الثلاثاء، 26 يونيو 2012

"زنقة النساء" : ضمار تونسي بإمضاء سوسن معالج ونادية بوستة ومحمد الداهش

عندما تنهمر دموع الحاضرين تفاعلا مع عرض فني, فاعلم أن الفنان نجح في دغدغة أحاسيس المتفرج وذلك مهما كان العمل تراجيديا أو بالعكس كوميديا.. هذا هو الانطباع الذي خرجنا به من مشاهدتنا لمسرحية "زنقة النساء" التي شارك فيها كل من سوسن معالج ونادية بوستة ومحمد الداهش وهي من النوع الكوميدي الخفيف...

وقد شدنا بالخصوص صدق أداء الثالوث المذكور وحضوره الركحي المميز فضلا عن النص الفكاهي وما تضمنه من مباشرتية في القول والمواقف, فانسابت المسرحية إنسياب الرمل بين ثنايا الكف.. لقد كان الوقت قصيرا جدا مع  البطلات الثلاث, فلكل منهن قصتها مع الحياة ومع الرجال بالتحديد, فبية قسطلي باش بواب (سوسن معالج) قررت بعد طلاقها من زوجها البورجوازي الثري ان تتقاسم بيتها مع نساء قد يساعدنها على مواجهة هموم الحياة ففتحت أبوابه  لسوسو بوسطانجي (نادية بوستة) وهي إمرأة مدللة عبثت بها الحياة فعجزت عن ايجاد التوازن النفسي المطلوب, وأما الضيفة الثالثة فهي خيرة فطحلي (تقمص الدور الممثل محمد الداهش) وهي نموذج للمرأة البسيطة التي ذاقت شظف العيش وقد قدمت نفسها ك"ضحية من ضحايا العولمة"...
 

ولئن غابت القواسم المشتركة بين النساء الثلاث بحكم إنتمائهن لطبقات اجتماعية مختلفة, فإن الحوار بينهن لم ينعدم ليستدرجنا النص في صميم الفروقات والمفارقات التي تفصلهن, فما هو طبيعي في عيون بية باش بواب غريب لدى خيرة فطحلي, وما هو يبدو عاديا في نظر سوسو بوسطانجي انما هو صادم بالنسبة للأخريين.. ويكشف النص -الذي تونسه الثالوث المشارك في المسرحية انطلاقا من نص أصلي فرنسي- حاجة هؤلاء النسوة الى التواصل, حاجتهن الى الحب والحياة..
 

وهكذا تتوالى فصول المسرحية معتمدة  نصا كوميديا طريفا إستوقفنا عند نماذج نسائية لم يمنعهن طلاقهن أو وحدتهن من التفاعل مع اللآخرين, فالحياة ليست "زنقة" ضيقة او دون منفذ  تختنق فيها الأرواح بل هي شارع فسيح تعاد فيه صياغة الحلم والأمل... وإن كان هناك ما ينتقد في هذا العمل, فهو العنوان الذي بدا لنا غير متجانس مع مضمون المسرحية بما فيه من خفة روح ونقد اجتماعي و"ضمار" تونسي...
 

ويمكن القول إن سوسن معالج ونادية بوستة ومحمد الداهش برهنوا من خلال هذا العمل -الذي تكفلت بإنتاجه شركة "ياليل برود"- على قدرتهم على تقديم عمل كوميدي خفيف ومتكامل  نصا وأداء بما يدعونا لحثهم على المثابرة من أجل أعمال لا تستبله المشاهدين بل تمتعهم وقد تثير فيهم الرغبة في التساؤل والتفكير.. ولعل المشهد النهائي الذي تقرر فيه خيرة فطحلي ارجاء موعدها التشغيلي وقطع مكالمتها مع الرئيس الدكتور لتبقى مع صديقتيها ملئ بالمغزى, فلا شئ أجمل وأصدق من أوقات حميمية تنتفي منها الحسابات الضيقة والهرولة وراء المصالح الشخصية...

شيراز بن مراد

السبت، 23 يونيو 2012

من سيكون رئيس مصر: مرسي أم شفيق؟

مازال المصريون ـ وإلى حدّ كتابة هذه الأسطر ـ لا يعرفون من سيكون رئيسهم القادم.. فقد أعلنت حملة المرشّح أحمد شفيق الذي كان يشغل خطّة رئيس وزراء في عهد حسني مبارك انّ شفيق فاز بنسبة51 ٪ من الأصوات، بينما أعلنت حملة مرشّح الاخوان المسلمين انّ محمد مرسي فاز بنسبة 52 ٪ من الأصوات مقابل 48 ٪ للفريق أحمد شفيق..
وفي انتظار ان تعلن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية عن نتائج الانتخابات ـ والذي من المفروض ان يتمّ اليوم الخميس 21 جوان ـ التهبت الأجواء في الشارع المصري بين مساند ومؤيّد لهذا المرشّح أو ذاك، زد على ذلك إقدام المجلس الأعلى للقوات المسلّحة على إصدار اعلان دستوري مكمل (ينزع عدّة صلاحيات للرئيس القادم) وعلى حلّ البرلمان وهو ما دفع بالآلاف منهم إلى النّزول يوم الثلاثاء 19 جوان الى ميدان التحرير للتعبير عن رفضهم هذه القرارات، وقد اعتبرت عديد القوى السياسيّة والثورية وجماعة الاخوان المسلمين انّ هذه الخطوة بمثابة الانقلاب على الثّورة.. كما أدخل خبر وفاة حسني مبارك بلبلة اضافيّة على المشهد حيث ذهب البعض الى التحدّث عن مؤامرة حبكت من أجل ارباك المسار الانتقالي والتمهيد لفوز المرشح أحمد شفيق..

«أخطر 48 ساعة في تاريخ مصر»
وقد اختلفت التعاليق المنشورة بالصحف المصرية يوم الاربعاء 20 جوان حيث عنونت صحيفة «الأهرام» مقالها الأول:«أخطر 48 ساعة في تاريخ مصر» بما انّها ساعات تسبق اعلانا اساسيّا في حياة المصريين فإمّا الاخواني محمد مرسي أو أحمد شفيق المحسوب على فلول نظام السّابق..
وأمّا الكاتب سلامة احمد سلامة، فقد علّق بجريدة الشروق المصرية انّها: «نصف ثورة ونصف رئيس» معتبرا انّ المجلس العسكري لم ينتظر طويلا كي يحكم قبضته من جديد على الحياة السياسية وذلك لمّا جاء في الإعلان الدستوري المكمّل من تجريد لصلاحيات الرئيس مثل اعلان الحرب، وتولّي المجلس العسكري بنفسه تشكيل الجمعيّة التأسيسيّة التي ستصوغ الدستور.. 

نتانياهو لم ينم!
ومن جهته، كتب المحلّل فهمي هويدي في الجريدة نفسها انّ «نتنياهو لم ينم» وظلّ يتابع نتائج الانتخابات المصرية حتى طلوع الشمس «ليدرك انّ الفوز كان من نصيب الدكتور محمد مرسي وانّ الفريق احمد شفيق، خياره الذي تمناه، لم يحالفه التوفيق في المعركة».
أمّا الإعلامي ابراهيم عيسى، فذكر في برنامجه «السادة المرشّحون» الذي تبثه قناة «أون. ت.في» انّ نتيجة الانتخابات الحقيقية هي انّ «نص المصريين بيكرهوا حاجة بيحبها النص التاني» وأضاف:«يجوز في دول أوروبا انّ يحكم رئيس بفارق بسيط لأنّ القواعد الديمقراطية راسخة لكن حالتنا نحن أصعب اذ سيأتي رئيس يغير قواعد البلد وهو فائز بنسبة زائدة عن خصمه 1 ٪.. مينفعش بـ1 ٪ يغيرها محمد مرسي لدولة دينية ولاّ شفيق يغيرها لدولة نظام قديم.. البلد مقسومة نصين»..

عبد الحليم قنديل: «اعلان المجلس العسكري يخدم مصلحتي أمريكا وإسرائيل»
وصرّح الكاتب سمير أمين لقناة فرانس 24 انّ الانتخابات غير ديمقراطيّة، بينما ذكر الناشط والصحفي عبد الحليم قنديل لقناة الجزيرة انّ الإعلان الدستوري المكمّل الذي أعلنه المجلس العسكري يخدم مصلحة أمريكا واسرائيل..
وكتب الدكتور حسن نافعة في صحيفة «المصري اليوم» انّها «ولادة متعثّرة لعهد جديد لم يبدأ بعد» موضّحا انّه لم يعد هناك مجال للشكّ في انّ النظام القديم لم يسقط بعد وان النظام الجديد لم يولد بعد، ونصح الرئيس المنتخب بأن يتشاور مع جميع القوى الوطنيّة وتعيين شخصية مستقلة تتولّى مسؤولية العمل على تحقيق وفاق وطني حول القضايا العالقة حتى يضمن اصطفاف قوى الثورة خلفه في الجهود الرامية إلى إخراج البلاد من حالة الاستقطاب..
ولعلّ السّؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو كيف سيوفّق الرئيس المنتخب ـ سواء كان مرسي أو شفيق ـ في جمع كل المصريين وفي خلق حالة توافق ضروريّة لأي عملية اصلاح وبناء؟ وهل سيكون له من الدهاء والحكمة ما يمكّنه من مدّ يديه لكل القوى المكوّنة للمشهد السياسي بما يقطع مع ممارسات الماضي ويفتح عهدا جديدا؟ في انتظار الإعلان عن النتائج وفي انتظار اتّضاح نوايا الرئيس القادم التي ستشكل منعرجا هامّا في تاريخ مصر الحديث، فإنّ المشهد يظلّ ضبابيّا ويطرح عدّة نقاط استفهام.

الأربعاء، 20 يونيو 2012

نورة بورصالي في كتاب «التناصف في القانون الانتخابي والمجتمع»: «كل حيف أو إقصاء يطال المرأة هو خيانة قد لا يغفرها التاريخ..»

«ليس بمقدور أيّ شعب أن يكون حرّا بحق إذا كان نصفه، أي المرأة  محرومة من حقوقها كإنسانة وكمواطنة، فالمطلوب إذن في تونس 14 جانفي إعادة التأكيد على مواصلة تفعيل حقوق المرأة في اتجاه تحقيق مساواة أكثر وعدالة أكبر. ولن نحتاج إلى التذكير بالدّور الذي لعبته التونسيّات في النّضال من أجل الديمقراطيّة وفي المساهمة على قدم المساواة مع الرّجل في الدّفاع عن القيم التي حملتها الثورة وفي مقدّمتها المساواة»..
بنفس نسويّ واضح، أصدرت منذ أيام الكاتبة نورة بورصالي كتابا يحمل عنوان:«التناصف في القانون الانتخابي وفي المجتمع وكتابات نسويّة» تطرقت فيه الى الحركة النضالية النسائيّة منذ بدايات القرن الماضي سواء كان ذلك في مصر أو في تونس او في لبنان لتؤكّد على أهمّية إسهامات المرأة في الدّفاع عن حقوقها أو في حركات التحرّر الوطنيّة
، وصولا الى إقرار مبدأ التناصف بين الرّجل والمرأة في القوائم الانتخابيّة لانتخابات 23 أكتوبر 2011.
 الحراك النسوي ليس وليد اليوم
وبحكم عضويتها في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، استعرضت نورة بورصالي أولا بأول كيف تمّ اقرار مبدأ التناصف الذي اعتبرته «مكسبا تاريخيا مهمّا» للمرأة التونسية.. ثم قفزت بنا الكاتبة عبر الأزمان ـ ولسان حالها يقول إنّ اسهام المرأة في الحراك السياسي ليس وليد اليوم ـ وإذا بها تسلط الأضواء على وجوه نسائية تونسيّة -قد يجهلها العديد منا- ساهمن بقوة عزيمتهنّ في النّهوض بالبلاد رغم العقليات المتشدّدة والرافضة لتحرر المرأة..
 مناضلات، نقابيات، صحفيات
ومن بين النساء اللاتي انتفضن ضدّ أمية المرأة وعزلتها، منوبية الورتاني التي طالبت سنة 1924 بتحرير المرأة التونسية وحبيبة منشاري التي تجرّأت سنة 1929 على المطالبة بإلغاء تعدّد الزوجات وبشيرة بن مراد التي أسست سنة 1936 الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي الذي ساهم في حركة التحرر الوطني فضلا عن تنظيم  تظاهرات علمية وثقافية وخيريّة تهدف الى تعليم المرأة ومساعدة العائلات المعوزة وإعانة الطلبة الأفارقة الذين يدرسون بفرنسا.. ونبيهة بن ميلاد التي ترأست سنة 1962 اتحاد نساء تونس (أسس سنة 1944) الذي نشط في أكثر من مجال منها السياسي والاجتماعي كما تضامن مع قضايا المرأة وتصدى لتهميش الطبقات الكادحة. وشريفة المسعدي فقد كانت أول تونسية تضطلع بمسؤوليات نقابيّة في اتحاد الشغل وظهرت تمشي جنبا الى جنب في المسيرات مع الزعيم  فرحات حشاد و تمّ ايقافها في ديسمبر 1952 وسجنها بقبلي الى غاية يوم 5 جوان 1953. ولم تنس نورة البورصالي وجوها أخرى مثل الصحفية درة بوزيد التي ثارت سنة 1956 ضد اقصاء المرأة من انتخابات المجلس التأسيسي، وتجدر الاشارة أن التونسيات شاركن لأول مرّة في الانتخابات البلدية لسنة 1957. وفي السياق ذاته تعرّضت نورة بورصالي -بنظرة نقدية- الى نشاط  جمعيتين نسائيتين من أبرز الجمعيات التي نشطن في المجال النسوي وهما جمعيّة النساء الديمقراطيّات وجمعية النساء التونسيّات من أجل البحث والتنمية..
مجلة الأحوال الشخصية من أبرز مكاسب المرأة التونسية
وبطبيعة الحال تطرّقت الكاتبة الى مجلة الأحوال الشخصيّة وما حفّ بها من تجاذبات وخاصّة ما سبقها من دعوات إلى تحرير المرأة واشراكها في الحياة العامة من قبل عدة وجوه رجالية مثل الطاهر الحداد في تونس وقاسم امين في مصر واحمد فارس الشدياق في لبنان.. وذكرتنا الكاتبة بأن مجلة الأحوال الشخصية ساهم في اعدادها عدد من شيوخ الزيتونة على غرار الفاضل والطاهر بن عاشوروعبد العزيز جعيط..  وأفردت الكاتبة جزءا من كتابها للدور المفصلي الذي لعبه الحبيب بورقيبة في تحرير المرأة التونسية..
مخاوف وتصميم على صيانة حقوق المرأة

وعلى صعيد آخرأشارت نورة بورصالي الى ما إعترى المرأة التونسية من مخاوف على مكاسبها وذلك في فترات مختلفة ومنها بعد تولي بن علي الحكم في نوفمبر 87، ثم سنة 89 خلال الانتخابات التشريعيّة التي نادى خلالها التيار الاسلامي بمراجعة مجلة الأحوال الشخصية، ثم وخاصة بعد فوز النهضة في الانتخابات الأخيرة. وقد شددت الكاتبة على ضرورة صيانة حقوق المرأة  قائلة: «يتحتم على تونس اليوم، ان تكون ـ كما كانت في الماضي ـ في مقدّمة البلدن العربية والاسلاميّة على صعيد تحرير المرأة، وكل حيف واقصاء يطال المرأة هو للأسف خيانة قد لا يغفرها التاريخ»..
 

واجمالا يمكن القول إن نورة البورصالي حوصلت في هذا المؤلف الذي يعج بالتواريخ والشهادات نضال المرأة التونسية منذ بداية القرن الماضي وانخراطها في الحياة الاجتماعيّة والسياسية، فما حققته التونسيات مع مطلع القرن الحالي ليس وليد الصدفة بل هوإمتداد لنضال نسوي -تونسي وعربي- آمن بقدرة المرأة على لعب دور حيوي في المجتمع وأكد جدارتها بالتميّز والعطاء خدمة لمجتمع متوازن وقوي برجاله كما بنسائه..

شيراز بن مراد





الثلاثاء، 19 يونيو 2012

«حنظل» لمحمود الجمني: حتى لا ننسى فظاعة التعذيب في زنزانات بورقيبة وبن علي

مرٌّ مرارة  نبتة الحنظل.. هو الطعم الذي إقتفى المخرج محمود الجمني أثره في شريطه الوثائقي «حنظل» والذي سعى فيه الى فضح الانتهاكات وصنوف التعذيب التي تعرّض لها عدد من الناشطين السياسيين والحقوقيين الذين اعتقلوا وعذّبوا خلال حقبتي بورقيبة وبن علي..
وبحضور عدد من هؤلاء المناضلين
، تم يوم الإربعاء 13جوان عرض الفيلم بقاعة المونديال لنستمع لشهادات حية تسترجع وحشة السجن وتحطيم المعنويات وفظاعة الاعتداءات الجنسية ووحشية التعنيف التي مازالت آثارها الى حدّ الآن راسخة في ذاكرة وأجساد  كل الذين استجوبهم محمود الجمني ومنهم الناشطة زينب الشارني والمناضل الصادق بن مهني ودادي بن دادة ومحمد عمارة العين وزكية الضيفاوي ومحمد معالي وجلبار نقاش وعمار العبيدي والمرحوم حسن مرزوق وغيرهم..
وقد روى كل منهم تجربته السجنية بما فيها من انتهاك لأبسط حقوق السجين أو بالأحرى الإنسان، بما يكشف بشاعة الممارسات التي كانت ترتكب في حقّ سجناء الرأي وبما يدفعنا الى المطالبة بكشف أرشيف التعذيب حتى لا يظل جزء من ماضينا مدفونا في الرفوف وحتى لا يعيد التاريخ نفسه..
وتعرّض المستجوبون الى تفاصيل مقيتة من ايقافهم والى وحشية معاملات بعض جلاديهم الذين كانوا يطبقون بصفة عمياء تعليمات أعرافهم.. فتحدّث عدد منهم عن التقنيات المهينة للتعذيب كالصعق بالكهرباء والحرق بالسّجائر ووضعية الدّجاجة المصلية والاغتصاب والتحرّش الجنسي وقطرة الماء، ممّا حدا بأحد السجناء السابقين في عهد بورقيبة إلى أن يقول:«يوم من السجن في غار الملح بعد الاستقلال يساوي عاما من الأشغال الشاقّة وقت الفرانسيس»..
ويمكن الجزم بأنّه كتبت حياة ثانية لهؤلاء الأشخاص بعد مغادرتهم السجن ولو أنّها حياة مختلفة عن بقيّة الناس، اذ انّ ذاكرتهم واجسادهم مثقلة بأوراق وفصول من الإهانات والتنكيل التي لا يمكن نسيانها، فتراهم يستحضرون بمرارة قصوى ـ تنافس مرارة الحنظل ـ ما قاسوه على أيدي جلادين منزوعين من انسانيتهم..
وعن قصد
، فضّل المخرج الجمني تجاهل الانتماءات السياسيّة للمستجوبين، فلا نعرف اذا كانوا ينتمون الى حركة النهضة أو الى حركة آفاق اليسارية أو الى اليوسفيين أو الى مناضلي انتفاضة الحوض المنجمي، وذلك بهدف تعرية فظائع جهاز التعذيب الذي كان قائما والذي لم يكن يفرّق بين ضحاياه بقدر ما كان يتفنّن في التنكيل بكل من اختار أن يسير ضدّ التيار وأعرب علنا عن معارضته للسلطة..
في «حنظل» توغّل محمود الجمني في ذاكرة الجسد وفي ذاكرة روح بعض من عانوا ويلات زنزانات بورقيبة وبن علي وممارسات جلاديهم حتى لا ننسى هذه الصفحات السوداء من تاريخنا الحديث حيث مارست الأنظمة الحاكمة ابشع أنواع التعذيب ضد تونسيين "ذنبهم" الوحيد أنّهم عبروا عن آراء سياسية مخالفة..
ويذكر انّ الفترة الأخيرة شهدت صدورعدة اعمال أدبيّة تناولت شيئا مما عاناه سجناء الرأي في حقبتي بورقيبة وبن علي ومنها كتاب «الحبس كذاب والحي يروح» لفتحي بلحاج يحيى وكتاب «برج الرومي» لسمير ساسي و«أحباب الله» لكمال الشارني.

شيراز بن مراد


الخميس، 14 يونيو 2012

كفى استبلاها للناس!

قدمت القناة الوطنية الثانية في نشرتها الإخبارية المسائية ليوم الثلاثاء 12 جوان صورا لبعض اللوحات التي عرضت في "ربيع الفنون" بالمرسى والتي رأى فيها البعض مسّا من المقدسات..
فلنستعرض هذه اللوحات واحدة بواحدة...
أوّل هذه اللوحات جاء في شكل لوحة بيضاء كتبت عليها عبارة «سبحان الله» بواسطة نمل رُتب الواحدة تلو الأخرى، وقد تسلل النمل من محفظة تلميذ يظهر في أسفل اللوحة... وقد أثارت هذه اللوحة اشمئزاز العديدين حسبما لاحظناه على موقع الفايسبوك
، غير أنّ السؤال الذي يطرح نفسه أليس النمل ليس من مخلوقات الله؟ ألم يطلق سبحانه وتعالى اسمه على سورة قرآنية؟  فلنفترض أنّ صاحب هذه اللوحة استعمل أصدافا بحرية أو احجارا نفيسة أو بتلات أزهار، ألم تكن هذه اللوحة لتحظى بإعجاب المشاهدين؟ بصراحة لم أرى أيّة جمالية في هذه اللوحة لكني أعتبر أنه من حق الفنان أن يعبر بالطريقة التي يراها عما يخالجه من أحاسيس وأفكار، كما من حق المشاهد التعبير عن إعجابه أو سخطه بطريقة متحضرة .. 
 أمّا اللوحة الثانية والتي تجسد واقعة الإسراء والمعراج، فقد كذّب العديد تواجدها في المعرض وشخصيا لم أشاهدها ناهيك أنّ معرض ربيع الفنون احتوى على عدد هائل من الأعمال الفنية قد تقارب 250 أو 300 عمل..
اللوحة الثالثة ليست بلوحة بل هي مشهد يظهر فيه شخص ملتف بلحاف أبيض وهو بصدد التعبد بين ستائر شفافة كتب عليها باللون المذهب آيات قرآنية.. وصراحة لم أجد في هذه اللوحة أي مسّ بالمقدسات بل انبثق منها إحساس بالخشوع والورع الذي نحسّ به كلّما حاولنا التقرب من الله.. ويمكن القول إنّ المشهد جميل جدا ويعبرعن حساسية فنية مرهفة.
آخر هذه اللوحات جاءت في شكل كاريكاتوري وهي عبارة عن رسم لوجه شخص ملتح وقد ثارت ثائرته
، فأين الإساءة في هذا الرسم والحال أنه ليس هناك أناس معصومون من النقد بل للفنان حرية التطرق لما يروق له من مواضيع واقعية أو خيالية.
والغريب أنّ القناة الثانية اعتمدت عند تقديمها هذه اللوحات مقطعا من الفايسبوك جاءت فيه تعاليق تشيطن الفنانين الذين قدموا هذه الأعمال وكأنهم هم المسؤولون عن إشاعة الفوضى في حين أن موجة العنف التي تشهدها البلاد انطلقت منذ مدة..
وممّا زاد في استغرابنا هو تبني عدد من النواب في جلسة يوم الثلاثاء المواقف نفسها أي تجريم اللوحات  بتهمة  المس من المقدسات دون إطلاع على فحواها أو معرفة بأبجديات الفعل الفني.
مؤسف حقا أن تنبري بعض وسائل الإعلام وعدد من النواب في استبلاه المواطنين وفي المزايدة في مواضيع لم يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق فيها لكي لا نقول انهم يجهلونها تماما.. سؤال أطرحه أن أختم: كم من مرة  زار نوابنا المحترمون  متحفا  أو معرضا أو رواقا فنيا في حياتهم؟ لا أخفي عليكم  ان جهلهم بالثقافة وبالفنون بدا واضحا على سماتهم كمن  يشاهد البحر لأول مرة في حياته
، فيظن انه مستنقع ضخم يخفي المصائب والشرور.


شيراز بن مراد

هل يعقل ان تحاكم وزارة الثقافة الفنانين؟

أما وقد ألقت وزارة الثقافة مسؤولية تنظيم تظاهرة ربيع الفنون بالمرسى على كاهل وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، أصدرت هذه الأخيرة بيانا تقول فيه إنّها نظرا للتجاوزات الخطيرة التي حدثت في قصر العبدلية والتي مست من عقائد التونسيين ومقدساتهم، قررت غلق هذا الفضاء ورفع قضية عدلية ضد الجمعية المنظمة للتظاهرة.. فهل من معنى لغلق قصر العبدلية، وهو بطبعه مغلق الأبواب ولا يفتحها الا في حالة استضافة بعض التظاهرات الفنية على غرار مهرجان المدينة؟ لماذا التجني على هذا المعلم «البريء» الذي لم يرتكب أي جرم جدير بالإدانة.. وهل يعقل أن نغلق كلّ فضاء بتعلة أنه احتضن شيئا غير مرغوب فيه؟
 

ثمّ ما حكاية تقديم دعوى قضائية ضد جمعية «ربيع فنون المرسى» التي عملت  طيلة عشر سنوات على تقديم أعمال فنية كرست حرية التعبير ودعمت أسماء كبيرة وشابة من الساحة الإبداعية التونسية؟ أفيعقل أن تنقلب وكالة إحياء التراث على موقفها الأصلي الذي رخصّت بموجبه للجمعية اقامة المعرض، فتقرّر تتبعها عدليا.. أفليس هذا تنصلا من المسؤولية وتجسيدا لعقلية «أخطى راسي وأضرب»؟ إنّه لمن المخجل ـ فعلا ـ أن تعمد وزارة الثقافة تحت إشراف المهدي مبروك إلى رفع قضايا عدلية ضدّ الفن والإبداع وقد كان أحرى بها أن تبحث عما يزيدهما إشعاعا وازدهارا. لقد سقطت الوزارة في جُب ممارسات الأنظمة الديكتاتورية التي تتخلى عن الدفاع عن منظوريها ولا تعترف بالفكر الحروبالفنانين المنعتقين من القيود وهم الذين يعطون معنى لوجودها ولوجودنا كذلك.
 

لقد زرت معرض «ربيع الفنون» في يوم افتتاحه وانبهرت بما تضمن من تعبيرات فنية جميلة كنحو لوحات لمين ساسي وإيمان بالرحومة وأحمد الحجري وصور باتريسيا التريكي ومنى كراي وغيرهم كثير وأعتقد أنّه من غير المعقول أن تحاسب الجمعية على أساس المضامين الفنية التي جاءت في الأعمال المعروضة، ففي هذا تجن على النسيج الجمعياتي الجدي وعلى الفن وعلى حرية الإبداع.
فكفانا تملصا من المسؤولية ولا لمحاكمة الفن والفنانين، ففي هذا خراب للبيت الجميل الذي نريد بناءه، بيت التسامح والتعايش والاحترام.

شيراز بن مراد

عمر الغدامسي (رئيس نقابة مهن الفنون التشكيليّة): موقف وزارة الثّقافة مخجل.. وهل إنّ وزير الشؤون الدّينية ناقد فنّي؟

على اثر الأحداث التي شهدها قصر العبدلية بالمرسى بعد إن اعتبرت بعض الأطراف انّ في الأعمال الفنّية المعروضة مسّا بالمقدّسات، اتصلنا بالسيد عمر الغدامسي رئيس نقابة مهن الفنون التشكيليّة فشجب الاعتداء الذي استهدف قصر العبدلية ملاحظا أن لا وصاية على الفنّ وانّه لا يعقل ان يلتجئ بعض الأشخاص إلى استعمال العنف بهدف خنق حرية الفن والتعبير.. وأضاف محدّثنا انّ هناك قوانين في البلاد، ومن لم يرق له عمل فليتوجّه إلى القضاء.
وفي تعليقه على ما جاء على لسان وزير الشؤون الدينية من انّ الأعمال الفنية المعروضة في تظاهرة «ربيع الفنون» تنتهك المقدّسات، أكّد أنّه لا يستقيم وليس من المنطق في شيء أن يقيّم الوزير الابداعات الفنّية بمنطق الحلال والحرام، متسائلا إذا ما كان الخادمي ناقدا فنّيا حتى يبدي رأيه في مضمون اللوحات؟ أمّا بخصوص بيان وزارة الثقافة التي «تبرأت» من هذا المعرض ونددت بكافة اشكال الاعتداء على المقدّسات التي وردت في بعض الأعمال المعروضة، اعتبر رئيس نقابة مهن الفنون التشكيلية ان موقف الوزارة مخجل موضّحا انه كان من المفروض ان تتخذ موقفا حاميا للفنون والفنانين والحرّيات لا العكس..
ويذكر أن النّقابة دعت في بيان صادر عنها بتاريخ 11 جوان2012 الحكومة الانتقالية الى تحمل مسؤولياتها كاملة في حماية الحريات الفردية فالفنانون هم ـ بالأساس ـ مواطنون يتعيّن حمايتهم وحماية حريتهم في التعبير عبر فنّهم وذلك بقوّة القانون وتجريم العنف.

شيراز بن مراد

الخميس، 7 يونيو 2012

Le Burnous aux mille visages de Nacer Khémir


Le Burnous aux mille visages

Nacer Khémir a préféré orienter sa création « le burnous » vers le sens du mur. L’un des murs du palais El Abdellia à la Marsa où se tient actuellement la dixième édition du « printemps des arts ». Cette mise en place, voulue probablement par l’artiste, exprime, à notre sens, le désir de Nacer Khémir de susciter le questionnement et l’interrogation. En effet, pourquoi vouloir regarder un mur plutôt que de faire face à la réalité ? Est- ce la médiocrité de la société qu’il rejette et qu’il refuse de voir ? Ou bien parce que ce mur blanc peut offrir un espace de liberté et d’imagination plus prometteur que les mille et unes richesses factices de la réalité. On se demande alors si cette orientation spatiale traduit l’état d’âme de l’artiste actuellement? Par ailleurs, Nacer Khémir trouve une idée géniale, celle de coller au niveau du visage du burnous un morceau de miroir brisé. Celui ou celle qui regardera le burnous en face, se verra alors à la place de son porteur, transporté vers un monde lointain, celui de l’enfance ou du rêve ou du conte. Le miroir brisé nous interpelle aussi sur notre identité, sur ce que nous sommes réellement et sur ce que nous voulons devenir

Sur le mur à côté de la sculpture, l’artiste a accroché le texte poétique suivant
Le Burnous
Cela aurait pu être le Burnous de mon père 
Ou de quelqu’un d’autre
Dans la tradition, lorsqu’on couvre une personne de son burnous 
On lui offre paix, sérénité et protection 
Mais dans le conte, le burnous rend invisible 
Il fait disparaître les hommes et les choses 
Alors, le burnous peut-il faire disparaître tout un pays 
Le dernier vers du poème est sous la forme d’une question : le burnous peut-il faire disparaître un pays ? L’artiste nous suggère t-il de le faire disparaître le temps d’un répit, le temps d’une pause salvatrice durant laquelle il pourrait récupérer un tant soi peu d’une humanité usée par la médiocrité, l’opportunisme et l’artifice. Le rêve de Nacer Khémir est-il réalisable

Chiraz Ben M’rad

اتحاد الشّغل والرّابطة والمحامون يرفضون المحاصصة الحزبيّة ويدعون إلى تشكيل هيئة انتخابيّة مستقلّة

بادراتحاد الشغل والرّابطة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الانسان والهيئة الوطنية للمحامين بتقديم مشروع قانون يتعلّق بالهيئة العليا المستقلّة للانتخابات.. وسلّط الثالوث خلال ندوة انتظمت يوم السبت الفارط بمقرّ الاتحاد بحضور عدد من رجال القانون (من بينهم عياض بن عاشور وفرحات الحرشاني وغازي الغرايري)، الأضواء على تفاصيل هذا المشروع مشدّدين على نقاط أساسيّة ألا وهي أهمية تشريك المجتمع المدني واجتناب المحاصصة الحزبيّة وتعزيز دائرة الوفاق..
العباسي: «هيئة الانتخابات يجب ان تكون مستقلّة وبعيدة عن التجاذبات الحزبيّة»
وفي هذا الصدد ذكر حسين العباسي الأمين العام للاتحاد انّ الهيئة العليا للانتخابات يجب ان تكون مستقلة وبعيدة عن التجاذبات وعن المصالح الحزبيّة الضيّقة. واضاف انّ الاتحاد وشريكيه يهمّهم ان تكون الانتخابات المقبلة نزيهة وشفّافة موضّحا انّهم سيتقدّمون بمشروع القانون المنظّم للهيئة العليا للانتخابات للمجلس التأسيسي لأنّها السلطة الوحيدة القادرة على الحسم في هذا الموضوع.. وختم العباسي كلامه بأنه يرجو ان تلقى هذه المبادرة الالتفاف اللازم وان يساهم المجتمع المدني في تأسيس حجر زاوية يبعدنا عن الشّك والتلاعب الذي يهدّد العملية الانتخابية.. فليس لدينا انحياز ـ والكلام له ـ الاّ للشأن العام..
عبد الستار بن موسى: «تدخّل الأحزاب في هيئة الانتخابات مرفوض»
بعد ذلك تولّى عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية لحقوق الانسان الكلمة ليعرب بدوره عن أهمية تشريك المجتمع المدني في المسار الانتخابي قائلا انّه الضامن للحرّيات والسد المنيع ضد كل التجاوزات.. وصرّح بن موسى انّه من الضروري احداث هيئة دستورية تتمتّع بصلاحيات واسعة مهمّتها اعداد الانتخابات وتستخلص من تجربة هيئة كمال الجندوبي وتتجنّب المحاصصة الحزبية مع المحافظة على الاسم القديم اي «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات».. وحول مشاركة الأحزاب السياسية في تركيبة الهيئة، وضح بن موسى انّ تدخّل الأحزاب مرفوض لأنّه يفتح باب الشكّ في حين اننا نسعى لإقامة انتخابات شفافة ونزيهة وديمقراطية والبلاد لا تتحمّل انتخابات مزوّرة..
شوقي الطبيب: «علينا تجنّب المحاصصة الحزبيّة والتشكيك في نزاهة الهيئة»
أما عميد المحامين شوقي الطبيب، فقد اكّد اهمية دور المجتمع المدني في توسيع دائرة الوفاق الوطني وفي التدخّل كقوّة اقتراح ولا كقوّة سياسية.. واشار الى أنّه تمت دعوة خبراء مشهود لهم بالكفاءة لتقديم تصور مشروع وفاقي يجنبنا مسألة المحاصصة والتشكيك في نزاهة الهيئة وذكر انّه سيتمّ وضع المشروع بين يدي الرأي العام والسلط التشريعية والتنفيذيّة حتى يحظى بموافقة هذه الأطراف..
فرحات الحرشاني: «لا يجب على الأحزاب ان تعيّن أعضاء هيئة الانتخابات»
ومن جهته وضح رجل القانون فرحات الحرشاني انه لا يمكن ان يكون اعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات معيّنين من قبل الأحزاب او الكتل السياسية الموجودة بالمجلس، فسلطة الاقتراح يجب ان تكون خارج المجلس بينما تكون سلطة التعيين في مرحلة ثانية من قبل المجلس.. مضيفا انه يجب ان يتمّ انتخاب اعضاء الهيئة بأغلبية الثلثين ولا بالأغلبيّة المطلقة (50 زايد 1 ٪) لأنّ نسبة الثلثين تقربنا من الوفاق..
ويذكر انّ الفصل 13 من مشروع الهيئة المستقلة للانتخابات ينص على تعيين رئيس للهيئة المستقلة للانتخابات من قبل الرؤساء الثلاث (بن جعفر والمرزوقي والجبالي)، اثر ذلك يتولّى رئيس الهيئة ترشيح 6 مرشّحين (2 من ا لمجتمع المدني، 2 من الهيئة المستقلة السابقة، 2 من الشخصيات الوطنيّة في المجال الإعلامي) و10 مرشحين آخرين (6 قضاة و2 محامين واستاذين جامعيين).. يتم اثر ذلك تقديم الترشّحات الى رئيس المجلس التأسيسي الذي يعرضها على النواب لتصوّت عليها بأغلبية الثلثين.

شيراز بن مراد

«الزمقري» لدالي النهدي: التوانسة تــحـت الـمجهر


أمام جمع من الصحفيين والأصدقاء وبحضور الأم سعاد محاسن والأب لمين النهدي ـ وهو في الوقت نفسه مخرج العمل ـ، قدّم محمد علي النهدي يوم السبت الفارط بقاعة الفن الرابع العرض الأول لوان مان شو «الزمقري» الذي يروي بكاريكاتورية فائقة عودة أحد المهاجرين إلى أرض الوطن بعد الثورة.. فما الذي تغيّر فينا؟ وهل تحسنت وضعية مهمشينا أم بقيت على حالها، هل تغير الواقع الثقافي أم ظلّ أسير نفس الكوابل؟ هل تحررنا بالفعل أم أصبحنا نرزح تحت سلط وموانع جديدة؟
وبإعتماد نقد رقيق، يستعرض دالي النهدي جوانب من الشخصية التونسية، انطلاقا من طريقة تعامل أعوان المطار مع السياح الوافدين على تونس، مرورا بخصوصيات الباعة المتجولين، ووصولا إلى البورجوازيات اللاتي وجهن تبرعاتهنّ الى رأس جدير.. 
ولعلّ الميزة الأولى لهذا العمل الفني هي طريقة أداء محمد علي النهدي حيث اعتمد فن «الميميك» اي التعبير بواسطة الجسد وتقاسيم الوجه لتبليغ أكثر ما يمكن من المفاهيم التي تتضمنها المسرحية، فتراه تارة يقلد ـ موغلا في التضخيم ـ أحد أعوان الأمن وطورا أحد البرجوازيين وفينة أخرى بائعا متجولا أو مزطولا، وهكذا ينشأ تفاعل فوري مع هذا «الأنا» القريب منا والبعيد في نفس الوقت..
وعبر التفاصيل الصغيرة التي وضعها تحت المجهر، نحت محمد علي النهدي «شخوصا» مميزة من واقعنا ليهديها إيانا في قالب فني «مهوّل» يكشف المستور من الحقائق ويصدع بما يحلم به البعض منا دون أن يجرؤ على قوله. وبتعاطف كبير مع المهمشين والمعذبين في الأرض، يكشف النهدي ، حجم الامبالاة والإهمال الذي تعيشه فئات من مجتمعنا وتردي الوضع الثقافي و«عصبية» الشخصية التونسية وسخائها كذلك، مبرزا الهوّة السحيقة التي تفصل «عالم الأثرياء» عن «عالم المهمشين» بما يجعل التواصل أمرا يكاد يكون مستحيلا..
ومن المشاهد التي شدّتنا في «الزمقري»، لوحة «إفريقية» التقى فيها البطل بأحد المهاجرين الأفارقة برأس جدير فتمتزج الموسيقى بالأضواء وبالتعبير الجسدي لتشكل مشهدا مسرحيا صادقا ينتشي فيه المشاهد بجمالية العطاء الفني.
ومن اللوحات المضحكة ـ وهي عديدة ـ ما جاء على لسان أحد المعارضين حيث قال: «لو كنا نحن الفائزين في الانتخابات عوضا عن النهضة لتمت تسمية رشدي علوان وزيرا للداخلية ولطفي البحري وزيرا للثقافة ولكانت الأوضاع «أزهى» بكثير مما هي عليه الآن». أضف اليها ما جاء في لوحة «البرجوازيات» حيث أرادت إحداهن التبرع بصندوق من المثلجات للاجئ مخيم الشوشة الى غيرها من المشاهد التي لا تخلو من الطرافة والخفة.
ولئن توفق محمد علي النهدي في وخزعدّة «شخصيات» من مجتمعنا بالإبر الصينية في صميم تفاصيلها، فقد كان بإمكانه أن يخصص حيّزا أكبر لشخصية «الزمقري» ولتعاليقه، فنظرته لمجتمعنا تختلف حتما عن نظرتنا نحن للأحداث التي تعيشها البلاد.
وللأمانة، نعترف أن محمد علي النهدي بهرنا في هذه المسرحية  لما اعتمد من مهارة وموهبة في تطويع جسده خدمة لطرح مسرحي كشف العديد من عاهاتنا ومن خصوصياتنا نحن التونسيون بأسلوب فكاهي.
  شيراز بن مراد

الاثنين، 4 يونيو 2012

«ضوء الماء» لسميرة القلي: سحر الكلمات وشفافية الأحاسيس

"أكتب حتى أتنفس، كالزفير، كالتنهد، كالبكاء".. بهذه الكلمات الرقيقة عبرت الكاتبة سميرة القلي عن حاجتها الحيوية للكتابة، فهي «متنفسها» وهي «اللحن الشافي» و«مدرسة الحرية» و«قطرة الماء الحُلوى وسط المحيط»... وقد جاءت هذه التعبيرات الجميلة والمرهفة في مجموعة شعرية صدرت مؤخرا تحت عنوان «ضوء الماء»..

وعلى امتداد أربعين نصا شعريا، تبحث سميرة القلي أو بالأحرى تحاول استعادة إنسانية مفقودة بفعل أشواك الحياة وغيمات الزمن، فتقتفي أثر حرية الأكسجين وهدوء الماء ورحابة الضوء لتنعتق من الأسوار العالية التي تحاصرها...

وفي تماه شديد مع عناصر الطبيعة، تبحث الكاتبة عن نفسها في «دوامة الحياة» وبين «الأوراق الجافة» وفي «أعشاش الدبابير» وبين «طيات المد والجزر» لتهزج أنشودة الحياة والأمل بعيدا عن «الزخرف الزائل» و«البقايا الدنيئة».. إذ تقول في نص «الجزيرة»:
فكرة في مهب الريح
تراودني
لماذا لم أكن أشد جنونا
حتى أذهب للعيش مع أبنائي
في جزيرة تشبه الفردوس
جزيرة دون حيوانات متوحشة متمدنة
سأعصتم بهذا المستحيل
حتى أعيش فيها
مع الأحلام وحولي الورود والملائكة..
وبسلاسة شعرية فائقة، تروي الكاتبة صراعها السرمدي من أجل التخلص من «مخالب النسور» و«رداءة الضفادع» بحثا عن ميعاد تمتزج فيه الألوان الزرقاء الشفافة والبحر المتلألئ والأضواء الناصعة التي تساعد على «تجاور الذات» وتحث على «انبعاث جديد في نقاء العري المطلق».
وهي التيمة التي لمسناها كذلك في قصيد «ضوء الماء» الذي دعت فيه سميرة القلي إلى إحياء الحلم والأمل وإن كان ذلك من العدم، إذ تقول:
ماذا لو صنعنا
 من سلاسلنا أساور عزيمة
من حبالنا أرجوحة تسابق الفضاء
من أقواس القزح مدارس للحريّة تتوّج الأفق
من الفراغ معطفا وسجادا
من الأمواج مقذفا
من أمنياتنا تسبيحا في ضياء الورد والزرقة
وقد تراوحت أشعار سميرة القلي بين اللغتين العربية والفرنسية، ومن بين ما شدّنا من عذب كلماتها، تلك التي احتمت فيها بأزرق البحر الذي يخترق الأفق في محاولة لنسيان الاضطهاد:
Avec un peu
D'eau douce
Pour toute fortune
Se laisser porter
Par une brise légère
Plante aquatique
Femme poisson
Abdiquer le rouge
Oublier l'oppression
Pourfendre les vagues
Nager vers l'autre rive
Se réfugier 

Dans le bleu
Anonyme
S'absoudre
Dans les flots
Transcender l'azur
بمفردات رقراقة وأحاسيس شفافة، أزاحت سميرة القلي في مجموعتها الشعرية «ضوء الماء» الستار عن الضعف والعجز والألم العميق الكامنة في ذواتنا لتتحداها في محاولة لتجاوز الذات وذلك عبر ملاذ الكلمات وبساتين الطبيعة الغناء، فمنها تستمد القدرة على الصمود والبقاء, وفي هذا إقرار بقدرة البشر، على قدح أشعة الأمل وبعث مرافئ الحلم رغم خطر الهاوية وعتمة المجهول

 شيراز بن مراد