّط محمد الزرن الاضواء على الايام الاخيرة من حياة محمد البوعزيزي وذلك من خلال شهادات لمجموعة من أصدقائه المقربين الذين تحدثوا عنه كشخص يحب الحياة وموسيقى الرقراقي والجلسات الخمرية رغم صعوبة الظروف وضيق الآفاق، وروى أحد أصدقائه كيف أصبح البوعزيزي مواظبا على الصلاة بينما نقل آخر تفاصيل ما حدث له مع عونة التراتيب فادية ومن ثمة توجهه نحو الولاية للتشكي غير أن الابواب أوصدت في وجهه، فقرر ان يحرق نفسه تعبيرا عن حالة اليأس القصوى التي بلغها..
المحامي خالد عواينيّة: «كانت هناك مؤشرات لزلزال قادم»

أظهر فيلم«ديقاج» الدور الذي لعبه محامو سيدي بوزيد في ثورة 17 ديسمبر ـ لا 14 جانفي مثلما أكد على ذلك أحد أصدقاء محمد البوعزيزي ـ فاحتجاجهم يوم 25 ثم يوم 31 ديسمبر ساهم في إشعال فتيل الثورة.. واستمع محمد الزرن بالخصوص الى شهادة المحامي خالد عواينيّة الذي ذكر انه كانت ثمة مؤشرات لزلزال قادم..  وكان عواينيّة رافق مواطني سيدي بوزيد في الوقفة الاحتجاجية التي نظموها يوم 18 ديسمبر 2010 أمام مقر الولاية وحثّهم على التظاهر.. فضلا عن المحامين أدلى  الناشط السياسي وعضو الحزب الديمقراطي التقدمي سابقا عطية العثموني بشهادته فأبرز الدّور الذي لعبه بعض سياسيي الجهة في حشد المواطنين وتحريضهم على مواصلة التحرك والاحتجاج بمعاضدة الاتحاد الجهوي للشغل وعلى رأسه علي الزارعي..  من ناحية أخرى سلط الزرن الاضواء على مجموعة من الشبان كانت تصوّر المواجهات التي دارت بين المواطنين والشرطة ومن ثمّ بثّتها على الانترنات وهو ما ساهم في كشف ضراوة القمع البوليسي وتمسك الاهالي بالتعبير عن مطالبهم..
«80 دينارا للمعتمد باش تقضي قضيتك»

وبطريقة غير مباشرة، طرح الفيلم  قضية أساسية وهي تفشي ظاهرة الفساد وبالتحديد الرشوة حيث ذكر أحد المستجوبين أنه كان على المواطن دفع 80 دينارا للمعتمد لقضاء شؤونه من وثائق إدارية وغيرها، هذا الى جانب الظلم الذي كان يشعر به الباعة المتجولون بسبب اقدام اعوان التراتيب البلدية على حجز «ميزان الخدمة» بطريقة متعسفة.. كما صوّر الزرن مشهدا مؤثرا لامرأة كانت بصدد مغادرة بيتها على الساعة الخامسة صباحا متوجّهة إلى عملها قائلة: «سأشتغل إلى غاية الساعة الخامسة مقابل 4 دنانير» وللمشاهد أن يفهم حجم معاناة فئات عديدة منا..
 شهادات من القصبة 1و2
كما نقل الزرن شهادات عن معتصمي القصبة 1 و2 والذين نادوا بإسقاط حكومتي محمد الغنوشي المتعاقبتين بعد أن حافظتا على بعض رموز من النظام السابق وكيف أدى الاعتصامان الى إبعاد الغنوشي وعدد من وزراء بن علي.. وبينما كانت بعض الشهادات مؤلمة وخاصة تلك التي عبر عنها بصمت صارخ من اختاروا «تخييط» أفواههم، جاءت شهادات أخرى في قالب طريف، ومنها ذلك المواطن الذي  أخرج رأسه من تحت «البطانية» ليقول إنّنا توانسة ولا يجب ان نزايد على بعضنا البعض..
«ديقاج» لم ينقل فقط شهادات مواطنين حول ما عاشه البوعزيزي وما تلا ذلك من أحداث ثورية بل وضع اصبعه على مكمن الداء أي معاناة العديد من التونسيين من التوزيع غير العادل للثروات وانسداد الافق أمامهم فضلا عن تفشي الفساد وظلم المسؤولين المحليين الذي لم يكن همهم خدمة المواطن بقدر ما سعوا إلى المحافظة على مناصبهم..

شيراز بن مراد

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

"نيكوتين" لعاطف بن حسين: تونس للكل.. علمانيين وسلفيين


  • تماهيا مع الأجواء المشحونة التي تعيشها تونس اليوم, قدم المخرج عاطف بن حسين منذ أيام عملا مسرحيا جديدا جاء بمثابة طبق ملكي تنوعت فيه الأصناف أو بالأحرى التيمات ولو أنها لم تشذ عن قاعدة التجاذب والتناحر التي تهيمن حاليا على المشهد العام...
    فمن خلال قصة ثالوث (شاكرة رماح في دور المرأة المتحررة و عبد المنعم شويات في دور المتمرد وفؤاد ليتيم في دور الرجل الكلاسيكي والمعقد) يلتقي ذات ليلة بأحد الفضاءات الفنية, نقلت مسرحية "نيكوتين" أجواء تونس المتوترة بعد مضي سنة ونصف على الثورة دون أن تغيب عنها روح الدعابة والفكاهة..
    بحضور عدد من رجال السياسة –على غرار وزير الصحة عبد اللطيف عبيد وحمة الهمامي- جاؤوا الى قاعة الفن الرابع لمواكبة العرض الثاني من المسرحية, أفرغ عبد المنعم وشاكرة وفؤاد ما في جعبتهم من روح اندفاعية عبرت عن دواخلهم وعن رؤاهم إزاء عدد من القضايا الشائكة, ولعل من أهم ما سعت المسرحية لإبرازه هو عجزنا عن التحاور بصفة عادية, وعن التناقش بروح رياضية إذ غالبا ما نسقط في فخ التعادي والتصادم..

    و ل"تفسير" أزمة العلاقات التي أضحت تميز مشهدنا الاجتماعي و السياسي, عاد النص بطريقة فكاهية الى عاهاتنا النفسية وأمراضنا الخفية, فمنا من هو متعلق بأمه أكثر من اللزوم, ومنا من هو عاجز عن التعايش بسلام حتى مع محيطه العائلي وكلها عوامل تفسر شيئا من عصبيتنا الزائدة ومن عدم قدرتنا على التواصل مع الآخرين بصفة طبيعية... فلا عجب إذن في أن نرى نواب المجلس التأسيسي يتصايحون وسياسيينا يتناحرون ومسؤولينا يتدافعون مثل "حيوانات بشرية" خرجت لأول مرة من حظيرتها, وهو ما جسدته المسرحية في بعض من مشاهدها...


    ومن الرسائل القوية التي تضمنها هذا العمل الذي قال عنه عاطف بن حسين إنه "موجه الى التونسي الذي يفكر ويتذكر", تلك التي دعت الى التعايش السلمي بين كل التونسيين مهما كانت انتماءاتهم, سواء كانوا علمانيين أو سلفيين, وذلك من خلال لوحة نقدية فضحت سخافة التخوفات والأفكار المسبقة التي يحملها بعضنا على البعض الآخر.. فالعلماني أو السلفي هو تونسي قبل كل شئ ولا مفر من أن يتعايشا طالما لم يلجآ الى العنف.


    لقد شدتنا "نيكوتين" بروحها النقدية التي تجسدت في عديد اللوحات ومنها تلك التي تطرق فيها الممثلون الى "أوساخنا" وكم نستحق من وقت لإزالة "اوساخنا الداخلية", أو تلك التي تحدثت عن الشعب والنخبة لتؤكد بطرافة أن "الشعب 4 أفراد والبقية لكلها نخبة" أو تلك التي نادت فيها شاكرة بحرية المرأة وحقوقها وغيرها من المواقف الساخرة التي نقلت بسلاسة صفحات من حياة التونسي سنة 2012. كما شدتنا
    رؤيتها الإخراجية التي يظهر فيها كل ممثل معزول في عالمه الخاص قبل أن ينطلق نحو الفضاء الرحب, نحو الآخر ونحو الصراع حتما حتى بدا الركح  كحلبة للمواجهة وللتلاسن تماما مثلما هي الساحة العامة اليوم  في تونس...

    "نيكوتين" تطرقت بلهجة ساخرة الى أجواء القلق السائدة في مجتمعنا بما فيها من تجاذبات ورؤى ضيقة كما نادت الى التحابب والتفاهم والتعايش السلمي, لا أن ننغص وجودنا ب"نيكوتين" العداء والتباغض بما يحول الحياة الى جحيم لا يطاق..

    شيراز بن مراد

    تصوير محمد كريم العامري

السبت، 10 نوفمبر 2012

Comment

...Comment revenir à l'enfance
à l'inscousiance de la mer..
à la fluidité de la nuit..
à la sincérité de la montagne..
à l'innocence des cyclamens...
à la fraicheur des rivages...
à la limpidité de la méditerranée...
à la douceur des galets...
à la liberté des mouettes..
à la délicatesse des roses...
à l'allégresse de la fraise..
à la paix des nuages...
à la plénitude du soleil...
à ces vagues blanches et bleues qui ne cessaient de nous renouveler.. chaque jour un peu

الخميس، 8 نوفمبر 2012

مسرحية «قصرالشوك» تختتم مهرجان بغداد المسرحي

الفنان نعمان حمدة

 يستعد المخرج نعمان حمدة والممثلون الذين شاركوا في مسرحية «قصر الشوك» للتنقل الى العراق لاختتام مهرجان بغداد المسرحي وذلك يوم الثلاثاء 13 نوفمبر... وفي هذا الصدد صرّح لنا المخرج ان وزارة الثقافة العراقية وجهت إليه الدعوة لاختتام المهرجان وذلك بعد أن أعجبت بمضمون «قصر الشوك» التي عرضت في الدورة السابقة من أيام قرطاج المسرحية، مضيفا بأسف ألاّ أحد من وزراء الثقافة الثلاثة الأخيرين شاهد المسرحية...
وبخصوص الظروف الأمنية في بغداد، قال نعمان حمدة إنّه تلقى تطمينات من قبل المنظمين لا سيما وأنّ بغداد تستعد لأن تكون عاصمة ثقافية لسنة 2013، وتساءل حمدة «ما معنى أن نكون في أمان وحقوق الفنان مهددة وحرمته الجسدية مستهدفة؟ هذا هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد الفنان أمّا الإشكاليات الأمنية فهي ثانوية ولن تثنينا عن تقديم أعمالنا».
من ناحية أخرى، وافانا المخرج ببعض تفاصيل المسرحية الجديدة التي سيقدمها في شهر أفريل القادم وهي من انتاج التياترو وتحمل عنوان « سيشوار».. ويتمحور نصها الذي صاغه  نعمان حمدة حول موضوع المرأة وما تعيشه من قضايا وذلك من خلال قصة حلاقة تغادر محل عملها لقضاء شأن ما لكنها لا تعود، فتجد الحريفات أنفسهن «سجينات» وضعيتهن لينطلق الحوار والجدل حول الممكن وحدوده وبين ثنايا المكتسب والمهدد منه .. 

وأشار نعمان حمدة إلى ما يعج به تاريخ تونس من أسماء نسائية ـ على غرار عليسة والكاهنة وعزيزة عثمانة وغيرهن كثيرات ـ وكيف كنّ مؤثرات وفاعلات وناحتات لتاريخ هذا البلد، لتنقلب الحال اليوم ونصبح نشكك في حقوق المرأة ومكانتها ونتحدث عنها ك"مكملة" للرجل! وهو ما دفعه لإنجاز هذا العمل الذي يدعو للتفكير حول واقع المرأة التونسية الآن وهنا.


شيراز بن مراد

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

فيلم «بابل» لإسماعيل وعلاء الدين سليم ويوسف الشابي: غوص سينمائي شـعـــري فــي تـراجـيديـا مخيمـــات الشوشــة

عالم تشّكل ثمّ اضمحل... نعم حدث هذا على الأرض التونسية وبالتحديد في منطقة الشوشة الحدودية أيّاما قليلة بعد اندلاع الثورة الليبية، فقد توافدت مئات الآلاف من اللاجئين من جنسيات مختلفة على الحدود التونسية الليبية طالبين «وقفة انسانية» بعد أن اشتدت المواجهات بين الثوار وكتائب القذافي..
 
فكيف عاش هؤلاء؟ وكيف قاوموا العوامل الطبيعية الصعبة؟ وكيف صبروا على إنسانيتهم المفقودة لولا بصيص الأمل الذي ظلّ قائما؟ حول هذه التراجيديا الإنسانية التي هجّر فيها الاف من البشر من بيوتهم وأراضيهم ومواطن عملهم، أنجز الثلاثي إسماعيل وعلاء الدين سليم ويوسف الشابي فيلما وثائقيا نقل بلغة سينمائية شعرية أكثر من معبّرة قصة «عالم» ولد في قلب الخلاء، أبطاله لاجئون وجنود ومتطوعون إلتقوا في محاولة لإرساء مقومات «شبه حياة» تحفظ  شيئا من كرامة عابرين غدر بهم الزمن.


وقد إختار المخرجون الثلاثة الذين حلّوا بمنطقة الشوشة خلال شهر مارس 2011 مواكبة اللحظات الأولى كما الأخيرة من اجتياز اللاجئين الحدود بما فيها من حيرة ومن توّجس من المجهول إلى غاية مغادرتهم الأراضي التونسية ومارافقها من انتظار ومن رغبة في تبديد هذا الكابوس الحقيقي... وبين هذا وذاك اقتفى الشريط أثر تفاصيل عديدة من حياة متساكني المخيمات ومنها المظاهرات التي خرج فيها أصيلو البنغلاديش احتجاجا على أوضاعهم الصعبة وكذلك العروض الفنية والرياضية التي انتظمت للترويح عن نفوس من اضطروا للفرار من ليبيا وأقاموا في ظروف صعبة في هذه الرقعة من الأرض.


ولعل اللافت للانتباه في فيلم «بابل» هو مقاربة المخرجين الذين حاولوا الإلمام بكافة أطوار هذه «المدينة» التي خرجت من لا شيء لتلبي حاجة ألوف مؤلفة من أناس فروا من الحرب
، فتتضامن معهم في محنتهم في انتظار الانفراج. كما سخروا كاميراهاتهم لكشف معاناة لاجئين وجدوا أنفسهم يقاومون ظروفا غير إنسانية رغم المجهودات الضخمة التي قامت بها الدولة التونسية ومنظمات المجتمع المدني وكرم عديد التونسيين الذين فاقت تبرعاتهم المنتظر، فكيف لإنسان أن يعيش في سجن كبير تنعدم فيه أبسط المرافق الأساسية وكيف له أن يحافظ على كرامته عندما يتربص به الجوع والبرد وقلة ذات اليد؟

مخرجو «بابل» لم ينسوا في فيلمهم الوثائقي رؤاهم وحسهم السينمائي الذي لازم تقريبا كل المشاهد، فهذا مشهد سريالي لمخيمات تتذبذب وكأنها سراب وهذا مشهد مميز لشمس تشع بين أجساد اللاجئين، وآخر سماوي ليلي يستحضر فسحة الافاق رغم ضنك العيش.. إسماعيل وعلاء الدين سليم ويوسف الشابي بحثوا أيضا في عشرات الوجوه عما يمكن أن تخفيه هذه الواجهات الجلدية من أحاسيس الغضب والأمل، وهو تمش أعطى للفيلم طابعا شعريا خاصا
، إذ نقلت بعض المشاهد غضب وثورة بعض اللاجئين، ونذكر هنا المقطع المؤثر الذي إنتفض فيه لاجئو البنغلاديش، هذا فضلا عن مشاهد الطبيعة الصامتة التي عبرت بقحطها وبردها عن عجز المناخ مؤازرة من هم في حاجة إلى ذلك..

كما طوى التاريخ صفحاته على مدينة بابل الأسطورية التي عرفت نهضة وازدهارا قبل أن يتخلى عنها سكانها، طوى التاريخ مجددا صفحة أخرى من كتابه على «بابل تونس
» أو مخيمات الشوشة لتظل محفورة في الذاكرة وفي بعض الأعمال الفنية كشاهدة على واحدة من تراجيديات القرن الحادي والعشرين.

يذكر أن فيلم "بابل" تحصل على الجائزة الكبرى لمهرجان مرسيليا السينمائي (جويلية 2012) وهومن انتاج شركة إكزيت ولم يحض بأي دعم  من قبل وزارة الثقافة. 

شيراز بن مراد

الخميس، 1 نوفمبر 2012

لا للعنف, نعم للتوافق

  • إلى ماذا تحتاج تونس اليوم؟ توجهنا بهذا السؤال إلى الجامعية والكاتبة نورة بورصالي وإلى الأديب بوراوي عجينة وكذلك إلى رئيس جمعية «السلم بأيدينا» ماهر الساحلي، فجاءت إجاباتهم مختلفة كل حسب جوهر اهتماماته... فبينما أكّدت الأستاذة نورة على أهمية التوافق وتشريك الكفاءات والنخبة في اتخاذ القرار، شدّد الكاتب بوراوي عجينة على أهمية الفعل الثقافي كمحدّد لهوية الثورة إذ أنّ هذه الأخيرة لا يمكن أن تنجح ـ حسب رأيه ـ إذا اقتصرت على السياسة والاقتصاد... أمّا رئيس جمعية «السلم بأيدينا» فقد أكّد على ضرورة إرساء ثقافة بديلة تقطع مع العنف السائد مشيرا إلى الدور الذي يجب أن تضطلع به الدولة في وضع قوانين زجرية وتطبيقها على كل من يدعو أو يحرض أو يمارس العنف.


    نورة بورصالي (جامعية وكاتبة): «مطلوب التوافق والتوافق ثم التوافق»
    «يبدو لي انّ الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي متأزّم جدّا.. وقد تكون هذه الأزمة عادية في ظلّ المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد، اذ ليس هناك تغيير دون صعوبات وعثرات لكن اذا تواصل الوضع على ماهو عليه فسيكون مستقبل تونس في خطر..
    شخصيا أعتبر انّ المسؤولية في الوضع الحالي مشتركة بين كل الأطراف: قوى مضادّة للثورة تحاول إفشال المسار الإنتقالي وتعطيل حياة المواطنين وكذلك مسؤولية السلطة الحاكمة التي تعمل ببطء شديد بما لا يخدم تحقيق أهداف الثورة.. ورغم الثّغرات والهفوات، ينبغي التدارك من خلال إشراك الكفاءات بغضّ النظر عن انتماءاتها الايديولوجيّة والسياسيّة..
    ما نلاحظه أيضا هو حالة التشنّج التي أصبحت ميزة أساسية للحوار السياسي وهذا في رأيي ناتج عن التهافت على السلطة وتغليب المصالح الحزبيّة على مصالح البلاد وهو سلوك غير ديمقراطي خاصّة اذا اقترن بعدم احترام الآخر وبنزعة اقصائيّة واضحة للعيان..
    والمتابع للمشهد السياسي لابدّ أن يلاحظ محاولات النهضة البقاء في الحكم وقد عبّرت عن ذلك بتكبّر رافضة وجود حزب ينافسها وهو ما أدّى الى وقوع أحداث دامية في تطاوين بينما غاب عنها أن الانتخابات وإرادة الشعب هما وحدهما الكفيلتان بإفراز الفائزين في الاستحقاقات القادمة.. خطاب بعض قياديي نداء تونس أيضا ليس مقبولا وسأذكر على سبيل المثال خطاب لزهر العكرمي في الحوار الذي أدلى به لصحيفة «حقائق» ففيه شيء من التشنّج والاتهامات التي لا يمكن الاّ ان توتّر المسار السياسي..
    خلاصة القول إنّ المعاداة المتبادلة تعكر الجوّ السياسي ولا تسمح بحوار رفيع المستوى يعبّر عن الشواغل الحقيقيّة للبلاد.. ويجب هنا التحذير من خطورة تواصل هذا التناحر الذي يمكن ان يؤدي الى أزمة وقد رأينا بوادرها الأولى في تطاوين..
    وبخصوص إقصاء التجمّعيين من المشاركة في الحياة السياسيّة أرى انّ القضاء هو ـ وحده ـ المؤهّل لإقصاء من التصقت بهم جرائم في العهد السابق، وان كنت اعتبر انّ الثورة قامت ضد التجمّع الذي كان مسؤولا عن منظومة الاستبداد..
    هناك أيضا مسؤولية بعض فئات من الشعب التي لم تفهم معنى الديمقراطية، فاختصّت في الفوضى وهو ما يهدّد قوانين التعايش السلمي وما يمسّ بمحاولات النّهوض بالبلاد.. على بعض المواطنين ان يراجعوا سلوكهم وان يقطعوا مع التسيّب والهمجيّة.. تصورنا انّ تضعنا الثورة على طريق نظام ديمقراطي حقيقي لكنّنا أضحينا ندافع عن المكاسب ولا نفكّر في تطويرها.. على السلطة ان تستمع لمواطنيها وان تفعّل العدالة الانتقالية (محاسبة ثم مصالحة) حتى نتمكّن من المضيّ قدما وبطريقة إيجابية في هذا المسار الانتقالي.
    وأغتنم هذه الفرصة لأوجّه لوما الى القنوات التلفزية التي تقلّصت فيها مساحة الحوارات السياسية وغاب عنها المجتمع المدني، بينما كان حاضرا في كل المعارك الإجتماعية وهذا تغييب خطير لأن الحياة لاتقتصر على القوى الحزبيّة ..
    كما لا يمكن ان نغفل عن ظاهرة خطيرة باتت تهدّد تماسك المجتمع التونسي ووحدته وهي ظاهرة تقسيم البلاد الى جزأين أي: العلمانيين ـ ولو انّهم مسلمون ـ والاسلاميين، هذا فضلا عن ظاهرة السلفيين أو بالأحرى المتزمّتين دينيا الذين يريدون فرض نمط مجتمعيّ بعينه بالعنف وكأنّ التونسيين كفار أو أنّ الإسلام حلّ بأرض تونس بعد الثورة!
    واليوم، نلاحظ والبعض يحتفل بتاريخ 23 اكتوبر، حالة من الإحباط ومن المرارة المتقاسمة، فالثورة التي كان من المفروض ان تفتح لنا أبواب التقدّم والتطوّر وان تحقّق البعض من الأهداف التي نادت بها، جلبت معها صراعات وتجاذبات تكاد تعصف بالبلاد، وفي رأيي مهما كانت اختلافاتنا السياسيّة أو الإديولوجيّة فإنه لا مفرّ لنا من التوافق: التوافق والتوافق ثم التوافق.. ولئن كنت لا أشاطر النهضة أفكارها فأنا اعتبر انّ لكلّ طرف منا مكانا في المشهد السياسي.. لابدّ ان نصل الى التعايش السلمي بعيدا عن التشنّج والعداء.. لابدّ ان نرتقي بالحوار السياسي وان نضع مصلحة تونس فوق كل الاعتبارات الحزبية.. كفانا تكالبا على الحكم.. فليس بمقدور اي طرف ان يحكم تونس بمفرده بل هي بحاجة الى توافق كل ابنائها مهما كانت اختلافاتهم.. على النهضة ان تحترم منافسيها ـ لا اعداءها ـ فالديمقراطية ليست هيمنة الأغلبيّة على الأقلية بقدرما هي احترام الأغلبيّة للأقلّيات.. فمن حقّ كل مواطن ان يشعر بالسعادة في بلاده وعلى الجميع ان يحترم قيم المواطنة والمساواة والتعايش السلمي واحترام الآخر.

  • الأديب بوراوي عجينة: «الثقافة هي التي تحدّد هوية الثورة في أية حضارة»
    بصفتي كاتبا ومشاركا في الحياة الثّقافية منذ قرابة ثلث قرن ألاحظ أنّنا في مفترق طرقات، فكل طرف سياسي يسعى الى كسب مواقع واقصاء غيره من الأطراف... الاّ أنّ المحيّر في الأمر انّ الثقافة ومنذ سنة عوض ان تتقدّم ظلّت تتقهقر وتواجه صعوبات عديدة خلافا للمجال السياسي الذي اصابنا بتخمة من المناقشات والصراعات... من موقعي الخاص أرى أنّه على المثقفين ان يسهموا في هذ الحراك المتجه الى الأمام وذلك بعدّة أعمال ارجو ان تتحقق قريبا، منها اعادة النظر في عمل وزارة الثقافة الذي يتحكّم فيه افراد قلائل مهما اجتهدوا لن يكونوا في مستوى ما ينتظره المثقّفون، وكذلك بإعادة النظر في تركيبة الوزارة واقحام كفاءات عالية في شتى اداراتها من مسرح وآداب وسينما وغيرها.. ثم ألم يحن الوقت لطرح مسألة المجلس الأعلى للثّقافة المجمد منذ عقود على ان تتوفّر فيه شروط كفاءة الأعضاء واستقلاليتهم والموارد المالية الكافية والقرار التطبيقي السليم، وأما الجمعيّات الثقافية فأحوالها يرثى لها وكذلك المندوبيات ودور الثقافة.. أليس من الطبيعي ان تجرى فيها انتخابات حرّة لاختيار الهيآت الملائمة لها ومدّها بامكانات مالية تسمح لها بالعمل واقتراح برامج ثوريّة تخدم الوطن.
    انّ النشر والتوزيع والانتاج على أبواب كارثة اذا لم يتحرك المثقّفون لضخّ دماء جديدة فيها واعداد تصوّرات جدّية والقطع مع الماضي الرتيب وضمّ أسماء جديدة لديها خبرة في المجال وإلّا ستكون النتيجة الانحدار نحو الهاوية التي سيخسر اثرها الجميع من مسؤولين ومثقفين وابناء وطن..
    آن الأوان لنحيي ما أنجز في هذا الوطن وان نميّز بين ما كان صالحا وما كان فاسدا وان نضع برامج ثقافية قابلة للانجاز آجلا وعلى مدى متوسط وآخر بعيد... ولئن تعذّر على الوزارة القيام بأعمال ثقافية ذات مستوى رفيع متعلّلة بقوانين سابقة، أفليس من المنطقي في هذا العهد الجديد ان يعاد النظر في تلك القوانين وسنّ أخرى جديدة من قبيل دعم الوزارة نشر الكتاب والترفيع في شراء الكتب المطبوعة..
    نحن الآن في مفترق طرق يسعى فيه كلّ طرف الى ان يكون الرابح وان يجعل الآخر خارج اللعبة، والحقيقة انّ تونس امّ حضنها واسع لجميع ابنائها.. وأختم بالقول انّ الخطر السلفي وان كان يهدّد الثقافة فانّ على المثقفين ان يواجهوه بأعمال فنية تتناسب والمرحلة الجديدة وان يجدّدوا المضامين والأساليب، فالثورة لا تنجح ان اقتصرت على السياسة والاقتصاد بل ان الثقافة في أيّة حضارة هي التي تحدد هوية الثورة.. ورغم ما ينتباني وغيري من احساس بالضيم والظلم واليأس والرغبة احيانا إمّا في الخروج من حلبة العمل الثقافي والهجرة الى أرض الله الواسعة فانّ الأمل باق لكي نتجاوز هذه المرحلة الصعبة المعقّدة التي تحتاج الى مثقّفيها وكتابها ومفكريها حتى تتقدّم هذه البلاد المعطاء وتسهم في بناء الحداثة والتطوّر..»

  • ماهر الساحلي (رئيس جمعية السلم بأيدينا): «يجب ردّ الاعتبار للدولة وإرساء ثقافة تقطع مع العنف»
    إنَ اغتيال لطفي نقض تعتبر حادثة أليمة و خطيرة لأنّها عملية عنف صدرت عن مجموعة من الأشخاص يتقاسمون نفس الانتماءات و القناعات الإيديولوجية و السياسية ، قد يكون وقع الإعداد و التدبير لها مسبَقا ضدَ شخص يخالفهم الرَأي والانتماء و المواقف و هو العنف السياسي في أبشع مظاهره والمتمثل في التصفيات الجسديَة والاغتيالات.
    ومع الأسف، فإنَ هذه الجريمة جاءت كامتداد و كنتيجة طبيعيَة و منتظرة لأعمال العنف المتكرَرة والمتنوَعة التي تمَت الدعوة لها و تبريرها و التحريض عليها و السكوت عنها من قبل مسؤولين سياسيين في بعض الأحزاب و في السَلطة منذ مدَة، زد على ذلك حالة الإحباط و الاحتقان والحيرة التي يعيشها التونسيون منذ أواخر سنة 2010 وأضف إلى هذا كلَه التركيبة التاريخية و الثقافيَة لمجتمعاتنا الإسلاميَة التي يعدَ فيها العنف و الاغتيال ممارسة عادية وطبيعية لممارسة السياسة و للوصول إلى السَلطة أو الاحتفاظ بها. إنَ تنامي العنف المسكوت عنه سينجرَ عنه تقلَص و اضمحلال لدور الدولة و الذي يؤدَي بدوره لا محالة إلى تفشَي الفوضى والعنف وقانون الغاب.
    والحلَ في رأينا يكمن في اتخاذ تدابير سوف تؤتي أكلها على المدى القصير و المتوسَط والطويل:
    ـ أمَا التدابير العاجلة فتتمثل في: 1) ردَ الاعتبار للدولة، المخوَل لها وحدها استعمال العنف الشرعي، و وضع القوانين الزَجريَة و تطبيقها على كلَ من يدعو أو يحرَض أو يبرَر أو يمارس العنف أيَا كان انتماؤه أو مركزه أو جاهه أو ماله. 

    2) بعث أطر للتواصل والتحاور و التشاور وتبادل الآراء و الوساطة للوصول إلى التوافق
    ـ أمَا على المدى المتوسط فتتمثَل التدابير بخصوص التنمية السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافيَة و التربوية و الجهوية والمحلَية، لأنَ العنف ينمو و يترعرع بتفاقم الظلم و الفقر و الخصاصة والجهل و غياب الثقافة.
    ـ أمَا الإجراءات الطويلة المدى فتتمثل في التأسيس لثقافة لاعنفية بديلة للثقافة العنفية السائدة من خلال مراجعة برامج ومناهج التعليم من أجل تنمية قيم و سلوكيات و أنماط حياة متماشية مع ثقافة السلم مثل الحل السلمي للنزاعات والحوار والبحث عن الوفاق واللاعنف و تنمية وتعزيز احترام جميع حقوق الانسان ودعم ضمان المساواة بين النَساء و الرَجال و دعم المشاركة الديمقراطيَة و تنمية ودعم التفاهم والتسامح و الإحترام والتضامن وتعزيز التواصل المشاركاتي و حرَية نقل المعلومات و المعارف ...

    شيراز بن مراد

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

«فارس النواثير» لرضوان الهنودي: كوميديا موسيقية كافية تنتصر للحياة رغم مرارة الاستبداد

من منّا يعرف قصة فرحات ولد الكاهية؟ ذلك الشخص المتسلّط والمتجبّر الذي تغنّى به أبناء الكاف ليظلّ محفورا في ذاكرتهم كرمز للاستبداد الذي لا يمكن أن يكون مآله سوى اللعنة والخسران. بدعوة من فضاء لرتيستو الذي يديره الفنان غازي الزغباني، تنقلت من الكاف مجموعة من الفنانين لتقديم عرض «فارس النواثير» الذي أخرجه رضوان الهنودي، وشارك فيه كل من منذر الجبابلي ولبنى مقري وجمال الشارني دون أن ننسى طبعا عازفي الطبلة والقصبة والبندير الذين أضفوا على العرض بعده التراثي وطابعه الكافي المميّز..
 

وقد جاء العرض في شكل كوميديا موسيقيّة جمع فيها الممثّلون بين الأداء المسرحي ونظيره الموسيقي، وانقسم العمل الى مجموعة من اللوحات تروي كلّ واحدة منها فصلا من فصول «أسطورة» فرحات ولد الكاهية الذي عرف بطغيانه وباستباحته أعراض الناس.. وصرّح لنا مخرج العمل رضوان الهنودي انّ أغاني العرض منتقاة من التراث الكافي الذي تغنّى بشخصيّة فرحات ولد الكاهية من خلال عدة أغاني نذكر منها «جيبولي خالي».. وبخصوص عنوان العرض أفادنا المخرج انه اختار «فارس النواثير» لما في العبارة من رمزيّة، فالنواثير هي الفرس الواهنة، وهو ما يحيلنا مباشرة إلى شخصية فرحات الذي امتطى فرسا واهنة اي تسلّط على شعب فقير وضعيف البنية في محاولة منه للعب دور بطولة مزعومة..
 

وتوفّق العرض في استدراج المشاهد ليتفاعل مع اطوار العمل بفضل سلاسة طرح القصة من ناحية وبفضل كل ما اهدته الموسيقى المصاحبة والأصوات الشّجيّة من غوص في التراث الكافي بروحه الحزينة احيانا والاحتفالية احيانا أخرى، وساهمت اصوات الثالوث المشارك في العمل منذر الجبابلي وهو من الأصوات الكافية البارزة التي تتمتع بخامة صوتية مميزة وكذلك لبنى مقري وجمال الشارني، ساهمت في اعطاء العرض شحنة من الأحاسيس من خلال ما تتمتّع به من عمق ومن طابع كافي مخصوص..
 

كما لا بدّ أن ننوّه بالمجهودات التي قدّمها مخرج العمل رضوان الهنودي في ما يتعلّق بتفاصيل بعض اللوحات التي تميّزت بجمالية ملحوظة ومنها لوحة «الشموع» حين تنطفئ الأضواء ليرافق فيها ضوء الشموع الخافت مناجاة صوت لبنى القري الملتاع.. بقي ان نشير إلى انّ هذا العمل الفني مثلما اكده لنا المخرج لم يتمتّع بأيّ دعم وهو نتاج مجهود ذاتي بحت.

شيراز بن مراد

حماية الثورة أم حماية الكراسي؟

رحم الله لطفي نقض المواطن التونسي ورئيس اتحاد الفلاحين بتطاوين وكاتب عام حزب نداء تونس بالجهة.. فقد ذهب لطفي نقض، وحتّى إن لم يقل القضاء كلمته بعد، ضحية للأجواء السياسية المحتقنة التي تعيشها البلاد اليوم بين من ينادي بالتطهير وبين من ينادي بإقصاء الآخر من الحياة السياسية ومن يؤكد على انتهاء شرعية المجلس التأسيسي وحتّى من ينادي بقتل الخصوم السياسيين..
 

والأكيد أنّه لو لم نتمكن من السيطرة ـ حكومة وأحزاب معارضة ومجتمعا مدنيا ـ على هذه الأجواء التي تسودها الكراهية والتباغض والتهديدات المتبادلة فإنّنا سنحفر قبورنا بأيدينا، قبور العديدين منّا الذين سيروحون ضحيّة للغباء السياسي وللنرجسيّة الحزبيّة المهلكة وللعقليات التي لا تدرك معنى احترام الاخر، فتدفع بفئات منا نحو الاقتتال، نعم الاقتتال وهو ما حدث أمام مقرّ الاتحاد الجهوي للفلاحين بتطاوين يوم الخميس 18 أكتوبر..
 

فبتعلّة تحصين الثورة وحمايتها، يدعو البعض الى وضع قوانين إقصائيّة في «حق من أساؤوا وأجرموا في البلاد» ويتناسون أنّ القضاء وحده هو المؤهل لمحاسبة ولمعاقبة من أخطأوا في حق الشعب التونسي لا أن ندخل في منطق قانون الغاب والعدالة الانتقامية ونصب المشانق..
 

وفي الحقيقة، إن تحصين الثورة لا يمكن ان يتحقّق الا بتحصين عدد من الملفات ومنها القضاء أي دعم استقلاليته وهو ما لم نلمسه من قبل وزارة العدل التي يشرف عليها وزير نهضوي وكذلك بتحصين الإعلام أي النأي به عن أيّة ضغوطات سياسية قد تمسّ من استقلاليته ومن حياده المطلوب وهو ما لم يلتمسه الصحفيون الذين دخلوا يوم 17 أكتوبر في اضراب عام للتعبير عن غضبهم من تلكؤ الحكومة في معالجة ملف الاعلام .
 

تحصين الثورة يتطلب أيضا الحرص على أن يكون الأمن التونسي جمهوريّا لا يعترف بالولاءات بقدر بقائه على مسافة واحدة من الجميع و في خدمة الجميع.. وإن لمسنا وعيا بأهميّة حياد الامن الجمهوري من قبل عدّة أطراف، فإنّنا سمعنا الغنّوشي يقول في الفيديو المسرّب أن «الأمن مازال غير مضمون» ورأينا كيف أصبحت روابط حماية الثورة تتصرف بمثابة الميليشيات التي تحلّ محلّ الامن أحيانا وتسانده أحيانا أخرى (لن ننسى مشاهد الميليشات التي نزلت يوم 9 أفريل إلى شارع الحبيب بورقيبة).. 
عبر هذه المبادرات «التحصينية» وغيرها من القرارات الاقتصادية الذكية يمكن أن نساهم في حماية الثورة من أعدائها ولا بعقلية التطهير المرضية التي قالت عنها الاستاذة لطيفة لخضر إنّها «نوع من الفاشية التي استعملها هتلر وميلوزيفيتش لزرع القتل والتعدي على الانسانية»..
 

قد تسقط عشرات الضحايا الأخرى لو لم نسرع بوضع حد للاحتقان الذي يشوب الحياة السياسية، لأنّنا سنكون قد فكرنا بعقلية الاقصاء والتطهير التي تذكي نار الفتنة وكأنّ التونسيين سذّج غير قادرين على التمييز في الانتخابات القادمة إلّا بفضل توجيهات الترويكا الحاكمة بعد أن خلنا أنّنا قطعنا مع عقليّة توجيهات السيد الرّئيس.. لن ينفعنا حينها الندم ولا الاعتذار ولا لغة « لقد أخطأنا ، سامحونا» لأنّنا سنكون قد دخلنا وقتها في حلقة عنف ستأتي على الاخضر واليابس وهو ما لا نتمناه لتونس العزيزة..
 

رحم الله لطفي نقض وألهم عائلته الصبر والسلوان، فسيظل في الذاكرة الجماعية التونسية كدلالة لمراهقة طبقتنا السياسية الحاكمة التي لم تعمل بما فيه الكفاية لحماية الثورة بل سعت لحماية نفوذها والكراسي التي تجلس عليها، دافعة بأبناء الشعب إلى العنف والتهلكة.. وبئس المصير.

شيراز بن مراد

الشاعر اللبناني أنسي الحاج: لنستسلم الى الروائع, أدبا وفكرا وموسيقى وغناء وتصويرا ونحتا ومسرحا وسينما. لنعش مع خلائق المبدعين, هي وحدها أطواق نجاة. وإذا شحت الروائع فلنعد الى الماضي, الى قديم سحرنا, ولندمنه ولنجتره...



الجمعة، 19 أكتوبر 2012

حتى لا يضرم بوراوي عجينة النار في موسوعة القصص العربية في تونس في القرن العشرين: نداء إلى عناية وزير الثقافة في تونس

بقلم : ابراهيم درغوثي

أعرف أن حظ الأدب الآن وفي هذا الزمن الرديء ليس كحظ الفن والطرب في بلاد العرب. وأعرف أنه لا يمكن المقارنة بين أديب أفنى عمره في كتابة القصص والرويات أو النقد الأدبي وبين مغنية ناشئة أمسكت منذ يومين مكروفونا للغناء، فالمقارنة لا تجوز، لأن هذه المطربة سيفرش لها المخمل الأحمر وستتلقفها الأكف بالتصفيق والتشجيع بينما سيهمل الكاتب في ركن قصي من ذاكرة هذا الشعب ويموت حتى " ايجيبولو عنقود " هو الذي ظل عمره كاملا " يتمنى في عنبة " على رأي فنان الغلبة علي الدوعاجي .
 

وأعرف أيضا أن حظ الأديب في هذا الزمن الرديء ليس من حظ الرياضيين عامة ولاعبي كرة القدم خاصة، فالفرق شاسع والبون كبير في مجتمع صار يفكر برجليه بعدما تناسى عقله. فبينما يتلاعب من شغل رجليه وصوته بالملايين فإن من اشتغل بفكره وعقله يعيش النكد والبوار. جالت بخاطري هذه التداعيات وأنا أعيش تجربة الصديق بوراوي عجينة الأستاذ بكلية الآداب بسوسة وكاتب القصة القديرة المقتدر وعضو اتحاد الكتاب التونسيين والباحث في الأدب التونسي. هذا المبدع المتميز الذي أثرى مدونة القصة القصيرة التونسية بعدد من المجوعات القصصية الرائعة ( وقد حصلت مجموعته القصصية الأخيرة على جائزة أبي القاسم الشابي ) وبقراءات بديعة في كتابات القصاصين التونسيين وفي سيرهم، كان قد أضاف لمسيرته في الكتابة مدونة ستظل علامة من العلامات البارزة في تاريخ الأدب التونسي هي بمثابة ستة مجلدات تحمل عنوان " موسوعة القصص العربية في تونس في القرن العشرين " . وهي للحقيقة والتاريخ موسوعة تؤرخ للقصة القصيرة وأعلامها في تونس منذ بدايات القرن العشرين حتى نهاياته جمع فيها الباحث بوراوي عجينة سيرا ذاتية وافية للكتاب مع عدد من قصصهم المختاره وأضاف لذلك بيبليوغرافيا لمنشوراتهم وما كتب حولهم من دراسات نقدية في الجرائد والمجلات والكتب التونسية والعربية والفرنسية مما حول هذه المدونة إلى عمل كبير لا يستغني عنه الطالب والتلميذ والباحث الخبير بفن القص كما المتابع للكتابة القصصية في تونس خلال قرن من الزمن .
 

وقد كانت لي متابعة لهذا الباحث المبدع منذ أن بدأ في تجميع مادة هذه الموسوعة منذ حوالي عشر سنوات أو أكثر إلى أن استوت عملا كبيرا تحسدنا عليه المؤسسات العلمية في البلدان الأخرى التي تحترم الباحث والمبدع. فما أنجزه بوراوي عجينة منفردا لا تقدر عليه سوى المؤسسات العلمية المهتمة بالشأن الثقافي لا فردا مفردا بجهود جبارة في البحث والتنقيب.لذلك عندما اقترح علي الصديق بوراوي أن اعرض عمله على اتحاد الكتاب التونسيين لنشره، وقد كنت وقتها نائبا لرئيس اتحاد الكتاب التونسيين الأستاذ صلاح الدين بوجاه، تحمست للفكرة وعرضتها على الهيئة المديرة للاتحاد التي وافقت على نشر الموسوعة. ولكن وبما أن إمكانيات هذا الهيكل الثقافي قليلة فقد اتفقنا على أن ننجز طباعة هذه الموسوعة كلما توفر لنا قليل من المال الزائد عن تسيير هياكل الاتحاد فأنجزنا سنة 2007 طباعة الجزء الأول من هذه الموسوعة الذي ضم تعريفا ب 31 كاتبا قصصيا تونسيا مع 64 نصا من نصوصهم وهم الكتاب الرواد في فن القصة القصيرة في تونس الذين ولدوا بين سنتي 1871 و 1929 من بينهم صالح السويسي ومحمود بيرم التونسي وعلي الدوعاجي وزين العابدين السنوسي ومصطفى خريف والبشير خريف وعبد المجيد عطية وهند عزوز وناجية ثامر والقائمة تطول ...
 

ثم واصلنا العمل خلال عضويتي الثانية في الهيئة المديرة للاتحاد التي رئستها الأستاذة جميلة الماجري وبعدها الدكتور محمد البدوي فتمت طباعة الجزء الثاني من الموسوعة الذي ضم 54 نصا قصصيا ل23 كاتبا تونسيا ولدوا ما بين 1930 و 1936 وهم الكتاب المخضرمون والمؤصلون لفن القصة القصيرة التونسية ونذكر منهم : محمد المختار جنات ويحي محمد والبشير بن سلامة ومصطفى الفارسي ومحسن بن الضياف وعمر بن سالم وصالح القردمادي وعبد الواحد براهم وعبد العزيز فاخت ومحمد رشاد الحمزاوي وحسن نصر وسنيا يوسف ومحمود بلعيد وعزالدين المدني وغيرهم.
 

كما ضم هذا الجزء مسردا للقصة القصيرة العربية في تونس مابين 1956 و1999 .
وبقي من هذه الموسوعة :
1/ الكتاب الثالث ويضم 64 نصا قصصيا ل32 كاتبا تونسيا ولدوا ما بين: 1969 و 1945
2/ الكتاب الرابع ويضم 64 نصا قصصيا ل 32 كاتبا تونسيا ولدوا ما بين 1946 و1950
3/ الكتاب الخامس ويضم 58 نصا قصصيا ل 25 كاتبا تونسيا ولدوا ما بين 1951 و 1955
4/ الكتاب السادس ويضم 70 نصا قصصيا ل 41 كاتبا تونسيا ولدوا ما بين 1956 و1973
 

ولكن مشروع الاتحاد في طباعة الموسوعة انتهى عند نشر الكتاب الثاني لضيق ذات اليد. فبعد الثورة مباشرة التي ظننا أنها ستحتفي أكثر بالثقافة والأدب مات هذا المشروع نهائيا وصار من غير الممكن التفكير في مواصلة إنجازه . لأن هذه الثورة التي ظننا أن رجالاتها سيحتفون أكثر بالثقافة والأدب خيبت ظننا فيها وخاصة فيما يخص تعاملها مع اتحاد الكتاب التونسيين.وصارت دولة الثورة تكيل بمكيالين فهي مثلا تعترف بالاتحاد العام التونسي للشغل وتتفاوض معه لأنه يمثل أغلبية المنخرطين في العمل النقابي مقارنة بالهيكلين النقابيين الآخرين ولكنها لا تطبق هذا المعيار مع اتحاد الكتاب التونسيين الذي يظم أكثرية كتاب تونس في صفوفه مقارنة مع الهيكلين الآخرين : نقابة كتاب تونس واتحاد الكتاب الأحرار. فبينما يفوق مخرطو الاتحاد ال 800 منخرط يوجد في كل واحد من الهيكلين الآخرين مئة من الكتاب أو أكثر بقليل في أقصى الحالات. ومع ذلك تظل وزارة ثقافة الثورة على موقفها من الاتحاد ويظل الإنفاق على هذا الهيكل الذي يظم المئات من كتاب تونس في اقل حالاته. حتى أن ميزانية الاتحاد انخفضت مقارنة بالسابق إلى أقل من النصف.
 

إن هذا الشح في المال هو الذي منع هيئة اتحاد الكتاب التونسيين من مواصلة طباعة هذه المدونة الكبيرة وأصبح لذلك محتما على وزارة الثقافة أن تكمل هذه العملية إما بنشر بقية أجزائها أو بنشرها من جديد كاملة في طباعة فاخرة تليق بجهد صاحبها وبالكتاب التونسيين الذي احتفى بهم هذا العمل الكبير. فلا أظن أن بضعة آلاف من الدنانير بالعملة التونسية ( وليست بالأورو كما يصرف على بعض نواب المجلس التأسيسي للثورة ) لا يستحقها إنجاز كبير كهذا للثقافة والأدب في تونس . ولذلك فأنا بصفتي كاتبا قصصيا يعنيني حال الأدب والثقافة في تونس وأغير عليهما غيرتي على نجاح كتاب شعبي في الظهور والتألق أتوجه بنداء حار إلى السيد وزير الثقافة حتى يساعد على تحقيق هذا الحلم الكبير الذي سيشرف الأدب التونسي في المحافل العربية والدولية لأنه لا يقل شأنا عن عديد من الكتب والمدونات التي أنجزتها وزارة الثقافة وشرفت بها الكتاب والكاتب في تونس حيا وميتا ولأن هذا الدعم لطباعة الموسوعة لا يساوي الا القليل مقارنة بدعم أغنية أو شريطا سينمائيا أو مسرحية أو فنا آخر من بقية الفنون السمعية أو البصرية التي تتطلب الأموال الطائلة لإنجازها مقارنة بالكتاب الورقي الذي يدوم وينفع الناس. أقول هذا حتى لا يقع لأدبنا التونسي الحديث ما وقع مع أبي حيان التوحيدي عندما أضرم النار في كتاباته.ووقتها فقط سنندم جميعا ولكن لن يفيدنا الندم خاصة إذا عرفنا أن مؤسسات ثقافية أخرى في دول عربية تقدم الدعم السخي للكتاب والكتاب وتحتفي بهم بالجوائز السنية .
وهذا موضوع آخر سنعود له في مرة أخرى

الاثنين، 15 أكتوبر 2012

20 جمعية حقوقية تحذر: خطير أن تتراجع لجنة توطئة الدستور عن مبدأ كونية حقوق الإنسان

أمضت 20 جمعية ناشطة في المجتمع المدني وعلى رأسها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان على بيان نددت فيه بموقف الأغلبية للجنة التوطئة والمبادئ العامة للدستور الذي رفض التنصيص صراحة على احترام حقوق الإنسان الكونية وهي المبادئ المضمونة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي صادقت عليه الدولة التونسية..

وجاء في البيان المشترك أن لجنة التوطئة والمبادئ العامة للدستور قررت التصويت على صيغة مبهمة وفضفاضة تنص على مبادئ حقوق الإنسان ورفضت في المقابل التنصيص بالدستور على الطابع الكوني لحقوق الإنسان وللاتفاقيات الدولية التي تتضمنها.

واعتبرت الجمعيات الممضية على البيان أنّ هذا الطرح ينم عن نظرة إيديولوجية ضيقة ودونية للحقوق الأساسية للإنسان معبرة عن مخاوفها من التراجع على المصادقة على الاتفاقيات الدولية أو عدم تطبيقها من طرف القضاء التونسي والمحكمة الدستورية المرتقبة بتعلة علوية الدستور على المعاهدات.

ورأت في هذا الرفض تراجعا خطيرا عن المبادئ الكونية لحقوق الإنسان والحال أنّها من مكتسبات الشعب التونسي وتضمنها دستور 59، داعية أعضاء المجلس الوطني التأسيسي إلى تحمل مسؤولياتهم لدسترة حقوق الإنسان في بعدها الكوني وفي مفهومها الشمولي من أجل دستور مدني ديمقراطي يقطع مع الاستبداد ويطوّر دستور 59 في كل المجالات.

وأعلمت الجمعيات العشرون الممضية على البيان أنّها ستعمل من أجل تنظيم حملة للتشهير بهذا التراجع الخطير ولفرض دسترة حقوق الإنسان في مفهومها الكوني وجعلها جزءا لا يتجزأ من المنظومة القانونية التونسية.

ويذكر أن عدد من رجال القانون استنكروا هذا الرفض ومنهم أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني الذي صرّح أنّ الدستور الذي يرفض المرجعية الدولية لحقوق الإنسان لا يرتقي إلى مرتبة دستور.

شيراز بن مراد

السبت، 6 أكتوبر 2012

Khira w Rochdi de Malek Sebai: La danse des corps et des âmes

Rochdi  Belgasmi et Khira Oubeidallah 
Sur le battement d’un tambour lointain et de l’hennissement d’un cheval galopant commence l’histoire. L’histoire de la danse folklorique tunisienne telle qu’imaginée par l’artiste Malek Sebai dans le spectacle « Khira w Rochdi » présenté récemment à l’ancienne bibliothèque nationale dans le cadre de la manifestation Dream City.

Pas maladroits, puis mouvements, puis doute, puis recherche, puis figures de base, puis frémissement des corps, puis colère, puis réconciliation, puis chorégraphie. Peu à peu ou plutôt pas à pas, Malek Sebai reconstitue avec beaucoup d’amour, la genèse de la danse traditionnelle tunisienne avec la complicité du danseur Rochdi Belgasmi, de la danseuse Khira Oubeidallah -qui a commencé sa carrière de danseuse en 1962 avec la troupe nationale des arts populaires- et du percussionniste Wissem Mzoughi.

Et c’est avec subtilité que nous, spectateurs, glissons dans ce qu’appelle Malek Sebai « une déclinaison possible du traditionnel tunisien ». Rochdi retrace, en solo d’abord, ce cheminement corporel à la recherche de quelque chose de « beau ». En jupe bleu royal et sur les rythmes d’Ismail Hattab, il esquisse les mouvements premiers de ce que sera la danse folklorique avant d’être rejoint par Khira, cette femme dont le corps raconte le souvenir. A deux, ils créent une symbiose artistique agréable à voir et à sentir. Rochdi w Khira ne dansaient pas uniquement, leurs corps exprimaient aussi l’envie de bouger et de danser tunisien.

Dans « Khira w Rochdi », Malek Sebai reconstruit non seulement « l’histoire » de la danse folklorique tunisienne mais transmet surtout son amour pour la danse. Cet acte culturel qui raconte des pans de nous et de notre histoire. La chorégraphe se prête même à une danse commune devant le miroir qui ornait la scène du spectacle, miroir qui a reflété le plaisir qu’avait toute la troupe à être là et à partager la passion de la danse.

Le spectacle se termine par une invitation du public à la danse, et c’est avec générosité et amour que Khira donne le ton en esquissant des pas basiques au son d’un battement rythmé de tambour pour entrainer la présence dans le monde de la danse folklorique tunisienne avec ses codes bien spécifiques.
Chiraz Ben M’rad

دريــم سيـتــي: عندما يقول الفنّ كلمته في قلب المدينة

من العروض المميزة في دريم سيتي: عرض "خيرة ورشدي" للفنانة ملاك السبعي
ماذا عساي أقول عن تظاهرة «دريم سيتي» الفنّية التي انتظمت في موفّى الأسبوع الفارط بالمدينة العتيقة بمبادرة من الأخوين سلمى وسفيان ويسي؟ أكتفي بالقول إنّها تمكّنت من خلق حيوية فنية نادرة بين جدران معالم من المدينة العتيقة ومن استدراج مئات المواطنين الذين توافدوا على هذا الكنز المعماري للتمتّع بأعمال مسرحية وسينمائيّة وموسيقيّة..
وقد تسنّى لنا متابعة عدد من هذه العروض ومنها عرض «لست ظلّا لأحد» لماريون وغازي الفريني الذي يطرح تساؤلات حول هويتنا وانتظم بالمركز الثقافي حسن الزمرلي الذي هو في الأصل كنيسة قديمة, وكذلك عرض «شبوبة» الذي مزج السطنبالي بالموسيقى المعاصرة واحتضنته زاوية سيدي علي لسمر بباب الجديد.. كما تابعنا بإعجاب عرض «خيرة ورشدي» الراقص الذي أخرجته الفنانة ملاك السبعي وقدمته بالمكتبة الوطنية القديمة الموجودة بسوق العطارين، ومنه توّجهنا الى المكتبة الخلدونيّة ـ من المفروض أن يزور تلاميذنا هذا المكان الذي يختزن الروح الفكرية التونسية في القرن العشرين ـ التي روى فيها الفنان الجزائري مصطفى بن فوضيل كيف يتم «إعدام» المئات من الكتب التي لم يتم بيعها او تعرضت للرّقابة.. ومن هناك تحوّلنا الى متحف دار بن عبد الله حيث قدمت مريم بودربالة عرض «كاراكوز» وهو مجموعة من الرّسوم التي تعكس الحرّية والطموحات والتهديدات التي تعيشها تونس اليوم.. وبمرورنا بتربة الباي، عرجنا على مقبرة العائلة الحسينيّة وهي بدورها معلم أثري فريد من نوعه جدير بأن يزار.. وانتهت الجولة بزيارة سطح مقهى المرابط الموجود بسوق الشواشية حيث نصبت مجموعة «وندا» غرفا صغيرة سقفها مفتوح على سماء وقباب المدينة العتيقة يدخلها الزائر لمدة 5 دقائق فيختلي بزرقة السماء وبما يمكن ان تهديه إياه من أحلام وأحاسيس.

ويمكن القول ان تظاهرة «دريم سيتي» نجحت في رفع تحديين اثنين: الأول له علاقة بالجانب الفني اذ انّها نجحت في تنظيم قرابة 300 عرض فني في ظرف 4 أيام بمهنية وجدية لافتة للانتباه، أمّا التحدّي الثاني فيتعلّق بالجانب المعماري اذ تمكّنت من فتح عدة معالم اثرية لعامة الناس الذين تيسرت لهم فرصة اكتشاف ديار «عربي» ذات طابع معماري أصيل (دار لصرم، دار باش حامبة، دار ناصرخمير..) وكذلك عدة فضاءات عمومية على غرار المدرسة الشماعية والمكتبة الخلدونية ونادي الطاهر الحداد وغيرها..
ويذكر انّ «دريم سيتي» ستلتئم بالمدينة العتيقة بصفاقس من 5 الى 7 اكتوبر.. فتحية الى كلّ من ساهم في إنجاح هذه التظاهرة الفنّية المميّزة التي فتحت المجال للفنّ ليقول كلمته في قلب المدينة.


شيراز بن مراد

الخميس، 20 سبتمبر 2012

المخرج محمود بن محمود: لــن أنسـى يــوم قــال لـي فاضـل الجعايبي: «سيسيل الدم يا محمود»

أقيش فيلم الأستاذ
لفيلم «الأستاذ» الذي يعرض حاليا بقاعات العاصمة قصة غريبة روى لنا المخرج محمود بن محمود شيئا من أطوارها.. فهذا الشريط الذي صوّر خلال الأيام الأولى من الثورة التونسية، عرف عدّة عراقيل منها ما هو مالي وماهو تقني لكن مثابرة مخرجه محمود بن محمود وشجاعة منتجاه فاضل الجعايبي والحبيب بلهادي أوصلاه إلى برّ الأمان..فرسى في قاعاتنا لينقل بالخصوص "لحظة الكرامة" التي خير فيها البطل الانتصار للحق و للحرية و للمكلومين من أبناء وطنه متخليا عن إغراءات السلطة الزائفة وعن خفاياها المقيتة..
في الحوار الذي بين أيديكم، نقل لنا المخرج أيضا انطباعاته وآماله وإيمانه بضرورة أن يعمل الجميع «شيوعي أو خوانجي» كما جاء على لسانه من أجل الارتقاء بهذا الوطن.. فمطالعة طيبة...

 اخترتم أن يكون العرض الأوّل لفيلم «الأستاذ» في الرديف، لماذا؟
ـ لقد عاهدنا أنفسنا أن نعرض الفيلم لأوّل مرة في الرديف وذلك كردّ جميل لمن فتحوا الينا أيديهم عندما قمنا بالتصوير هناك، فشركة فسفاط قفصة فتحت لنا سراديب المناجم التي توقف استغلالها منذ 2007، وذلك حتى نتمكّن من تصوير بعض المشاهد فيها كما لو كنّا في سنة 1976.. وجدنا أيضا أثناء التصوير مساندة الحركة النّقابية وبالخصوص من قبل المناضل عدنان الحاجي الذي كان وقتها تحت المراقبة الأمنية.. كما لا ننسى انّ مصير تونس عندما كانت تحت الاستعمار تقرّر أيضا من تلك الرّبوع..
ولعرض شريط «الأستاذ» في الرديف بعد رمزي بالأساس اذ انّني حرصت على احياء الرّابط الاجتماعي الذي عمل النظام السّابق على تحطيمه والذي تسعى الثورة الى دعمه.. فالروابط الاجتماعية بين العاصمة وداخل الجمهوريّة لا يمكن أن تقتصر على الإعانات المادية بل يجب أن تكون لها أبعاد أخرى ومنها الثّقافيّة بطبيعة الحال..


وماذا لاحظتم في الرديف؟
ـ لاحظت غيابا تاما للدولة ولأعوان الأمن وللمسؤولين، فلم يحضر العرض ايّ مسؤول جهوي ما عدا النقابي عدنا الحاجي الذي يبدو انّ البعض لامه قائلا له:«في بلاصة الخدمة، جيبتلنا فيلم!»، لاحظت ايضا التهميش والمعاناة الاجتماعيّة.. وأعترف انّ البلاد تمثّل اليوم حضيرة واسعة علينا ان نشمّر فيها السّواعد في مختلف المجالات ثقافية أو اقتصاديّة كانت وذلك بغضّ النظر عن الانتماء الحزبي أو الايديولوجي، فلا يهمّ ان كنت «شيوعي» أو «خوانجي» لتساهم في الارتقاء بهذا البلد..


تفاجأ المشاهدون بقصة الحب التي جمعت البطل خليل الخلصاوي الأستاذ الجامعي ورئيس رابطة حقوق الانسان بطالبته خاصّة انّ الفيلم محسوب على النّوع السياسي.. فما هو تفسير هذا الخيار؟
ـ كان عليّ أن أدخل على السيناريو «عاملا مربكا» تمثل في قصة الحب التي عاشها البطل استاذ القانون الدستوري المقرب من السلطة مع طالبته وذلك بهدف إعطاء القصّة الشّحنة الدرامية الملائمة، وأريد في هذا الصّدد أن أؤكّد انّ الحلقة المفقودة في السينما التونسية هي السيناريو فهو القلب النابض والعمود الفقري لأي عمل فنّي سواء كان مسرحيّا أو سينمائيّا أو قصصيّا، لكنّنا مع الأسف لا نعيره الأهمّية التي يستحقّها..
صحيح ان للسينما التونسيّة عدّة مشاكل ومنها شحّ التمويلات وأزمة القاعات ومشكلة القرصنة، لكن جودة السيناريو تبقى مشكلة عويصة وخللا تواجهه عدة أفلام..


تباطأت وزارة الثقافة في مدّكم رخصة لتصوير «الأستاذ»، فهل كان ذلك بسبب ما تضمنه الفيلم من كشف للرشوة ولتعنيف المعارضين ولتوظيف القضاء وتضييق على الإعلام؟
ـ للأمانة لا، وذلك رغم أنّي كتبت السيناريو سنة 2007 وطلبت الدعم من وزارة الثقافة سنة 2008، لقد تعطل الفيلم لأسباب مادية بحتة.. وأعترف أيضا انّي فضّلت ان يكون الإطار الزماني للفيلم تحت حكم بورقيبة ورفضت ان أدخل في مواجهة مباشرة مع نظام بن علي لأنّه كان سيرفض الفيلم حتما.. فالشريط فضح بلغة مباشرة كما ذكرتم في السؤال توظيف القضاء، التعذيب، الاعتداءات، مراقبة الصّحافة وكذلك الفساد والرشوة..
ومن ناحية أخرى، رغبت في تسليط الضوء على سنة 76 التي اعتبرها سنة فارقة ومحطة هامة في تاريخ تونس: ففيها بعثت الرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الانسان كما شهدت ميلاد حزب الاشتراكيين الديمقراطيين المعارض وظهور صحيفة الرأي.. وتصادم خلالها اتحاد الشغل مع الحكومة، ولن أبالغ ان قلت أنّ سنة 1976 تستحق وحدها 10 كتب و10 أفلام و10 مسرحيات.


لماذا تأخّر انطلاق التصويرإذن؟
ـ ما حدث لفيلم «الأستاذ» غريب جدا، فمن ألطاف الله انّ لجنة الدّعم لم تجتمع سنة 2008 عندما كان بن عاشور وزيرا للثقافة خاصة انّ هذا الأخير رفض دعم فيلم «البايات» ولولا دعم وكالة الاتصال الخارجي لما كنت أنجزته.. وفي سنة 2009 عيّن عبد الرؤوف الباسطي وزيرا للثّقافة، حينها حظي الشريط بالموافقة دون اي مساومة تذكر وذلك بعد ان تململت لجنة الدّعم بين من ساندوا الفيلم وبين من رفضوه.. وأؤكّد هنا على الدور الإيجابي الذي لعبه الوزير الباسطي والذي لولا موقفه الشجاع لما رأى الفيلم النّور..


  حظيتم بموافقة الوزير, لكن العقبات لم تنته...
ـ في شهر جويلية 2010، نشر السينمائي علي العبيدي مقالا على أعمدة جريدة الشعب يقول فيه انّ المنتجين «سرّاق» وانّ وزارة الثقافة تمنح الدعم لأفلام لا تنجز وانّ لا أحد يطبق القانون (ينصّ الفصل الخاص بدعم الأفلام على ان تقدّم الدولة 35 ٪ من ميزانية الفيلم ويتكفّل المنتج بجلب 65 ٪ من باقي الميزانية)، وهو في نظري قانون غير منطقي وغير واقعي فنادرا ما تتوفّر كل التمويلات قبل انطلاق الفيلم.. وتسبّب المقال المذكور في تعطيل الشريط حيث كان عليّ ان أوفّر التمويل التكميلي اي 65 ٪ من كلفته الإجمالية.. ولازمت الوزارة خلال تلك الفترة الصمت، فخشينا ان تكون الرّقابة وراء هذا التجاهل، فما كان منّا الاّ ان نظمنا ندوة صحفية لاقت صدى واسعا وعبرنا فيها عن مخاوفنا.


  وكيف تدبّرتم باقي التمويل؟
ـ عدت الى بلجيكا بعد أن وصلنا الى طريق مغلقة، غير اني تدبرت امري ووجدت التمويل التكميلي وأعلمت الوزارة بالموضوع، فاجتمع الوزير الباسطي بعدد من السينمائيين لكي يعلمهم انّ محمود بن محمود جلب التمويل التكميلي ـ اي طبق القانون ـ وانه سيعطيني رخصة التصوير في اليوم نفسه.. غير انّ العراقيل لم تتوقف عند هذا الحد، فأغلبية الممثّلين والطاقم التقني الذين كنت سأشتغل معهم كانوا بصدد تصوير فيلم «الذهب الأسود» في الجنوب التونسي مع المخرج الفرنسي جون جاك آنو.. وكان عليّ ان انتظر نهاية عملهم (كانت مبرمجة ليوم 15 جانفي 2011)، غير انّ احساسي كان يقول العكس وطلبت منّي زوجتي ان أجازف وانطلق التصوير رغم ما ذكرته من عراقيل..


تواصل تصوير فيلم «الأستاذ» مع الايام الأولى للثورة، فكيف عشتم ذلك؟
ـ انطلق التصوير يوم 8 نوفمبر واستمر الى غاية 22 ديسمبر 2010 وقد كانت البلاد تعيش الأيام الأولى من الثورة التونسية وبدأ الاحتقان والغليان يسودان خاصة في الجنوب، واذكر ان فاضل الجعايبي قال لي آنذاك:«الدم سيسيل يا محمود».. والحمد لله أنّي صوّرت الفيلم قبل قيام الثورة والاّ لكان الفيلم يفقد معناه..


ما هو احساسك ازاء ما يحصل اليوم في البلاد من محاكمات للفنّانين ومن محاولات للمسّ من حرية التعبير؟
ـ رغم إقامتي في بلجيكا، فانّه لا يمكن ان أبقى بمعزل عمّا يحدث في البلاد، هناك معطى أساسي لا يمكن أن نتغافل عنه وهو أنّنا أصبحنا نتموقع بالنسبة للمعطى الدّيني.. فبينما كان بن علي يحكم حسب مقولة «فرق تسد»، كسبنا اليوم هوية جديدة ـ أتمنّى ان لا تكون قاتلة ـ تقوم على ما هو حلال وما هو حرام.. غير انّ أملي هو ان يجتمع كل التونسيين حول قيم الحرّية والعمل وحول الاسلام النيّر الذي لا يأتي من أفغانستان ولا يعترف بالظلامية..


لكن من عليه أن يبادر بذلك؟
ـ دون شكّ، الحل لن يأتي لا من قصر قرطاج ولا من المجلس التأسيسي بل من خلال وقفة مجتمعية يساهم فيها الكل، فالنضال من أجل الحرّيات وغيرها من القضايا لا يجب أن يقتصر عل النخبة بل يجب أن يشمل كل المواطنين.. خلاصة القول انّ الثورة لا يمكن ان تقاس بالتغيير السياسي بل بانعكاساتها على أرض الواقع وبقدرتها على تحقيق الكرامة لكل التونسيين..


حاورته: شيراز بن مراد

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

قريبا في المسارح التونسية: لطفي عاشور يسترجع صفحات سوداء من حكم بن علي

أنيسة داود تتوسط جوهر الباسطي والمخرج لطفي عاشور
ما الذي يجمع الرّئيس السّابق بن علي بـ«ماكبت» بطل احدى أشهر روايات الرّوائي البريطاني شكسبير؟ هل هو جنون السلطة أم قوتهما القمعيّة أم الاثنين معا؟
من القواسم المشتركة التي تجمع بين هاتين الشخصيتين اللتين عرفتا بحكمهما الاستبدادي، استلهم المخرج لطفي عاشور عملا مسرحيّا يروي صفحات سوداء من حكم بن علي يحمل عنوان «ليلى وبن: قصّة دموية» قدّم عرضه الأول خلال «مهرجان شكسبير الدولي» الذي التأم بلندن على هامش الألعاب الأولمبية على أن يعرض انطلاقا من الشهر القادم بالمسارح التونسيّة.

وقد لاقت المسرحية اهتمام عديد الناقدين ومنهم ابراهيم درويش الذي كتب بصحيفة القدس العربي مقالا تحليليا جاء فيه: «قارب لطفي عاشور بين ديكتاتور تونس ـ زين العابدين بن علي ـ وبين ديكتاتور شكسبير الاسكتلندي ـ ماكبث ـ وهي مقاربة مشروعة من ناحية إعادة إحياء الشخصية التاريخية وقراءتها في ثوب معاصر وإخراجها من السياق الذي ولدت ونشأت فيه، فرمزية الطغيان واحدة وما يجمع بين ماكبث شكسبير وماكبث العالم العربي كثير».
ويذكر أنّ مهرجان شكسبير يحتفي سنويا بأعمال تخلد نصوص صاحب مقولة: «أكون أو لا أكون، هذا هو السؤال» وأشهر الروايات البريطانية على غرار «الملك لير» و«هاملت» و«روميو وجوليات» وينجزها مخرجون أجانب تكون مشاربهم الثقافيّة متعدّدة، وفي هذا السياق تمّ دعوة المخرج لطفي عاشور ليقدّم رؤيته المسرحيّة لأحد نصوص شكسبير ويشاركه في هذا العمل عدد من الممثّلين على غرار أنيسة داود (في دور ليلى الطرابلسي) وجوهر الباسطي (في دور بن علي) ومنصف العجنقي ونعمان حمدة..
ويقول لطفي عاشور انّ قصة الملك الاسكتلندي «ماكبت» تقترب من التاريخ التونسي المعاصر لما فيها من محاكاة لرغبة حكامنا في الانفراد بالحكم وفي التسلط ومن تجاهل لتطلّعات الشّعوب.. وهو ما دفعه لتقديم عمل مسرحي وموسيقي ووثائقي حاول فيه ابراز علاقة العالم العربي المرضية بالحكم وكذلك التطلّع إلى رسم نموذج مجتمعي مختلف نادى به شباب تونس والقاهرة ودمشق والمنامة..


شيراز بن مراد

محمد علي النهدي: إذا كان لطفي زيتون يدّعي أنّ تونس ديمقـراطيـة، فعليـه تقبّل النّقــد

من وراء نظارته السوداء السّميكة، تحدّث إلينا محمد علي النهدي عمّا يخالجه من أحاسيس وأفكار في هذه الفترة الساخنة من تاريخ تونس، فالمسؤولية الفنية تقتضي في نظره عدم الوقوع في فخّ الاستفزاز الذي يمكن أن يعود على البلاد بالوبال..
محمد علي النهدي تحدث في هذا الحوار أيضا عن موقفه من إيقاف سامي الفهري صاحب قناة «التونسية» وعمّا سمّاه بـ «الطاقة التدميريّة» لبعض الإعلاميين وغيرها من المواضيع التي تطالعونها تباعا...
ما هي قراءتك ـ كفنان ـ للوضع الحالي؟
ـ أول ما يمكن أن نلاحظه هو توسّع مساحة الحرّيات مقارنة بما كان عليه الحال قبل الثورة، لكنّه يتوّجب علينا في نفس الوقت أن نناضل من أجل المحافظة على هذه الحرّية.. في الواقع لديّ تخوّفات من أصحاب مهنتي ومن أعدائها أيضا، فباسم الحرية لا يمكن ان يقول الفنان كل شيء كما لا يحقّ لأعداء الحرية ان يحاولوا التقليص من مساحتها..
من تقصد بالضبط؟
ـ أقصد لطفي العبدلي مثلا، مع العلم أنه حرّ في تقديم ما يراه صالحا، اذ يزعجني ان نستفزّ الآخرين بطريقة مجانية، وعلى طرف نقيض أخشى المتشدّدين من رجال الدّين الذين يسعون الى قمع الحرّيات.. علينا في المرحلة الدّقيقة التي تمرّ بها البلاد ان نكون مسؤولين وأذكياء، فلا داعي لإشعال فتيل حرائق قد تعود بالوبال على البلاد.
تتواصل هذه الأيّام محاكمة بعض الفنّانين على خلفيّة أعمالهم الفنية، فما هو تعليقك؟
ـ طبعا أنا ضد محاكمة الفنّانين ومع حرية التعبير المسؤولة ـ لا المقيّدة ـ وضدّ الرّقابة مهما كان نوعها.. فغير مقبول ان نعيش في تونس اليوم هذا النوع من المحاكمات، المبدع لا يمكنه ان يبدع اذا ما شعر أنّه مقيّد واذا ما كان جناح الابداع ـ أي الحرية ـ مستهدفا..
نصحت المستشار لطفي زيتون بمشاهدة القلابس الفرنسية، لماذا؟
ـ نعم نصحته بمشاهدتها لأنّها عمل فنّي متميّز، فيه الكثير من العمل والبحث، وكان ذلك على خلفية تصريحه بأنّ هناك مواضيع أو أشخاصا «مقدّسين» لا يمكن ان يتعرّضوا الى النقد.. فإذا كان زيتون يدّعي انّ تونس دولة ديمقراطية ومتقدّمة فيجب أن يتقبل النّقد..وألاحظ هنا انّه يجب ان نتخاطب ونتحاور بطريقة محترمة وأرفض الاستفزاز الفج الذي يبحث صاحبه من ورائه عن البطولة.
حدث إيداع سامي الفهري بالسجن، كيف قرأته؟
ـ هناك موضوع شركة «كاكتوس» الذي سيقول فيه القضاء كلمته، وليس لديّ معطيات بخصوصه، فإذا نهب سامي أموالا فسيحاسب واذا كان بريئا فسيطلق سراحه.. لكن أودّ ان أسوق ملاحظة تتعلّق بتوقيت ايداعه السجن، فما معنى ان يتمّ ايقافه بعد نجاح قناة التونسية وتصدّرها قائمة أعلى نسب مشاهدة خلال شهر رمضان، وما معنى ان يتمّ ذلك بعد حادثة «القلابس»؟ لو تمّ ايقافه قبل كل هذا لكانت الصورة أوضح، لكن ان يتزامن ايداعه السجن مع هذين الحدثين فذلك ما يضفي غموضا على القضيّة ويثير الشّكوك.. وبغضّ النظر عن كل هذا، «ربي معاه» فما يمرّ به صعب جدا على المستوى الانساني والعائلي وما أتمنّاه هو أن تكون محاكمته عادلة ولا تقوم على النقمة.
تقييمك للأعمال الرمضانية لهذه السّنة؟
ـ هناك أعمال تميّزت على غرار «مكتوب» و«من أجل عيون كاترين» لكن الثورة في الانتاج الدرامي التلفزي لم تتحقّق بعد.. لقد آن الأوان لتقديم أعمال جديدة على مستوى الفنّي وكذلك التقني.. وأودّ في هذا الصّدد ان أعيب على بعض الإعلاميين طاقتهم «التدميريّة» ولكي أكون واضحا سأضرب مثالا الفنان المرحوم سفيان الشعري الذي عمل الإذاعي الهادي زعيّم على تقزيمه بعد الفصل الثاني من سلسلة «نسيبتي العزيزة»، فالزلات والنقائص دائما موجودة، لكن لا يجب ان نتوقف عندها وحدها..
اختلفت ردود الفعل حول سلسلة «بنت ولد» بين معجب وناقد، فكيف تقيّم ـ شخصيا ـ هذ العمل؟
ـ هي تجربة خاصّة من نوعها ولا تشبه تجاربي السّابقة سواء في التلفزة او في السينما.. فـ«بنت ولد» اعتمدت على نصّ كوميدي خفيف وتوفقت في نيل اعجاب المشاهدين ولعلّ أحسن دليل على ذلك هو نتائج استطلاعات الرأي التي وضعت «بنت ولد» في المرتبة الأولى في ما يتعلّق بالأعمال الفكاهيّة، كما تعدّ صفحة أحباء السلسلة على الفايسبوك أكثر من 100 ألف معجب.. المهمّ اننا قدمنا ـ أنا وسماح الدشراوي في التمثيل ونوفل الورتاني في الكتابة ـ منتوجا مختلفا عمّا دأبت مختلف القنوات على تقديمه على غرار «شوفلي حل» و«نسيبتي العزيزة»، مع العلم انّ إدارة قناة «التونسية» جدّدت فينا الثقة وسيتواصل بث «بنت ولد» طوال السّداسي الأول من سنة 2013 بمعدل حلقتين كلّ نهاية أسبوع..
ومسرحية «الزمقري»، متى سيتمّ عرضها؟
ـ ستنطلق العروض يومي 27 و28 سبتمبر في المسرح البلدي.
في الثقافة، هل نحن بحاجة الى حملة «اكبس» أو «ارخف»؟
ـ لا نحتاج لا «للكبس» ولا «للرخف»، فالوقت والعمل وحدهما حرّيان بأن يفرزا ما هو جيّد وما هو سيّء، الثورة لا يمكن ان تعطي ثمارها بين يوم وليلة خاصّة مع استفحال العقليات المريضة التي تحقد على الناجحين وتصل حدّ التآمر عليهم.
هل تمكنت وزارة الثقافة بعد الثورة من خلق الديناميكية الثقافية المنتظرة؟
ـ الفترة التي تمرّ بها البلاد صعبة ولا يمكن ان نطلب المستحيل، وما أعيبه على وزير الثقافة هو محاولته فرض ـ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ـ ذوقه الخاصّ ، بينما يتطلّب المنطق ان نبقى منفتحين على كل الأنواع والأنماط الفنّية فهناك من الجمهور من يحبّ مثلا هيفاء وهبي ولا يمكن باسم الذائقة الفنية الرائقة ان نحرم ايّا كان ممّا يبدو له جميلا.
وعلى المستوى المادّي، هل لاحظتم تغيّرا؟
ـ على وزارة الثقافة ان تعمل على اشراك الخواصّ في الفعل الثقافي وذلك بـ«اغرائهم» لكي ينخرطوا في تمويل الانتاج الثقافي اذ لا يمكنها بمفردها ان تنفق على متطلبات هذا القطاع
كيف تنظر لأيام قرطاج السينمائية التي ستنتظم خلال شهر نوفمبر القادم؟
ـ سمعت مدير الدورة يقول إن ميزانية ايام قرطاج السينمائية لن تتجاوز 650 مليونا، ولهذا أنصحه بأن يعدل عن تنظيم هذه الدورة، لأنه لا يمكن لمهرجان عريق في عراقة ايام قرطاج السينمائيّة ان يكتفي بهذا المبلغ الهزيل الذي لا يتجاوز مداخيل حفلتين ساهرتين لراغب علامة أو نانسي عجرم..


حاورته: شيراز بن مراد