الأربعاء، 12 مارس 2014

فيلم «آخر سراب» لنضال شطا: هكذا حاول الغرب طمس معالم الريادة العربية

بعد مصيبة غزو بغداد، تعددت المآسي والانكسارات... ففي خطوة أولى تحمل رمزية كبرى، تمّ نهب المتحف العراقي في بغداد، هذا الفضاء الذي يختزل لـ8 الاف سنة من الحضارات السومرية ثمّ البابلية ثمّ الآشورية ثمّ الكلدانية ثم العربية الإسلامية.
من بلاد الرافدين، انطلقت قصة فيلم «آخر سراب» الذي أخرجه نضال شطا لتروي الكارثة التي حلت بالعالم العربي بعد أن سُلب منه أنفس ما يملك ألا وهي ذاكرته التي حاولت بعض الأطراف الغربية طمسها لتنفرد هي بتاج التحضر والتقدم.
ويتطرق «آخر سراب» الذي شاركت فيه ثلة من الممثلين على غرار هشام رستم ولطفي الدزيري وعبد المنعم شويات والممثلين الفرنسيين جون مارك بار وإليزا توفاتي، إلى قصة مخطوط «اللامتناهي الثالث» الذي يتضمن أهم محطات تاريخ العرب في العلوم ويثبت كيف كان العرب أوّل من وصف علميا الدورة الدموية وأول من قدّم نظريات في عالم الرياضيات.
ونظرا الى قيمة هذا المخطوط النادر، سعت المخابرات الأمريكية الى الإستيلاء عليه مجندة في ذلك أحد عملائها لكي يعثر عليه مهما كانت التكاليف، لتنطلق مغامرة ليفينقستون (الممثل جون مارك بار) الذي حلّ بالجنوب التونسي وتحديدا ببرج العرق مقتفيا أثر مسؤول سابق بمتحف بغداد (هشام رستم) عسى أن يجد لديه المخطوط المذكور.
وبين أسوار مدينة برج العرق الجنوبية، تتسارع أطوار هذا الفيلم الذي يتداخل فيه الغموض بقصص الحب وجرائم القتل الغريبة التي أظفت على الشريط شحنة درامية إضافية، إذ لا تكتمل الجريمة الكبرى الا بتعدد الجرائم الصغرى التي تحبط العزائم وتبعثر الأوراق. وهو ما حرص شريط «آخر سراب» على إبرازه في محاولة لتسليط الضوء على المخطط الذي استهدف العالم العربي انطلاقا من غزو العراق سنة 2003.
ومن بين اللقطات المعبرة في الفيلم، تلك الصرخة التي أطلقها مساعد رئيس مركز الشرطة ببرج العرق (الممثل عبد المنعم شويات) ليكشف عمق الدمار الذي سكنه بعد أن استغل ليفينقستون طيبته وكرمه ليسلب المخطوط النادر الذي يشهد على تفوق العرب على الغرب طيلة قرون. أفلم يكن عمر الخيّام (القرن الحادي عشر) من أبرز علماء الرياضيات؟ ثمّ ألم يكن العلاّمة العراقي علي بن حسين المسعودي صاحب نظرية الانحراف الوراثي في القرن العاشر ميلادي؟ ألم يكتشف ابن نفيس الدورة الدموية الصغرى في القرن الثالث عشر ميلادي؟ ألم يكن الطبيب ابن سينا (القرن الحادي عشر ميلادي) صاحب كتاب «القانون في الطب» الذي ظلّ لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسي في الطب؟ كل هذا والغرب مازال يتخبط في الجهل والبربرية وهو ما أكده العلامة والرحالة أحمد ابن فضلان البغدادي في «رسالة ابن فضلان» (القرن العاشر ميلادي) بعد رحلته الشهيرة الى روسيا وتركيا وبلغاريا.
ومن المشاهد اللافتة للنظر على المستوى السينمائى، ذلك المقطع الذي جمع قامتين مديدتين في السينما وهما الممثل لطفي الدزيري ـ رحمه الله - (في دور الطبيب) والممثل جون مارك بار (في دور الباحث)، رجلين أو بالأحرى «ذئبين» لم يترددا في تنفيذ مخططهما الجهمني. سينمائيا أيضا، شدتنا المشاهد التي صوّرها نضال شطا في ذلك الخلاء الأبيض الذي يحيط بالمدينة، خلاء يعكس حالة العراء التي أضحت تميز عالمنا العربي.
في «آخر سراب» أكد المخرج نضال شطا حقيقة مُرّة أخرى من تاريخ عالمنا العربي الحديث.. فإلى جانب الاستيلاء ونهب الثروات النفطية، عملت بعض الأطراف الغربية على سلب كنوز أخرى تفوق قيمتها ما هو متعارف عليه، وتتمثل في الإرث اللامادي من علوم وفلسفة وفنون تشهد على رسوخ الحضارة العربية التي استهدفت من قبل من يريدون طمس كل آثار ريادة وتفوق الفكر العربي.
- يتواصل عرض فيلم «آخر سراب» بقاعات «الريو» بالعاصمة و«أميلكار» بالمنار و«سيتي مدار» بقرطاج و«الحمراء» بالمرسى.
شيراز بن مراد

الاثنين، 3 مارس 2014

عرض أفالانش لعماد جمعة: هل نلتحق يوما بركب الإنسانية؟


غير بعيد عن الأرض، كوكب استحالت فيه الحياة، كوكب ارتعشت فيه الموسيقى وتدافعت فيه الأجساد بعنف بحثا عن أضواء طال انتظارها... فوق هذا الكوكب الذي حكمه قانون الغاب، دفع مصمم الكوريغرافيا عماد جمعة في عمله الأخير "آفالونش" -والذي عرض نهاية الأسبوع الفارط بقاعة المونديال- براقصيه واحدا بعد الآخر، كمن يدفع بمصارعيه فوق حلبة «الشوط الأخير»، فإمّا يفرضون وجودهم قسرا وإمّا يندثرون إلى الأبد...
على وقع ثنائية البقاء والاندثار، اهتزت أجساد متساكني «الكوكب الآخر» في محاولة لاقتلاع "التذكرة الأخيرة" قبل أن يفوز بها آخرون أكثر حيلة وأشدّ مكرا... وقد بدا الممثلون-الراقصون في عرض «أفالونش» كمثل ركّاب لوحة «طوف الميدوزا» الذين واجهوا مصيرا مأساويا بعد أن تحطمت باخرتهم في عرض البحر، فتعلقوا بطوق النجاة آملين أن يهبهم الإله فرصة حياة ثانية.
على كوكب عماد جمعة تبدو الحياة وكأنها سيرك إنساني ـ حيواني يطغى عليه الجانب الغريزي البدائي، سيرك حاكى فيه أحد الممثلين الفيلة المهددة بالانقراض وخطا خطاها الثقيلة وهي تلاحق فريستها، وتماهت ممثلة أخرى مع ملك الغاب المُهدد في عرشه، وتشبهت ممثلة أخرى بالغوريلا التي تضيق بها الآفاق فتصول وتجول في محاولة للخلاص من قضبان النهاية. ثمّ يٌطلّ من وراء الأحراش، راقص بتبان أزرق ويتحرك بشكل دائري راسما حدود فخ جديد لا يتوانى عن السقوط فيه مرة بعد أخرى وهو يستمرئ هذا الانهيار المتتالي.. ألم نتعود على الخيبات والانهزامات؟
وتتوالى اللوحات الراقصة الواحدة تلو الأخرى على وقع تسجيل موسيقي مثير لترسم ملامح عالم متوحش، قائم على قاعدة "البقاء للأقوى" وعلى الصراع والخوف من الآخر... فكيف للفرد أن يفرض نفسه وقانون الغاب غلب قانون العقل، وكيف للفرد أن يصمد أمام همجية المحيط؟
وفي مراوحته بين عالمي الانسان والحيوان، يستفزنا المخرج عماد جمعة من خلال تصاميمه الكوريغرافية بضراوة مواجهاته وبالعنف الكامن في رقصاته ولسان حاله يقول إنّه مازالت أمامنا أشواط وأشواط لكي نلتحق بركب «الانسانية».. مازلنا لم نتخلص من تلك القشور «المتوحشة» التي تنبعث منها رائحة الدم والفتك بالفريسة الى آخر رمق، إلى آخر فتات.. وفي ذلك إحالة مباشرة على العالم الذي نعيشه بكل ما فيه من عنجهية وغطرسة وحروب دامية وعبثية مقيتة مميتة...
من خلال عرض "آفالونش"، ويوحي العنوان الى فكرة الإنهيار، يدفعنا المخرج عماد جمعة للتفاعل لوقف الإنحدار وللتساؤل عن «انسانيتنا المزعومة»، فما أقرب «الجنس البشري» من الطقوس الحيوانية وما أدناه من غريزة القتل وما أكثر نزعاته نحو الوحشية..
ولن تفوتنا الفرصة دون التنويه بالأداء المميز للممثلين-الراقصين مروان ايروين ووائل مرغني ومريم بوعجاجة وآمنة مولهي وباديس حشاش وكريم تويمة ووفاء الثابتي ومحمد الشنيتي وعماد جمعة الذين طوّعوا اجسادهم في سبيل مشهدية عنيفة ومقاومة وثائرة، مشهدية غابت عنها الكلمة فعبرت بالحركات وحدها عن حالة الغليان التي يعيشها سكان «الكوكب الآخر» :تدافع، عنف، بربرية، حيرة ومحاولات لفرض الذات..
من على طوف النجاة، وتحت شعاع قمر مضيء تجمع متساكنو «الكوكب الآخر» لكي يطلقوا نداءهم الأخير نداء الأمل المتبقي عسى أن ينتفي الكابوس يوما... عسى أن يذوب جليد العنف والقتل، عسى أن تحن القلوب التي لم تلن يوما، عسى أن تدّب الإستفاقة من سبات الوحشية، عسى أن تنبت عروق إنسانية حق غير تلك التي يزعم البعض منا استبطانها.. عسى أن نلحق بنقاوة جذع الشجرة الأخضر الذي ثبّّته عماد جمعة في سقف الركح... فهل نلتحق يوما بركب الإنسانية؟
شيراز بن مراد تصوير: ياسين مالوش

الأحد، 2 مارس 2014

"تفكيك" و"المراقبة والمعاقبة"، جديد المخرج السينمائي رضا التليلي

من المنتظر أن يعرض المخرج التونسي رضا التليلي فيلمه الطويل الجديد "تفكيك" من انتاج شركة «أين كان» مع نهاية سنة 2014 في قاعات السينما . وقد تم تصوير "تفكيك" بسيدي بوزيد منذ عامين بمشاركة الممثلين خالد بوزيد وسهير بن عمارة وعبد الفتاح كمال وبميزانية محدودة.
وفي هذا الصدد، صرّح لنا رضا التليلي أنّ رأسماله كان الحب والإرادة اللذين سمحا له بتجاوز كل العقبات مشيرا الى أنّ الممثلين تطوعوا لإنجاز هذا العمل ونفس الشئ بالنسبة للمواطنين الذين إنخرطوا في هذا المشروع الذي تتمحور تيمته حول الصراع مع السلطة.
وتدور أحداث "تفكيك" حول قصة مجموعة من الشبان يقيمون حفلا ساهرا قبل ان يشهد مواجهات بين الحاضرين وعدد من الدخلاء.. وتتطور القصة إذ يجد الأبطال أنفسهم مهددين باحكام تتراوح بين 30 و40 سنة سجنا فيحاولون التصدي للقبضة التي إستهدفتهم ويتصارعون مع الأحداث المسلطة عليهم.
والى جانب "تفكيك"، أفادنا رضا التليلي أنه سيعرض قريبا (يوم 28 مارس) فيلمه الوثائقي الجديد "المراقبة والمعاقبة" الذي انجزه بمعية مخرجة سويسرية في إطار مهرجان سينما الواقع بفرنسا. وذكر التليلي انّ شريطه يتضمن جملة من شهادات "مفجري الثورة" في سيدي بوزيد 3 سنوات بعد إندلاعها مبينا انه سعى لإبراز الوجه الخفي للمنحى التسلطي لمن هم في الحكم في علاقتهم بالمواطنين، فالنموذج السياسي "التسلطي" حسب التليلي، لم يتغير مهما تغير الحكام وهناك دائما نزعة للإستقواء بأدوات الهيمنة إزاء المواطنين. وأضاف التليلي أنه دعّم تمشيه هذا، الذي يؤكد الرغبة في الهيمنة عبر التاريخ، بشهادة لزوجة المناضل لزهر الشرايطي الذي أعدم في جانفي 1963 بعد أن إتهم بالمشاركة في محاولة إنقلاب على بورقيبة.
وتجدر الاشارة الى أنّ رضا التليلي كان المخرج التونسي الوحيد الذي شارك في فعاليات مهرجان برلين السينمائي 2014 الذي إنتظم منتصف شهر فيفري الجاري بألمانيا. وشارك التليلي في هذه التظاهرة السينمائية الكبرى ضمن قسم "المواهب"، بعد أن تم اختيار ملفه من بين 4000 مترشح، ليشارك مع 300 سينمائي آخرين في وقائع المهرجان من ورشات ولقاءات مع منتجين وموزعين .
شيراز بن مراد

السبت، 1 مارس 2014

كتاب "أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة": زخم الحراك المدني السوري بعيدا عن سياسة الحزب الواحد والرأي الواحد والرجل الواحد.

تحت عنوان «أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة»، أصدرت مؤخرا مجموعة من الناشطين السوريين على غرار سلام الكواكبي وبسمة قضماني ووائل سواح وحسان عباس ويحيى الأوس وفاضل الكواكبي ونوال اليازجي، مؤلفا رصد الحراك المدني السوري والدور الذي لعبته عدة جمعيات ومنتديات في المشهد الاجتماعي والسياسي الذي عرفته سوريا قبل الثورة.

وشدّد الباحثان سلام الكواكبي وبسمة قضماني في مقدمة الكتاب على أهمية حراك المجتمع المدني معتبرين أنّه سوف يضطلع بدور حاسم مهما كانت محصلة الثورة الحالية ودرجة الصدامات.. وأشارا الى أنّ عملية إعادة إعمار الدولة وبناء مجتمع أكثر ديمقراطية ونموّا ، أيّا كان السيناريو السياسي، سوف يكون على أكتاف المواطنين الأكثر براعة وخبرة والتزاما والذين دخلوا سجل الالتزام المدني والعمل التنموي.

وذكّر الكتاب بصفة خاصة بوقائع هامة ومنها كيف سارع الرئيس السوري بشار الأسد بعد مضي أقل من 3 أشهر على تبوئه سدّة الرئاسة سنة 2000 إلى إغلاق منتديات المجتمع المدني واعتقال أبرز أعضائها متخذا طيفا من التدابير من أجل كمّ الأفواه وشلّ المؤسسات في المجتمع، فخضعت جميع نشاطات المنظمات ولا سيما غير الحكومية منها إلى الرقابة، ومنع استخدام مصطلحات على سبيل «حرية» ولو جاء في سياق حدث ثقافي، وتم الاعتراض على عبارات «حقوق المرأة» وطلب من محرري المواقع الالكترونية تفاديها.. كما التجأ النظام إلى نظرية المؤامرة متهما بعض المنظمات بخدمة أجندات أجنبية.

واستعرض الباحث وائل سوّاح في الفصل الأول من الكتاب الذي تطرق لظهور وتطور المجتمع المدني في سوريا، تاريخ الحراك المدني منذ الانقلاب الذي قاده حزب البعث سنة 1963 واختزال المثقف السوري غلى مثقفي الثورة خاصة بعد إلغاء الصحف وحل الأحزاب السياسية وبعد أن أصبحت الدولة هي الثورة مذكرا بالفصل الثامن من الدستور الدائم الذي تم إقراره سنة 73 والذي ينص على أنّ حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع.
وفي هذا السياق،أشار الباحث الى أنّ كبرى المنظمات الحرفية والنقابات جرى تحويلها من دورها كمدافع حقوقي عن الفئة التي تمثلها الى دور دعائي ورقابي معطل، كما فقدت الممارسات الديمقراطية والشفافة داخلها مما جعلها تلعب دورا سلبيا ومقاوما للتغيير...

ولفت الباحث حسان عباس النظر الى ظاهرة «التبعيث» التي انتهجتها السلطة في إطار ترسيخ هيمنة حزب البعث أي أنّه لا سبيل لقيام حراك اجتماعي سوري الا من خلال الأطر الرسمية المكرسة والا فالمنع والمصادرة أو العقاب. لكنه اشار في نفس الوقت إلى أهمية الفعل الثقافي الذي كان له دور في تغيير علاقات الهيمنة التي أوجدتها سياسة الحزب الواحد وفي خلق مجتمع جديد مسؤول يعتمد علي نفسه ويحترم التعددية ويتحرر من ثقافة الخوف.

ومن جهته، ابرز الباحث يحيى الأوس أهمية الدور الذي لعبته المواقع الالكترونية النسوية في كسر طوق العزلة وسط حالة التضييق التي لازمت النشاطات المدنية، وقد ساهمت في فتح الآفاق أمام قضية حقوق المرأة في سورية ونجحت في الإفلات من سلطة الحجب والمنع بفضل اعتمادها شعارات التنمية الاجتماعية وتمكين المرأة.. ومن بين هذه المواقع، ذكر الكاتب بالخصوص موقع «مجلة ثرى» و«مرصد نساء سورية».. وطرح الموقعان عدة مواضيع كانت معتبرة من المحرمات في الإعلام الرسمي ومنها العنف ضدّ المرأة وجرائم الشرف والزواج المبكر والاغتصاب والاعتداءات الجنسية وسفاح القربى. وإعتبر يحيى الأوس أنّ المواقع الإلكترونية النسائية نجحت في تأسيس نواة حركة إجتماعية وحراكا مدنيا ناجحا بعد أن وفرت الحيز المستقل عن سلطة الدولة والذي تم من خلاله توليد نقاشات مدنية لامست أهداب الديمقراطية.

وتطرق المخرج فاضل الكواكبي إلى دور السينما السورية في الحراك الثقافي وذلك منذ عرض أوّل فيلم في مدينة حلب سنة 1908، حيث عانت الحريات السينمائية من ضغط السياسة ومن محافظة التقاليد ومن تشدد رجال الدين.. وفي هذا الصدد كتب فاضل الكواكبي ما يلي: «تعبّر صيرورة السينما السورية منذ 1958 حتى يومنا هذا عن الجدل المعقد في العلاقة بين السلطة والمبدعين وعن الدور الممكن للإبداع والثقافة عموما في خلق نوع من «الاستبدال» و« التعويض» عن غياب الحراك الحرّ للمجتمع المدني، وقد شارك في هذا الحراك عدة مثقفين بارزين مثل نجيب حداد ورفيق الصبان ومحمد ملص وغيرهم...
وقدم فاضل الكواكبي قراءة سوسيولوجية لفت فيها النظر الي تأثير عدة عوامل على إشعاع السينما ومنها انهيار اليسار والفكرة الاشتراكية وانهيار الطبقة الوسطى وانتشار الفقر وغزو الفضائيات الخليجية البيوت والطفرة النفطية وهجرة اليد العاملة نحو الخليج وتراجع الطبقات الوسطى على مزاجها التنويري ونجاح الدراما والمسلسلات الزائفة في اكتساح الشاشات فضلا عن اندثار صالات السينما وهي عوامل أثرت سلبا على اشعاع السينما كمنصة ومحمل من الدرجة الأولى... غير أنّ الكواكبي يستبشر بالخطاب السينمائي الجديد الذي يراه قادرا على ملامسة أعمق وأكثر طزاجة لسياقات العيش السوري وآفاقه.

من جهتها تطرّقت الباحثة نوال اليازجي إلى موضوع المجتمع المدني وقضايا الجندر، وذكرت اليازجي أنّ الحركة النسائية لها بعد اجتماعي نهضوي وتحرري، وأنّ هناك بواكير تجمعات نسوية واعية بمتطلبات حركة التقدم الاجتماعي.. واعتبرت اليازجي أنّ هناك تطورا في الوعي المجتمعي تجاه أدوار النساء والرجال بدءا من ضرورة المساواة التامة في الحقوق وصولا إلى إزالة كل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة...
ووضحت اليازجي كيف برزت بين 2000 و2004 عدة منتديات ومنها منتدى المحامية حنان نجمة وابتسام الصمادي وجورجيت عطية ومنتدى الأتاسي وكلها تعاملت مع المرأة كجزء من عملية التغيير الديمقراطي وعملت على إدماج المرأة في التنمية الشاملة وتغيير الصورة النمطية لأدوار النساء في المناهج التربوية والعنف الجندري ضد النساء.

وسنضرب هنا أمثلة عن أبرز المواقف والحملات التي نادى فيها المجتمع المدني السوري بضرورة الاعتراف بالتعددية السياسية والفكرية وبحرية التعبير ، وفق ما جاء في كتاب «أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة»:
بيان التسعة والتسعين: أصدر مثقفون سوريون سنة 2000 بيان التسعة والتسعين، الذي طالب بإلغاء حالة الطوارئ ونادى بالاعتراف بالتعدد وحرية الاجتماع والصحافة والتعبير عن الرأي.
بيان الألف: أدى بيان التسعة والتسعين إلى فكرة إنشاء جمعية لإحياء التراث المدني أصدرت بيانها التأسيسي تحت اسم بيان الألف نسبة إلى عدد الموقعين عليه وانتشرت ظاهرة المنتديات الثقافية انتشار النار في الهشيم ومنها منتدى الحوار الوطني الذي أسسه واستضافته في بيته النائب رياض سيف الذي وصفته مجلة أمريكية بأنّه بداية حركة التغيير القادمة في سوريا حتما، لكن مسارعة النائب بتأسيس حزب «حركة السلم الاجتماعي» عجلت بكبح نشاط المنتديات وكبتها، ورفعت عنه الحصانة قبل أن يعتقل ويحكم مع عدد من رفاقه لمدة 5 سنوات، ثم أغلق منتدى الحوار الوطني أبوابه وتلته عديد المنتديات باستثناء منتدى جمال أتاسي الذي استمر الى عام 2005 يلعب دورا جامعا لكل تيارات المعارضة السياسية في سوريا قبل أن تقوم السلطات بإغلاقه بسبب قراءة نص لعلي صدر الدين البيانوني المرشد العام للإخوان المسلمين. فتم اعتقال علي العبد الله نائب مدير المنتدى وإغلاقه سنة 2005 وكانت تلك نهاية ربيع دمشق القصير.
إعلان دمشق: جاء إعلان دمشق بوصفة تحالفا سياسيا في عام 2005 ليتوّج ظاهرة البيانات السياسية والاعتصامات، ودعا الإعلان الى تغيير ديمقراطي سلمي في البلاد ينتج عنه نظام وطني ديمقراطي يكون المدخل الأساسي في مشروع التغيير والإصلاح السياسي. ووقع على البيان عدة أحزاب ولجان إحياء في المجتمع المدني... وخلق إعلان دمشق حراكا في الأوساط السياسية المعارضة قبل أن تطال أعضاء مجلسه الوطني حملة من الاعتقالات شنتها السلطة السورية.
حملة لإسقاط مشروع قانون الأحوال الشخصية: سنة 2009، خرجت السلطة السورية بقانون أريد به تعطيل المحاكم المدنية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية وإلحاق المواطنين السوريين بمحاكم شرعية وروحية ومذهبية، مما دفع بنشطاء المجتمع المدني لإطلاق حملة لإسقاط المشروع والمناداة بقانون اسرة عصري مدني لجميع السوريين، وتمّ إسقاط المشروع بفضل تعاضد جهود ونجح موقع «الثرى» و«نساء سورية»في حشد أعداد كبيرة من المثقفين والقانونيين والناشطين ممّا أثمر عن إنهاء هذا المشروع والإعلان عن وقف العمل به، لكن هذا لم يمنع من ظهور مشروع جديد لقانون الأحوال الشخصية قبل نهاية عام 2009، الأمر الذي استدعى مواصلة العمل لإسقاط المسودة الثانية وصدر بيان وجّه لرئيس الجمهورية حمل عنوان «لا للعودة إلى الوراء ونعم لعصرنة القانون» طالبوا فيه بإيقاف مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد وسقط المشروع الثاني.
بيان السينمائيين: اجتمعت مجموعة من السينمائيين وعددهم 26 وأصدروا بيانا سنة 1999 رفضت الصحافة المحلية السورية نشره فلجؤوا إلى نشره في الصحافة العربية وخاصة اللبنانية وتضمن البيان دعوة لإفساح المجال لحرية إبداعية أكثر وهامش أوسع للعبير، وصدر بيان ثان أيضا سنة 1999 نشر في الصحافة العربية دون المحلية وفيه إشارات جريئة ذات طابع مطلبي ولكنه أكثر اهتماما بالدفاع عن حرية الإبداع والتعبير وبالحديث عن دور الفساد والاستبداد في القضاء على الحراك الثقافي والاجتماعي.
حملة ضد جرائم الشرف: نجح موقع مرصد نساء سورية وموقع مجلة الثرى في إطلاق حملة من أجل المطالبة بوقف هذه الجرائم المستشرية ومنذ بداية الحملة سنة 2005 حتى الآن، ظهرت آلاف المقالات والدراسات التي عبرت عن رفضها للقتل بذريعة الشرف مما مهد لرفع الغطاء الاجتماعي الذي يتستر تحت عباءة الدين عن هذه الجرائم وهو ما أثر في الوعي المدني وخلق رأيا عاما مناهضا، فأقدمت الهيئة السورية لشؤون الأسرة عام 2008 على عقد ملتقى وطني حول جرائم الشرف مستفيدا من الحملة التي أطلقتها المواقع الالكترونية، فأثمر عن المرسوم رقم 37 للعام 2009 الذي عدلت بموجبه المادة 548 من قانون العقوبات ورفعت الحد الأدنى لعقوبة القاتل في مثل هذا النوع من الجرائم الى سنتين كحد أدنى.

يتضح من خلال كتاب «أصوات سورية من زمن ما قبل الثورة» زخم الحراك المدني الذي كان قائما قبل الثورة السورية، هذا دون أن ننسى طبعا الدور الذي اظطلعت به الجمعيات الخيرية والأخرى الصحية والتنموية (جمعية أصدقاء سلمية مثالا) في إكتساح فضاءات للنشاط المدني الى درجة أنّ السلطة رأت فيها وفي باقي المنتديات ذات الصبغة السياسية والإجتماعية "عدوا لدودا"، وذلك بالنظر للطابع المستقل الذي سعت هذه المكونات للمحافظة عليه كتعبيرة مثلى وصادقة عن درجة التنوع والتعدد في المجتمع السوري بعيدا عن سياسة الحزب الواحد والرأي الواحد والرجل الواحد.


شيراز بن مراد