الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

الفنان نصير شمة: أكبر خيبة أن نترحم اليوم على صدام وبن علي ومبارك والقذافي


لعود الفنان العراقي نصير شمة قدرة تكاد تكون سحرية على إزالة شيء من الظلمات التي تلّفنا وعلی بث أشعة الأمل والتسامح.. على دندنات عوده تتماوج النغمات تموّج الدانتيلا الرهيفة فتعزف الحياة بجروحها وبفرحها، تعزف الأنا والآخر الذي لا يرتفع بينهما أيّ جدار أو عداوة.. تخال وأنت تستمع لمعزوفة «رحيل القمر» مثلا كأنك شربت اكسيرا يصالحك مع نفسك ومع العالم وناسه، لما فيها من عذوبة تدعو الى السلام والمحبة.. التقينا نصير شمة بمدينة الحمامات حيث كان يشارك في ملتقى حول الموسيقى والسينما، فجمعنا به هذا الحوار الذي حدّثنا فيه عن رؤيته للثورات العربية قائلا إنّ «الغد» يمكن أن يحتضن تطلعاتنا وأحلامنا وأنّ أكبر خيبة يمكن أن نعيشها اليوم هي أن تصبح الشعوب تترحم على أنظمة صدام وبن علي ومبارك والقذافي..
وقد شدّنا نصير شمة في اللقاء الذي جمعنا به بالروحانيات التي تفيض من تفكيره، من ذلك اعتباره أن هناك مشيئة و«يدا إلهية» وراء ما يحدث في العالم العربي من تغييرات معترفا في الآن نفسه بأنّ هناك ضريبة سندفعها قبل أن تندمل جراحنا..
لو بدأنا من الجرح الذي خلفته الثورات العربية، كيف يعيشه الفنان نصير شمة وهو الذي عزف الجرح العربي منذ أكثر من عقدين؟
يبدو لي أن الطبخة الديمقراطية غير جاهزة ومازال طعمها لم يستو بعد فالديمقراطية لا يمكن لها ان تُركّب، هي ليست قطعة ديكور داخلي لمنزل، بل يجب أن تنبع من الداخل وفق سياقات المجتمع الذي تظهر فيه سواء كانت دينية أو اقتصادية أو سياسية وذلك إلى أن تصير من التقاليد.. ولقد مثّل الربيع العربي فرصة لكي نبدأ في هذا المسار.. كانت لنا أنظمة فيها كثير من الفساد، فيها عائلات تحكم، فيها رشوة وصلت الى مستويات فظيعة، فيها خدمة للمصالح الضيقة على حساب الشعوب، وهذا كله تخلصنا منه وهو ما يتطلب منّا اعادة ترتيب البيت من جديد .. فعندما تفقد أسرة أحد أفرادها، فإنها تفقد بذلك وضعها الطبيعي، فما بالك بشعوب تفقد الالاف ومئات الالاف من أبنائها؟ الأكيد أنّ هناك ثمن واضح سندفعه حتى تندمل الجراح.. المزاج العام مفروض عليه أن يدخل في سياق التجربة الحقيقية لتبادل السلطة الديمقراطية التي تؤسس لمصلحة المجتمعات وتعطي ضمانات للفرد.. لكل شعب خصوصياته وتجربته ونحن بحاجة الى الوقت.. لكن المهم أنّنا قطعنا الخطوة الأولى..
والفن، أليس هو أيضا في حالة انكماش؟ وكيف لشعوب أن تنهض من جديد و فنّها وثقافتها موضوعان بين قوسين وحرية الابداع مهدّدة فيها؟
هناك شكلان من التعبير الفني: شكل تعبوي يواكب الاحداث وهو ضروري، وشكل تعبيري ينتظر ان تزول الصدمة لكي يعيد تنظيم نفسه خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار هشاشة الفعل الثقافي.. الصدمة التي حدثت في مجتمعاتنا العربية بدءا من تونس وصولا الى مصر، الى سوريا، الى اليمن، الى ليبيا شكلت رجّة في كافة دول الربيع العربي وخلقت حالة ارباك كبيرة وفي خضّم كل هذا انكمش الفن على نفسه.. وفي نظري فإن الفن الحقيقي يحتاج الى وقت حتى يعبّر عن نفسه.. والاعمال الكبيرة التي دخلت التاريخ تطلبت شيئا من الوقت حتى تستقر الامور أكثر.. ومن جهة اخرى لمّا نُقحم السياسة في الدين تصير اساءة للدين وللانسان الذي يجد دائما سببا للتنازع والتّحارب بينما الدين أسمى من كل هذا.. ما نريده من كل الاحزاب والسياسيين هو أن ألاّ يتركونا نترحم على أنظمة فاشية أنظمة صدام وبن علي ومبارك والقذافي.. هم كانوا مخطئين والوضع الآن في طريقه الى أن يصبح صحيحا.
يعزف نصير شمة الحزن والوجيعة («أرض السواد» و«رحيل القمر») وفي الوقت نفسه الامل والحلم («ضوء الروح»، «اشراق»)، فمن أين يأتي ضوء الروح هذا وهل له قدرة على اجلاء السواد من على الوجوه والنفوس؟
الامل موجود وكذلك الالم موجود، فهما صنوان متلازمان يسيران بالتوازي ونحن محكومون بهما الاثنين في الوقت ذاته… يقول ونّوس نحن محكومون بالامل وأنا أقول نحن محكوم علينا بالالم، لأننا لم نعرف منذ 1000 سنة من تاريخ العرب فترة خالية من التدمير ومن الاقصاء والاحتلالات وتغيير بنيان الدول والشعوب والحضارات.. غير أني اعترف بأن الامل موجود في الجيل الصاعد وفي الشباب وأتذكر أني لما كنت أعزف بالجامعة التونسية أو بفضاء النجمة الزهراء كنت أرى شبابا يصغي إلى الموسيقى بإنتباه عجيب.. بمجرد أن أضع قدمي في المسرح يتحول الفضاء الى محراب.. الامل أراه في هذا الجيل وعندما يتوّحد وجدان الشعب في لحظات، فينتفض ويغيّر حالته.. عندما ننظر الى الغرب والى حقوق مواطنيه ندرك أنّ كل هذا لم يتحقق بطريقة اعتباطية بل جاء بعد تضحيات ونضالات ومظاهرات وقتلى.. الغد يمكن أن يحتضن تطلعاتنا بعد أن كنّا مهددين بالسجن والاعدام بسبب تهمة او وشاية.. «الان أصبح فيه بكرة و إن شاء الله أطفال بكرة يعيشوا أحسن مما فات..»
عنونت إحدى معزوفاتك «قصة حب شرقية»، فهل مازال مجال للحب الشرقي اليوم بعد أن أشهرنا في وجوه بعضنا مسدسات التفرقة والكراهية والاقصاء؟
قبل فترة ليست بعيدة، أربعة عقود تقريبا، كانت اسبانيا تسمى ارض الموت والخراب وكان فرانكو يقصف ويقتل وفعل العجب العجاب في شعبه.. والشعب بدوره تمترس وأصبحت الجثث في الشوارع، أما اليوم فقد وصلت اسبانيا إلى مستوى عال من الرقي.. الشيء نفسه بالنسبة إلى أوروبا التي أصبحت فضاء موحدا متماسكا بعد أن عرفت أكثر من 50 مليون قتيل.. طبيعة الانسان انّ له القدرة على التجاوز وعلى التطلع لما هو أفضل فهناك المصالح المشتركة وهناك مصلحة الاولاد والجيل الصاعد وكل هذا من شأنه أن يقود الى مصالحات والى حب جديد خاصة ان الانسان قادر على الصفح والاعتذار، وكل هذا ليس مستحيلا ولسنا أول الشعوب التي خاضت حروبا ولن نكون آخرها..
العراق كيف حاله وحال أهله اليوم؟
لمّا يكون الخطر موجودا يصبح الانسان واعيا اكثر بقيمة الحياة.. كنت خلال شهر سبتمبر بالعراق وقدمت بمناسبة اليوم العالمي للسلام واحدة من أجمل حفلاتي.. ونحن في الطريق كنا نتمنى ألا تنفجر السيارة.. في كل مرّة نتوقف في الطريق ندعو الاله لكي يسترنا وكل اطفال بلاد الرافدين.. كنت أردّد الشهادة في كل اشارة ضوئية نقف عندها.. لماذا الموت ولماذا القتل؟ الاحتلال غادر البلاد فلماذا نقتل بعضنا البعض؟ هناك اليوم صناديق اقتراع وانتخابات ومن يريد أن يصعد الى السلطة عليه ان ينشئ حزبا وتصبح له قاعدة قويّة ويفوز ويحكم.. أمّا أن تُفجّر وتقتل فهذا ما لا نقبله.. سيأتي يوم ويتلاشى كل هذا وتنتصر الحياة..
ماجديد نصير شمّة؟
سأقدم يوم 31 ديسمبر 2013 حفل رأس السنة بالقاهرة وتحديدا بساقية الصاوي وسأقدم لجمهور ذواق ساعتين من الفن الجميل يعبروا به الى العام الجديد وهم منتشون بالموسيقى الجميلة.. كما سأحيي يوم 15 جانفي حفلا بمهرجان دولي بالشارقة في الامارات.. وفضلا عن هذا سأشارك بفرنسا في تكريم محمد سعيد الصقار وهو أحد أهم الخطاطين العراقيين.. ولي رغبة في تقديم عرض موسيقي في تونس يلتقي فيه الاوركسترا السمفوني مع العود وأُشرك فيه موسيقيين من تونس ومن العراق..
كلمة نوّدع بها 2013؟
كل أملي أن تستقر تونس بسرعة فقد سبقت سائر دول العالم العربي بخطوة وأتمنى أن تنجح في مسارها الانتقالي وأن تؤكد للعالم قدرتها وطاقة أبنائها على تجاوز المحن.. وإذا نجحت تونس فستمنح للبقية أملا حقيقيا لمن هم مضطهدون بسبب دينهم أو قوميتهم.. يجب ان يكون شعار المرحلة القادمة «مصلحة الوطن قبل كل شيء..»

رابط معزوفة “رحيل القمر”

حاورته: شيراز بن مراد

رواية الغوريلا لكمال الرياحي ضمن قائمة أفضل الروايات العربية 2013


في إستفتاء مع الكتّاب أجراه الموقع المتخصص في الأدب العربي المترجم إلى الانجليزية حول أفضل الكتب التي قرأها الكتّاب سنة 2013، تم إختيار رواية “الغوريلا” للكاتب التونسي كمال الرياحي ضمن قائمة قصيرة لأفضل الروايات العربية.. ويُنجز موقع الأدب العربي هذا الاستفتاء كل عام ليرصد أفضل الكتب التي قرأها الأدباء. وقد شارك في الاستفتاء كل من جانة حسن ومحمد علاء الدين وابراهيم فرغلي وعلي بدر وهشام البستاني وطارق الامام وسيد محمود ونهاد سيراس والكاتبة التونسية المتميزة والمقيمة بالإمارات إيناس عباسي التي اختارت رواية الغوريلا كأفضل قراءاتها لهذا العام.
وصدرت رواية “الغوريلا” عن دار الساقي للنشر وتطرق فيها الكاتب كمال الرياحي لعالم المهمشين.. وكان سبق للرياحي أن نشر رواية أخرى تحت عنوان “المشرط” لاقت بدورها نجاحا واسعا وتوّجت بجائزة الكومار الذهبي لسنة 2007 على المستوى المحلي. ويأتي هذا التتويج ليؤكد مرّة أخرى قيمة الأعمال الروائية للكاتب كمال الرياحي الذي يستعد لإصدار روايته الثالثة “نكسة 69″..
ومن الأعمال الأخرى التي تضمنتها قائمة أفضل الروايات العربية الأكثر مقروئية لسنة 2013 نذكر “فراكنشتاين في بغداد” لأحمد السعداوي و”النباشون” لسوسن جميل حسن و”لاسكاكين في مطابخ هذه المدينة” لخالد خليفة و”ساق البامبو” لسعود السنعوسي و”منازل الوحشة” لدُنى غالي.
شيراز

السبت، 21 ديسمبر 2013

يسرى فراوس (ممثلة الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان في تونس): هناك تهديدات حقيقية لحرية التعبير في تونس بعد الثورة


بكثير من الامتعاض تحدثت لنا يسرى فراوس ممثلة الفيديرالية الدولية لحقوق الانسان بتونس عن واقع الحريات في تونس بعد الثورة، فكيف لنا -والكلام لها- أن نقبل بمحاكمة الفنانين والاعلاميين والشباب الذي شارك في ثورة قامت من أجل الكرامة والحريات؟ التقينا السيدة يسرى فراوس على هامش الحملة التي أطلقتها فيدرالية حقوق الانسان بمعية عدد من مكونات المجتمع المدني للمطالبة بإطلاق سراح سجيني الرأي جابر الماجري الذي حوكم بـ7 سنوات سجنا بتهمة نشر كاريكاتور مسيء للرسول ومطرب الراب ولد الكانز الذي حوكم بـ 4 أشهر سجنا نافذة على خلفية أغنية راب مسيئة للأمنيين، وقد أكدت فراوس على ضرورة حماية حقوق الانسان ومنها بالخصوص حرية التعبير حتى نضمن أسسا متينة لبناء الدولة الديمقراطية وكان الحوار الاتي..
يوم 10 ديسمبر تم الافراج عن 79 سجينا ولم يكن من بينهم أي سجين رأي، فكيف قرأت هذا القرار؟
لقد سبق لنا، كفيدرالية، أن تقابلنا مع الرئيس المنصف المرزوقي، وقدمنا بمعية لجنة مساندة جابر الماجري، مطلبا للعفو عنه، وقد وعدنا المرزوقي بإطلاق سراحه وقال انه ليس من العدل ان يظل جابر في السجن، لكن تتالت المناسبات والاعفاءات دون أن تشمل جابر وكأنّ هناك موقفا من هذه القضية.. إنّ التبريرات المتواصلة التي صدرت عن الرئاسة بخصوص سجن جابر تزعجنا، ونحن نرى فيها انتهاكا لحرية التعبير ولكل الحريات في معناها المطلق..
 وكيف كان ردّ فعلكم؟
لقد تجندت عدة مكونات من المجتمع المدني ومنها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والشبكة الاورو متوسطية لحقوق الانسان وشبكة دستورنا وغيرها للدفاع عن قضية جابر ونظمنا يوم الجمعة 13 ديسمبر ندوة صحفية ومسيرة في شارع الحبيب بورقيبة للتحسيس بقضية جابر الماجري وكذلك مغني الراب ولد الكانز، طالبنا من خلالها بإطلاق سراحهما الفوري.. ولكن مع الأسف عدنا إلى المربع الاول: مربع الدفاع عن الحريات مباشرة بعد ثورة قامت من أجل الحريات، ومهما يكن من أمر سنواصل التحرك حتى تسير تونس في مسار الانتقال الحقيقي بحيث تكون الحقوق والحريات محمية.. ولعلمكم فقد أبلغنا مقرري منظمة الامم المتحدة المكلفين بملف الحريات بقضية جابر الماجري.
طالبتم في البيان الذي أصدرته الفيدرالية مؤخرا، السلطات التونسية باحترام حرية التعبير ووضع حد للانتهاكات، فهل من توضيح لهذا الموقف؟
نعتبر ان هناك اليوم تهديدات حقيقية في أشكال وتمظهرات مختلفة، مسلطة على الحريات وعلى حرية التعبير بشكل خاص، وقد استهدفت في الفترة الاخيرة سياسيين ومثقفين.. انظروا الى سلسلة التتبعات العدلية الاخيرة زهير الجيس والطاهر بن حسين وزياد الهاني ومراد المحرزي فضلا عن جرحى الثورة وعدد من شباب الثورة الذين يحاكمون اليوم بتهمة «الشغب أيام الثورة» أو بتعلات أكثر خبثا مثل المخدرات.. انظروا إلى ما حدث لرجب المقري ولعبد الله يحيى وغيرهما ممن زجّ بهم في السجن تحت مسميات مختلفة.. كما لن ننسى أحداث 9 أفريل و14 ديسمبر أمام اتحاد الشغل واحداث الرش بسليانة.
كأنكم تحمّلون السلطة الحاكمة مسؤولية هذه الاحداث؟
ما نلاحظه أنّ هناك تذبذبا في الارادة السياسية وفي المضي قدما نحو تكريس وإرساء مناخ من الحريات في تونس.. فالفصول نفسها التي كان يستعملها بن علي مع خصومه ومعارضيه ومنها تعكير صفو النظام العام، والمس من الاخلاق الحميدة، ها إنّ السلطة القائمة بعد الثورة تواصل اعتمادها.. فقد حوكم جابر الماجري بسبب رسومه التي نشرها على موقع الفايسبوك وفق الفصل 121 من المجلة الجزائية أي وفق فصول تغيب عنها روح حقوق الانسان وأبجديات الحريات.. إنّ الاستعانة بهذه الفصول لن يخدم سوى تأبيد ديكتاتورية النظام السابق.
يعاب في بعض الاحيان على الهياكل الحقوقية دفاعها عن الاسماء المعروفة ووفق أجندات معينة وتجاهلها لقضايا عموم المواطنين؟ فهل هذا اللوم في محلّه؟
لنؤكد قبل كل شيء على فكرة أساسية وهي أنّنا كهيكل حقوقي نشتغل وفق مبادئ ونصوص لحقوق الانسان غير قابلة للتجزئة.. قد يقال عنا إننا سلطنا الضوء على قضايا هامشية وذات صبغة نخبوية، لكن ما يحدث هو ان هناك مستويات للتدخل وليس أجندات، إذ أننا نتدخل بناء على التزامات الدولة والمواثيق التي أمضت عليها.. من جهة أخرى لا أعتقد ان قضية شهداء الثورة قضية نخبوية، وقد يكون هناك غياب اعلامي لمتابعة هذه القضية بالتحديد.. الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان بتونس تتابع هذه القضية عن كثب وتواكب أغلب المحاكمات، والشيء نفسه بالنسبة لقضية نقابيات الأتيليك بن عروس.. نحن لا نختار أناسا معينين بقدر ما نعمل على القضايا التي نرى فيها انتهاكا صارخا لحقوق الانسان، وشغلنا الشاغل هو تحسيس الرأي العام والحكومات بأهمية هذه القضايا حتى لا تهمّش و تدخل في طيّ النسان.. بصراحة، قضيتا جابر الماجري وولد الكانز كان يمكن ان تنسيا لو لا ضغط المجتمع المدني وحرصه الدؤوب على ضرورة احترام مبادئ حقوق الانسان واشكالية الحريات بالخصوص.. هذا هو ضمان بناء الدولة الديمقراطية..
ما هو موقفكم من حملات التشويه والتهديد التي تطال عددا من السياسيين؟
الفيديرالية الدولية لحقوق الانسان تتابع باهتمام ما يحدث في المشهد التونسي من تهديدات تطال نشطاء حركة حقوق الانسان وكل ما يمكن أن يهدد منظومة الحقوق والحريات، وفي هذا السياق نحن نشجع كل ما من شأنه أن يحمي تونس من الانزلاق نحو العنف ونعمل على تكريس ثقافة حقوق الانسان وعلى حماية النشطاء.. كما ننبه لخطورة العنف والارهاب والتمييز الجنسي…
لو أعطيتنا بسطة على نشاط مكتب الفيديرالية الدولية لحقوق الانسان بتونس؟
المكتب فتح أبوابه منذ سنة تقريبا، لكن سبق للفيدرالية ان تبنت عدة قضايا في تونس، منها قضية الحوض المنجمي.. ولنا الآن استراتيجية تقوم على 4 محاور أساسية وهي أولا الدفاع عن المدافعين عن حقوق الانسان، ثانيا المساواة بين الجنسين إذ أننا ندعم حملة رفع التحفظات عن اتفاقية سيداو ( رفع كل أشكال التمييز ضد المرأة) ونعتبر ان ملف المرأة في تونس يثير هواجس بالنظر للتراجعات الخطيرة التي تتضمنها بعض النصوص أو مشاريع القوانين المقترحة..
وثالث هذه المحاور؟ 
ثالث المحاور التي تشتغل عليها الفيدرالية هو ملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك حقوق المهاجرين، وقد أصدرنا يوم 4 ديسمبر 2013 بمعية عدد من مكونات المجتمع المدني بيانا يتعلق بحرية التنقل بين تونس والاتحاد الاوروبي، إذ تُقيّد هذه الحرية بشروط مجحفة مبنية على العقلية الامنية، وقد سلّمنا البيان للاتحاد الاوروبي وننتظر تفاعلا ايجابيا منه..
أمّا رابع المحاور فهو ملف الحريات، فلنا مرصد لمراقبة الحريات يتكفل بمتابعة الانتهاكات ويتحرك لوضع حدّ لها، كما يعمل على رفع التوصيات في عديد المسائل، بالدستور مثلا ومدى ملاءمته للمعايير الدولية..
كلمة أخيرة…
نعتبر أنّ لتونس مؤشرات حقيقية لعدم السقوط في الانزلاقات لكن يجب الحسم في عدة مواضيع، منها مسألة كونية حقوق الانسان والمساواة بين الجنسين ومدنية الدولة التي لا يجب أن تشوبها شائبة فضلا عن أهمية تصفية تركة الديكتاتورية في سياق عدالة انتقالية وبعيدا عن عقلية التشفي والانتقام.. ولهذا نؤكد على أهمية ارساء مؤسسات قوية قادرة على حماية البلد من الانزلاقات ومن الارهاب مهما كانت المتغيرات السياسية ومهما كانت نوعية الحكومات المتعاقبة على البلاد.
حاورتها: شيراز بن مراد

فيلم “رغبات” لسمير الحرباوي: حياة مع وقف التنفيذ


كيف لشخص أن يصمد في مدينة يعشقها ولا ترد إليه الجميل؟ كيف لشخص أن يحقق رغباته في مدينة إمتنعت عن إهدائه أبسط الفرص؟ فرص الحب وفرص العمل وفرص ممارسة الوجود؟ حول ثنائية العطاء والممانعة، تمحور فيلم “رغبات” الذي قدمه المخرج سمير الحرباوي يوم السبت 14 ديسمبر في عرض خاص بالإعلاميين بحضور فريقه التقني وعدد من ممثليه..
فعلى وقع موسيقى كلاسيكية جميلة، تندفع رغبات البطل لسعد الشاب المثقف (محمد لسعد غربالي)، تندفع رغباته البسيطة في قضم الحياة، كالنزيف الحي الذي ينشد الحياة لكنها تصطدم بجدار رفض سميك، إذ يفشل لسعد في العثور عن عمل وتتوالى خيباته الواحدة تلو الأخرى، خيبات الحب ونكسات الوجود وإنكسارات الأحاسيس…
ومن خلال قصة بطله، يقودنا سمير الحرباوي في “رغبات” الى عمق مفارقة غريبة من نوعها، إذ يصوّر بكثير من الحب تونس العاصمة، تونس شارع الحبيب بورقيبة بمهجته الخاصة، تونس حانة لونيفار بأجوائها المميزة، تونس محطة الأرتال نقطة الإنطلاق ونقطة الوصول، تونس دار الثقافة إبن خلدون بشحنتها الثقافية، وهي كلّها أماكن ذات رمزية فائقة، ففيها يحيى ويموت أبناء العاصمة، فيها يلتقون ويتفارقون وفيها يُحبون ويكرهون..
وفي نفس الوقت، يصوّر الحرباوي تونس هذه المدينة “العاقر” التي عجزت على حب أبنائها وعلى رد الجميل الذي يضاهي حبهم لها.. في هذه المدينة، تتوه أرواحهم ويهيمون طويلا طويلا بحثا عن مرافئ للحياة لكنهم لا يظفرون بشئ.. مشهد بعد مشهد، يصوّر الحرباوي في شريطه ثنائيات الحب والفشل، الجمال والقبح، البؤس والسعادة ليروي مصير واحد من أبناء تونس، مصير عاشق أدونيس وعاشق الحرية وعاشق المرأة الذي تحاصره أسوار المدينة رافضة مدّه مفاتيح الولوج الى شرايينها الحية… فيبدو وجوده كأنه حياة مع وقف التنفيذ، حياة عالقة في إنتظار ربيع قادم، إذ يكتب البطل في أحد مشاهد الفيلم على ورقة طائشة “وبيّا أمل يذهب ويأتي ولكن لن أوّدعه” في محاولة للإفلات من قبضة المصير المظلم وبغية التحليق في سماوات إثبات الوجود.
والجدير بالملاحظة أنّ الفيلم، وهو من إنتاج شركة إيزاس، ينقل قصة حقيقية عاشها الكاتب لسعد بن حسين ودوّنها في رواية “رغبات” وشاءت الأقدار أن يجسدها بعد سنوات المخرج سمير الحرباوي..
الصورة المرافقة للمقال: المخرج سمير الحرباوي رفقة بطل الفيلم محمد ساسي غربالي
شيراز بن مراد

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

فيلم باستاردو لنجيب بلقاضي: هناك شيء ما عفن في الوطن


وراء أسوار المدينة العالية، يعيش “محسن باستاردو” و”لرنوبة” و”خضراء” و”بنت السنقرة”.. مدينة يؤمها ناس ضعاف الحال، فيها الطيبون والأشرار وفيها العاهرات واللصوص… مدينة كأسماء متساكنيها غريبة الأطوار، مدينة تنتظر الخلاص والانعتاق، مدينة صادق ابناؤها الحشرات وجرى أطفالها حفاة الأقدم في ساحاتها العامة.. مدينة في حالة انتظار، كحال البلاد التونسية أيام النظام السابق..
في هذا الفضاء المغلق، صوّر المخرج نجيب بلقاضي فيلمه الروائي الطويل الأوّل «باستاردو» عن سيناريو كتب سنة 2007 وتطرّق بصفة واضحة الى العلاقة الزبائنية التي كانت تصل السلطة بمواطنيها: حيتان كبيرة تنهش اسماكا ضعيفة وفق المقولة الشعبية الدارجة: «حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت»، كلاب جشعة أطلقت لتمتص دماء الشعب، وقردة قبلت بأن تركبها قردة أخرى لتحقيق مآربها وطموحاتها السياسية أو المالية. وقد صرح نجيب بلقاضي خلال اللّقاء الصحفي الذي تلا العرض الأوّل للفيلم، أنّه سعى لإبراز الجانب الحيواني الكامن في داخلنا وذلك من خلال موازاة مشهدية بين الحيوان والإنسان الذي يقبل بالتخلي عن مبادئه من أجل المنصب والمال…
وفي هذا السياق، بدا لنا أنّ نجيب بلقاضي شبّه في فيلمه، البلد بحظيرة الحيوانات، «حيوانات انسانية» تتهافت على الجاه والسلطة والمال على حساب الآخرين وخاصة ضعفاء الحال منهم… وقد دخلت سلوكيات أبطاله في خانة «الآدميين المتوحشين» الذين توقفهم أسوار الحظيرة لكن لا يوقفهم جنونهم في محاولة البروز على حساب المستضعف والفقير.
لنعد الى قصة الفيلم وأبطاله «السرياليين» سريالية عرابي النظام السابق حيث يروي «باستاردو» قصة محسن ذاك الشاب اللقيط الذي طرد من الشركة التركية التي كان يعمل بها بعد إقدام إحدى العاملات على سرقة كمية من الأحذية.. تطول مدة البطالة بمحسن الى أن تقترح عليه إحدى شركات الاتصالات كراء سطح منزله مقابل ألفي دينار شهريا بهدف وضع لاقط هوائي، وهكذا تتغير حياة محسن وحياة أهل المدينة بعد وصول «الريزو» و«الهواتف الجوّالة»، ويحتفي الأهالي «بالحقّ في التكلم» كمن يحتفي بتحرره من قيود الصمت والعزلة…


مع هذا الحدث الهام، تنطلق الألسن المعقولة وتنطلق معها الأطماع الجديدة، أطماع من يريدون تقاسم الكعكة، تماما كجشع المتنفذين القدامى الذين كانوا يريدون نسبة من الرأسمال أو جزءا من الأرباح مع كل مستثمر خاص يسعى الى الانتصاب… فكيف لمحسن الشاب اللقيط أن يصبح «ثريا» وكيف له أن يستفرد بالغنيمة؟ من هذا الباب، يدخل نجيب بلقاضي في تيمة الصراع من أجل السلطة، حيث يفتح مشروع الهواتف الجوالة باب السباق أمام تهافت الخصوم: القتل والتآمر والنفاق والخداع كلّها وسائل متاحة ومباحة لتحقيق المنشود..
وتجدر الإشارة إلى أنّ فيلم «باستادرو» الذي تولى انتاجه عماد مرزوق يرتكز على تميّز شخصيات أبطاله ومنهم خضراء (لسعد بن عبد الله) في دور الأم «الكبرانة» بوشمها الأخضر وشعرها الكثيف وعينها العوراء، ولرنوبة (الشاذلي العرفاوي) بجثته المفزعة وخوائه الداخلي، وبنت السنقرة (لبنى نعمان) التي لمعت ببدائية الكائن الخارج لتوّه من الكهف، وتوفيق البحري التي تقمص دور التاكسيست، وسندس بلحسن في دور صاحبة الماخور، دون أن ننسى طبعا البطل عبد المنعم شويات الذي سكنه هدوء البحار رغم وجوده في قلب العاصفة.
وقد اختار نجيب بلقاضي أن يكون بطله باستاردو (عبد المنعم شويات) لقيطا لا يعرف لا أمّه ولا أباه.. لا يعرف جذوره ولا ماضيه في تماه واضح مع واقع المجتمع التونسي الذي فُسخت صفحات عديدة من تاريخه وأضحى بحكم ضغوط السياسة وأطماعها مُنبتا عن جذوره وتاريخه، فيسقط البطل في فخ اللاتاريخ ويستبطن القيّم المتوفرة في مجتمعه: الانتهازية والجشع واستغلال الآخر ويعيد تسليطها على من هم أضعف منه.. يدعونا بلقاضي بطريقة غير مباشرة إلى أن ننظر إلى ماضينا بانتصاراته وبخيباته حتى «نستخلص» العبر.. فلا غرابة في مجتمع يفرز الاستعباد من جديد مادام يعاني من عزلة التاريخ ومن تهميش الحاضر.
«هناك شيء ما عفن في الوطن» هذا ما قاله المخرج نجيب بلقاضي في فيلم «باستاردو»، أسوة بالمقولة الشهيرة للروائي البريطاني شكسبير الذي قال في نص هاملت: «هناك شيء ما عفن في مملكة الدانمارك».. فطوال الفيلم يكشف بلقاضي أوجها من العفن الذي نخر البلاد، عفن السلطة، وعفن التقاتل من أجل السلطة والجاه، والعفن الذي يفرزه الجهل والفقر والتهميش… ومن المشاهد المحورية في الفيلم التي تُبين حالة التعفن التي أصابت الجسد تلك اللقطة التي يخرج فيها الدود من منخر خروف بمحل لبيع اللحوم. وقد إتخذ بلقاضي من موضوع كشف المتعفن في مجتمعنا التيمة الاساسية لفيلمه الذي جاء سوداويا ونابضا بالحياة في نفس الوقت.
شيراز بن مراد

«وحيدا.. أصعد الى السماء» لوليد الفرشيشي: بعيدا.. بعيدا عن خناجر القرية المشعّة كعيون الذئاب


إذا كان الشاعر وليد الفرشيشي «كلبيّا» في وفائه، وهو التصنيف الذي جاء في الصفحات الأولى من مؤلفه الجديد الذي صدر مؤخرا عن دار «منشورات كارم الشريف»، فإنّ مجموعته الشعرية «وحيدا.. أصعد الى السماء» سمكيّة الطابع ترتجف وتنتفض بين يدي القارئ رافضة كشف سرّها لمن لا يصادق الشعر والحرية والسؤال.. «هنا دوّنت عذابي الشخصي الذي كنت أعتقد – ولا أزال- أنه سيظل قادرا على مقاومة الزمن» هكذا كتب الصحفي الشاب وليد الفرشيشي في مقدمة مؤلفه الشعري البكر الذي نقل فيه احساسه العميق بالغربة في وطنه.. غربة واحباط ووحدة تحاصر الكاتب فتغريه بشيء واحد ألا وهو الرحيل أو «الصعود الى السماء» بعيدا عن وطن «مطيّن بماء الاكتفاء»، وطن «يبس الذلّ في منخري قطيعه»، وطن «يهيّجه شغف بالنّفاق»..
يوصد الوطن أبوابه في وجه الكاتب الشاب، فتتراكم اللاءات كجبل أسود وكليل حزين لتقول مدى إنحسار الآفاق ومكر الطبيعة وجحود الإنسان، فلا «شمس تسرح وحيدة في سماء البلاد»، ولا «حانة تبيع حلما بتكلفة أقل»، و«لا نجم يضيء على الموج الهارب»، و«لا قبلة عشق تثبتها الروح»..
يكشف وليد الفرشيشي في مجموعته الشعرية «وحيدا.. أصعد الى السماء» قصيدا بعد قصيد حجم الغربة العاطفية التي يعاني منها الإنسان رجلا كان أم إمرأة أمام «شمعة العشاء الأخير» وأمام «آخر نجمة تطل على البحر» … وفي هذا السياق يكتب الناظم الذي يعترف بإنتهاء الخطاف فيه، يكتب ما يلي:
«قاحلٌ ليس يُربكنِي..
انْ أمطر في عيْني ربيعُ نعاجْ..
أوْ بكت في روحي بلادُ أضاعتني صبيّا
بلاد كمْ كيّفتْ لُؤم الاستدراكات بعقلي..
قاحلٌ جدّا صرتُ يا أمِّي..
قاحلٌ ليس فيّ سوى هذا الذِّئب المبتلى
بالعُواءْ..»
وبإيغاله في عالم الوحدة بثناياها المحبطة وبمتاهاتها الكئيبة، يطرح وليد الفرشيشي سؤالا مصيريا: هل أنّ ما نعيشه حياة أم تأجيل متجدد لسقوط في الغياب؟ إذ كيف لنا أن نؤكد أننا على قيد الحياة إذا بقي «اللسان تحت العقال» وإذا ما أضحى «الخواء ينزّ من الشوارب المعقوفة».. يرى وليد الفرشيشي إذن أننّا نوهم أنفسنا بالحياة وبالحرية وبالحب وبالانعتاق بينما لايعدو ما نعيشه أن يكون شبه «وهم حياة»، وهم يمارس فيه الرحيل مخاضه الابدي.. الى هذا المخاض تجرّنا كتابة وليد الفرشيشي، الى قلب الحيرة والى نواة السؤال حول معنى حياتنا وذلك الإحساس المحبط والمدمّر الذي يتنازع في داخلنا مرّات ومرّات بعد أن نسأم أقنعة التقاليد وأقنعة العواطف وأقنعة السياسة..
ومن بين النصوص التي تضمنتها المجموعة الشعرية «وحيدا.. أصعد الى السماء»، نصّ أهداه الفرشيشي الى روح الشهيد محمد البراهمي وتساءل فيه عن سرّ مهادنتنا للرصاص الذي «لا يضيّع وقته في اصطياد الرجال» قائلا:
«لماذا نهادن اذن؟
أنحسب أنّ المدافن ترطّبُ حقّا
لسان الفضيحة
نسيتٌ…
شهيد جديد يزفّ
ونحنُ تماثيل ثكلى تميل فقط
حتى يُفتى بقتل البلد»..
وفي رحلة بحثه عن «الخلاص الانساني»، يعود وليد الفرشيشي الى قريته الاولى والى الارض البكر آملا العثور على ولد « لا يشبه الحوافر المهترئة»، عن ولد «صافيا كقرص الشمس».. يبحث عنه قبل ان يذهب ضحيّة «القلوب المترفة بالجهل والعبودية»، وقبل أن «ترشم القرية اسمه حول عنقه كما تُرسم أسماء الكلاب على طوقها الحديدي».. غير أنّ الثنايا تتشعب والخلاص يستحيل أمام كم «الشتائم واللعنات الصفراء كالسُلّ» وأمام «خناجر القرية المشعة كعيون الذئاب»، فيختار وليد الفرشيشي أن يصعد وحيدا الى السماء، بعيدا عن «الحناجر المحشوة بالضغينة والحقد»، عن «فم الوطن المظلم»، وعن « قصائد العشق الهشة» مستجديا طقوس الموت لعلها تساعده في رحلته الاخيرة قائلا:
«أعدّوا.. الليلة .. كفني.. الاحمر
وادهنوا جسدي بزيت اللوز
مشّطوا.. مشاعري جيدا..
أريدها مسترسلة في ذكرياتكم
ونازفة جدا على ألقابكم
كحمامة تُسحل في الشوارع حتى الموت
فالليلة..
وحيدا.. أصعد.. الى السماء»..
في مجموعته الشعرية «وحيدا.. أصعد الى السماء» يبوح وليد الفرشيشي بما يسكنه من وحدة واحباط ومن حيرة وجودية، نازعا واحدة تلو الاخرى القشور التي تحيط بمجتمعات تقدس الجهل والعبودية، وممارسا الكتابة، على حد عبارة الشاعر أدونيس بوصفها فعلا جرميا يهدم وينقض ويزلزل أسس الطغيان لكي يظهر النسغ الحي..
يُخيّر وليد الفرشيشي في خلاصة تفكيره الرحيل مقتطعا تذكرة لدخول تخوم الغياب، بعيدا عن وطن تعفنت مياهه، وسكنه النفاق، وخار الحب الساكن فيه، وحاصره العبث من كل منفذ فأصبح كـ«المومس التي تلهث في حضن الظلام»، لكنّ الكاتب يعترف في نفس الوقت بأنّ هناك بصيصا مازال يغري بالبقاء: بصيص شمس جديدة، سعادة ابتسامة عاشقة، جمال أقحوانة متفتحة، وحب آت لا محالة.. فيرفض النهاية قبل النهاية، ويُشع من جديد بكلماته النافرة والرافضة..
شيراز بن مراد