الخميس، 23 فبراير 2012

رغم وصفه العلمانيين بـ«الحاقدين على الإسلام وبالكفار» ودعمه للجهاد المسلّح وزير الخارجيـة رفيق عبد السلام والنائب النهضوي أبو يعرب المرزوقي يعتبران أنّ خطاب وجدي غنيم لا يحرّض على الكراهية ولايدعو إلى العنف!!

رغم تعالي أصوات العديد من الحقوقيين من محامين وناشطين في مجال حقوق الإنسان للتنديد بما جاء في خطب الدّاعية المصري وجدي غنيم من تحريض على العنف وزرع للكراهية بين أبناء الوطن الواحد، فإنّ وزير الخارجية رفيق عبد السلام والنائب النهضوي أبو يعرب المرزوقي ـ وغيرهما عديدون ـ اصطفا في شق من اعتبروا أنّ ما ورد في خطاب غنيم «عادي» و«غير مثير للأحقاد»...
فقد صرّح وزير الخارجية يوم الجمعة 17 فيفري في ندوة صحفية «أنّه ما دام ضيف تونس لم يحرّض على الكراهية ولم يمسّ من استقرار الأمن، ولا ملف جنائي له، فإنّ كلّ ما يصرّح به يلزمه هو وحده». وأمّا أستاذ الفلسفة والنائب أبو يعرب المرزوقي فقد كتب رسالة وجهها إلى من اعتبرهم «متطرفي العلمانية» ذكر فيها: «لو جاء في أراء غنيم ما يدعو إلى العنف أو إلى التفرقة العنصرية لقامت الحكومة بالإجراءات القانونية التي يقتضيها المقام».
هل استمع عبد السلام
وأبو يعرب لخطاب غنيم؟

ونعترف بأنّ هذه التصريحات استفزتنا ناهيك أنّ المتابع لخطب غنيم يلاحظ ما يكنّه هذا الدّاعية من حقد للعلمانيين إذ يصفهم «بالحاقدين على الإسلام» و«بالكفار» وهو تحريض صريح ـ لا لبس فيه ـ على الكراهية وحث على التفرقة بين أبناء الوطن وتأليب شق على آخر.. ومن هذا المنطلق، فإمّا أن يكون عبد السلام وأبو يعرب أصدرا أحكامهما المؤيدة لوجدي غنيم دون الاستماع لما جاء في خطابه الداعي إلى الفتنة أو أنّ مفهوم الكراهية والدعوة إلى العنف لديهما مختلف عما هو متعارف عليه بمعنى أنّهما يعتقدان أنّ وصف غنيم للعلمانيين بـ«الكفار» أمر عادي، كما يعتبران أنّ «حثّه على الموت» مسألة عاديّة، كما أنّهما لا ينزعجان من تشبيهه للمرأة بـ«الفرخة» وللممثلين بـ«المجرمين الآثمين» ومن استهزائه من السباحات التونسيات اللاتي رفعن راية تونس عاليا.
وهي مواقف لا يمكن إلاّ أن نتبرأ منها خاصّة أنّها صدرت عن مسؤول حكومي رفيع ومن نائب يتكلّم باسم الشعب في بلد يسعى ـ نظريا ـ إلى فرض قيم المساواة والتسامح والاحترام بين مختلف تياراته.
«كافر» و«آثم» و«مجرم» قاموس محبّذ لدى غنيم
لكن لنعد قبل كل شيء إلى بعض ما جاء في كلام الداعية وجدي غنيم وأول ما نلاحظه هو استسهاله استعمال بعض المصطلحات كنحو «كافر» و«آثم» و«مجرم» مستهزئا ـ خاصّة ـ بفئات معينة مثل العلمانيين والممثلين والرياضيين.. وتجدر الملاحظة أنّ غنيم لم يشأ أن يورّط نفسه في مسألة ختان البنات التي تلاقي رفضا شعبيا واسعا..
ولمن قالوا إنّ كلام غنيم لا يدعو إلى الفتنة، نعرض مقتطفا ممّا جاء على لسانه: «العلمانيون والليبيراليون والرقاصون.. الحاقدون على الإسلام، الكارهون للدّين، نقول لهم أوّلا موتوا بغيظكم».. وهي جملة تجسّد أحسن تجسيد الدعوة للكراهية والتباغض لكأنّ العلمانيين والليبيراليين أبالسة يجب القضاء عليهم... وقد كان حريّا بغنيم ان يفي لحديث عن رسول الله ے «قيل يا رسول الله ادع الله على المشركين.. قال: إنّي لم أبعث لعانا، وإنّما بعثت رحمة للعالمين»...
«أسأل الله أن نموت متقطعين»..
أليست هذه دعوة للجهاد المسلّح؟

لنمرّ إلى الجهاد الذي يبدو أنّ غنيم لا يعترف بمنحاه السلمي على غرار العمل وطلب العلم بل أنّ الجهاد بالنسبة إليه هو ـ بالأساس ـ الموت في سبيل الله، إذ يقول: «العاقل هو إللي يموت شهيد.. هي موتة موتة.. بدل منموت في طريق سريع في عربية في حادثة.. أموت شهيد ويا ربي قطع جسمنا كلو في سبيلك يا رب»!!! ويستحضر غنيم في هذا السياق ما حدث له مع قناة الجزيرة حيث «بهذل» ـ حتى حدّ تعبيره ـ بأحد الصحفيين بعد أن صرّح: «أسأل الله لي ولأخي إسماعيل هنية الشهادة في سبيل الله، وأن نموت كدا متقطعين».. ولا أدري لماذا يحث غنيم أبناء وطني على الجهاد المسلح فيما ينتقل هو من صالون إلى صالون ومن منبر إلى منبر ومن جامع إلى جامع بعيدا عن ميادين القتال التي ينصح الآخرين بإراقة دمائهم فيها.. فأي دمغجة أشنع من هذه؟
وفي حديثه عن المبدعين، يصف هذا العلامة الممثلين «بالمجرمين الآثمين» ولو بدا واضحا أنّه من المتابعين للمسلسلات المصرية «البايخة»، ومنهم يمرّ الى الرياضيين أو بالأحرى الرياضيات التونسيات، فيطنب في وصف اجسادهن ـ ويبدو أنّه حملق فيهنّ جليا ـ ليسخر أخيرا من السباحة التي رفعت رأس تونس عاليا... وهنا لن أعلق إلاّ بعبارة «ستين داهية» وهي العبارة التي يحبّذها غنيم..
«العالم» غنيم يصف الرّجل
بالدّيك والمرأة بالفرخة!

أمّا في ما يتعلق بموضوع المساواة بين المرأة والرّجل، فيبرز غنيم بنظرته الدونية والمحقرة للمرأة، إذ تساءل قائلا: «مساواة إيه بين الرجل والمرأة؟.. الديك ديك والفرخة فرخة!!» هكذا يصف مؤيد ختان البنات المرأة أي إنّها مجرّد «فرخة» فكيف لها أن تتساوى مع الدّيك؟ متناسيا حديث النبي ے : «إنّما النساء شقائق الرّجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلاّ لئيم»... فيا لسعة خيال هذا «العالم» الذي هبط بمبدأ المساواة بين الجنسين إلى حظيرة الحيوانات... والثابت أنّ من أعجبهم هذا التشبيه الحيواني سيتسردكون على زوجاتهم كدليل فحولة، فالديك حيوان مقدام يتشرّف بعض الرجال الأشاوس بالتشبه به.. وممّا لا يرقى إليه أي شك أنّ غنيم لا يعلم شيئا عن فارسات هذا البلد، نساء كألف رجل ناضلن وضحين من أجل رفعة شأن هذا الوطن.
مهما يكن من أمر، ليت وزير الخارجية رفيق عبد السلام والنائب باسم الشعب أبو يعرب المرزوقي يوّضحان مواقفهما من الآراء التي تطرّق إليها وجدي غنيم حتى لا نسيء بهما الظن ولا نحشرهما مع أتباع هذا الدّاعية.

شيراز بن مراد

ثورة غير درج» لرضا التليلي: الحرية والثورة والمقاومة كما يراها أهل الكهف

من المياه ما يجري في الأودية الرئيسية ومن المياه ما يتفرّع عنها ليجري في الروافد الجانبية المفعمة بروح تنبض حريّة ومقاومة ورفضا للقوالب الجاهزة.. في هذه الروافد، نبش المخرج رضا التليلي (شُهر أيّا كان) نبش من يبحث عن محارة نادرة ليقع اختياره على جمعية «أهل الكهف» التي أنجز حولها شريطا وثائقيا وهي التي اختصت في فن الشارع (Street art) للتعبير فنيّا عمّا يشغلها من قضايا مجتمعية.. وقد عرض الفيلم الذي يحمل عنوان «ثورة غير درج» خلال الأسبوع الفارط في إطار الملتقى السنوي الأوّل لمخرجي الأفلام التونسية.
وفي هذا السياق، قد تكون اعترضتكم جدران كساها أعضاء «أهل الكهف» بفنهم الذي يدعو إلى تحريك المياه الآسنة، وقد تكونون شاهدتم حائطا رُسم عليه سرب من النّمل يغادر مغارته في إيحاء لعقلية القطيع السائدة، وقد تكونون شاهدتم على بعض المنازل المتداعية صورا لوجوه فلسفية بارزة على غرار ميشال فوكو الذي عرف بنقده لميكانيزمات الضغط التي تمارسها السلطة من خلال مجالات تبدو محايدة على غرار الفن أو الطب أو تكونون لاحظتم رسما لحذاء طاغية يرمز للقمع الذي يمارسه الحكام..
ودون تكلّف أو اصطناع، اقترب المخرج من محمد علي اللطيّف وزياد الحضري (وهما عضوان من جمعية «أهل الكهف») ليلامس بعض ما يعتمل في أعماقهما، فاستمع إلى أحلامهما وإلى مواقفهما والتي خلاصتها أن الثورة لم تستكمل بعد.. وقد توّفق «أيّا كان» في نقلنا من المنظومة السائدة بقواعدها وبنواميسها إلى منظومة أخرى تختلف فيها الرؤى والمنطلقات والخلاصات والتي اختارت جماعة «أهل الكهف» أن تعيش في ظلّها، من ذلك أن محمد علي اللطيّف يرى أن الإعلام العمومي هو الناطق الرسمي باسم الحكومة، بينما يشكل الإعلام الخاص احتياطي السلطة، كما يعتبر محمد علي أن أول شهيد للثورة التونسية ليس محمد البوعزيزي بل حفناوي مغزاوي الذي قتل يوم 6 جوان 2008 برصاص قوات الأمن خلال الاحتجاجات التي عرفها الحوض المنجمي..
ومن بين ما صوّر رضا التليلي جلسة شارك فيها الصحفي الفاهم بوكدوس والسينمائي رفيق عمراني وتطرق فيها الحضور إلى أهمية الصورة التي تؤرخ وتفضح وتكشف السيء من الممارسات.. وفي هذا الصدد، صرّح الفاهم بوكدوس أن «قمع الصورة سيتواصل لأن الأنظمة الاستبدادية، تخشى الابداع وكل ما هو محفز للنضال»..
ويمكن القول أن رضا التليلي اقتفى في «الثورة غير درج» أثر ذرات صدق متناثرة وذرات فن صادق يستفز ذكاء المتلقي ليدفعه على درب السؤال والى مقاومة كل أشكال الاستبلاه.. تلك هي الصورة التي ارتسمت في أذهاننا عن جماعة «أهل الكهف»، كهف لا يعترف بالظلمات بل يتحداها لنشر الحرية والانعتاق من كل الأغلال..
ولعل أجمل ما في الفيلم، تركيز المخرج على تصوير لحظات ضعف كما لحظات ابداع وعطاء «أهل الكهف»، وهو أجمل ما يمكن أن يرويه فنان عن فنان..

شيراز بن مراد

الخميس، 16 فبراير 2012

النائب النهضوي الصحبي عتيق: «التكفير من مهام المجالس المختصة»!

فوجئنا منذ أيّام بتصريح لرئيس كتلة النهضة في المجلس التأسيسي الصحبي عتيق يقول فيه إنّ «التكفير ليس من مشمولات حزب النهضة بل هو من مهام المجالس المختصة»..
ولئن بدا هذا التصريح منطقيا بالنسبة إلى حزب سياسي يصف نفسه بالمدني، فإنّ الخطير والغريب فيه أن يتضمن تزكية نائب من حركة النهضة لمبدأ التكفير الذي طالما عانى منه عدد من المفكرين والمبدعين العرب وحتى التونسيين.
فكيف لطائفة أن تحتكر حق تصنيف العباد لتؤكد إسلام هذا أو كفر ذاك؟ وبأي حق تجيز مجموعة من الأفراد أو مؤسسة دينية لنفسها حق ملاحقة من يخالفونها الرأي أو وجهة نظر؟
وتطرح مسألة التكفير هذه معضلات عديدة، أوّلها تعريض المستهدف بالفتوى للاعتداء وحتى القتل على غرار ما حدث لعدد من المفكرين، وفي هذا تلاعب بالحياة البشرية التي هي عطية من اللّه..
أمّا ثانية هذه المعضلات، فتتمثل في اعتقاد من يصدرون فتاوى التكفير، امتلاكهم الحقيقة المطلقة في حين أنّ الحقيقة متعدّدة الوجوه ونسبيّة ولا يمكن بأيّة حال من الأحوال أن تتسلط فئة من الناس على فئة أخرى بدعوى احتكار الصواب المطلق أو المعرفة التامة.
وتتعلق المعضلة الثالثة بخطورة التأويلات التي يُستند إليها عند التكفير، فلكلّ منا تأويله لهذه الحادثة أو تلك، وأن يفتح الباب أمام التأويلات التي تؤدي إلى إهدار الدّم، ففي هذا تجاوز لكل الحقوق البشرية والمواثيق التي تحمي حق الفرد في الحياة.
إنّ مؤيدي التكفير أبعد ما يكونون عن مبادئ الإسلام السمحة التي تدعو إلى الاعتدال والتسامح والحِلم، أفلم يقل سبحانه وتعالى في سورة فُصلت: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم» (الآيـة 26) أليس كذلك سيد عتيق؟ مع العلم أنّ هناك من يسعى إلى تجريم التكفير باعتباره اعتداء على النفس البشرية..
والملاحظ في هذا السياق، أنّ مشروع الدستور الذي نسب إلى حركة النهضة ويتمّ تداوله حاليا يقترح في الفصل 126 إحداث مجلس إسلامي أعلى يتولى إصدار الفتاوى طبقا للشريعة الإسلامية، وقد يكون ـ إذا صحّ ما يتردّد ـ المدخل الذي ستعتمده بعض الأطراف لإصدار الفتاوى بمختلف أصنافها.. والمتأمل في المشهد الافتائي العربي يلاحظ شيئين على غاية من الأهمية أوّلهما خطورة الفتاوى التكفيرية التي تبيح إراقة الدماء وثانيهما ضحالة بعضها ومنها فتوى إرضاع الكبير (إرضاع المرأة لزميلها في العمل حتى يصبح محرّما عليها)، وفتوى منع لمس الموز والخيار على النساء وفتوى تحريم كرة القدم وتحريم الجلوس على الكراسي وغيرها..
ولقد كان أحرى بمن يغالون ويدعمون التكفير أن يصرفوا أنظارهم إلى احترام الحريات وتدعيم الحقوق الفردية والجماعية والعمل من أجل رخاء هذه البلاد.. ونعترف بأنّ موقفنا هذا نابع من حبنا لهذا الوطن الذي نريده واحة سلم وأمان وتعايش بين الجميع مهما كانت اختلافاتهم.

شيراز بن مراد

«الحي يروّح» لصابر الوسلاتي: فصول من الـمبكي والـمضـحــك

ماهي الصور التي ستبقى راسخة في أذهاننا من الحقبة التي سبقت الثورة؟ هل هي الصورة التي حاول النظام السابق تسويقها عن «بلد الفرح الدائم» أم هي أوراق متداخلة من النفاق السياسي والظلم والحبس والتعذيب؟
في محاولة لإحياء الماضي غير البعيد وتكريما لسجناء الرأي في تونس والعالم العربي (ومنهم نورالدين بن خذر وفتحي بلحاج يحيى وجلبار نقاش)، قدّم المخرج صابر الوسلاتي مسرحية «الحي يروّح» بفضاء التياترو، وهي عبارة عن لوحات راوحت بين فصول من المبكي والمضحك.
فمن المبكي، تلك اللوحات التي نقلت عزلة المساجين (والتي جسدها عمار اللطيفي) في تلك المربعات الضيقة التي خنقت الحريات وقمعت الذات البشرية بتعلة الانتماء إلى حركات سياسية متطرفة، فضلا عن شهادة تلك المرأة (أسماء الوسلاتي) التي قضت ثماني سنوات بأيّامها ولياليها وراء القضبان بتهمة «السعي إلى تخريب البلاد»..
ومن المضحك، شخصية المايسترو (صابر الوسلاتي) التي اختزلت خطاب الأحزاب الكرتونية التي كانت موجودة على الساحة، فإذا به يزايد بأفكار ومقترحات هدفها ذرّ الرماد على العيون والضحك على الذقون وكذلك شخصيتا المستشارين السياسيين (ياسين دويرة ومهدي الكامل) الذين يُمعنان في النفاق السياسي استجداء لمنّة أو لترقية زائفة. أضف إلى ذلك لوحة الآنسة (أميمة بحري) التي استعرضت جوانب من نظام سعى إلى تلميع وجهه الميكيافيلي حتى بات يُروّج للمعتقلات وكأنّها مواقع سياحية!
ولإعطاء لوحاته الشحنة الدرامية المناسبة، اعتمد المخرج على توضيب ركحي مميّز أبرز الأجواء الخانقة التي عاشها عديد المناضلين السياسيين كما وُظف لصالح الكوميديا التراجيدية السياسية التي شارك البعض الآخر في إذكاء نارها.. ولعلّ التوابيت السوداء الثلاثة، التي شكلت الديكور الأساسي لـ«الحيّ يروّح» نجحت في إشاعة رائحة الموت التي كانت قائمة قبل الثورة، موت الفكر وموت الحريّة وموت «أجزاء منا».
«الحي يروّح» جزء من عبارة أطول هي «الحبس كذّاب والحي يروّح»، ويُقصد بها رفع معنويات من حُكم عليهم بالسجن إذ سيأتي حتما يوم يغادرون فيه معتقلاتهم، وهي الصورة التي أراد صابر الوسلاتي طبعها في أذهاننا، فما دامت الحياة متواصلة، فإنّ الأمل قائم..

شيراز بن مراد

الباحث السوري سلام الكواكبي: كفى القول بأنّ مؤامرة تستهدف سوريا، فـفـي ذلـك قلة احتـرام للسوريـيـن ولضحــايا الثـــورة

طالب الباحث السوري سلام الكواكبي، في لقاء انتظم خلال الأسبوع الفارط بفضاء «لارماتان» بباريس، بضرورة الكف عن التحدّث عن مؤامرة تستهدف سوريا، معتبرا أنّ ذريعة المؤامرة تنم عن ثقافة عربية عقيمة ترفض الاعتراف بأنّ هناك شعبا ثار على حاكمه.. وأكّد أنّ في هذا الادّعاء قلّة احترام للسوريين وللضحايا الذين أصبحوا معروفين بالاسم والذين وصل عددهم إلى 7 آلاف ضحية (نتحدّث عن 10 آلاف ضحية على أرض الواقع).
وبخصوص المشككين في ما تنقله بعض وسائل الإعلام من جرائم في حق الشعب السوري، لاحظ سلام الكواكبي أنّ البعض يطعنون فيما تورده قناة «الجزيرة» من أحداث وأرقام وشهادات، لأنّ لهم موقفا سياسيا من دولة قطر، ولكن بمتابعة تغطيات «البي.بي.سي» و«فرانس 24» و«سكاي نيوز» و«سي.آن.آن»، ينتفي الحديث عن «فبركة» مادّة إعلامية عن سوريا... وأضاف الكواكبي قائلا: «في الحقيقة، نحن لا نشاهد إلاّ شيئا قليلا ممّا يحدث على الميدان، إذ لا يوجد مراسلون وصحفيون قادرون على التنقل بحريّة بين مختلف المدن السورية لإطلاع الرأي العام العالمي عمّا يجري بكلّ موضوعية وأمانة، إنّ كلّ الصحفيين الذين تمكنوا من الدخول إلى سوريا ـ وأذكر منهم بالخصوص مراسلي «البي.بي.سي» و«فرانس 24» وقناة «أرتي» ـ إنّما دخلوها بطريقة غير شرعية ولقد قبلوا تعريض أنفسهم للأخطار حتى يكونوا شهودا على الجرائم المرتكبة.. وأعتقد أنّه من الخطير أن يواصل البعض اتهام وسائل الإعلام بفبركة المجازر التي ترتكبها أجهزة النظام السوري، وهو ما يؤكد أيضا سذاجة من يقدمون هذه المزاعم».
كما قدّم الأستاذ الكواكبي بعض الأفكار والمشاريع التي تشتغل عليها مجموعة من الباحثين السوريين بهدف تقديم بدائل ولتفادي الفراغ السياسي والفوضى...فكيف يمكن للسوريين المسؤولين ـ لا المسؤولين السوريين ـ تحمل أعباء ما سيأتي وكيف لهم أن ينسقوا أعمالهم وأن يستنجدوا بالكفاءات المتخصصة ـ التكنوقراط ـ من أجل إعداد مشاريع صالحة لسوريا الغد سواء تعلّق الأمر بالإصلاح الدستوري أو العدالة الانتقالية أو إصلاح منظومة الصحة العمومية أو المشروع السياسي وغيرها..
من جهة أخرى، شدّد الباحث السوري على أهمية استعمال خطاب سياسي مطمئن موّجه إلى مختلف الطوائف، فعندما اندلعت الثورة اختارت المعارضة مخاطبة عموم السوريين، لكن الآن وبعد مرور 11 شهرا على قيام الثورة وبعد محاولات النظام إذكاء نزعة الكراهية بين الطوائف وزرع الشك لدى الأقليات، يجب انتهاج خطاب «مواطني» وموّجه في نفس الوقت نحو كل طائفة حتى يطمئنوا على مستقبلهم.. وعلّق قائلا باللغة الفرنسية:
C'est une guerre contre les civils
et non une guerre civile
أي إنّها حرب ضدّ المدنيين، وليست حربا أهلية..
ومن ناحيته استحضر السوري أيمن أسود، الذي غادر الأراضي السورية مؤخرا، التضامن القائم بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم وقدّم تطمينات في ما يتعلّق بالتماسك الاجتماعي مكذّبا الفرضيات التي تتحدث عن إمكانية نشوب حرب أهلية فكلّ الطوائف متضامنة ولها هدف واحد وهو تغيير النظام الحاكم.. وقدّم أيمن أسود شهادات عديدة منها ما حدث في مدينة درعا، التي انطلقت منها الثورة السورية وذلك على إثر اعتقال وتعذيب مجموعة من الأطفال رفعت شعارات تطالب بإسقاط النظام.. فأسوة بما أقدم عليه البوعزيزي، شكلت هذه الحادثة الشرارة الأولى للاحتجاجات التي طالبت في مرحلة أولى بإصلاح النظام ـ ولا برحيله ـ وبالديمقراطية وبالتعددية، وبالطبع قمعت هذه التحركات بالدّم وتعددت المجزر في أكثر من مدينة، لعلّ أبشعها ما تعانيه حمص. كما أكّد أيمن على سلمية المظاهرات التي قوبلت بالعنف وبالقتل ذاكرا أسماء عديد الأحياء والأشخاص الذين تعرضوا لهذه العمليات الإجرامية.
وفي سياق آخر صرّح لنا سلام الكواكبي أنّه بعد الفيتو الذي رفعته روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي، وبعد فشل تجربة المراقبين العرب، لم يبق من حلّ سوى الضغط الديبلوماسي من خلال مساندة مبادرة الجامعة العربية، وهي في الأصل مبادرة طرحها الطرف الروسي وتمّ فيها اقتراح اسم شخصية معارضة قريبة من موسكو ليصبح وزيرا أوّل غير أنّ الروس غيّروا موقفهم وهم يقومون بعملية انتقام سياسي من نظام عالمي أقصاهم عن ساحة القرار الديبلوماسي.. وأضاف محدثنا قائلا إنّه يخطئ من يتحدث عن مصالح روسية في سوريا، فرقم مبادلات روسيا مع سوريا لا يتجاوز 1 ٪ من رقم مبادلاتها مع دول الخليج العربي، فهل هناك مؤشرا أكثر فصاحة من هذا؟
أمّا في ما يتعلّق بقرار تونس طرد السفير السوري، فقد اعتبرالكواكبي أنّ الرئيس التونسي اتخذ هذا القرار على أساس إنساني وهو المناضل من أجل حقوق الإنسان قبل أن يكون رجل سياسة. واستغرب الهجوم عليه وعلى الحكومة من قبل بعض من يريد تصفية حسابات سياسوية داخلية.

شيراز بن مراد

الجمعة، 10 فبراير 2012

متى ينتهي هذا العداء؟

أحيانا وأنت تتابع البرامج الحوارية التلفزية أو تطالع مقالا صحفيا أو تستمع إلى برنامج إذاعي، تودّ لو دخلت في عزلة أوانزويت بنفسك لتقطع علاقتك بالعالم الخارجي كلّيا لما تلاحظه من عدائية وتنافر بين الإعلاميين والسياسيين وسائر المتدخلين..
فقد امتهن البعض صنعة التراشق بالتهم، فهذا يعتبر أن مصيبة الشعب التونسي في نخبته، وآخر يعارض بحدّة كل ما تتخذه الحكومة من قرارات.. كما بات يشار إلى المنتمين الى المعارضة بالإصبع وكأنهم كفار أومعدومو الوطنية، وكل ومن يشجع الحكومة صار طبّالا وممجّدا ككل الذين ساندوا النظام البائد..
وأضحى شقّ من أنصار النهضة يشبّهون المنهزمين في الانتخابات بجماعة «الصفر فاصل» وتحدّثت الأقلية عن «تخميرة» الفائزين التي أغمضت عيونهم على مصلحة البلاد ودفعتهم الى تقاسم كعكة الوزارات دون التفكير في الاستنجاد بكفاءات تمتلك دراية واسعة بكيفية تطويق مشاكل البلاد..
وفضلا عن ذلك، صار البعض منا ينظر الى السلفيين على أنهم شرذمة متطرفة تسعى الى فرض نموذج مجتمعي متشدّد دينيا لا علاقة له بتونس الوسطية والاعتدال، وفي المقابل أصبح بعض السلفيين ينظرون الى جانب من المجتمع التونسي على أنه كافر لا يحقّ له العيش على هذه الأرض..
ورأت طائفة أخرى أن التحالف الذي دعا إليه الباجي قائد السبسي لتوحيد القوى المعارضة مبادرة مسمومة و«منكرا» يجب التصدي لها، بينما علّق آخرون على قرار حمادي الجبالي بطرد السفير السوري بالمتهوّر والمرتجل، وذهب آخرون إلى نعت صحافيين بالعملاء ومساندين للصهيونية في محاولة لتكميم أفواههم ..
كما يتهم بعض العمال رجال الأعمال باستنزاف طاقاتهم وبالمشاركة في الفساد الذي كان مستشريا بينما تلقي فئة من رجال الأعمال المسؤولية على عاتق العمال وتتهمهم بالتخاذل وبتعطيل آلة الانتاج والحال أنّ البلاد تمرّ بوضع اقتصادي حرج.
وفي ظل كل هذا، يبقى المواطن حاملا نعشه فوق كتفه ـ على حد عبارة الشاعر الراحل محمود درويش ـ متسائلا متى تستقيم الأحوال وينتهي العداء والتباغض ومتى يلتفت المسؤولون في هذه البلاد الى قدرته الشرائية المتدهورة وإلى البطالة المستفحلة والى افتقار المراكز الصحية والثقافية والرياضية لأبسط الضروريّات إلى الحدّ الأدنى من المعدات القادرة على أن تعيد إلىالفرد بعضا من كرامته ومواطنته.
لقد آن الأوان لأن نضع حدّا للجدل البيزنطي العقيم ونكفّ عن معاداة بعضنا البعض ولننصرف إلى ما ينفع البلاد والعباد.. فذلك أجدى وأبقى.
.

شيراز بن مراد