الخميس، 30 أغسطس 2012

وليمة موسيقية بإمضاء لبنى نعمان ومهدي شقرون

لبنى نعمان تتوسط جهاد الخميري ومهدي شقرون خلال عرض "كان يا ما كان"
كهدير الماء الصافي ينساب صوت الفنانة لبنى نعمان ليتغنى بأوجاع الوطن وبما تحمله الذاكرة من صور ونغمات وأحاسيس... يوم الجمعة الفارط  صدح الصوت مجددا بفضاء الأرتيستو بالعاصمة في عرض «كان يا ما كان» الذي راوح بين الأغاني الشخصية التي ألفها الموسيقار الشاب مهدي شقرون وبين الأغاني الملتزمة على غرار «شيد قصورك» للشيخ إمام و«تذكر» لأميمة خليل دون أن ننسى قصيدة الشاعر الصغير أولاد حمد لتعلن لبنى نعمان حبها للبلاد صباحا, مساء ويوم الأحد..
ولعل الأغنية «الأم» في هذا العرض الاستثنائي -الذي لم يرافق فيه لبنى نعمان سوى مهدي شقرون على العود وجهاد الخميري على الإيقاع في حين كان منتظرا أن تصعد معها على الركح مجموعة «حس» بأكملها ـ هي معزوفة «كان يا ما كان» التي فتحت دهاليز الذاكرة لتستحضر عبقا تونسيا قديما فيه فصول من الوحدة والشجن وكذلك الأمل والفرح.. وقد بدا واضحا أن مهدي شقرون مِؤلف الأغنية اشتغل على هذه القطعة الموسيقية كمن يطرز قماشا نفيسا فرصعها تارة بما يعبر عن الفرح والحماس وخففها طورا آخر لتعكس الألم والضياع, حتّى أنّنا أحسسنا بالأنغام تعانق الفرح وتلتحم به في أحد مقاطع الأغنية بما يبعث في النفس انشراحا فريدا من نوعه...
وخلافا للموسيقى التي تفقد شخصيتها عندما تمزج بين الأنماط المختلفة, يمكن القول إن موسيقى مهدي شقرون توفقت في توظيف هذا الثراء ـ بين المالوف والبدوي والقناوة وغيرها ـ لـ«تلد» طابعا موسيقيا متفردا يشد من يتوقون الى موسيقى جميلة وصادقة ومعبرة... غير أنه يصعب التمتع بهذه الموسيقى لاسيما أن الاذاعات تغلب ما هو تجاري وسيئ الذوق لتبثه في اليوم الواحد عشرات المرات متجاهلة العذب من أصواتنا والجميل من ألحاننا... وقد صرحت لنا لبنى نعمان أن مجموعة «حس» تسعى بإمكاناتها المحدودة لإصدار ألبوم غنائي في أقرب الآجال.
فتحية لهذه المجموعة التي غنت فأقنعت وأمتعت بكل ما اختزلته من أحاسيس ومعان, وتحية لغازي الزغباني صاحب فضاء لرتيستو الذي سخّر ركحه لطاقات شابة لاتجد من يحتضن ابداعاتها.


شيراز بن مراد

الخميس، 23 أغسطس 2012

هل يكون الدستور الجديد أسوأ من دستور 59؟

أحلام بلحاج, عبد الستار بن موسى وراضية بلحاج زكري خلال لقاء "قراءة في مشروع لجنة الحقوق والحريات"
هل يكون الدستور الجديد أسوأ من دستور 59؟ سؤال بات يطرح نفسه بإلحاح بعد أن نبهت عدة أصوات حقوقية للنقائص والصيغ الملتبسة التي تضمنتها مسودة الدستور الجديد..
في هذا السياق نظمت جمعية النساء الديمقراطيات بمعيّة جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان لقاء تمّ خلاله تقديم قراءة في مشروع لجنة الحقوق والحريات للمجلس التأسيسي، وذكرت الجمعيات الثلاث ان الغرض من هذا اللقاء هو «مواصلة الحوار مع نائبات المجلس التأسيسي ونوّابه والمساهمة في ترسيخ مبادئ المساواة وعدم التمييز والحقوق الكونيّة للنساء»..

من كان يتوقع أن تصبح حقوق المرأة مهددة؟

أولى النقاط التي شدّد عليها عبدالستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان هي حقوق المرأة إذ تسائل: « من كان يتوقّع أن تصبح حقوق المرأة مهدّدة؟ لماذا أسقطت لجنة الحقوق والحريّات لفظة المساواة من الفصل 28 والحال أنّها من أهم مبادئ حقوق الانسان؟ هل كان ذلك سهوا أم تجاهلا؟ لقد كان لقاء مع مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي وبلغناه أننا لن نقبل بهذه الصيغة بل نطالب بالتنصيص على مبدأ المساواة».. وأوضح بن موسى أنّ صياغة الدستور يجب أن تتمّ وفقا للمعايير الدولية حتى يكون الدستور تقدميا، دستور القرن 21 ،لا دستور القرن 14.. وكان رئيس الرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الانسان صرّح في لقاءات سابقة أن الدستور القادم سيمثل تراجعا عن الدستور القديم إذا ما قنن قمع الحريات وضيّق على مبادئ العدالة والمساواة المعترف بها في كل المواثيق الدوليّة..


المقاربة الحقوقية غائبة عن الدستور الجديد

وفي السياق نفسه، أفصحت الاستاذة حفيظة شقير أنها بصدد القيام بدارسة مقارنة بين الدساتيرالمقترحة لابراز نقاطها الايجابية وكذلك السلبية، ومما لفت انتباهها هوغياب المقاربة الحقوقية وعدم شمولية مبادئ حقوق الانسان في مسودّة الدستور الجديد بينما كانت هذه النقاط بارزة في الدستور السابق..

ولفتت النظر الى خطورة استعمال المصطلحات الفضفاضة التي تفتح باب التأويل وكذلك الى التضارب بين مضامين الفصول الجديدة بما يجعل النسخة الجديدة أسوأ من الدستور القديم.. وضربت الاستاذة شقير مثال الفصل 15 من الدستور الجديد حيث ورد فيه ما يلي: «الحق النقابي مضمون ما لم يعرض الامن العام للخطر»، بينما ينص الفصل الذي يتعلق بالحق النقابي في الدستور القديم على ان الحق النقابي مضمون فقط، وفي هذا التمشي تراجع خطير عما كان موجودا ..
الملاحظة ذاتها ساقتها إحدى المشاركات في اللقاء حيث أشارت الى قلة المصطلحات القانونية في مسودة الدستور الجديد مقابل كثرة المصطلحات السوسيولوجية والدينية موضّحة انه من المفروض تغليب المصطلحات القانونية التي لا تفتح المجال أمام التّأويل.. وتجدر الاشارة الى أنّ هذا اللقاء مثّل فرصة للتأكيد على ضرورة احترام المبادئ الكونية لحقوق الانسان بما يسد الطريق أمام هيمنة الرؤى الايديولوجية والمرجعيات الحزبية الضيقة..

عشرات المليارات من أجل ضرب الحقوق والحريات

وطبيعيّ أن يدفعنا كل هذا الى التساؤل عن جدوى المليارات التي تنفقها المجموعة الوطنية -يقال أن كلفة صياغة الدستور بلغت الى حد الآن 80 مليارا من مليماتنا-، أفيعقل أن تصرف مبالغ ضخمة من أجل دستور يتراجع عن المكاسب التي نص عليها دستور 59، فيقيد الحريات ويقلص دائرة الحقوق وهو ما يتناقض مع الاهداف التي قامت من أجلها الثورة ومنها ترسيخ الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.. ونمضي الى أبعد من ذلك لنتساءل مثلما جاء على لسان أحد المشاركين في اللقاء المذكور: ألم يكن من الأجدى الابقاء على الدستور القديم مع تعديل بعض فصوله والانصراف إلى ما هو أنفع ؟

شيراز بن مراد

السبت، 18 أغسطس 2012

الشاعر آدم فتحي: «ضرب حقوق المرأة هو عين الثورة المضادة»

ممّا أثلج صدورنا في المسيرة التي انتظمت يوم 13 أوت احتفاء بالعيد الوطني للمرأة هو الحضور الرجالي المدير للرقاب حيث سار مئات منهم -إن لم نقل آلافا ـ جنبا إلى جنب مع النساء معبرين بذلك عن مساندتهم وتضامنهم مع المرأة وانتصارهم لمسألة المساواة بين الجنسين وضرورة حماية حقوق المرأة التونسية التي أضحت مهددة أكثر من أي وقت مضى.
ومن بين الذين لا يؤمنون بـأحقية «تسرديك» الرجل على المرأة لأنّها بدرجة أولى أخت وأم وبنت وصديقة وزوجة من حقها أن تتمتع بما يتمتع به الذكور من حقوق، نذكر الشاعر الملهم آدم فتحي الذي آزر المرأة التونسية بحماسة فائقة معتبرا أنّ حرية المرأة وكرامتها هي المحك الحقيقي لكافة مكوّنات المجتمع، فإمّا نجحنا فيه وإلا صرنا مجتمعا أعرج.


معركة حقوق المرأة معركة جوهرية
وذكر آدم فتحي في مستهل حديثه أنّ معركة حقوق المرأة هي جزء من المعركة الجوهرية التي تعيشها تونس اليوم، فالمرأة كانت منذ الاستقلال شريكا في بناء الدولة الحديثة ومن غير المعقول أن تحاول بعض الأطراف الآن أن تهيمن بطرق ملتوية على واحد من أهم أهداف الثورة وهو الحرية وأن تضع لهذه الحرية قيودا تفرغها من فحواها وأن تنقلب على حرية المرأة وحقوقها وأن تعيد النظر في حرية المعتقد والتفكير والإعلام.. وهو ما يرى فيه آدم فتحي «عين العودة إلى مربع الاستبداد وعين الردة وهو ما يعني أيضا الثورة المضادة»، ولذلك نادى فتحي بضرورة التزام اليقظة والنضال من أجل الحفاظ على مكاسب المرأة وكذلك تطويرها قائلا: «الآن، الآن وليس غدا كما تقول فيروز, يجب أن تخرج المرأة للتعبير عن رفضها المس من حقوقها، والغريب أنّي أرى بعض النسوة في المجلس التأسيسي لا يدافعن عن حرية المرأة!».


هناك محاولة للزحف على حقوق المرأة
ويواصل كاتب كلمات قصيد «هيلا هيلا يا مطر» موضحا: «إنّها لحظات حاسمة ومصيرية والمفروض أن تكون هناك تعبئة أكبر وأقوى، فحرية المرأة وكرامتها هي الامتحان الحقيقي لنا وللآخرين ويقصد الماسكين بزمام الحكم.. وبنبرات لا تخلو من حنق يقول: «شخصيا أرى في الاعتداء على حرية المرأة وحقوقها إهانة للإنسان
، أفلا تمثل 50٪ من المجتمع، فما معنى أن يعتبرها البعض «مكملة» أي فرعا لأصل؟ نعرف جيدا ويعرفون هم -أيضا- جيّدا ان النصوص القانونية ليست بالنوايا بل بالأعمال.. والأعمال أثبتت لنا الى حد الآن أن هناك محاولة للزحف على حقوقنا بما فيها حقوق المرأة وتراخيا في ما يخص الهيئة العليا للإنتخابات ومكرا في ما يتعلق بإستقلالية القضاء، وهو ما لن نصمت عنه».

المعركة ستكون طويلة
ولأنّ اللوحة السوداء لا تقتصر على المس من حقوق المرأة، فقد حوصل آدم فتحي رأيه كما يلي: «المعركة ستكون طويلة ولكن قد يقصر مداها وقد تذهب للنتائج الجيدة التي نرجوها إذا تمت التعبئة كما يلي وإذا ما انخرط الناس في عملية المواطنة وهي عملية الدفاع عن مصيرهم خاصة أنّ على طريقنا مواعيد انتخابية حاسمة.. يجب على الذين يمتنعون عن التصويت والمتقاعسين عن العملية الانتخابية ان يفهموا أن مصيرهم ومصير ابنائهم رهين مشاركتهم وحسن اختيارهم لمن يمثلهم
».

شيراز بن مراد

الخميس، 16 أغسطس 2012

في فضاء «لرتيستو»: نجيب خلف الله ووجدي قاجي يستفزّان الحياة!

فتح فضاء «لرتيستو» ـ الذي يديره الفنان الشاب غازي الزغباني ـ أبوابه خلال شهر رمضان لاحتضان عدد من العروض الفنية، انطلقت ببثّ شريط سينمائي للمخرج الناصر خمير وتواصلت بجملة من الأعمال المسرحية والموسيقية، إضافة إلى سهرة احتفت بالرّقص المعاصر شارك فيها كل من الراقصين نجيب خلف الله ووجدي قاجي اللذين استفزا الحياة كلّ على طريقته..

«فالصو» لنجيب خلف الله: رقص في عمق الحيرة الوجودية

في وقت وجيز جدا، تطرّق الفنان ومصمّم الكوريغرافيا نجيب خلف الله الى تيمة هامّة وهي أيّ معنى لوجودنا على هذه الأرض.. فماذا نمثل نحن هذه الكائنات الصّغيرة في هذا الكون الكبير، وكيف لنا ان نضفي نكهة ومذاقا لعبورنا في هذه الحياة؟
بحركات حائرة مختلة استدرجنا نجيب خلف الله إلى عمق حيرته الوجودية بحثا عن شعاع أمل يمنح وجوده معنى، فتراه تارة يراقص وشاحا أحمر وطورا يعزف على آلة ساكسوفون ليراقص من ثمّة فستانا لامرأة افتراضية.. اثر ذلك يرتدي خلف الله زي ملاكم وكأنّ الحياة حلبة صراعات متواصلة فيقف في مربع ضوئي مواجها ما يتسنّى مواجهته، لتنتهي المسرحية بلوحة مميّزة تماهى فيها الراقص مع بدائية الإنسان وحسّه الغريزي داقّا نواقيس صراع متجدّد في زخم الحياة. وتجدرالإشارة الى الاختيارات الموسيقية كانت في تناسق تام مع مضمون اللوحات الراقصة بل وزادتها عمقا وروحا فلسفيّة تدفع المشاهد إلى الحيرة والتساؤل...



«سكات» لوجدي قاجي: مصيرنا بين أيدينا، فلنقرره نحن
من عجلة دراجة هوائية طالما دفعها عندما كان طفلا انطلقت الرحلة.. رحلة الفنّان الشاب وجدي قاجي الذي ظلّ يقتفي في عرض «سكات» أثر عجلته الحديدية, فروّضها ثم شاكسها ثم اعترض طريقها ثم قاطعها ثم حبسها ثم رمى بها بعيدا لترسم مشهدا في غاية الجمال... وهكذا شحن وجدي عالمه البسيط بما حمله جراب الطفولة من ألعاب وأحلام.
أمّا في الجزء الثاني من العرض فقد ارتدى وجدي ملابس الدراويش الراقصين وأهدى برقصته الدائرية المتفرجين مشهديّة فائقة الرمزية.. لقد استوقفنا دورانه الأبيض الذي يخطف الأبصار ويسمو بالذات بعيدا عن ماديات الحياة.. غير انّ الدوران ينقطع ما ان يقرّر الراقص وضع حدّ لحركته وكأن بفناننا يقول انّ مصيرنا بأدينا فلنقرّره نحن.



شيراز بن مراد

السبت، 11 أغسطس 2012

بسمة السوداني بلحاج (رئيسة رابطة الناخبات التونسيات): «الـمرأة التونسية أثبتت جدارتـها مـنـذ الاستـقـلال ولن نقبل بوصفها «مكملّة» للرّجل!»

ارتفعت منذ الأسبوع الفارط عدّة أصوات لتندّد بماء جاء في الفصل 28 من مشروع الدستور من مس بحقوق المرأة التونسية... فقد صادقت لجنة الحقوق والحريات التي ترأسها السيدة فريدة العبيدي بغالب 12 صوت مقابل 8 أصوات على فصل ينص على اعتبار المرأة شريكا للرجل في تجاهل واضح لمبدأ المساواة بين الجنسين.. وبالنظر لخطورة الموضوع ينتظر أن تنظم يوم الاثنين 13 أوت مسيرة نسائية حاشدة تعبر عن مطالب أساسية نادت بها قرابة 100 جمعية نسائية وتتمثل بالأساس في دسترة حقوق المرأة وعدم الاستنقاص من شأنها..
 

حول هذا الموضوع الحساس الذي يخص 50.9 ٪ من تركيبة المجتمع التونسي، كان لنا اتصال بالسيدة بسمة السوداني بلحاج رئيسة رابطة الناخبات التونسيات التي عبرت لنا عن مخاوفها من الفصل 28 الذي ينذر بتراجع حقوق المرأة التونسية قائلة: «أصبت بإحباط كبير لما جاء في هذا الفصل، فلم أتصور يوما أنّ نتعامل مع المرأة التونسية كـ«مكمل للرجل»! فالمرأة كيان مستقل الذات، والمرأة التونسية أثبتت منذ الاستقلال أنّها مناضلة، كادحة، فاعلة، كفأة»... بهذه الكلمات الغاضبة استهلت السيدة بسمة السوداني حديثها لتؤكد خشيتها ممّا جاء في الفصل 28 للدستور مشدّدة على ضرورة تحوير محتواه لينصص صراحة على دسترة حقوق المرأة القائمة على المساواة، وهو الشعار ـ والكلام لمحدثتنا ـ الذي رفع خلال الثورة التونسية: المساواة بين الطبقات والمساواة بين الجهات والمساواة بين النساء والرجال..

الدستور يجب أن يتضمن تنصيصا صريحا لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل 


وشدّدت قائلة: «لا يمكن أن نقبل بأقل من ذلك.. ولو قبلنا بهذه الصيغة التي تستنقص من شأن المرأة فيعني ذلك أنّنا اعتدينا وانتهكنا حقوق التونسيات المناضلات والريفيات وأمّهات الشهداء وكل نساء تونس.. الدستور يجب أن يتضمن تنصيصا صريحا لحقوق المرأة ولمبدأ المساواة ولا مجال للحديث عن «دور مكمل» إذ أنّه مصطلح فضفاض وملتبس يمكن أن يفتح الأبواب لتأويلات مختلفة».. وبخصوص عملية التصويت على هذا الفصل، ذكرت بسمة السوداني أنّه من المخجل أن تصوّت الأستاذة فريدة العبيدي رئيسة لجنة الحقوق والحريات (وهي امرأة) على نص يرى في المرأة مجرّد «مكمل» للرجل مضيفة: «قانون التناصف الذي ناضلنا من أجله هو الذي مكن نساء النهضة من التواجد اليوم في المجلس التأسيسي وهنّ اليوم يصوّتن ضدّ حقوق المرأة... يالها من عجيبة! نحن نحملهن المسؤولية كاملة لأخذ توصيات المجتمع المدني بعين الاعتبار، لا التحدث والتصرف باسم حزبهن فقط، فالدستور يجب أن يمثل كافة أطياف المجتمع التونسي لا آراء وفكر حركة النهضة وحدها»...


الفصل 28 يمثل ردّة على حقوق المرأة


وذكرتنا السيدة السوداني بأنّ رابطة الناخبات التونسيات قدمت ضمن تحالف جمعياتي نسائي ضمّ 102 جمعية توصيات للمجلس التأسيسي تتعلق بدسترة حقوق المرأة وبضمان التناصف في القانون الانتخابي وبإدخال المؤنث على مستوى صياغة النص (لقاء أول بتاريخ 17 أفريل ثمّ لقاء ثاني بتاريخ 26 أفريل 2012) غير أنّ ما لاحظته آنذاك هو تحفظ بعض نواب حركة النهضة على هذه التوصيات ومنهم النائب حبيب خذر الذي رأى في ادخال الجمع المؤنث السالم على النص «ركاكة» ممّا حدا برئيسة الرابطة للتساءل إذا كان النص القرآني ركيكا عندما توجه الله سبحانه وتعالى بآياته مثلا للمؤمنين والمؤمنات وللطيبين وللطيبات وللصائمين والصائمات، ورأت محدثتنا في هذا التأنيث جمالية ورونقا لما يضفيه الجمع المؤنث السالم من إيقاع على النص، لكن تبقى تقييمات القبح والجمال ذاتية لا تعتمد على الموضوعية... المهم أنّ مسودة توطئة الدستور توجهت للمواطنين وللمواطنات وهو الممكسب الوحيد الذي تحقق ـ حسب محدثتنا ـ إلى الآن مقارنة بدستور 59...
موقف سلبي آخر لاحظته السيدة السوداني من قبل نائبة نهضوية عبرت عن نيّتها إصدار تحفظات على اتفاقية «السيداو» التي تنص على القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة.. وهو ما دفع بمحدثتنا للحديث عن مخاوفها من ردّة بالنسبة لحقوق المرأة: «الفصل 28 سيفتح الأبواب للقضاء على النفس الثوري والحقوقي للمرأة التونسية.. فحذار وحذار.. لا يجب أن ننسى نساء القصرين اللاتي خرجن من بيوتهن في بداية شهر جانفي 2011 للتظاهر، لا يجب أن ننسى نضال وتضحية وجدارة وجرأة المرأة التونسية منذ الاستقلال وبالتالي حقها في المساواة مع الرجل».


شيراز بن مراد


الجمعة، 10 أغسطس 2012

هل يستعيد منزل أحمد ابن أبي الضياف سالف بريقه؟

الباب الرئيسي لمنزل المِِؤرخ أحمد ابن أبي الضياف
تعجّ المدينة العتيقة بتونس بالمعالم التاريخية، منها جامع الزيتونة المعمور وجامع حمودة باشا ومقاما سيدي بن عروس وسيدي محرز وكذلك بعدد من المدارس التي ذاع صيتها في القرن الثامن عشر على غرار المدرسة العاشورية والسليمانية..
كما تتميّز المدينة العربي إلى جانب أنهجها التجارية وفضاءاتها الثّقافية (النادي الثقافي الطاهر حداد، نادي بئر الأحجار، الخ) بكنوز معمارية تتمثّل في مبان سكنية آية في الجمال رُمّم بعضها في حين تداعى البعض الآخر للسّقوط..
وللتحسيس بهذا الإرث المعماري والانساني، نظّمت جمعية «المدينة والربطين» التي ترأسها السيدة سندس بلحسن «خرجة» تجسّدت في عرض صور نادرة التقطت في بعض الدّيار العربي، تلتها زيارة لإقامات كائنة بنهج الديوان ونهج القبي ونهج بن نجمة ونهج ابن أبي الضياف..
 

ونعترف بأنّ مالكي هذه الإقامات حافظوا على الطابع المعماري الأصيل لهذه المساكن وما يميّزها من نقوش خشبية وجليز يكسو الجدران بألوان قزحيّة وأعمدة مرمرية وأبواب ذات بصمة خصوصيّة وشرفات ذات نمط معماري تقليدي (قنارية).
ومن المنازل التي شدّت انتباهنا منزل المؤرّخ والمصلح التونسي أحمد بن أبي الضياف (1803 ـ 1874) صاحب كتاب «اتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان»، وهي على ملك السيد يوسف فرحات أحد أعضاء الجمعية.. وللأمانة فإنّ الإقامة بحاجة الى ترميم عاجل خاصّة انّ أغلب بلاطها والجليز الذي يكسو الجدران تآكل وتهرّأ بفعل الزمن والإهمال.. ويبدو انّ بلدية تونس رفضت مدّ مالكها برخصة بناء بما يمكنه من احداث الترميمات الضرورية على هذا «المعلم» الذي يذكرنا بشخصية فريدة من تاريخ تونس، فهل يستعيد منزل أحمد ابن أبي الضياف سالف بريقه أم يدخل هو كذلك طيّ النسيان؟ انّ المدينة العربي ليست مجرد بناءات ومعالم بل هي تختزل روحا تاريخيّة وطريقة عيش، كما كانت شاهدة على حياة عديد الشخصيات التونسيّة على غرار الشيخ الفاضل بن عاشور والفنّان علي الرياحي وعلي الدوعاجي والمونولوجيست صالح الخميسي وغيرهم كثير، وهو ما تحاول جمعية «المدينة والربطين» التحسيس به بهدف المحافظة علىثروة معماريّة وحضاريّة من العبث أن يستهان بها..
وحتى نعطي لقيصر ما يستحقّ، نشير إلى أنّ صاحب هذه المبادرة القيّمة ليس سوى المهندس أحمد الزاوش الذي حرص على دعوة البعض إلى اكتشاف كنوز معمارية تكاد تكون محجوبة ومجهولة لدى العديد منّا..


شيراز بن مراد

في تكريم الراحل الهادي قلة: أولاد المناجم يؤكدون على المساواة.. الحمائم البيض يرفضون التعويض.. وفرقة البحث الموسيقي تندّد بالحصار

فرقة الحمائم البيض على ركح مهرجان الحمامات
وفاء لروح الفنان الرّاحل الهادي قلة الذي ناضل بموسيقاه من أجل العدالة وقضايا الطبقة الكادحة، احتضن مهرجان الحمامات الدولي يوم السبت 4 أوت حفلا ساهرا وجهت خلاله فرقة أولاد المناجم والحمائم البيض والبحث الموسيقي جملة من الرسائل السياسية ذات العلاقة بالشهداء وبالمساواة وبالحرية.
 

ففضلا عن الأداء الموسيقي المميز للفرق الثلاث والذي تفاعل معه الجمهور بحرارة أثار صالح التومي قائد فرقة أولاد المناجم مسألة المساواة بين المرأة والرجل مشددا على أهمية احترام هذا المبدأ في إيحاء للتصويت الذي وقع مؤخرا صلب المجلس التأسيسي والذي تجاهل المساواة بين الجنسين معتبرا المرأة مجرّد «مكمل» للرّجل.. كما تغنت الفرقة بـ«مدنية الدولة» و«برفض الرجعية» وبالوفاء لروح الشهداء وبأهمية النضال والصمود من أجل تحقيق المكاسب في دولة تقدمية..
 

إثر ذلك قدمت فرقة الحمائم البيض وصلة موسيقية حيّت فيها كل المناضلين ومنهم المناضل الياباني «أوكامكو» الذي ناضل لفائدة القضية الفلسطينية ثمّ عبّر عمار أحد أعضاء الفرقة عن رفضه لمبدأ التعويض المالي للمناضلين متسائلا كيف يمكن تقييم التضحية والنضال؟ وإذا قبلنا بمبدأ التعويض فكم نعوّض لفرحات حشاد ولمحمد الدغباجي وللبشير بن سديرة؟ ثمّ قدمت الفرقة أغنية اعتمدت على واحد من أشهر الشعارات التي رفعت في الأيام الأولى للثورة وهي «الشعب يريد اسقاط النظام» لتنتهي الفقرة بمبارزة موسيقية جميلة بين حشاد بعوده وزكريا بكمنجته...
 

بعد ذلك، صعد على الركح أعضاء فرقة البحث الموسيقي بقابس يتقدمهم الفنان نبراس شمام الذي ندّد بعودة الحصار على الفن والفنانين قائلا إنّهم سيقفون شوكة في حلق الطغاة الذي يعادون الفن والحرية... ثمّ تتالت المقطوعات التي حيّت الشهداء وتغنت بالحرية ومنها أغنية «هيلا هيلا يا مطر» التي اشتهرت بها فرقة البحث الموسيقي... وبالطبع لا يمكن المرور دون الإشارة لعبير شمام الصوت النسائي الوحيد في الفرقة والذي يعطي طابعا خاصا للباقة الصوتية في مجملها..
واختتم الحفل بوصلة موسيقية أداها الفنان جمال قلة شقيق الفنان الرّاحل وتضمنت مختارات من ريبرتوار صاحب أغنية «بابور زمر خش البحر» وأحد رموز الأغنية المناضلة في السبعينات.


شيراز بن مراد

الصحفي سفيان الشورابي بعد اطلاق سراحه: «كنت نائما عندما ألقي عليّ القبض .. لم اضبط في حالة سكر ولم أعتد على الأخلاق الحميدة»

الصحفي سفيان الشورابي بين أصدقاءه إبان الإفراج عليه

تم يوم الاثنين 6 أوت الافراج عن الصحفي والمدون سفيان الشورابي وذلك بعد ان قضى قرابة 24 ساعة محتفظا به بمنطقة الامن الوطني بنابل بعد أن وجّهت إليه تهمة الاعتداء على الاخلاق الحميدة ومعاقرة الخمر في الطريق العام..
 

وقد تعددت الاشاعات حول عملية الايقاف هذه من ذلك ما راج من أن الصحفي سفيان الشورابي كان عرضة للتتبع الامني بسبب دعوته إلى المشاركة في وقفة احتجاجية يوم الاحد 5 اوت بشارع الحبيب بورقيبة، وللتعرف على تفاصيل الواقعة كان لنا اتصال هاتفي بالصحفي سفيان الشورابي عقب اطلاق سراحه فذكر انه نصب خيمة بمعية اثنين من اصدقائه على شاطىء مدينة قليبية غير انه فوجئ صبيحة يوم الاحد 6 أوت وعلى الساعة الثالثة صباحا وحين كان نائما آنذاك بمجموعة من رجال الامن يقتحمون المكان قبل ان يوجهوا إليه تهمة السكر الواضح والاعتداء على الاخلاق الحميدة، ووضح سفيان انه تم بالفعل حجز قارورة كحول كانت موجودة في الخيمة، وأشار بالمناسبة إلى الطريقة الفجة ـ والعبارة له ـ التي تعامل بها معه بعض أعوان الامن حيث اعتدى عليه أحدهم لفظيا وماديا بطريقة غير مقبولة، بينما أشاد بالطريقة المتحضرة التي تعامل بها معه رئيس منطقة نابل راجيا أن يقتدي كل الاعوان بتصرفه.. 

وبخصوص الحكم الذي صدر في حقه لاحظ سفيان الشورابي أن وكيل الجمهورية أسقط تهمة الاعتداء على الأخلاق الحميدة بينما أبقى على تهمة السّكر الواضح ليقول فيها القضاء كلمته في شهر سبتمبر القادم، وأسرّ لنا سفيان بأن التهمة باطلة لأنه لم يكن في حالة سكر أو بصدد معاقرة الخمر عندما ألقي عليه القبض .. أمّا في ما يتعلق بالإشاعة التي راجت على أنّه كان محل تتبّع أمني، فنفى سفيان قائلا إنه لا يملك أيّة إثباتات أو قرائن تؤكد ذلك..

ويذكر أن عددا من المحامين تجندوا للدفاع عن سفيان ومنهم الأستاذ عبد الناصر العويني الذي صرح لنا بأنّ أركان الجريمة لم تكن متوفرة واستغرب عملية الايقاف خاصة وأن منوبه ليس مجرما و كان نائما في الخيمة ولم يقبض عليه وهو بصدد احتساء الخمر»..ومن جهتها أكدت الاستاذة بشرى بلحاج حميدة أن ملف سفيان خال من التهم وأن الامن استند إلى وشاية مجهولة المصدر وبالتالي لا يوجد أي مبرر لايقافه تحفظيّا.. ومن جهة أخرى أكّد لنا الأستاذ أنيس الزين أنّ طريقة إلقاء القبض على سفيان الشورابي كانت غير قانونية وأنّه لم تثبت عليه تهمة معاقرة الخمر في الطريق العام لأن المنوّب كان نائما عندما ألقي القبض عليه كما لم يعتد على الاخلاق الحميدة..

  • شيراز بن مراد

    تصوير عماد بلحسن

3 نساء يرفعن الفيتو أمام الفصل 28 : لا للدوس على حقوق المرأة ولا لتقزيمها

    • من اليمين الى اليسار: الأستاذة أمال قرامي- المحامية هدى دريس- الناشطة السياسية هيفاء بن عبد الله

      فوجئت أطياف من المجتمع المدني بمصادقة لجنة الحقوق والحريات في المجلس التأسيسي على الفصل 28 الذي يرى في المرأة «شريكا» للرجل بما يقزّم مكانتها ويستنقص من قيمتها كمواطنة مستقلّة الذات.. 
      وبهدف سبر آراء بعض النساء الناشطات في الحقل المدني والسياسي، منحنا الكلمة لكل من الاستاذة الجامعية آمال قرامي والمحامية هدى دريس وهيفاء بن عبد الله عضو المكتب التنفيذي للمسار الديمقراطي الاجتماعي، فرفعت ثلاثتهن الفيتو امام الفصل 28 بعد أن وجدن فيه دوسا لحقوق المرأة وتقزيما لمكانتها في مجتمعنا.. 

      الأستاذة أمال قرامي:
      «الفصل 28 صيغ على مقاس حركة النهضة ويكرّس التمييز واللامساواة»

      صياغة هذا الفصل تثبت ـ مرّة أخرى أنّ من صوتوا لصالح هذا الفصل لا يفكرون في كتابة دستور لجميع التونسيين بل هو دستور على مقاس حزب النهضة، وهو دستور لا يحقق الوفاق الوطني المزعوم. إنّ هذه الصياغة توضّح كيف يجري بناء اللامساواة وتكريس التمييز.
      أمّا عن التواطؤ النسائي فهو متوقع فالفئة التي روّجت أفكارا من قبيل أنّ المرأة تكمّل الرجل وأنّها ليست كينونة مستقلة، وهي لا تعرّف إلاّ من خلال أدوارها داخل مؤسسة الزواج ، لا يمكن لها أن تدافع عن مبدأ المساواة... إنّ نائبات النهضة إذ يطالبن بأن تكون المرأة مكملة للرجل، إنّما يؤكدن أن مصالح الحزب تعلو على كلّ شيء وإن اقتضى الأمر الدوس على حقوق النساء. وهو أمر مفهوم فهن انتخبن على أساس الولاء للحزب وطاعة القيادة الرشيدة وعلى قدر طاعتهن للأوامر سيكافأن.
      غير أنّ الواقع الذي يصرّ أصحاب هذا الفصل على تجاهله يبرهن على أنّ نساء الحوض المنجمي على سبيل المثال حين نزلن إلى الشوارع لم يكن ذلك بوصفهن تابعات للرجال ولا مكملات لهم إنّما احتججن وناضلن إيمانا منهن بمواطنتهن ودفاعا عن حقوقهن. وهو أبلغ درس وأفضل حجّة نسوقها حتى يعتبر أنصار المرأة المكملة.

    • المحامية هدى دريس:
      «الفصل 28 لا يعترف بالمرأة كمواطنة مستقلة بل بوصفها تابعة للرّجل»

      يتحدث المشروع الذي نال أغلبية الأصوات عن المرأة لا ككيان مستقل بذاته وانما كشخص لا يكتمل وجوده إلا بالانتساب للرجل، فهذا الفصل يتحدث عن حماية حقوق المرأة لا باعتبارها مواطنا مستقلا بل على أساس أنّها تابعة للرجل. كما يتحدث عن الشراكة مع الرجل دون تفسير مفهومها وقيمتها. وهو لا يرى دور المرأة خارج اطار العائلة وفي هذا تهميش لوجود و قيمة النساء العازبات باختيارهن أو دونه.
      وفي المقابل يتحدث المشروع الذي تمّ إسقاطه ـ وهو الأفضل في نظري ـ عن المرأة فقط دون إشارة للرجل، وذلك بوصفها مواطنا مستقلا وبعبارات واضحة لا تقبل اللبس.. فهذا الفصل يضمن من جهة تكريس ما حصلت عليه المرأة من مكتسبات في مجال الحقوق والحريات وأهمها بالطبع مجلة الأحوال الشخصية لسنة 1956 مع كل ما طرأ عليها من تنقيحات كلها لفائدة المرأة وتدعيم لحقوقها، كما أنه يقف حاجز صد أمام سن أي قانون من شأنه التقليص من هذه الحقوق. ومن جهة أخرى فإنّه يتحدث عن المساواة بوضوح حين يضمن القضاء على كل أشكال التمييز.


    • الناشطة السياسية هيفاء بن عبد الله:
      «على أحرار هذا البلد مواجهة الأجندة الظلامية لحركة النهضة»
       

      صراحة لم أفاجأ بما تضمنه الفصل 28 من استنقاص لمكانة المرأة إذ يعتبرها مجرد «مكمل» للرّجل لا ندا له... فحركة النهضة حملت منذ نشأتها فكرا ظلاميا يتنافى مع النموذج المجتمعي التونسي إذ يجده حداثيا أكثر من اللزوم ومتباينا مع تقاليدنا وقيمنا وعقيدتنا.. ليس ذلك فقط، فالحركة تكن الحقد لبورقيبة بالنظر لما أنجزه من أجل تحرير المرأة التونسية.
      للأسف الظلاميون موجودون هنا بيننا اليوم ويحملون نظرة رجعية لا علاقة لها إطلاقا بواقعنا.. فهم حريصون على إرساء نموذج مجتمعي على مقاسهم وسيحاولون التفرّد بالحكم لأطول فترة ممكنة..
      آعتقد جازمة بأنّهم يسعون إلى إنكار الهوية التونسية المتفتحة والوسطية، ولتحقيق هذه الغاية سيعملون على تجذير الجهل وعلى هدم ركيزة أساسية في مجتمعنا ألا وهي المرأة كمواطنة وكمؤسسة..
      إنّ كل خطابات النهضة التي أكدت على ضمان حقوق المرأة خلال الحملة الانتخابية وقع التخلي عنها، والآن وقد وصلت الحركة إلى سدّة الحكم فإنّها تعمل على تمرير أجندتها الحقيقية. علينا نحن أحرار هذا البلد نساء ورجال أن نواجه هذه الأجندة من أجل المحافظة على مكاسب المرأة التونسية ودعمها
      .


      شيراز بن مراد

الخميس، 9 أغسطس 2012

بعد رفضها دعم موسوعته, هل تستجيب وزارة الثقافة لصرخة الأديب بوراوي عجينة؟


من الاخبار ما ينزل نزول الصاعقة وما يحبط العزائم ويجعل المثقف يفقد الثقة بمن عهدت اليهم مسؤولية الاشراف الثقافي في البلاد.. هذا ما حصل مؤخرا مع الاديب بوراوي عجينة الذي فوجئ برفض وزارة الثقافة دعم عمل ضخم أعده حول أبرز أعلام القصص العربية في تونس في القرن العشرين..

يقول بوراوي عجينة إنّه أقدم على إنجاز هذا العمل بصفة فردية طيلة 7 سنوات بهدف توثيق ذاكرتنا الوطنية في مدونة شملت أهم كتاب القصة وذلك من 1904 الى سنة 1999 وتفرعت إلى مختارات قصصية متنوعة وبيبولوغرافيا موسعة جدّا. ويضيف قائلا: «لقد اخترت في موسوعتي القصصية افضل ما نشر في تونس في القرن الماضي من نصوص سردية وأهم نماذجها، وبلغ عدد كتاب القصة الذين ادرجناهم في الموسوعة 181 كاتبا بينما بلغت النصوص المنتقاة 374 نصا سرديا كما أدرجنا من المراجع وأقوال النقاد ما لم يجمع في مؤلف واحد أبدا»..

عمل وجهد مضني هدفه تخليد الذاكرة الأدبية

وبمرارة من يعفس على جمرة من نار، يؤكد محدثنا ان الموسوعة صورة وفية شاملة عن الواقع القصصي التونسي وتطور مساره والتعريف بكتاب معروفين وآخرين مغمورين..ولإعطاءنا بسطة عن الأسماء والنصوص التي أوردها في الموسوعة، يذكر بوراوي عجينة على سبيل المثال علي الدوعاجي أحد اعلام القصة التونسية والبشير خريف زعيم مدرسة الواقعية ومحمود المسعدي زعيم المدرسة الوجودية والطاهر قيقة الاديب المخضرم وعز الدين مدني أحد أهم مستلهمي التراث العربي وسمير العيادي صاحب النفس الشعري الذي يصور تخوم الذات وأغوارها وهواجسها وحسن نصر مؤلف الاقصوصة الجيدة القريبة من القصيدة بنوعيها الواقعي والعجيب وغيرهم من المجددين على غرار عروسية النالوتي ورضا الكافي وإبراهيم الدرغوثي وحسونة المصباحي والذي يقول عجينة أنّهم كتبوا نصوصا «تقف ندّا للندّ وجنبا الى جنب مع نصوص كتّاب عرب كبار وعالميين أيضاً»... ومن المفارقات التي يجب لفت النظر اليها أن هذا النوع من الموسوعات مألـــوف ومنه موسوعـة «Lagarde et Michard» التي تعتبر مرجعا هامّا في الأدب الفرنسي اذ تستعرض اهم الادباء الفرنسيين في القرون 16 و17 و18و19و20، قلنا من المفارقات لانه يؤلمنا ان تلقى الموسوعات الأوروبية الدعم بينما يستهان بأعمال مماثلة في ربوعنا..
الملاحظ ايضا في مقاربة بوراوي عجينة تبجيله للأدباء التونسيين الذين يقول عنهم إنهم «عزفوا ألحان الحياة بكل انواعها، فنصوصهم متنوعة جدّا توجد فيها جميع مشاغل الحياة وعدد كبير من الاساليب الفنية وفضاءات البلاد المختلفة».

لماذا لم تتجاوب وزارة الثقافة مع مبادرة عجينة؟

ونظرا إلى المتطلبات المادية الباهظة نسبيا التي لقيها الكاتب في طبع الموسوعة المتكونة من 6 أجزاء ـ تكفل اتحاد الكتاب التونسيين بطبع الجزأين الأولين منها ـ، راسل بوراوي عجينة وزارة الثقافة آملا ان يحظى عمله بالدّعم غير أنّ مصلحة الآداب بوزارة الثقافة رفضت طلبه وَوَرد في رسالة رفضها ما يلي: «ان تعهّد الوزارة يقتصر على المساعدة التي تقدّمها عن طريق اقتنائها كميّة من العمل بعد نشره شريطة ان تتوفر فيه جودة المحتوى والشكل».. وهو ما حطّ من عزم أديبنا الذّي لم يكن يتوقع أن يقابل عمله الذي يدخل في خانة الأعمال التي تؤسس للذاكرة الوطنية بهذا الجفاء والتجاهل خاصة إنّ تكاليف نشر جزء واحد من الموسوعة الذي يحتوي ما معدلّه 750 صفحة تبلغ حوالي 10 الاف دينار وهو مبلغ يتجاوز الامكانات الشخصية للكاتب في حين أنّها لا تمثل سوى نقطة ماء في بحر الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة لباقي الفنون... وقد تساءل بوراوي عجينة بالقول: «هل إنّ 10 آلاف دينار لدعم طبع جزء واحد من الموسوعة مبلغ كبير يعسر على الوزارة توفيره من ميزانية تخصص فيها المليارات للغناء وجلب المطربين من الخارج كلفة الواحد منهم عشرات الملايين احيانا؟».. كما عبّر عجينة عن أسفه للسنوات التي أنفقها صحة وجهدا لإعداد هذا العمل الضخم وعن اسفه الاكبر من موقف الوزارة قائلا: « ينتابني احيانا شعور برغبة في اتلاف الـ3000 صفحة المرقونة والجاهزة للطبع من عمل عزيز على نفسي يخدم المصلحة الوطنية»..
فهل تتراجع وزارة الثقافة عن موقفها وتبدي اهتماما بهذا العمل الاستثنائي الذي يجمع شتات الذاكرة الأدبية في القرن العشرين ام أنّ دار لقمان ستبقى على حالها؟

شيراز بن مراد

الأربعاء، 8 أغسطس 2012

هل يعقل أن تمنع هذه المواطنة من دخول الولاية بسبب هذا اللباس؟

هذا ما كانت ترتديه السيدة سميرة مجدوب عندما منعت من دخول ولاية صفاقس
تناقلت صفحات موقع الفايسبوك خبرا مفاده أنّ مواطنة من مدينة صفاقس منعت من الدخول الى الولاية بسبب ملابسها التي اعتبرها حاجب الولاية خليعة.. وللتثبت من هذا الخبر اتصلنا بالسيد لسعد الجموسي رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بصفاقس للاستفسار إذا ما بلغته هذه القصة الغريبة، فأكد لنا صحتها موضحا ان فرع الرابطة تلقى شكاية من المواطنة سميرة المجدوب، الموظفة بكلية الطب بصفاقس وأمينة مال مساعدة بجمعية ادماج الكفاءات ادريك ADRIC تقول فيها إنها وبتاريخ 26 جويلية وتحديدا على الساعة الحادية عشر والنصف صباحا قصدت مقر ولاية صفاقس لاستخراج شهادة إعفاء من الضرائب للجمعية المذكورة إلاّ أنّها منعت من الدخول من قبل شخصين بتعلة ان لباسها «خليع»..

لباسي كان عاديا وفي تصرف الحجّاب حدّ من حريتي الشخصية
وذكرت الشاكية انها كانت ترتدي لباسا عاديا يتمثل في سروال وقميص واكدت انها عادت من الغد الموافق لـ 27 جويلية حوالي الساعة العاشرة صباحا بنفس اللباس وقد وقع منعها مجددا بنفس التعلة.. الشيء الذي دفع السيدة المجدوب بالتقدم بشكاية بعدما اعتبرت أنّ في هذا التصرف حدّا من حريتها الشخصية وتعطيلا لقضاء شؤون المواطن.
وتجاوبا مع هذه الحادثة، اصدرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بفرعيها (صفاقس الشمالية والجنوبية) والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بيانا للرأي العام استنكرت فيه هذا السّلوك «الاعتباطي المتكرر والمستند الى منشور غامض يفتح المجال أمام تأويلات من شأنها التضييق على الحريات الفردية و يسعى الى فرض نمط مجتمعي يستند الى رؤية ايديولوجية غاية في الانغلاق والتحجر ويكرس موقفا دونيا من المرأة، لا يرى فيها سوى عورة».


تنديد بالاعتداء على حرية اللباس
كما عبرت الجمعيات المذكورة في البيان على تنديد مكوّنات المجتمع المدني بصفاقس بالاعتداء الصارخ على حرية السيدة سميرة المجدوب الشخصية في ارتداء اللباس الذي تراه مناسبا لها... وحملت المسؤولية كاملة الى الفريق الحاكم وخاصة حركة النهضة لاستغلالها أجهزة الدّولة والمرافق العامة لفرض رؤيتها الخاصة لنمط مجتمعي ينسف المكتسبات التقدمية للمجتمع التونسي، وقد سبق لمكوّنات المجتمع المدني ان طالبت بتكريس مبدأ حياد الادارة وحذرت من خطورة تحزيبها لاستغلالها في تكريس رؤية حزبية ضيقة ظنّنا انها انتهت النظام البائد...
كما حملت المجلس الوطني التأسيسي المسؤولية كاملة عن تردي وضع الحريات في البلاد ودعت الى التنصيص عليها بالدستور دون قيود او استثناءات تستند الى مفاهيم فضفاضة قابلة لتأويلات تفرغها من محتواها.


دعوة إلى اليقظة والانتباه
وفي ختام البيان دعت الجمعيات الشعب التونسي إلى اليقظة المستمرة والانتباه إلى خطورة ازدواجية الخطاب الذي يتوخاه الفريق الحاكم الذي يدعو في ظاهره إلى احترام الحريات الفردية ويكرس عملية منهجا في الحكم يلغي ويبشر بـ«ديكتاتورية ناشئة» بغلاف ديني، معتبرة ما حدث حلقة من سلسلة الاعتداءات المتكررة في مختلف أنحاء البلاد وهو ناتج عن سياسة الحكومة التي رخصت لجمعيات معادية للحرية بمسميات دينية مختلفة لضرب أبسط الحقوق باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما ينذر بنشأة أجهزة أمنية موازية للدولة وتنظيمات شبه عسكرية تختص بالاعتداء على الحريات الفردية والعامة..
ويذكر أنّ ولاية صفاقس نفت وقوع هذه الحادثة.


ريم وشيراز


ما هذه الحكومة التي ابتلي بها التونسيون؟

قد يبدو عنوان بطاقتي مبالغا فيه وموغلا في السلبيّة والسوداوية لكني أدعوكم إلى التوقف عند بعض المؤشرات لتحكموا بأنفسكم على أداء حكومة الترويكا ولتتيقنوا من أنّ «أقوى حكومة عرفها تاريخ تونس» مثلما جاء على لسان وزير الخارجية رفيق عبد السلام تسير في عاصفة رملية:
1 ـ لخبطة إقالة محافظ البنك المركزي بما يؤكد أنّ حكامنا الجدد هواة لم يقدروا على تحقيق الحدّ الأدنى من الانسجام المطلوب منهم.. فبعد أخذ ورد وتجاذبات غريبة بين الحكومة والرئاسة حسم الأمر بإقالة المحافظ السابق مصطفى كمال النابلي ـ الذي يشهد الجميع بكفاءته ـ وذلك حتى قبل أن يحدّد نواب المجلس التأسيسي موقفهم من هذا الملف، فبدت عملية تصويت النواب على الاقالة كمسرحية هزيلة الإخراج أو كـ«ديكور سيئ الذوق» جاء ليزوّق ما قُرر خلف الستار.
2 ـ لخبطة تسليم الوزير الأول السابق محمودي البغدادي للسلطات الليبية وما شابها من تضارب بين رئاسة تؤكد تشبثها باحترام حقوق الإنسان وبين حكومة تقول إنّها تريد خدمة مصلحة البلاد، حتى كاد التحالف بين النهضة والمؤتمر والتكتل يتفكك.
3 ـ لخبطة على المستوى القضائي، فنحن لم نسمع بوزارة العدل تجلس إلى طاولة الحوار مع جمعية القضاة وكذلك نقابة القضاة، بل كل ما سمعناه تصريحات وتصريحات مضادة مازالت إلى حدّ الآن لم تفض إلى أية نتيجة إيجابية تذكر.
4 ـ لخبطة على المستوى الإعلامي، فبعد محاولات الحكومة تدجين الإعلام العمومي والتهديد بعرضه للبيع، هاهي تمعن في رفض تفعيل مراسيم الإعلام (115 و116) وتتجاهل نقابة الصحافيين والهياكل المعنية بالقطاع وكأنّ مجال الإعلام يفتقر للكفاءات القادرة على تسييره... ولعل الحكومة مازالت تنتظر قدوم مهديّها المنتظر لفض المشاكل التي تعاني منها السلطة الرابعة.
5ـ ضبابية في ما يخص الهيئة العليا للانتخابات، فعوض تجديد الثقة في الهيئة السابقة التي اعترف الجميع بنجاحها في تنظيم انتخابات23 أو العمل على انتخاب ادارة جديدة, بادرت الحكومة بتقديم مشروع هيئة جديدة شككت عديد الأطراف في استقلاليته..
6 ـ تراخي في ما يخص العدالة الانتقالية التي استحدثت وزارة كاملة من أجلها، فنحن لم نسمع إلى حد الآن بهذه العدالة الاستثنائية تأخذ مجراها: فلا مساءلة ولا محاسبة ولا عذر ولا مصالحة ولاجبر ضرر ولا تخليد لذكرى الضحايا...
7 ـ ضبابية في ما يتعلق بصياغة الدستور حتى تعالت عدة أصوت لتقول إنّه من غير المعقول أن يصاغ الدستور في الغرف المغلقة وإنّه يجب الحذر من كتابة نصوص على مقاس جهات بعينها.. فالدستور يجب أن يكون توافقيا لا خلافيا، وعليه أن يحفظ الحقوق والحريات ويصونها دون تقييد أو استثناء.. وقد أشار رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في هذا الصدد إلى أن بعض الفصول التي عرضتها لجنة الحقوق والحريات أكثر تقييدا من الدستور القديم أو تكرر ما كان موجودا.
8 ـ تعدد الاعتداءات على الصحافيين وعلى الفنانين بما لا يدع مجالا للشك أنّنا على مشارف عهد جديد من قمع الحريات.. وما أحداث العبدلية الأخيرة الا خير دليل على محاولة لجم الإبداع والتضييق على الفكر.
9 ـ فشل على مستوى الجهات التي ظلت تشكو من المشاكل ذاتها، فلم نستمع إلى حدّ الان، حتى إلى خطاب يطمئن متساكني الجهات المحرومة التي شهدت اندلاع الثورة ومنها سيدي بوزيد والقصرين والحوض المنجمي.
10 ـ محاولة الحزب الحاكم التغلغل في مفاصل الدولة وهي الممارسة التي كان ينتهجها التجمع الدستوري الديمقراطي وتنتقدها أطراف إعلامية ومعارضة داعية إلى ضرورة الفصل بين الحزب والدولة بما يضمن حياد هذه الأخيرة ويتركها بمنأى عن التجاذبات السياسية.
11 ـ العجرفة السياسية التي تدعي أن حكومة الجبالي أكبر من النقد وتستعين بـ«نظرية المؤامرة» للظهور في مظهر الضحية كما تعمل على تقزيم الخصوم وهي مواقف لا يمكن بأية حال من الأحوال أن تصدر عن رجال دولة ترجى منهم فائدة تذكر.
12 ـ تردد الحكومة في معالجة ملفات الفساد والتلاعب بهيبة المؤسسات والعجز عن حسن تصريف الشأن الاقتصادي ممّا ساهم في تخفيض الترقيم السيادي لتونس.
هذه المؤشرات وغيرها عديد تدفعني إلى التساؤل حول جدوى الثورة، فهل قامت لتقطع مع ممارسات الماضي من ارتجال وفساد وسوء تصرف وتضييق على الحريات واستبداد بالرأي أم لتكرّس الممارسات نفسها؟ فهل تعي الحكومة خطورة هذه المؤشرات أم أنّها ستظل صماء شأنها شأن سابقاتها؟
شيراز بن مراد