الخميس، 20 سبتمبر 2012

المخرج محمود بن محمود: لــن أنسـى يــوم قــال لـي فاضـل الجعايبي: «سيسيل الدم يا محمود»

أقيش فيلم الأستاذ
لفيلم «الأستاذ» الذي يعرض حاليا بقاعات العاصمة قصة غريبة روى لنا المخرج محمود بن محمود شيئا من أطوارها.. فهذا الشريط الذي صوّر خلال الأيام الأولى من الثورة التونسية، عرف عدّة عراقيل منها ما هو مالي وماهو تقني لكن مثابرة مخرجه محمود بن محمود وشجاعة منتجاه فاضل الجعايبي والحبيب بلهادي أوصلاه إلى برّ الأمان..فرسى في قاعاتنا لينقل بالخصوص "لحظة الكرامة" التي خير فيها البطل الانتصار للحق و للحرية و للمكلومين من أبناء وطنه متخليا عن إغراءات السلطة الزائفة وعن خفاياها المقيتة..
في الحوار الذي بين أيديكم، نقل لنا المخرج أيضا انطباعاته وآماله وإيمانه بضرورة أن يعمل الجميع «شيوعي أو خوانجي» كما جاء على لسانه من أجل الارتقاء بهذا الوطن.. فمطالعة طيبة...

 اخترتم أن يكون العرض الأوّل لفيلم «الأستاذ» في الرديف، لماذا؟
ـ لقد عاهدنا أنفسنا أن نعرض الفيلم لأوّل مرة في الرديف وذلك كردّ جميل لمن فتحوا الينا أيديهم عندما قمنا بالتصوير هناك، فشركة فسفاط قفصة فتحت لنا سراديب المناجم التي توقف استغلالها منذ 2007، وذلك حتى نتمكّن من تصوير بعض المشاهد فيها كما لو كنّا في سنة 1976.. وجدنا أيضا أثناء التصوير مساندة الحركة النّقابية وبالخصوص من قبل المناضل عدنان الحاجي الذي كان وقتها تحت المراقبة الأمنية.. كما لا ننسى انّ مصير تونس عندما كانت تحت الاستعمار تقرّر أيضا من تلك الرّبوع..
ولعرض شريط «الأستاذ» في الرديف بعد رمزي بالأساس اذ انّني حرصت على احياء الرّابط الاجتماعي الذي عمل النظام السّابق على تحطيمه والذي تسعى الثورة الى دعمه.. فالروابط الاجتماعية بين العاصمة وداخل الجمهوريّة لا يمكن أن تقتصر على الإعانات المادية بل يجب أن تكون لها أبعاد أخرى ومنها الثّقافيّة بطبيعة الحال..


وماذا لاحظتم في الرديف؟
ـ لاحظت غيابا تاما للدولة ولأعوان الأمن وللمسؤولين، فلم يحضر العرض ايّ مسؤول جهوي ما عدا النقابي عدنا الحاجي الذي يبدو انّ البعض لامه قائلا له:«في بلاصة الخدمة، جيبتلنا فيلم!»، لاحظت ايضا التهميش والمعاناة الاجتماعيّة.. وأعترف انّ البلاد تمثّل اليوم حضيرة واسعة علينا ان نشمّر فيها السّواعد في مختلف المجالات ثقافية أو اقتصاديّة كانت وذلك بغضّ النظر عن الانتماء الحزبي أو الايديولوجي، فلا يهمّ ان كنت «شيوعي» أو «خوانجي» لتساهم في الارتقاء بهذا البلد..


تفاجأ المشاهدون بقصة الحب التي جمعت البطل خليل الخلصاوي الأستاذ الجامعي ورئيس رابطة حقوق الانسان بطالبته خاصّة انّ الفيلم محسوب على النّوع السياسي.. فما هو تفسير هذا الخيار؟
ـ كان عليّ أن أدخل على السيناريو «عاملا مربكا» تمثل في قصة الحب التي عاشها البطل استاذ القانون الدستوري المقرب من السلطة مع طالبته وذلك بهدف إعطاء القصّة الشّحنة الدرامية الملائمة، وأريد في هذا الصّدد أن أؤكّد انّ الحلقة المفقودة في السينما التونسية هي السيناريو فهو القلب النابض والعمود الفقري لأي عمل فنّي سواء كان مسرحيّا أو سينمائيّا أو قصصيّا، لكنّنا مع الأسف لا نعيره الأهمّية التي يستحقّها..
صحيح ان للسينما التونسيّة عدّة مشاكل ومنها شحّ التمويلات وأزمة القاعات ومشكلة القرصنة، لكن جودة السيناريو تبقى مشكلة عويصة وخللا تواجهه عدة أفلام..


تباطأت وزارة الثقافة في مدّكم رخصة لتصوير «الأستاذ»، فهل كان ذلك بسبب ما تضمنه الفيلم من كشف للرشوة ولتعنيف المعارضين ولتوظيف القضاء وتضييق على الإعلام؟
ـ للأمانة لا، وذلك رغم أنّي كتبت السيناريو سنة 2007 وطلبت الدعم من وزارة الثقافة سنة 2008، لقد تعطل الفيلم لأسباب مادية بحتة.. وأعترف أيضا انّي فضّلت ان يكون الإطار الزماني للفيلم تحت حكم بورقيبة ورفضت ان أدخل في مواجهة مباشرة مع نظام بن علي لأنّه كان سيرفض الفيلم حتما.. فالشريط فضح بلغة مباشرة كما ذكرتم في السؤال توظيف القضاء، التعذيب، الاعتداءات، مراقبة الصّحافة وكذلك الفساد والرشوة..
ومن ناحية أخرى، رغبت في تسليط الضوء على سنة 76 التي اعتبرها سنة فارقة ومحطة هامة في تاريخ تونس: ففيها بعثت الرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الانسان كما شهدت ميلاد حزب الاشتراكيين الديمقراطيين المعارض وظهور صحيفة الرأي.. وتصادم خلالها اتحاد الشغل مع الحكومة، ولن أبالغ ان قلت أنّ سنة 1976 تستحق وحدها 10 كتب و10 أفلام و10 مسرحيات.


لماذا تأخّر انطلاق التصويرإذن؟
ـ ما حدث لفيلم «الأستاذ» غريب جدا، فمن ألطاف الله انّ لجنة الدّعم لم تجتمع سنة 2008 عندما كان بن عاشور وزيرا للثقافة خاصة انّ هذا الأخير رفض دعم فيلم «البايات» ولولا دعم وكالة الاتصال الخارجي لما كنت أنجزته.. وفي سنة 2009 عيّن عبد الرؤوف الباسطي وزيرا للثّقافة، حينها حظي الشريط بالموافقة دون اي مساومة تذكر وذلك بعد ان تململت لجنة الدّعم بين من ساندوا الفيلم وبين من رفضوه.. وأؤكّد هنا على الدور الإيجابي الذي لعبه الوزير الباسطي والذي لولا موقفه الشجاع لما رأى الفيلم النّور..


  حظيتم بموافقة الوزير, لكن العقبات لم تنته...
ـ في شهر جويلية 2010، نشر السينمائي علي العبيدي مقالا على أعمدة جريدة الشعب يقول فيه انّ المنتجين «سرّاق» وانّ وزارة الثقافة تمنح الدعم لأفلام لا تنجز وانّ لا أحد يطبق القانون (ينصّ الفصل الخاص بدعم الأفلام على ان تقدّم الدولة 35 ٪ من ميزانية الفيلم ويتكفّل المنتج بجلب 65 ٪ من باقي الميزانية)، وهو في نظري قانون غير منطقي وغير واقعي فنادرا ما تتوفّر كل التمويلات قبل انطلاق الفيلم.. وتسبّب المقال المذكور في تعطيل الشريط حيث كان عليّ ان أوفّر التمويل التكميلي اي 65 ٪ من كلفته الإجمالية.. ولازمت الوزارة خلال تلك الفترة الصمت، فخشينا ان تكون الرّقابة وراء هذا التجاهل، فما كان منّا الاّ ان نظمنا ندوة صحفية لاقت صدى واسعا وعبرنا فيها عن مخاوفنا.


  وكيف تدبّرتم باقي التمويل؟
ـ عدت الى بلجيكا بعد أن وصلنا الى طريق مغلقة، غير اني تدبرت امري ووجدت التمويل التكميلي وأعلمت الوزارة بالموضوع، فاجتمع الوزير الباسطي بعدد من السينمائيين لكي يعلمهم انّ محمود بن محمود جلب التمويل التكميلي ـ اي طبق القانون ـ وانه سيعطيني رخصة التصوير في اليوم نفسه.. غير انّ العراقيل لم تتوقف عند هذا الحد، فأغلبية الممثّلين والطاقم التقني الذين كنت سأشتغل معهم كانوا بصدد تصوير فيلم «الذهب الأسود» في الجنوب التونسي مع المخرج الفرنسي جون جاك آنو.. وكان عليّ ان انتظر نهاية عملهم (كانت مبرمجة ليوم 15 جانفي 2011)، غير انّ احساسي كان يقول العكس وطلبت منّي زوجتي ان أجازف وانطلق التصوير رغم ما ذكرته من عراقيل..


تواصل تصوير فيلم «الأستاذ» مع الايام الأولى للثورة، فكيف عشتم ذلك؟
ـ انطلق التصوير يوم 8 نوفمبر واستمر الى غاية 22 ديسمبر 2010 وقد كانت البلاد تعيش الأيام الأولى من الثورة التونسية وبدأ الاحتقان والغليان يسودان خاصة في الجنوب، واذكر ان فاضل الجعايبي قال لي آنذاك:«الدم سيسيل يا محمود».. والحمد لله أنّي صوّرت الفيلم قبل قيام الثورة والاّ لكان الفيلم يفقد معناه..


ما هو احساسك ازاء ما يحصل اليوم في البلاد من محاكمات للفنّانين ومن محاولات للمسّ من حرية التعبير؟
ـ رغم إقامتي في بلجيكا، فانّه لا يمكن ان أبقى بمعزل عمّا يحدث في البلاد، هناك معطى أساسي لا يمكن أن نتغافل عنه وهو أنّنا أصبحنا نتموقع بالنسبة للمعطى الدّيني.. فبينما كان بن علي يحكم حسب مقولة «فرق تسد»، كسبنا اليوم هوية جديدة ـ أتمنّى ان لا تكون قاتلة ـ تقوم على ما هو حلال وما هو حرام.. غير انّ أملي هو ان يجتمع كل التونسيين حول قيم الحرّية والعمل وحول الاسلام النيّر الذي لا يأتي من أفغانستان ولا يعترف بالظلامية..


لكن من عليه أن يبادر بذلك؟
ـ دون شكّ، الحل لن يأتي لا من قصر قرطاج ولا من المجلس التأسيسي بل من خلال وقفة مجتمعية يساهم فيها الكل، فالنضال من أجل الحرّيات وغيرها من القضايا لا يجب أن يقتصر عل النخبة بل يجب أن يشمل كل المواطنين.. خلاصة القول انّ الثورة لا يمكن ان تقاس بالتغيير السياسي بل بانعكاساتها على أرض الواقع وبقدرتها على تحقيق الكرامة لكل التونسيين..


حاورته: شيراز بن مراد

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

قريبا في المسارح التونسية: لطفي عاشور يسترجع صفحات سوداء من حكم بن علي

أنيسة داود تتوسط جوهر الباسطي والمخرج لطفي عاشور
ما الذي يجمع الرّئيس السّابق بن علي بـ«ماكبت» بطل احدى أشهر روايات الرّوائي البريطاني شكسبير؟ هل هو جنون السلطة أم قوتهما القمعيّة أم الاثنين معا؟
من القواسم المشتركة التي تجمع بين هاتين الشخصيتين اللتين عرفتا بحكمهما الاستبدادي، استلهم المخرج لطفي عاشور عملا مسرحيّا يروي صفحات سوداء من حكم بن علي يحمل عنوان «ليلى وبن: قصّة دموية» قدّم عرضه الأول خلال «مهرجان شكسبير الدولي» الذي التأم بلندن على هامش الألعاب الأولمبية على أن يعرض انطلاقا من الشهر القادم بالمسارح التونسيّة.

وقد لاقت المسرحية اهتمام عديد الناقدين ومنهم ابراهيم درويش الذي كتب بصحيفة القدس العربي مقالا تحليليا جاء فيه: «قارب لطفي عاشور بين ديكتاتور تونس ـ زين العابدين بن علي ـ وبين ديكتاتور شكسبير الاسكتلندي ـ ماكبث ـ وهي مقاربة مشروعة من ناحية إعادة إحياء الشخصية التاريخية وقراءتها في ثوب معاصر وإخراجها من السياق الذي ولدت ونشأت فيه، فرمزية الطغيان واحدة وما يجمع بين ماكبث شكسبير وماكبث العالم العربي كثير».
ويذكر أنّ مهرجان شكسبير يحتفي سنويا بأعمال تخلد نصوص صاحب مقولة: «أكون أو لا أكون، هذا هو السؤال» وأشهر الروايات البريطانية على غرار «الملك لير» و«هاملت» و«روميو وجوليات» وينجزها مخرجون أجانب تكون مشاربهم الثقافيّة متعدّدة، وفي هذا السياق تمّ دعوة المخرج لطفي عاشور ليقدّم رؤيته المسرحيّة لأحد نصوص شكسبير ويشاركه في هذا العمل عدد من الممثّلين على غرار أنيسة داود (في دور ليلى الطرابلسي) وجوهر الباسطي (في دور بن علي) ومنصف العجنقي ونعمان حمدة..
ويقول لطفي عاشور انّ قصة الملك الاسكتلندي «ماكبت» تقترب من التاريخ التونسي المعاصر لما فيها من محاكاة لرغبة حكامنا في الانفراد بالحكم وفي التسلط ومن تجاهل لتطلّعات الشّعوب.. وهو ما دفعه لتقديم عمل مسرحي وموسيقي ووثائقي حاول فيه ابراز علاقة العالم العربي المرضية بالحكم وكذلك التطلّع إلى رسم نموذج مجتمعي مختلف نادى به شباب تونس والقاهرة ودمشق والمنامة..


شيراز بن مراد

محمد علي النهدي: إذا كان لطفي زيتون يدّعي أنّ تونس ديمقـراطيـة، فعليـه تقبّل النّقــد

من وراء نظارته السوداء السّميكة، تحدّث إلينا محمد علي النهدي عمّا يخالجه من أحاسيس وأفكار في هذه الفترة الساخنة من تاريخ تونس، فالمسؤولية الفنية تقتضي في نظره عدم الوقوع في فخّ الاستفزاز الذي يمكن أن يعود على البلاد بالوبال..
محمد علي النهدي تحدث في هذا الحوار أيضا عن موقفه من إيقاف سامي الفهري صاحب قناة «التونسية» وعمّا سمّاه بـ «الطاقة التدميريّة» لبعض الإعلاميين وغيرها من المواضيع التي تطالعونها تباعا...
ما هي قراءتك ـ كفنان ـ للوضع الحالي؟
ـ أول ما يمكن أن نلاحظه هو توسّع مساحة الحرّيات مقارنة بما كان عليه الحال قبل الثورة، لكنّه يتوّجب علينا في نفس الوقت أن نناضل من أجل المحافظة على هذه الحرّية.. في الواقع لديّ تخوّفات من أصحاب مهنتي ومن أعدائها أيضا، فباسم الحرية لا يمكن ان يقول الفنان كل شيء كما لا يحقّ لأعداء الحرية ان يحاولوا التقليص من مساحتها..
من تقصد بالضبط؟
ـ أقصد لطفي العبدلي مثلا، مع العلم أنه حرّ في تقديم ما يراه صالحا، اذ يزعجني ان نستفزّ الآخرين بطريقة مجانية، وعلى طرف نقيض أخشى المتشدّدين من رجال الدّين الذين يسعون الى قمع الحرّيات.. علينا في المرحلة الدّقيقة التي تمرّ بها البلاد ان نكون مسؤولين وأذكياء، فلا داعي لإشعال فتيل حرائق قد تعود بالوبال على البلاد.
تتواصل هذه الأيّام محاكمة بعض الفنّانين على خلفيّة أعمالهم الفنية، فما هو تعليقك؟
ـ طبعا أنا ضد محاكمة الفنّانين ومع حرية التعبير المسؤولة ـ لا المقيّدة ـ وضدّ الرّقابة مهما كان نوعها.. فغير مقبول ان نعيش في تونس اليوم هذا النوع من المحاكمات، المبدع لا يمكنه ان يبدع اذا ما شعر أنّه مقيّد واذا ما كان جناح الابداع ـ أي الحرية ـ مستهدفا..
نصحت المستشار لطفي زيتون بمشاهدة القلابس الفرنسية، لماذا؟
ـ نعم نصحته بمشاهدتها لأنّها عمل فنّي متميّز، فيه الكثير من العمل والبحث، وكان ذلك على خلفية تصريحه بأنّ هناك مواضيع أو أشخاصا «مقدّسين» لا يمكن ان يتعرّضوا الى النقد.. فإذا كان زيتون يدّعي انّ تونس دولة ديمقراطية ومتقدّمة فيجب أن يتقبل النّقد..وألاحظ هنا انّه يجب ان نتخاطب ونتحاور بطريقة محترمة وأرفض الاستفزاز الفج الذي يبحث صاحبه من ورائه عن البطولة.
حدث إيداع سامي الفهري بالسجن، كيف قرأته؟
ـ هناك موضوع شركة «كاكتوس» الذي سيقول فيه القضاء كلمته، وليس لديّ معطيات بخصوصه، فإذا نهب سامي أموالا فسيحاسب واذا كان بريئا فسيطلق سراحه.. لكن أودّ ان أسوق ملاحظة تتعلّق بتوقيت ايداعه السجن، فما معنى ان يتمّ ايقافه بعد نجاح قناة التونسية وتصدّرها قائمة أعلى نسب مشاهدة خلال شهر رمضان، وما معنى ان يتمّ ذلك بعد حادثة «القلابس»؟ لو تمّ ايقافه قبل كل هذا لكانت الصورة أوضح، لكن ان يتزامن ايداعه السجن مع هذين الحدثين فذلك ما يضفي غموضا على القضيّة ويثير الشّكوك.. وبغضّ النظر عن كل هذا، «ربي معاه» فما يمرّ به صعب جدا على المستوى الانساني والعائلي وما أتمنّاه هو أن تكون محاكمته عادلة ولا تقوم على النقمة.
تقييمك للأعمال الرمضانية لهذه السّنة؟
ـ هناك أعمال تميّزت على غرار «مكتوب» و«من أجل عيون كاترين» لكن الثورة في الانتاج الدرامي التلفزي لم تتحقّق بعد.. لقد آن الأوان لتقديم أعمال جديدة على مستوى الفنّي وكذلك التقني.. وأودّ في هذا الصّدد ان أعيب على بعض الإعلاميين طاقتهم «التدميريّة» ولكي أكون واضحا سأضرب مثالا الفنان المرحوم سفيان الشعري الذي عمل الإذاعي الهادي زعيّم على تقزيمه بعد الفصل الثاني من سلسلة «نسيبتي العزيزة»، فالزلات والنقائص دائما موجودة، لكن لا يجب ان نتوقف عندها وحدها..
اختلفت ردود الفعل حول سلسلة «بنت ولد» بين معجب وناقد، فكيف تقيّم ـ شخصيا ـ هذ العمل؟
ـ هي تجربة خاصّة من نوعها ولا تشبه تجاربي السّابقة سواء في التلفزة او في السينما.. فـ«بنت ولد» اعتمدت على نصّ كوميدي خفيف وتوفقت في نيل اعجاب المشاهدين ولعلّ أحسن دليل على ذلك هو نتائج استطلاعات الرأي التي وضعت «بنت ولد» في المرتبة الأولى في ما يتعلّق بالأعمال الفكاهيّة، كما تعدّ صفحة أحباء السلسلة على الفايسبوك أكثر من 100 ألف معجب.. المهمّ اننا قدمنا ـ أنا وسماح الدشراوي في التمثيل ونوفل الورتاني في الكتابة ـ منتوجا مختلفا عمّا دأبت مختلف القنوات على تقديمه على غرار «شوفلي حل» و«نسيبتي العزيزة»، مع العلم انّ إدارة قناة «التونسية» جدّدت فينا الثقة وسيتواصل بث «بنت ولد» طوال السّداسي الأول من سنة 2013 بمعدل حلقتين كلّ نهاية أسبوع..
ومسرحية «الزمقري»، متى سيتمّ عرضها؟
ـ ستنطلق العروض يومي 27 و28 سبتمبر في المسرح البلدي.
في الثقافة، هل نحن بحاجة الى حملة «اكبس» أو «ارخف»؟
ـ لا نحتاج لا «للكبس» ولا «للرخف»، فالوقت والعمل وحدهما حرّيان بأن يفرزا ما هو جيّد وما هو سيّء، الثورة لا يمكن ان تعطي ثمارها بين يوم وليلة خاصّة مع استفحال العقليات المريضة التي تحقد على الناجحين وتصل حدّ التآمر عليهم.
هل تمكنت وزارة الثقافة بعد الثورة من خلق الديناميكية الثقافية المنتظرة؟
ـ الفترة التي تمرّ بها البلاد صعبة ولا يمكن ان نطلب المستحيل، وما أعيبه على وزير الثقافة هو محاولته فرض ـ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ـ ذوقه الخاصّ ، بينما يتطلّب المنطق ان نبقى منفتحين على كل الأنواع والأنماط الفنّية فهناك من الجمهور من يحبّ مثلا هيفاء وهبي ولا يمكن باسم الذائقة الفنية الرائقة ان نحرم ايّا كان ممّا يبدو له جميلا.
وعلى المستوى المادّي، هل لاحظتم تغيّرا؟
ـ على وزارة الثقافة ان تعمل على اشراك الخواصّ في الفعل الثقافي وذلك بـ«اغرائهم» لكي ينخرطوا في تمويل الانتاج الثقافي اذ لا يمكنها بمفردها ان تنفق على متطلبات هذا القطاع
كيف تنظر لأيام قرطاج السينمائية التي ستنتظم خلال شهر نوفمبر القادم؟
ـ سمعت مدير الدورة يقول إن ميزانية ايام قرطاج السينمائية لن تتجاوز 650 مليونا، ولهذا أنصحه بأن يعدل عن تنظيم هذه الدورة، لأنه لا يمكن لمهرجان عريق في عراقة ايام قرطاج السينمائيّة ان يكتفي بهذا المبلغ الهزيل الذي لا يتجاوز مداخيل حفلتين ساهرتين لراغب علامة أو نانسي عجرم..


حاورته: شيراز بن مراد

عائلات شهداء الثورة: كرهنا الحياة، نطالب بالـمحاسبــة والتنميـة لــــيــســـت مـن نصـيـبــنـا

حضور مكثف لعائلات الشهداء وللناشطين في المجتمع المدني وللصحافيين في الندوة التي نظمتها جمعية النساء الديمقراطيات حول "أي عدالة انتقالية للنساء؟"
في غياب سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وبحضور عدد عام من عائلات ضحايا الثورة التونسية ومن الناشطين الحقوقيين والصحفيين، قدمت جمعية النساء الديمقراطيات خلال ندوة انتظمت يوم 8 سبتمبر بأحد نزل العاصمة تقريرا سلطت فيه الضوء على موجة العنف والاعتداءات التي هزت البلاد أثناء الثورة وذلك من خلال شهادات نساء تعرضن للتعنيف أو كن قريبات للضحايا.
ودعت أحلام بلحاج رئيسة الجمعية إلى ضرورة اعتماد عدالة انتقالية تُدمج فيها النساء على قدم المساواة مع الرجل بعدما عبرت عن قلقها من غياب هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية ومن الحديث عن تعويضات قبل كشف الحقيقية.. نفس الموقف عبرت عنه استاذة القانون سناء بن عاشور التي شددت على أهمية إدماج مقاربة المساواة بين المرأة والرجل في العدالة الانتقالية مشيرة إلى أن الجمعية غير راضية على النصوص الرسمية التي وقع تقديمها لأنّها لم تأخذ بعين الاعتبار مقترحات المجتمع المدني.


تحية إلى نساء تونس
ووجه أعضاء الجمعية تحية لنساء الرديف والرقاب وتالة والقصرين وإلى كل امرأة شاركت في الثورة وقدمت التضحيات الجسام وذلك بهدف التأكيد مرة أخرى على الدور الذي لعبته المرأة في الثورة وعلى أهمية مساندة عديد النسوة اللاتي مازلن يعانين التهميش والحيف والإقصاء.


حتى لا ننسى
ويذكر أنّ جمعية النساء الديمقراطيات أوفدت منذ يوم 27 جانفي 2011 لجنة لتقصي الحقائق الى تالة والرقاب وسيدي بوزيد والقصرين (حي الزهور وحي النور) والحمامات وبنزرت بهدف تدوين شهادات الجرحى وأهالي الضحايا حول العنف الذي مورس عليهم، ويعتبر التقرير الذي تمّ تقديمه ـ يحمل عنوان: «تقصي الحقائق من خلال شهادات النساء حول أحداث الثورة التونسية: أي عدالة انتقالية؟» مرجعا هاما يوّثق الانتهاكات التي استهدفت متساكني المناطق التي بادرت بالانتفاض والاحتجاج ويطالب في نفس الوقت بتلافي التمييز الذي يسلّط على المرأة..


المجهودات غير كافية
واعتبرت الاستاذة حياة الجزار أنّ الحكومة لم تقم بالمجهودات الكافية في تعاطيها مع ملف شهداء الثورة التونسية من ذلك أنّها لم تبعث مثلا خلية انصات أو استقبال تعنى بالمشاكل الخصوصية التي تعاني منها عائلات الجرحى والشهداء ولم يولي القضاء أهمية لشهادة الشهود وغيرها من النقائص المتعلقة بمحدودية الاختبارات وبعدم الجدية في جمع الأدلة.


ظروف اقتصادية مزرية
ومن جهتها عرجت الدكتورة رجاء مراد على الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها منطقة تالة بالخصوص ومنها حالة المستشفى الجهوي بتالة الذي يشكو من عدة نقائص وتفشي مرض التهاب الكبد Hépathite B et C وغياب حملات التلقيح وكثرة الاضطرابات النفسية وطالبت بضرورة النهوض بالجهة في مجال الصحة بالخصوص وحق المواطنين في الوصول الى العلاج.


«أحنا ماناش عايشين كي مخاليق ربي، أحنا موتة بالحياة»

وكشفت الدراسة الميدانية التي أجرتها الجمعية الظروف الصعبة التي يعاني منها سكان مدن الشريط الغربي، فقد أطنبت شهادات النساء في وصف حالة الفقر والحرمان والنتائج الاجتماعية لهذا الواقع وتلتقي أغلبها في التعبير عنواقع مأساوي أهم ما يميزه سياسة التجاهل والإقصاء التي مورست على تلك المناطق: «أحنا ماناش عايشين كي مخاليق ربي، أحنا موتة بالحياة»، «تولد تلقى روحك بطال وتعيش طول عمرك بطال ما ثمة حل، حتى وين باش تمشي تخدم ما ثماش»، «رخام تالة معروف يوصل حتى لأمريكا يهزوه ويتخدم خارج جهتنا وما يخلولنا كان العجاج».


استهداف الجنازات وواقعة الحمام: أحداث لن تمحى من البال
كما استعرض التقرير كيف طالت يد القمع المحتجين في محاولة لوئد الانتفاضة ومن الأحداث التي لن تمحى من البال لبشاعتها استهداف جنازة الشاب مروان الجملي أول شهيد يسقط بجهة تالة برصاصة استقرت في قلبه حيث منع البوليس الأهالي من تشييعه وعندما اصروا، أطلق البوليس الرصاص الحي بطريقة عشوائية ليسقط عدد جديد من الشهداء ومن الجرحى.. وكذلك استهداف جنازة محمد أمين مباركي بحي النور من ولاية القصرين مما دفع بمجموعة من المحتجات للاحتماء بالحمام، الذي حوصر بالقنابل المسيلة للدموع، فاندفعت النساء الى الشوارع عاريات من شدة الرعب وكانت مكبرات الصوت تقول «يا فراشيش أحنا ولاد ليلى جينا باش نقتلوا رجالكم ونغتصبوا نساكم».. كما طال دخان القنابل المسيلة للدموع المساكن المجاورة مما أدى إلى اختناق الرضيعة يقين القرمازي واستشهادها.


شهادات عائلات الضحايا
مبروكة مباركي (أم الشهيد أمين مباركي): كرهت الحياة
بنبرات مجروحة ذكرت السيدة مبروكة أنّ ابنها استشهد يوم 8 جانفي بالقصرين ومنذ ذلك الحين كرهت الحياة وقالت إنّها بانتظار محاكمة القتلة لكي يبرد دمها.
منية الرتيبي (أم الشهيد ياسين الرتيبي): الشهداء ليسوا ورقة انتخابية
عبرت السيدة منية عن غضبها من الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع ملف الشهداء طالبة من الرئيس المنصف المرزوقي أن يزيل الشعار الذي يحمله.. وقالت إنّ ملف الشهداء تمّ استعماله كورقة انتخابية وطالبت بمحاسبة القتلة قائلة: «دمنا ولا شيء غيردمنا». كما تساءلت أين القائمة النهائية للشهداء ولما تشويه الجرحى؟».  

صدام العكرمي: «نُنسى كأنّنا لم نكن»
تحدث صدام العكرمي ابن مدينة الرقاب بغضب شديد حيث قال إنّ من قتل منال وغيرها يعرفه الجميع غير أنّ المحاسبة ليست في الطريق الصحيح.. وذكر: «الانتخابات ما تعنيناش والحرية الي تحكيو عليها ما تعنيناش والسياسة ما تعنيناش» وختم كلامه قائلا: «نُنسى وكأننا لم نكن».  

سعاد الخشناوي (أم الشهيد غسان الشنيتي): «أهانوا كرامتنا ونطالب بمحاسبة القتلة»
بارتعاشة في الصوت تحدثت السيدة سعاد الخشناوي لتقول: «ماذا عساني أن اقول بعد مرور سنة و7 أشهر على قيام الثورة؟ أبناؤنا خرجوا من أجل الكرامة لكن كرامتنا أهينت وفي كل جلسة محاكمة «الدم والسكر يطلع ويهبط» من غير أن نحصّل شيئا.. فلنبقى أوفياء لدماء الشهداء لا للكراسي».

 عفاف عيدودي: القصرين مهمشة وبطاقة الإعاقة غير كافية
تحدثت جريحة الثورة عفاف العيدودي عن معاناتها قائلة إنّها قضت 4 أشهر في السرير من جراء الإصابة التي لحقتها وإنّ بطاقة الإعاقة والستة ملايين التي تلقتها كتعويض غير كافية بالمرة فكلها صرفت في التداوي. وأضافت أنّ القصرين بقيت مهمشة وتمّ الاكتفاء بتوفير العمل في الحضائر في حين أن المنطقة تستحق التنمية..


التوصيات
وفي خاتمة التقرير، قدمت جمعية النساء الديمقراطيات مجموعة من التوصيات والاقتراحات ومنها ضرورة:
ـ التنسيق مع مختلف مكونات المجتمع المدني بهدف بعث خلايا إنصات مستقلة تعنى بمساندة ضحايا الثورة.
ـ رد الاعتبار للجرحى والجريحات والشهداء والشهيدات والتعجيل بالمداواة وصرف التعويضات الضرورية دون تمييز جنسي.
ـ تمكين عائلات الشهداء والجرحى من كافة حقوقهم من أجل حياة لائقة وكريمة.
ـ الكشف عن الحقيقة كاملة عن مختلف الجرائم من قتل وتجاوزات.
ـ وضع قانون لإحداث هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية ممثلة للجمعيات الحقوقية والنسوية ولعائلات الشهداء والجرحى وللخبراء مع تبني مقاربة النوع الاجتماعي.


شيراز بن مراد

الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

حادثة السيارة المجنونة بصفاقس: لماذا سارع لطفي زيتون باتهام الإعلام؟

سويعات قليلة بعد اقدام سيارة مكتراة على دهس المشاركين في الوقفة التي نظّمتها رابطة مجالس حماية الثورة بصفاقس للمطالبة بالتسريع في محاسبة رموز الفساد والمتورّطين مع النظام البائد، صرّح المستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي زيتون ـ الذي كان زمن الحادثة بصدد القاء كلمة، لإذاعة «شمس.آف.آم» انّ ما حصل نتيجة للشّحن الإعلامي الذي تعرّض له في المدة الأخيرة والذي ساهمت فيه عدة وسائل اعلام قائلا:«بعد ان قلنا انّ الحكومة وصلت ببرنامجها الى مرحلة مقاومة الفساد والفاسدين الذين كانوا يتعاملون مع النظام السابق سواء في الإعلام او في التجهيز او في الفلاحة، شنّت علينا حملة مشخصة جدا كان فيها كثير من الحقد، كثير من التشويه وتم التطرّق الى زوجتي.. هذا تحريض مفضوح.. وهذامن نتائج هذا التحريض، وهذا عادي.. وقد كنت قلت ان عديد اعضاء الحكومة تلقوا تهديدات بالقتل، ويمكن انّ هذا النوع من التهديدات بدأ يتجسّد.. انّي أتوجّه بدعوة للإخوة الاعلاميين بالهدوء، فالحكومة لا تستهدف الاعلاميين، بالعكس فهي تعتبرهم شرفاء ورافعة من رافعات الثورة والانتقال الديمقراطي.. هذه الحملة الارهابيّة التي تمارسها بعض وسائل الإعلام الفاسد، هي نوع من الارهاب ضد الحكومة».
أي أن السيد لطفي زيتون وجّه دون انتظار نتائج التحقيق الاتهام للإعلام واصفا اياه بالمحرض وبالارهابي، غير انّ الاخبار الأولى المتأتية من صفاقس تؤكّد ان الشابان اللذين كانا على متن السيارة كانا بحالة سكر وانّ الحادثة لاعلاقة لها باستهداف لا الحاضرين ولا لطفي زيتون.. فلماذا الاسراع في اتهام الإعلام وفي تجييش الرأي العام ضدّ الإعلام وكأنّه سبب البليّة؟


شيراز بن مراد

المحكمة الدستوريّة تحمي ثوابت الحقوق والحريات من تقلبات السياسة

من اليمين الى اليسار: فاضل موسى- شوقي الطبيب- شفيق صرصار- سلسبيل القليبي
من الأبواب الهامّة التي سيتضمّنها الدستور تلك التي تتعلّق بالقضاء الدستوري أي المحكمة التي ستراقب دستورية القوانين والتي ستحمي المحكومين من انحراف سلطة حاكمهم..
ونظرا إلى أهمّية هذه الهيئة القضائية التي ستنظر في عدد من النقاط على غرار نزاعات الاختصاص بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وشغور منصب رئيس الجمهورية وحالة الطوارئ والظروف الاستثنائيّة، نظمت الهيئة الوطنية للمحامين بمعية جمعية المحامين والقضاة الأمريكيين ندوة حول «القضاء الدستوري في تونس ما بعد الثورة» شارك فيها عدد من الحقوقيين وافتتحها عميد الهيئة الوطنيّة للمحامين شوقي الطبيب.


المحكمة الدستورية قوة مضادة قادرة على الحسم
وضّحت أستاذة القانون سلسبيل القليبي أنّه من مهام المحكمة الدستورية مراقبة دستورية القوانين بما يحمي المحكوم من تصرّفات الحاكم، ومن مهامها كذلك الدّفاع عن الحقوق والحرّيات في اطار نظام ديمقراطي، اذ هي تدافع عن الثوابت وعلى تجذيرها أمام التقلبات السياسيّة.. ولهذا تكسو المحكمة الدستورية شرعية دستوريّة، هي من أعلى الشرعيات داخل الدولة في حين تظلّ الشرعيّة البرلمانية شرعية ظرفية باعتبار مبدأ التداول على السلطة.. وأشارت الأستاذة القليبي الى انّه لا يجب ان نغفل اذا ما اجتمعت السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة بيد واحدة على أهمية وجود قوة مضادّة قادرة على الحسم بناء على القانون طبعا وتتمثّل في المحكمة الدستوريّة، فالسلطة السياسيّة لا يمكن ان تكون حكما وطرفا في الوقت نفسه..


ردع المشرّع عن خرق الدستور
من جهته، قدّم أستاذ القانون شفيق صرصار مداخلة حول «أي قضاء دستوري لضمان دولة القانون؟» وضّح فيها انّ القضاء الدستوري يسهر على احترام علوية الدستور وعلى ردع المشرع عن خرق الدستور، ولانجاح هذا النوع من القضاء يجب إيلاء أهمّية للمعايير التي يجب ان تتوفّر ومنها توزيع سلطة التعيين أي أن تساهم عدة اطراف (مثلا رئيس الجمهورية، رئيس البرلمان، الهيئات القضائيّة) في اقتراح اعضاء المحكمة الدستورية وذلك بهدف ضمان استقلاليّتها وعدم تبعيّتها..
وعادة ما يكون هؤلاء الأعضاء من ذوي الكفاءة المهنية والخبرة سواء في سلك القضاء أو المحاماة أو التدريس الجامعي وتدوم عادة مدّة تعيينهم على رأس المحكمة 9 سنوات..
وأعطى صرصار أمثلة للمحاكم الدستورية في النمسا وفي إيطاليا وفي الولايات المتحدة الأمريكية التي يعين فيها مثلا القضاة مدى الحياة وذلك بهدف ضمان استقلاليتهم.


20 سنة خبرة على الأقل لأعضاء المحكمة الدستورية
أما رئيس لجنة القضاء العدلي والإداري والمالي والدستوري فاضل موسى فقد قدّم قراءة لمسودّة مشروع الدستور في ما يتعلّق بالمحكمة الدستورية التي ستتألّف من اثني عشر عضوا من ذوي الخبرة القانونية لا تقلّ عن عشرين سنة، وبخصوص تركيبتها وضح موسى أن سلطة التعيين وزعت كالآتي: رئيس الجمهورية يقترح 4 أعضاء وكذلك الأمر بالنسبة الى رئيس الحكومة بينما يقترح رئيس مجلس الشعب 8 أعضاء ويقترح المجلس الأعلى للسلطة القضائيّة 8 أعضاء أيضا، لينتخب مجلس الشعب 12 عضوا من بين الأعضاء المقترحين بأغلبية الثلثين لفترة واحدة مدّتها 9 سنوات.
ولفت العميد فاضل موسى النظر الى مهام المحكمة التي ستنظر في 7 اختصاصات ومنها مراقبة دستورية القوانين بصفة سابقة ولاحقة، ومعاينة حالات شغور منصب رئيس الجمهورية، والنظر في النزاعات بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة من جهة ونزاعات الاختصاص بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من جهة أخرى..
كما تنظر المحكمة في التهم الموجّهة إلى رئيس الجمهورية في حالتي خرق الدستور والخيانة العظمى.. وأشار فاضل موسى الى فصل آخر ذو أهمّية ألا وهو فتح أبواب المحكمة الدستورية أمام المواطنين والسّماح لهم بالطعن في الأحكام الباتّة في حالة خرقها للحقوق والحرّيات المضمنة بالدستور...


شيراز بن مراد

الفنانة التشكيلية نادية الجلاصي: «هــل أصبحنا نعيش في بلد يحاكم فيه الفنان عن نواياه؟»

من اليمين الى اليسار: عبد الرحمان البجاوي- نبيل جمور- عمر الغدامسي- نادية الجلاصي
 استمع قاضي التحقيق رقم2 بالمحكمة الابتدائيّة بتونس منذ أيّام للفنّانة التشكيلية والأستاذة الجامعية نادية الجلاصي على خلفية مشاركتها في معرض العبدلية الذي التأم خلال شهر جوان المنقضي.. وأحيلت الأستاذة الجلاصي على المحاكمة طبقا للفصل 121 ثالثا من المجلة الجزائيّة بتهمة نشر مواد من شأنها تعكير صفو النظام العام..
ونظرا لخطورة الموضوع ـ اي ان يحاكم فنان او مبدع من أجل أعماله الفنّية بما يذكرنا بمحاكم التفتيش وبقمع حرية الابداع ـ نظمت نقابة مهن الفنون التشكيلية ندوة ندّدت فيها بمحاكمة الفنانين نادية الجلاصي ومحمد بن سلامة كما استنكر عدد من الحاضرين التتبّعات القضائيّة والاعتداءات التي استهدفت الفنّانين في الآونة الأخيرة..


عمر الغدامسي: «المعركة لا تقتصر على الفنّانين»
في البداية، عبّر رئيس نقابة مهن الفنون التشكيليّة عمر الغدامسي عن استياءه من هذه المحاكمات التي تأتي ـ في نظره ـ في اطار مناخ من الترهيب الفكري يسعى لفرض نمط مجتمعي ظلامي ومنغلق مضيفا انّ المعركة التي تعيشها تونس اليوم لا تقتصر على الفنّانين وحدهم بل هي معركة مجتمع برمّته. ولئن رحّب عمر الغدامسي بالبيان التنديدي الذي أصدرته وزارة الثقافة في ما يخصّ محاكمة الفنانين، اعتبر ذلك غير كاف وطالبها بأن تقوم بخطوات عملية تساند حرّية التعبير.


الفنانة والأستاذة نادية الجلاصي: «مازلت مصدومة من أسئلة قاضي التحقيق»
بإحباط واضح، روت الفنانة التشكيلية نادية الجلاصي حيثيات ما عاشته موخّرا مع القضاء التونسي، فبعد ان تمّ استدعاءها من قبل الشرطة العدلية بالمرسى، استمع اليها قاضي التحقيق رقم2 واستغربت نادية الجلاصي من مثولها امام التحقيق وهي التي لم يرد اسمها اطلاقا في هذه القضية، ثم تمريرها للقيس وكأنّها مجرمة.. وشدّدت نادية على نقطة هامّة تتعلّق بنوعيّة الأسئلة التي وجّهها لها حاكم التحقيق حيث سألها عن نواياها وعما كانت تقصد بعملها هذا مشيرة إلى أنّها أول مرة في تاريخ تونس يقف فيها فنان أمام قاض ليسأله عن نواياه.. من جهة أخرى، شجبت الفنانة الاعتداءات التي استهدفت عددا من الفنّانين على غرار الصغير أولاد أحمد ورجب المقري والعبدلي محذّرة من تسارع نسقها ومن تداعياتها على حرية الفكر والابداع..


نبيل جمور: هجمة شرسة على الفكر والإعلام
من جهته ندّد نبيل جمور كاتب عام نقابة الثّقافة والإعلام التّابعة لاتحاد الشغل بالهجمة الشّرسة التي يتعرّض لها أهل الفكر والإعلام معتبرا انّ حركة النهضة تقف وراءها وأبرز انه من الخطير جدا ان يسأل فنان عن نواياه.. ودعا من هذا المنطلق المجتمع المدني ليقف يدا واحدة للتصدي لضرب الفكر والحريات ولتكوين تنسيقية تضمّ العاملين في القطاعين الفنّي والإعلامي لمجابهة الاستبداد قائلا:«السلطة الفاشلة أخطر من السلطة الفاشلة لأنّها تقودنا للهاوية»، وتساءل لماذا تحاكم نادية بينما تنعم رؤوس الأموال الفاسدة بالحرية؟


عبد الرحمان البجاوي: «ها قد عدنا للقرون الوسطى»

الموقف نفسه عبّر عنه الفنّان عبد الرحمان البجاوي الذي قال اننا رجعنا بهذه الاعتداءات والمحاكمات الى القرون الوسطى بما يذكرنا بما حصل للطبري والمعرّي وغيرهما.. ولاحظ انه ليس من باب الصدفة ان يتعرض عدد هائل من الفنّانين والمثقفين الى الاعتداءات معتبرا انّ ذلك يدخل في برنامج كبير للحدّ من الحريات.. وطالب بضرورة لمّ الشمل وبوقفة حازمة حتى لا يحاكم الفنّانون بينما يظل الداعون للقتل يصولون ويجولون.


شيراز بن مراد