السبت، 17 أغسطس 2013

في تسونامي: الفاضل الجعايبي يسدد لكمات فكرية حتى لا يسقط الوطن في الهاوية


من تلك “الموجة الي خلاّت الخضراء دمار” إنطلقت الحكاية.. حكاية عجوز تدعى حياة (جليلة بكار) ترفض الإستسلام للتسوماني التيولوجي الذي هزّ بلادها بعد الثورة، فتقاوم وتصمد في وجه من يسعون بإسم الدين الى دفع البلاد في معاقل الإستبداد والإضطهاد والظلم.. وبلغة مباشرتية مستحبة، يروي الفاضل الجعايبي مخرج مسرحية “تسونامي” أطوارا متتالية من الأحداث التي عرفتها بلادنا منذ 14 جانفي إنطلاقا من التضامن والمحبة وصولا الى فاجعة إغتيال شكري بلعيد قبل أن تسقط في منزلق خطير رفعت قيه الرايات السوداء وإستفحل فيه الفكر الديني المتطرف الذي لا يعترف بالحقوق والحريات وفق سيناريو المسرحية.
وفي مقابل تلك الموجة المندفعة، تصمد مويجات العجوز حياة ويقاوم الفنانون والحقوقيون وحتى إعلام العار يرفض أن يهوى صرح تونس المتفتحة والمتسامحة.. لكن المواجهة ليست بالسهلة، فيقتل من يقتل ويسجن من يسجن ويضطهد من يضطهد.. ولعل المغزى السياسي لهذا العمل المسرحي، الذي عرض يوم الثلاثاء 16 جويلية بمهرجان قرطاج الدولي بحضور قرابة 8 آلاف شخص، يتمثل في ضرورة التجند للدفاع عن مدنية الدولة وحقوق المرأة وحرية الإبداع والتعايش السلمي أمام نزعات السلطة الحاكمة لتكبيل وتقييد مقومات حرية الإختيار بإسم الدين..
وأسوة بالرسالة السياسية الواضحة المعالم التي توّجه بها الثنائي الجعايبي- بكار في عمله الأخير “يحي يعيش” والتي كان مفادها أن كل سلطة طاغية متجبرة سالبة للحريات نهايتها الخسران والإندثار، تضمنت مسرحية “تسونامي”رسائل متعددة على السياسي الفطين أن يتوقف عندها ليدرك معانيها إذ فيها تكمن أسرار خلاص وطنه وسلامته.. آه لو كان السياسيون على قدر فطنة الفنانين، لتجنبنا آلاما وجراحا وأمواتا يتحمل وحدهم المسؤولون وزرها.. ولعل الطريقة التي توخاها الجعايبي لتبليغ عدد من مقاصده تدخل في خانة المداوة بالصدمة (thérapie de choc) وذلك من خلال توجيه لكمات فكرية توقظ وتوّعي بخطورة ما قد تؤول له الأوضاع إذا ظلت القوى المؤمنة بالمدنية وبالحريات وبالمساواة منقسمة ومتشذرمة..

ومن المقاطع الافتة للإنتباه، ذاك المشهد الذي يبدو فيه الممثلون وكأنهم في جزيرة نائية يبحثون عن الخلاص، او ذلك المشهد الذي تزاحم فيه النشيد الوطني مع نشيد مستورد وممول بدولارات الوهابية، او ذلك المشهد الكوميدي الذي تقول فيه البطلة حياة إنه قيل لنا “لا خوف بعد اليوم” غير أننا صرنا نعيش في حالة رعب دائم. أو المقطع الذي تظهر فيه الفنانة فاطمة بن سعيدان في شكل مختلف تماما عما عهدناها به، إذ أطلت بثوب مغري ولبست جلباب الصحفية “الدلوعة” التي توغل في الإستهتار بما تعيشه البلاد من قضايا مصيرية، فتحاور المحامي رمزي الباهي (تقمص الدور الممثل رمزي عزيز) الذي يدافع على كبرى قضايا الحريات وكأنها تحاور فنانا عائدا لتوه من لبنان الزيف والسطحية.
في تسوماني، كانت الغلبة للكلمة على حساب التعبير الجسماني.. كانت الكلمة بمثابة القوة الضاربة، بمثابة الموجة العارمة التي تقيأت سخطها على العنف وعلى قتلة الحلم وزارعي الفتن. كما عاهدت نفسها أن لا تصمت قائلة: “بإسم النور والظلمة، بإسم الأحمر والأبيض، بإسم العدل والمساواة، بإسم المحبة والتسامح، بإسم الإبداع والحرية، لن نسكت ولن نسكت ولن نخضع”.
لم يتنبأ الجعايبي في “تسونامي” بكيف ستكون تونس سنة 2015 (الإطار الزماني للمسرحية) لأن المسألة لا علاقة لها بالتنبؤ، بل ذهب بمخياله الى صورة قصوى.. صورة تونس تحت سطوة حكم تيولوجي مستبد لا يعترف بالحرية ولا بالفن ولا بالفكر الحر، ولا بالحقوق، ولسان حاله يقول إن لم تقاوموا وإن لم تناضلوا من أجل مدنية الدولة وحرية التعبير والحداثة فسيكون مصيركم حالك مظلم وعنيف، فهل تستفيقون قبل فوات الأوان؟
شيراز بن مراد

في إفتتاح مهرجان الحمامات: نوال سكندراني تقدم ملحمة راقصة إحتفاء بعظمة الماء


هل تعرف أنّ 19 دولة عربية تعيش تحت خط الفقر المائي؟ وأنّ 50 مليون مواطن عربي يعانون من غياب المياه الصالحة للشرب؟ وأن 80 مليون يعانون من تلوث المياه وغياب الصرف الصحي الملائم؟؟ حول هذا الموضوع الشائك والحيوي، دارت وقائع العرض الإفتتاحي لمهرجان الحمامات الدولي في دورته ال49 والذي جاء في شكل عرض راقص أبرزت من خلاله المخرجة ومصممة الكوريغرافيا نوال سكنداني أهمية وحيوية الماء في حياتنا.. ويذكر أن المخرجة أهدت عرض “الى حد ما” الى فلسطين وخصّتها بجزء إستعرضت خلاله تاريخ أرض كنعان ومعضلة نقص الماء هناك خاصة أنّ إسرائيل تسيطر علي نحو 81 % من اجمالي الموارد المائية الفلسطينية وتعمل من خلال مشاريعها الاستيطانية للإبقاء على السيطرة الكاملة على مصادر المياه.
وتمحور عرض “الى حد ما” حول ثلاث تيمات أولها الماء كنعمة ربانية والعلاقة الثلاثية بين الإلاه والإنسان والماء. وترجمت نوال سكندراني هذه العلاقة من خلال مقطع على غاية من الجمالية، ظهر فيه راقصان يتضرعان الى الإلاه حتى يرزقهما بنعمة الماء، وإختزن المقطع الراقص معاني عديدة تعبر عن إستجداء الإلاه ومناجاته. ويذكر أنّ التعبيرات الجسمانية المختلفة إمتزجت بموسيقى معبّرة أشرف على إعدادها الفنان جوهر الباسطي وكانت بمثابة البساط الذي تمشى فوقه الراقصون، ومن المقاطع التي نفذت فيها النغمات الى اعماق الحاضرين تلك التي رافقت مسيرة “امك تنغو”، فإهتزت النفوس تفاعلا مع الإيقاع ومضمون اللوحة.
أما ثاني هذه التيمات فإكتست بعدا شعبيا وعبرت عن الطقوس التي تتوخاها المجتمعات في إستجداء الإلاه طلبا للماء، ففي تونس مثلا دأب الناس على الخروج موسميا رافعين عروس “أمك تنغو” وراجين رحمة السماء وقدوم الغيث النافع. والجدير بالذكر ان العرض ضم راقصين من تونس ومن فلسطين ومن البرازيل ومن فرنسا ومن مصر، وقد نقل بعض منهم تجربته مع الماء هذا القاسم النفيس والمشترك بين شعوب العالم والذي يتطلب نظرة إنسانية يجتمع فيها الإفريقي بالأوروبي والآسيوي والامريكي-تماما كما جمعتهم نوال سكندراني- من اجل إفتراح حلول تقوم على المصلحة المشتركة لا على المصلحة الخاصة.
وتطرقت التيمة الثالثة الى موضوع مصيري وهو إشكالية من يتحكم في منابع الماء وكيف يصبح بإمكانه أن يتلاعب بمصير الملايين من الناس إذا ما قرر أن يحرمهم من هذه النعمة لسبب أو لآخر. وأبرزت اللوحات الراقصة كيف تتحول فئات من الناس الى رهينة لدى من يتحكمون في منابع الماء.
عرض “الى حد ما” يشكل مثالا حيا للدور الذي يمكن ان يلعبه الفن في التحسيس بخطورة بعض القضايا كمسألة ندرة المياه في قضية الحال، وقد طوّعت نوال إسكندراني راقصيها لكي يتحركوا على وتيرة حرارة الماء أحيانا وبرودته احيانا، في جنونه أحيانا وفي هدوئه احيانا أخرى، في سعادته أحيانا وفي حزنه أحيانا اخرى.. فتعددت التعبيرات والمشاهد إحياء لعظمة الماء، هذا الذي تفنى الدنيا من دونه.. “الى حد ما” ملحمة راقصة إحتفت فيها نوال سكندراني بالماء كمصدر لحياة مبتكرة يوما بعد يوم وأرضا بعد أرض وكيانات بعد كيانات..
سؤال أخير: هل تعلم أنّه بحلول سنة 2025، سيفتقر ثلثا (2/3) سكان العالم إلى المياه، وأنّ نزاعات القرن الحادي والعشرين ستتمحور حول المواد الخام، بدأ بالمياه التي ستُصبح أكثر ندرة في كل مكان؟
شيراز بن مراد