الجمعة، 27 يناير 2012

مشاهد سريالية

لا أدري لماذا تواترت في بداية هذا الأسبوع مشاهد أقل ما يمكن أن يقال عنها إنّها سريالية ومن وحي الخيال.. لكنّها جدّت بالفعل في تونس المعتدلة والوسطية في مطلع القرن الواحد والعشرين...
فهذه قناة تلفزية تحاكم بسبب بثّها فيلما تطرّق إلى المظالم التي تعرضت لها شابة إيرانية زمن الثورة، وهذا الصحفي القدير زياد كريشان يتعرّض للاعتداء من قبل سلفي بصق على وجهه، وهذا أستاذ العلوم السياسية حمادي الرديسي يتلقى ضربة رأس عنيفة أسداها له أحد الشبان الملتحين، وهذا نائب عن حركة النهضة (الصادق شورو) يستشهد في رحاب البرلمان بآية تدعو إلى قتل من يحارب الله و رسوله في اشارة للعقاب الذي يجب ان يسلط على المعتصمين الذين يقطعون الطرق ويمنعون البعض من الوصول الى مقرات عملهم.. وهؤلاء بعض السلفيين يحدثون مرّة أخرى بلبلة في كلية الآداب بمنوبة ويهددون الاساتذة بعد أن خلنا أنّ الأمور رجعت الى نصابها.
و يطرح المشهد الأول ـ محاكمة قناة نسمـة ـ مسألة محاكمة الفكر و الرأي, وهو انزلاق خطير تريد أن تقودنا اليه بعض الأطراف الساعية للحد من هامش حرية التعبير و الابداع ليكون على حسب مقاس ايديولوجيّ، في حين أن المنطق يقول أن مبدأ الحريات يجب أن تضمنه الدولة لكل أفرادها مهما كان معتقدهم أو انتماءاتهم السياسية.. 
بينما تطرح المشاهد الأربعة الأخرى مسألة العنف والمناداة بالعنف بحجة امتلاك الحقيقة المطلقة، وهو موضوع خطير يجب أن تتصدى له كافة قوى المجتمع، فما معنى أن يتعرّض صحفي اليوم للتعنيف؟ وما معنى أن ينادي نائب باسم الشعب -حتى بصفة غير مباشرة- الى قتل المعتصمين؟ وما معنى أن تلجأ بعض الأطراف إلى استعمال العنف داخل المؤسسات التعليمية؟
ألهذه الدرجة بلغ بنا التعصب، وغاب عنّا الحوار والتعامل السلمي والمتحضر مع ما نعانيه من مشاكل؟ إنّ الميزة الأساسية للأنظمة الشمولية هي ممارسة العنف على أفرادها والحدّ من حرياتهم وعدم احترام حقوقهم، ويبدو من خلال المشاهد التي استعرضناها في هذا المقال أنّنا بصدد التنقل من نظام ديكتاتوري إلى نظام شمولي استبدادي... فهل من أجل هذا قامت الثورة التونسية؟ وهل أنّ مصيرنا هو حتما التقهقر؟
ستظل المشاهد الخمسة المذكورة عالقة في أذهاننا لأننا لا يمكن أن نقبل بإهانة الفكر و العلم و بتفشي لغة العنف... صور سريالية خلنا أنّنا لن نطلع عليها مجدّدا إلاّ في كتب التاريخ التي تروي صفحات سوداء من ماضينا، لكنها طفت على السطح من جديد لتذكرنا بضرورة التصدي الى القوى الرجعية والمتعصبة وبضرورة النضال من أجل الدفاع على الحقوق و الحريات.. إنّنا على أبواب معركة حضارية مصيرية, فإما أن نعطي للثقافة و للعلوم و للإبداع و لحرية التعبير المكانة التي تستحقها و الا ستنصب المشانق و محاكم التفتيش ضد كل العقول الحرة, و هو ما سنتصدى له بكل ما أوتينا من عزيمة..
شيراز بن مراد

الجمعة، 20 يناير 2012

"تالة..عصيان أبديّ" لعادل البكري: شعر غاضب.. وصور حالـمة.. وشهـادات تنبــض وجيـعـة

قد نعجز أحيانا عن نقل ما في أحد الأعمال الفنية من شحنة تجسّدها الصور والكلمات وهي تنقل الألم والظلم والقهر وما تخفيه البراكين المقموعة..
هذا ما ينطبق على الفيلم الوثائقي «تالة.. عصيان أبديّ» للمخرج عادل البكري والذي عرض يوم الجمعة الفارط بدار الثقافة ابن رشيق وتابعه مشاهدون، تفاعلوا مع وقائعه ـ بالتصفيق طورا وبالدّموع طورا آخر ـ ومع الشهادات والنصّ الشعري الذي صاغه صلاح بن عياد وعادل البكري.. كانت رحلة سينمائيّة وشعريّة رائقة استحضر البكري من خلالها محطات من تاريخ تالة انطلاقا من يوغرطة وتكفريناس مرورا بعلي بن غذاهم وعمر بن عثمان وأحمد الرحموني وصولا الى مروان الجملي أول شهيد للثورة التونسية (8 جانفي 2011).
ولمّا كان التاريخ لا يمثّل إلاّ واجهة من مدينة تالة «ذاكرة الثورات» و«ستالينغراد شمال افريقيا» ـ كما وصفها بذلك أحد أبنائهاـ، فقد تطرّق المخرج أيضا الى جغرافيتها، فالمحيط التّالوي «يحمل ريحا لا تهدأ وعيونا لا تنضب وقوس قزح يحاول تهدئتها ولو بصريّا».. واسم «تالة» يعني «عين الماء» التي ـ من المفروض ـ أن تهب الحياة والأمل والرخاء، لكن الزّمن أدار لها ظهره، فأقصيت وهمّشت في عهدي بورقيبة وبن علي ممّا يوحي بأنّها أحيطت «بسياج من الكره» حسب عبارة كاتبي النصّ، لكن «تالة.. الخشم الّي ما ينكسر والجمر الي ما ينخمد والنجمة الّي ما تنطفي» ظلّت عصيّة على من أراد لها الذلّ والخنوع والاستكانة، وأهدت الثورة التونسية أول شهدائها (مروان الجملي ـ غسّان الشنيتي ـ ياسين الرتيبي ـ وجدي السائحي ـ محمد عمري ـ أحمد بولعابي) و«جنود حرّيتها»..
وعلى امتداد الفيلم، يرتفع نسق الغضب الشعري، «غضب تالة على تضاريسها وتاريخها وليلها» فيدفع المشاهد إلى حافّة المشاعر وشفا المنطق، فكيف يمكن للانسان أن يغمض عينيه على يأس يكابده أخوه في الوطن؟ وكيف له أن يسترجع شيئا من انسانيّته المفقودة؟.. ولأنّ «تالة.. أوّل ورقة من كراس عرس دم الثورة التونسية» فقد اختار عادل البكري ان يقرأ لنا سطورا منها وذلك من خلال تقديم شهادات لبعض عائلات الشهداء، فكان ان استمعنا ـ على سبيل المثال ـ الى سعاد الخشناوي (والدة غسان الشنيتي) التي تساءلت عن غياب العدالة ولماذا لم تنل الى حدّ الآن حق ابنها؟.. كما ذكرت انّ سكان تالة طووا صفحة الحكومة منذ سنة 1995 بعد أن تنكّر الحاكم للمحرومين من أبناء وطنه.. وفي السياق ذاته استمع المخرج الى سماح عمري (أخت الشهيد محمد عمري) التي تحدّثت ـ والغضب يزلزلها ـ عن الساسة الجدد قائلة:«كلهم جواعة.. يجريو ورا السلطة.. مشى الزين، جاو 1000زين.. تالة بركان تحت الرماد.. ما تنساوش هذا»، ولاحظت انّ الشبّان لم يثوروا على الجوع بل ثاروا من أجل الكرامة وحقهم في حياة لائقة.. وقد صرّح عادل البكري إثر العرض انه يرجو ان يكون ساهم في ايصال رسالة أمهات تالة، مع العلم انه أهدى شريطه هذا إلى كلّ نساء الخضراء.. جميلات، مبدعات ثوريات..
قد لا تنصف الكلمات التي بين أيديكم سحر الأشعار الغاضبة وصور تالة الحالمة والشهادات التي تنبض وجيعة، لكنها قد تدفعكم الى مشاهدة هذا الفيلم الذي يختزل معاناة مدينة صامدة صمود سنديانة لم يؤثّر فيها الزمن ولا كوارث الطبيعة، في انتظار ان تشعّ شمس جديدة على الحقول الخضراء وفي أحلام الطفولة وعلى وجوه أمّهات مروان وغسان ووجدي وأحمد ومحمد وياسين وكل أمّهات الشهداء..

شيراز بن مراد

• إشارة: الجمل الواردة بين معقفين مقتطفة من النص الشعري الذي رافق الفيلم.

الخميس، 12 يناير 2012

فنانون بصوت واحد: حريّة الإبداع حقّ لن نتراجع عنه


  • في أجواء فنّية جميلة، انتظمت يوم الأحد 8 جانفي أمام مجلس النواب بباردو وقفة طالب خلالها جمع من الفنّانين بإدراج حق الثقافة في الدستور.. وتضمّنت «عريضة الحقوق الثقافية» 4 نقاط أساسية وهي:
    ـ ضمان حرية التفكير والخلق والابداع والابتكار وحماية المبدعين والمفكّرين من شتى الاكراهات
    ـ اعتبار الثقافة مصلحة عامة مثلها مثل التربية والصحة.
    ـ حماية الملكية الأدبية والفنية مع الحفاظ على الموروث الثقافي الحضاري
    ـ الحق في الثقافة لجميع التونسيين بصفة عادلة
    .
    وحضرت الوقفة، التي شاركت فيها فرقة بشير واردة للفنون الشعبية، أسماء فنية عديدة تحادثنا مع البعض منها..
     

    المخرج نوري بوزيد: الفنان في خدمة الفكر، لا في خدمة السياسة لا أحد بإمكانه أن ينكر أهمية الحق في الشغل وفي الصحة وفي التعليم، لكن الحق في الثقافة مطلب أساسي أيضا، إذ ما هي ذاكرتنا ؟ هل هي الصحة او السياسة او الثقافة ؟ الذاكرة هي أساسا الثقافة، فمن منا لا يتذكر خميس طرنان او ابو القاسم الشابي ؟ فهي التي تبقى والتي تأثر في الأفكار ـ بما في ذلك ثقافة الفايس بوك ـ لا أتصور مصر تنسى أم كلثوم وعبد الوهاب ولا نحن ننسى صليحة أو ابو قاسم الشابي .. فماهي شخصية التونسي دون الدوعاجي ومصطفى خريف.. وغدا سيتذكر التونسيون ـ ربما ـ الجعايبي و توفيق الجبالي والنوري بوزيد وكل من كان فنه صادقا.
    المثقفون يطالبون اليوم بأن تكون الثقافة حرة لا يربطها أي قيد، فالفنان كهل وليس قاصرا وما على سلطة الإشراف إلا أن تهيئ المؤسسات وتضمن حرية التعبير وتوفر الدعم ... والفن بصفة عامة لا يمكن أن يكون في خدمة السياسة بل هو في خدمة الفكر وأن يسعى البعض الى جعله في خدمة السياسة، فهذا خطر كبير.
     

    ناصر الصردي: «السياسة تنظم المجتمعات والثقافة تبنيها»
    نسعى إلى تضمين حق الثقافة في الدستور حتى يصبح حقا مكتسبا لا يمكن المساس به (حرّية الفكر والابداع والتعبير) وحتى نضمن حقوق المبدع والمفكّر.. وهكذا يمنع اي نظام سياسي ـ مهما كان لونه ـ من تسليط الرقابة و الصنصرة على الأعمال الفنّية.. كما نطالب بالتنصيص على العدالة الثقافية، شأنها شأن العدالة في التنمية، فلماذا تحرم سيدي بوزيد والقصرين وزغوان وجندوبة من قاعات السينما ومن الفنون بشتى أنواعها.. والى جانب موضوع الحريات، نطالب بأن تصبح الثقافة حقا لكل مواطن مثل الحق في الصحّة وفي التعليم..
    كما ينبغي اليوم أن نلفت نظر الحكومة الى انّ الثقافة تخلق الشغل ايضا، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، القطاع الفني هو أكثر القطاعات الذي يدرّ الأموال قبل قطاعي السلاح والإعلامية.. وانظروا الى المغرب التي جعلت من التظاهرات الفنّية مصدرا للاشعاع وللمداخيل ولمواطن الشغل، قطر أيضا، التي اصبحت تتحكّم فينا، برزت على الخارطة من خلال منتوج ثقافي وهو الإعلام..
    لا ننسي ايضا انّ السياسة تنظم المجتمعات ولكنّها لا تبنيها، فالذي يبني المجتمعات هو الثقافة، والأجيال التي أثرت في تونس الى غاية هذا اليوم تعلمت السياسة عن طريق الثقافة ونوادي السينما والكتب والمسرح..
    نذكر ايضا ان هذه الوقفة ليست سياسيّة، بل انّ مطالبنا الأربعة يمكن ان تتفق حولها كل الأطراف السياسية.. فالمسألة مسألة حياة أو موت وليست من الكماليات.
     

    نصر الدين السهيلي: حتى لا يكون لنا حلاّج ومقفّع آخران نحن في مرحلة تغلب عليها الضبابية اذ لانعرف إلى أين ستقودنا هذه القافلة فبإسم الحضارة العربية والاسلاميةوبإسم الأخلاق الحميدة وبإسم الإحترام والحلال و الحرام، أضحت مواضيع الثقافة والحريات مهدّدة وأضحت محاكم التفتيش مسألة واردة خاصة ان القوة الحقيقية الرجعية التي تحكم الشارع، دخلت الى الجامعة والمعاهد وقاعات السينما واعتدت على الفنانين، ومن هذا المنطلق، نطالب نحن الفنانون باستكتاب حقوقنا الفنية .. «ماذابينا نعملوا وريقة مابيناتنا بصفتها سنة حميدة، باش نضمنوا انوا ما ايكونش عناحلاج آخرأو ابن المقفع آخر في تونس 2012».
    المبدع لا يمكن ان يأتمن اي طرف على مستقبله ولذا وجب عليه التحرك من اجل حماية نفسه وابداعه.
     

    سليم الصنهاجي: مطالبنا بعيدة كلّ البعد عن الإيديولوجيات من البديهي ان نطالب اليوم بتضمين الحقوق الثقافية في الدستور وقد أضحى كل شيء مشكوكا فيه ومربوطا بخيط رفيع..
    قد يعتقد البعض انّ الصمت ضعف، لكنهم يتناسون انّ الصمت يمكن ان يكون أقوى من البركان..
    وقفتنا اليوم هي وقفة حضارية وخطوة استباقيّة الهدف منها ترسيخ الثقافة في الدستور حتى لا تكون مسألة ثانوية خاصة انّ القطاع الثقافي يشغل الآلاف من المواطنين وشخصيا أحلم بمسرح حرّ ومستقل وان نبدع ونصارع ونحارب ـ نحن الفنانون ـ في الفن ولا في ما هو جانبي.. هامّ جدا أيضا، ان نؤكد على انّ مطالبنا بعيدة كلّ البعد عن الايديولجيات، فالفنان يجب ان يظلّ  مستقلا لا ان يستغلّ لتبييض الواجهات.. يجب ان يعبّر عن الفنّان كما قال الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ امام:«الخط دا خطي والكلمة دي كلمتي».

    شيراز بن مراد

"صاحب الحمار" للفاضل الجزيري في افتتاح الدورة 15 لأيّام قرطاج المسرحية: الشعب.. الشعب.. ولا شيء غير الشعب

لقد استعصى على من حضر عرض افتتاح الدورة الخامسة عشرة لأيام قرطاج المسرحية، متابعة مسرحية «صاحب الحمار» للمسرحي فاضل الجزيري... فقد شهد العرض عثرات تقنية عديدة على مستوى الصوت ولم يتسنّ للمتفرجين تبين فحوى حوارات الممثلين، هذا فضلا عن النشاز الذي أحدثه بعض الحاضرين، فبحجة أنّهم لم يستسيغوا المسرحية، راحوا يكيلون التهم للفاضل الجزيري بطريقة اقل ما يمكن ان يقال فيها انّها فجّة وخالية من الحياء...
ورغم هذه العوائق نعترف بأنّ الفاضل الجزيري قدم عرضا مسرحيا ثوريا يقطع مع العروض الكلاسيكية وذلك على مستوى توزيع الأدوار والتنافذ بين الماضي و الحاضر... فقد قام الجزيري بتحويل وجهة البطولة من المفرد إلى الجمع، اذ لم تكن الشخصية الرئيسية للمسرحية ـ كما انتظرنا ـ «ابو يزيد صاحب الحمار» الذي قاد في عاصمة الفاطميين المهدية ـ في القرن التاسع ميلادي ـ ثورة ضد الفقر والظلم ثم انحرف بها ليصبح طاغية يقمع ويسفك الدماء، بل كانت «الشعب» أوتلك الطائفة من الشعب التي ساندت «ابو يزيد» في ثورته والتي اختار الجزيري أن يسلّط عليها الأضواء، ولتجسيد هذه الفكرة استنجد المخرج بقرابة 150 ممثلا شكلوا ذلك «الجسد الواحد» الذي سخط وثار وحارب وشيّع الجنازات ومثل في المحاكمات وكأن بالفاضل الجزيري يريد من خلال هذا التمشي تكريم الشعوب الثائرة في المنطقة العربية والتي أضحت صانعة الحدث وصاحبة الكلمة.
أما في ما يخص التنافذ بين الماضي و الحاضر، فقد سعى الجزيري إلى تذكيرنا بحقيقة سرمدية وهي أنّ التاريخ تكرار مستمر، إذ قامت الثورات العربية بعد مرور أكثر من إحدى عشر قرنا على ثورة «صاحب الحمار»، وأيضا بأنّ معارك الإنسان ضد الفقر ونضاله من أجل العدالة والمساواة قضايا أبديّة لم تجد لها لا الحكمة ولا الأزمان الحلول النهائية... وفي هذا السياق لم يحرم الجزيري نفسه من "اسقاطات زمنية خيالية" تداخلت فيها الأحداث والأقوال والأفعال بطريقة تفاجىء المشاهدين إلى حدّ صدمهم... هذا فضلا عن الشخصيات الطريفة التي أدمجها في العرض ومنها تلك الفتاة التي ارتدت لباسا أخضر وبدت كالدودة التي تنخر الجسم السليم، وأيضا تلك المرأة الحزينة التي ظلت تطوف بالركح وكأنها الذاكرة التي تراقب عاجزة الصراعات التي لا تنتهي.
وأمّا وقد شاهدنا ثورة الجزيري فليسمح لنا مخرج «النوبة» بأن نسوق بعض الملاحظات منها أن فضاء القبة لم يكن ملائما للمسرحية وللحميمية التي يفترض ان تربط الممثلين بالمشاهدين، وأمّا الإشارة الثانية فتتعلق بالموسيقى الجميلة جدّا التي رافقت العرض ونحن نعيب على الجزيري عدم التوفق في إستغلالها إذ بدت قوية وداعمة بشدة لبعض المشاهد كذاك الذي جمع عمار بعشيقته عائشة بينما كانت غائبة كليا من مشاهد أخرى... «صاحب الحمار» للفاضل الجزيري لم تفتتح فقط أيام قرطاج المسرحية بل استكشفت مسلكا مسرحيا ميزته الأولى الرمزية في التعاطي مع الاحداث.
شيراز بن مراد

هل أخطأت النهضة والمؤتمر والتكتّل في حق الشعب التونسي؟



لئن لم يحن بعد الوقت للحكم على أداء الحكومة التي اختارها التحالف الفائز في انتخابات 23 أكتوبر، فانّ سؤالا أصبح يطرح نفسه بإلحاح هذه الأيّام وهو هل أخطأت النهضة والمؤتمر والتكتّل في حقّ الشعب التونسي؟ هل أخطأ الثالوث الحاكم عندما بادر بتعيين وزراء نهضويين ومؤتمريين وتكتليين في الوقت الذي طالب فيه العديد من المتابعين للشأن السياسي بتعيين حكومة تكنوقراط أي أخصّائيين تكون درايتهم أشمل وأعمق بالمشاكل التي تعصف بالبلاد..
كان طبيعيّا أن تتولى النهضة تسمية الحكومة التي تراها الأنسب لتصريف شؤون البلاد بما أنّها تصدرت الأحزاب الفائزة في الانتخابات، لكن ما نعيشه اليوم من اهتزازات وارتباك وانفلاتات يؤكّد لنا انّه كان من الأجدى والأسلم التفكير بمنطق مصلحة البلاد ولا بعقلية المكافأة السياسيّة..
أتذكّر في هذا السياق أنّ أحد نوّاب النهضة تحدّث عمّا أسماه «تخميرة المنهزمين في الانتخابات» والصّواب في أن نتحدّث عن «تخميرة الفائزين» التي سكنت عقول قادة حركة النهضة فإذا بهم يعرضون عن الكفاءات والخبرات التي تعجّ بها البلاد ليهدوا الحقائب الوزاريّة لأعضاء لا أعتقد أنّهم الأكثر أهلية لحلّ مشاكل تونس اليوم..
إنّنا مازلنا الى حدّ هذه الدقيقة ننتظر الشّرارة القادحة لدفع قاطرة البلاد ولكن لا التصريحات ولا المواقف تدلّ على انّ العهد الجديد الذي طالما انتظره التونسيون انطلق... فوزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو ما انفكّ يحتجّ على عبارتي «رئيس مؤقّت» و«حكومة مؤقتة» وفي هذا مضيعة للوقت وانصراف إلى ما لا ينفع ولا يفيد، فكلّنا مؤقّتون وزائلون عن هذه الدنيا.. وأمّا وزير الصناعة والتجارة الأمين الشخاري فقد صرّح بأنّ الملفّات عديدة وعديدة جدّا في قفصة وهذه حقيقة تجاوزها الزمن وما كنّا ننتظر قدوم الشخاري ليكتشفها لنا..
لنقلها بصراحة، يبدو لنا وكأنّه تمّ تجاهل كفاءات البلاد (خبراء في الاقتصاد، في الماليّة، في التخطيط، في التنمية) لصالح موالين وأنصار تقتضي الموضوعيّة أن نعترف بأنّ أغلبهم ليسوا رجال المرحلة وليس لهم من الصنعة ما يسمح لهم بانتشال تونس من الأوضاع التي تردّت فيها...
نحن بحاجة اليوم الى New Deal أو عقد جديد كالذي وضعه الرئيس الأمريكي روزفالت سنة 1929 عندما زعزعت أمريكا أزمة اقتصاديّة خانقة فقد أقرّ مخطّط انقاذ قاوم به التدهور المصرفي والاجتماعي وذلك من خلال تشغيل قرابة 3 ملايين شاب ينتمون الى الأسر الضعيفة الحال في ترصيف الطرق وغرس الأشجار والعمل في مشاريع الصيانة كما أنشأ إدارة الأشغال العامة التي دعّمت بعث المشاريع والاستثمارات إلى غير ذلك من القرارات الثوريّة.. ومقابل هذا فإنّ ما يزعجنا اليوم هو انعدام الرؤية وغياب التخطيط القادرين على تغيير أحوال البلاد..
وإذا كان لابدّ من رسالة لأولي الأمر فهي التالية: لن ينفع الشعب التونسي في هذه الأوقات العصيبة، لا الوعود الفضفاضة ولا الابتسامات العريضة، بل المطلوب من حكومتنا أن تنكبّ في أولى جلساتها على الاستنجاد بالطاقات المشهود لها بالكفاءة كلّ في ميدانه لعلّ تونس تتخلّص من الاختناق الذي يكبّلها...

شيراز بن مراد

الخميس، 5 يناير 2012

تونس بحاجة إلى برنامج إنقاذ لا إلى كلام فضفاض

في الوقت الذي كان فيه التونسيون ينتظرون قرارات حاسمة ودعوة لعقد استشارات على المستوى الاقتصادي بالخصوص من أجل دفع عجلة النمو، طلع علينا وزراؤنا الجدد بتصريحات عشوائية لا تدل على إلمام حقيقي ببواطن الأمور..
فقد تعددت التصريحات الاعتباطية التي لا تنبئ بخير، فهذا وزير المالية حسين الديماسي يقترح الترفيع في سعر البنزين إلى دينارين بالنسبة للتر الواحد وهو ما من شأنه أن يُضرّ بدرجة أولى بأصحاب التاكسيات واللواجات والنقل الريفي والفلاحين والبحارة الذين سيرون مداخيلهم تتدنى.. وكان من الأجدى النظر في إمكانية سن سياسة جبائية جديدة أو اعتماد حلول أخرى يقترحها خبراء اقتصاديون أو محللون ماليون وهم كثيرون في بلادنا..
وهذا وزير الشؤون الدينية نورالدين الخادمي يدعو إلى الجهاد من أجل تحرير فلسطين، وكان حريّا به ان يدعو إلى الجهاد من أجل التحرر من البطالة والتفكير في إيجاد حلول عملية لتطهير الوزارة وغيرها من القرارات التي يمكن أن تخدم صورة إسلام متفتح ومتسامح..
وهذا مهدي مبروك وزير الثقافة يعلن أن «هناك ثوابت يرسمها الجمهور المتلقي ستعمل بها الوزارة».. لقد كان على الوزير أن يعلن أنّ وزارته ستهيئ الأرضية الملائمة للمثقفين والمبدعين و ستعمل على صيانة حرياتهم، بدل أن تصبح رهينة الثوابت التي يرسمها الجمهور! وقد نسمع قريبا عن أعمال مدعومة من وزارة الثقافة شبيهة بالمسلسلات التركية والسيتكومات الأمريكية بما أن الجمهور «عايز كده»!..
وقد كان صرّح لنا أحد الخبراء الاقتصاديين أن تونس بحاجة إلى برنامج إنقاذ «plan de sauvetage» واضح المعالم يعمل على تحقيق أهداف على المدى القصير (6 أشهر أو سنة على سبيل المثال)، فحزب النهضة ـ والكلام له ـ لم يتسلم الحكم وتونس تنعم برغد العيش بل إن الوضع الاجتماعي ينذر بالتفجر إذا لم يتم اتخاذ قرارات عاجلة تؤدي إلى تهدئة الأجواء وتفتح السبل أمام عودة الاستقرار ومنها عودة الاستثمار واسترجاع الاقتصاد نسقه السابق على الأقل.. ويردف الأخصائي قائلا : «كل ذلك في انتظار اصلاحات هيكلية تمكننا من فتح آفاق تشغيلية جديدة ومن اجراءات عملية في قطاعات الصحة والتعليم والنقل وغيرها».. ولم يخف محدثنا تخوفه من عدم تمكن الوزراء الحاليين من الاهتداء الى الحلول الملائمة نظرا إلى نقص خبرتهم على المستوى الإداري.
إننا لسنا بحاجة إلى تصريحات فضفاضة وإلى ما يشبه ذر الرماد في العيون ولسنا بحاجة إلى صورة سمير ديلو وهو بصدد إمامة موظفيه في الوزارة كما أننا لسنا بحاجة إلى صورة محمد بن سالم وزير الفلاحة وهو يعانق زيتونة بل نحن بحاجة إلى قرارات مدروسة وجريئة قد تسكن شيئا من أوجاع هذا الشعب..

شيراز بن مراد

لوحتان تجسدان الرسول وراء عدم توزيع مجلة «لوبوان» الفرنسية في تونس

استغرب بعض المتابعين للشأن الإعلامي من اختفاء العدد الأخير من مجلة «لوبوان» الفرنسية من الأكشاك التونسية خاصة أنّه تضمن ملفا تطرق إلى موضوع وجود الالاه (Questions et réponses sur l’existence de Dieu) وحذروا من خطورة هذا الإجراء الذي يذكرنا بعمليات المنع والصنصرة التي كانت خبزا يوميا أيّام النظام البائد.
وللتحري في الأمر اتصلنا بالسيد صلاح النوري المدير العام للشركة الوطنية للصحافة (SOTUPRESSE) التي تتوّلى توزيع الصحف الأجنبية بتونس، فأكّد لنا أنّه هو الذي اتخذ هذا القرار ـ أي عدم توزيع العدد ـ إذ أنّ العدد المذكور تضمن صورا تجسد الرسول ے وأشار إلى أنّنا لسنا بحاجة اليوم في تونس إلى إشعال فتيل الجدل أو «البوليميك».. وأضاف موضحا: «لقد اتصلت بي إحدى المسؤولات بصحيفة لوبوان خلال شهر نوفمبر وأعلمتني أنّ عدد رأس السنة سيتضمن ملفا حول الإلاه، فتناقشنا حول إمكانية تقليص عدد صفحات العدد من خلال إزالة الرسوم أو الصور الكاريكاتورية التي يمكن أن تمس من عقيدة المسلمين ـ وهو أمر معمول به بالنسبة للصحف التي يتم تصديرها نظرا للكلفة الباهظة لمعاليم النقل ـ لكنّ هذه المسؤولة اتصلت بي لاحقا لتعلمني أنّه لا يمكن حذف أي جزء من الملف... ومن هناك اتخذت قراري بعدم توزيع العدد ولو أنّي أؤكد لكم أنّه ليس لنا الحق في الصنصرة، وعلى كلّ من يزعجه موضوع ما أن يردّ الفعل بكتابة ونشر رأيه، وقد توليت توزيع عدّة مجلات تحتوي على مواضيع شائكة أو حساسة لأنّّ ذلك يدخل ـ حسب اعتقادي ـ في إطار حريّة التعبير، لكن العدد المذكور من مجلة «لوبوان» جاءت فيه صور للرسول الكريم، فلم أتردّد في حجبه».
وبسؤالنا إيّاه إن مورست عليه بعض الضغوطات، نفى السيد صلاح النوري أن يكون تعرض إلى أيّ شكل من أشكال المضايقة من قبل أي مسؤول سياسي منذ يوم 14 جانفي قبل أن يستدرك قائلا إنّ أحد رجال الأعمال وحتى يمنع أحد المقالات من الوصول إلى عامة الناس، فقد عمد الى اقتناء كلّ النسخ المعروضة للبيع في السوق.
ولأنّ عملية الصنصرة باتت شبه مستحيلة بفضل وسائل الاتصال الحديثة، فقد اطلعنا على العدد المذكور من مجلة «لوبوان» على شبكة الانترنات، وتحديدا على الملف الخاص الذي أعدته المجلة بمناسبة رأس السنة فإذا به يستعرض آراء ومواقف لمثقفين وفلاسفة وباحثين حول موضوع العقيدة وقد عبّر بعضهم عن تعلقهم وحبهم للّه في ما عبّر آخرون عن عدم إيمانهم أو إلحادهم.
كما تضمن الملف عددا من الصور التي تجسد الانبياء والرسل ومنها لوحتان تتعلّقان بالرسول محمد ے وفي اللوحة الأولى رسم يبرز سيدنا جبرائيل بصدد تبليغ الوحي للرسول في غار حراء بينما تمثلت الصورة الثانية في لوحة زيتية بريشة الرسام موريلي ويظهر فيها الرسول بصدد إمامة مجموعة من المسلمين وقد رسمت اللوحة في القرن التاسع عشر.
فهل أصاب المدير المسؤول للشركة الوطنية للصحافة باتخاذه قرار الحجب أم أنّه كان ينبغي عرض المجلة للبيع وترك الحكم للقراء الذين هم وحدهم بإمكانهم ـ إن شاؤوا ـ رد الفعل والتعبير عن موقفهم؟

شيراز بن مراد