الأربعاء، 29 يناير 2014

المسرحي حـافظ خليفة: المسرح البـلدي تـجاهل أعمالي التي تُوّجت في أكبر المهرجانات العربية وفتح أبوابه للعروض التجارية


-نطلب من مراد الصقلي الإستقلالية التامة، فالإبداع لا يجب أن يسقط في فخ السياسة
-في السقيفة سأتطرق الى مدى تأثير المصالح الشخصية على مجرى تأسيس الدولة العميقة منذ فجر الإسلام الى الآن
بعد «طواسين« و«مراحيل» اللتين توجتا في عديد المهرجانات المسرحية العربية، يعكف المخرج حافظ خليفة على الإعداد لمسرحيته الجديدة «السقيفة»… حول هذا العمل الذي سيعرض في الموسم الثقافي القادم وحول عدد من القضايا المتعلقة بالقطاع المسرحي، كان لنا لقاء مع سليل أرض الجنوب وعاشق الإبداع المسرحي تتابعونه في الورقة التالية:
طالبت مؤخرا بعقد مؤتمر استثنائي للجامعة التونسية لمسرح الهواة، فما سبب عدم رضاك على أداء الجامعة؟
نعم، طالبنا بعقد مؤتمر استثنائي، فنحن أمام مسؤولية تاريخية ولا يمكن أن نقبل بأن يكون أداء الجامعة هزيلا في هذا الظرف الذي تمر به البلاد.. شخصيا، قاطعت المؤتمر السابق وقد استغلت الأعشاب الطفيلية الفرصة لدخول القطاع ضاربين بالدور الذي يجب أن تلعبه الجامعة عرض الحائط… وقد اتسم المكتب التنفيذي بعدم التجانس وبالتفاوت في المستوى المعرفي واعتبر بعض أعضائه أنّ المنصب «برستيجا» فحصل الضرر.. وفي اعتقادي، يجب أن تعكس جامعة مسرح الهواة صوت المسرحيين الهواة وأن تنظم التربصات والمهرجانات بهدف الارتقاء بواقع مسرح الهواية بصفة عامة.. وفضلا عن ذلك فإنّ جمعيات المسرح الهاوي تعرف ظروفا تعيسة وبحاجة الى نقلة نوعية تعبّد أمامها ثنايا الإبداع ومسالكه.
ستشاركون إذن في المؤتمر الاستثنائي الذي سيعقد يوم 2 مارس القادم؟
أولا أنا ليست لي مشكلة شخصية مع السيد حبيب غزال الرئيس الحالي للمكتب التنفيذي الذي تفاعل مع النداء الذي أطلقته مع ثلة من المسرحيين فقد أكّد أنّه سيعمل على عقد مؤتمر استثنائي يوم 2 مارس القادم، وأعتقد أنّه علينا اليوم أن نشارك في الهياكل، فسواء أحببنا أم كرهنا، علينا أن نضغط لتغيير الواقع وإلاّ حلّ محلنا من هم ليسوا أهلا لتبليغ شواغل المسرحيين الهواة… على المبدع أن يتحرك على مستوى الهياكل وألا يكتفي بالانتاج والإبداع.. علينا أن ندافع عن أعمالنا فبعض الذين في لجنة الشراءات وانتقاء الأعمال غير مؤهلين للحكم على قيمة الأعمال المسرحية، وإذا لم تتوفر أصوات تدافع عن انتاج المسرحيين الهواة فستعرف مجهوداتهم التهميش والتجاهل.
تٌوّجت أعمالك في أكبر المهرجانات العربية لكنها عانت من التهميش في تونس، لماذا؟
هل تتصورين أنّي لم أعرض ولو مرة أية عمل من أعمالي في المسرح البلدي؟! فالبلدية رفعت يديها عن الإبداع وفتحت أبوابها للأعمال التجارية وللوان مان شو… تجاهلوا أعمالي التي توجت في أكبر المهرجانات العربية… وحتى في المهرجانات المحلية لاحظي أنّ الأعمال والأسماء هي نفسها التي تفتتح كبرى التظاهرات.. مازلنا مع الأسف لا نقدر قيمة العديد من مبدعينا ومن أعمالهم.
بلغنا أنّك بصدد التحضير لعمل جديد، فهل من فكرة عما تخفيه لنا بعد طواسين ومراحيل وضفاير وطن؟
عملي الجديد يحمل عنوان «السقيفة» في إشارة إلى سقيفة بني ساعدة وقد صاغ نصه الكاتب بوكثير دومة كاتب نص علي بن غذاهم وغيره من النصوص القيمة، وسيشارك في العمل كل من علي بنور ومنجي بن ابراهيم وغانم الزرلي وعلاء الدين أيوب وعيسى حراث والبشير الصالحي ومنجي الورفلي والطيب الوسلاتي فضلا عن ثريا بوغانمي وليلى سهلول اللتين ستشاركان في الكوريغرافيا…
وحول أيّ موضوع تتمحور «السقيفة»؟
تطرح المسرحية سؤالا هاما وهو إلى أي مدى يمكن أن تؤثر المصالح الشخصية والمصالح الاقتصادية في تغيير مجرى تأسيس الدولة العميقة منذ فجر الإسلام إلى الآن، وهي استعارة لما وقع بعد وفاة الرسول من تجاذبات من أجل الخلافة وما نعيشه اليوم من تمزق سياسي سببه المصالح الشخصية دون أخذ مصلحة الشعب أو الوطن بعين الاعتبار. ومن المفروض أن ترى «السقيفة» النور خلال شهر سبتمبر 2014.
ماهي انتظارات المبدع حافظ خليفة من وزير الثقافة الجديد مراد الصقلي؟
أعتقد أنّه من المهم أن يجد المبدع نفسه في منصب المسؤولية، بما يسمح بنقل صادق لنبض مشاكل الفنانين وهموهم… أرى أيضا أنّه على مراد الصقلي أن يتعظ من أخطاء الوزير مهدي مبروك الذي يبقى محترما إذ لا ننسى التوازنات الصعبة التي اشتغل في ظلها، وما نطلبه من مراد الصقلي هو التزام الاستقلالية التامة، فالإبداع لا يجب أن يسقط في فخ السياسة… نطالب بأن تكون الوزارة مستقلة عن التيارات الحزبية والتقلبات السياسية وأن تصغي الى هموم المبدع لأنه بحاجة الى حماية أكبر.
حاورته: شيراز بن مراد

الثلاثاء، 28 يناير 2014

فيلم «Hecho en Casa» لبلحسن حندوس: تيه بشري بطعم الموسيقى والبحر والسينما


«ليست لي أرض»، هذا ما جاء على لسان احدى شخصيات الفيلم الوثائقي «صنع في البيت» أو بالاسباني «Hecho en Casa» الذي عرضه المخرج بلحسن حندوس مؤخرا في سينما الريو بالعاصمة.. حول هذا الإعتراف الذي يفيض بكم هائل من الاحساس بالغربة وبالحيرة الوجودية دارت أطوار فيلم نقل حقبة من حياة المخرج الشاب بلحسن حندوس وتحديدا من 2008 الى 2012 أي منذ ان كان طالبا بإسبانيا والى حين عودته الى أرض الوطن..
في هذا الشريط الذي جاء بالابيض والاسود والذي صوّره حندوس بواسطة هاتف جوال -نعم بواسطة هاتف جوال-، تموجت الدواخل على وقع الوحدة والاحساس بالضياع.. فأن تكون في جنوب المتوسط أو في شماله، فلا بدّ أن تٌسكن بأسئلة وجودية حول معنى حياتك وستشعر يوما -حتما- بإحباط يتناحر داخلك، فماذا تريد ان تفعل بحياتك وما هي الإضافة التي يمكن أن تقدمها على هذه الأرض.. وقد اقتفى هاتف بلحسن حندوس أثر هذا التيه البشري وهذه الاحاسيس الانسانية المتناقضة التي تفور في الكيانات من خلال نقل انطباعات شخصية وأخرى لرفاق الدرب..
وفي ذورة وحدته، وهي من اللقطات الاكثر تعبيرا في الفيلم، يستنجد المخرج بالبحر وبعظمته فيخاطب مياه المتوسط ويناجيها عسى أن تذيب شيئا من جليده الداخلي.. فحذو البحر تهدأ النفوس وتستعيد سكينتها المفقودة.. كما شكلت الموسيقى عنصرا هامّا في هذا الفيلم الذي سلك طريق المرارة فقد بدت فيه بمثابة الخلاص الالهي الذي يشفي النفوس من علّتها، فتحدت أغنية «تكبر، تكبر» بصوت لبنى نعمان مشهدا كساه الظلام الحالك، حتى بدا الظلام رقيقا وجميلا بعيدا عن وحشته المعتادة..
وفي مواقع عديدة من الفيلم الذي أنتجته شركة "إكزيت"، تغنى المخرج بمقطع من أغنية «همس الموج» لمنية البجاوي تقول كلماته «وهمس الموج وهمس الريح وأنا والليل وقلبي جريح» لينقل للعالم حجم الوحدة التي يعاني منها.. ثمّ يتواصل السفر مع أنغام موسيقى عبد الحليم حافظ التي رافقت شيخا كان بصدد أداء رقصة أكثر من جميلة بأحد المقاهي الشعبية للعاصمة.. فبدا الشيخ أشبه بنورس حرّ لا يبالي بمآسي الحياة..
أول فيلم تونسي طويل ينجز بالهاتف الجوال
ولقد جسد بلحسن حندوس بفيلمه هذا، الذي لم يتطلب لا فريقا تقنيّا ولا كاميرا تصوير مكلفة، «حلم السينما» متحديا كل العراقيل والصعوبات التي عادة ما تعترض أيّ مخرج يعتزم تصوير شريط.. وقد يكون هذا الفيلم ساهم في انقاذ أشواط من حياة بلحسن حندوس بعد أن أضفى معنى لوجوده.. ودون شك مثّل الثالوث «البحر» و«الموسيقى» و«حلم السينما» ترياقا لكلّ السموم التي هدّدت حياة عابر تونسي على هذه الارض يدعى بلحسن حندوس، فصمد وتحدى الغربة وصعوبة العودة الى أرض الوطن بما يستوجب  ذلك من تأقلم وبحث جديد عن المراجع..
كما لا بد أن نتوقف عند الجانب الجمالي لهذا الفيلم الذي جاء بالابيض والاسود حيث شاكس فيه المخرج ألوان الحياة ليضعها جانبا، كما وضعته هي خارج إطار الصورة الجميلة، فرسم بالابيض والاسود ودرجات الرمادي سمفونية حياة أخرى، اتسعت فيها رقعة الداكن والمضيء، أو انحسرت وفق مزاجات المخرج والاحداث التي تناولها.. وقد إنطبعت في أذهاننا عدة مشاهد-لوحات من زمن بعيد قريب يروي شيئا من ذواتنا الحالمة.
وفي زخم الابيض والاسود وبين طعم المرارة والتعلق بالحياة، إستدعى المخرج الاطفال وبراءتهم ليعمّروا اجزاء من فيلمه، فهذا مولود جديد وهذا صبي بصدد خوض معركة شرسة وهذه طفلة تحاول إثبات وجودها في إشارة لإستمرارية الحياة التي تتواصل، بحلوّها ومرّها، يوما بعد يوم وولادة بعد ولادة متحدية كل الهزائم والاخفاقات والاحباطات.
في “صنع في البيت”، تعرى المخرج بلحسن حندوس إنسانيا ليرسم ثنايا تيه بشري تونسي وإنساني أطعمه بصدق الموسيقى وبحلم السينما وبعظمة البحر. فنجا شئ من نفسه من هلاك أكيد.
شيراز بن مراد

المجلس الدولي للرقص باليونسكو يختار الكوريغراف رشدي بلقاسمي لتمثيله في تونس


إختار المجلس الدولي للرقص باليونسكو الراقص ومصمم الكوريغرافيا رشدي بلقاسمي لتمثيله في تونس. ويضم المجلس، وهو منظمة تعمل تحت لواء اليونسكو وتهتم بكل أنواع الرقص، 160 دولة. وسيتسلم رشدي بلقاسمي الذي يعتبر من الوجوه التي أثبتت وجودها في مجال الرقص في تونس مهامه انطلاقا من شهر فيفري القادم.. ومن بين المهام التي سيضطلع بها مكتب تونس، التنسيق لمختلف التظاهرات الدولية للرقص وتسليم شهادات في الرقص معترف بها دوليا..
وبخصوص جديده، صرّح لنا رشدي بلقاسمي أنّه سيقدم بمعية المخرج معز مرابط أيام 23 و24 و25 جانفي بقاعة المونديال عملا جديدا يحمل عنوان «سريبتيز ـ وليمة الجرذان».. وأفادنا أنّه تكفّل بالجانب الكوريغرافي لهذا العمل الذي تشارك فيه مجموعة من الممثلين على غرار صباح بوزويتة ونسرين المولهي وأمين الماجري وسوسن الببة… وقال إنّ هذا العمل وهو من انتاج المخبر المسرحي التونسي، يتمحور حول تيمة الهوية وتطرق الى 4 سجلات وهي السياسة والأمن والاقتصاد والإيديولوجيا من خلال رصد لعدد من الأحداث التي عاشتها تونس ما بعد 14 جانفي 2011. وأضاف محدثنا أنّ المسرحية تمزج بين عالمين عالم ورائي مظلم وآخر ظاهر تتسلل اليه الجرذان للإحتفاء بوليمتها.
ومن بين التواريخ القريبة التي سيقدم فيها رشدي بلقاسمي عروضا فردية، ذكر لنا يومي 3 و22 فيفري بتونس و20 مارس بالمغرب و3 و6 أفريل بباريس و30 أفريل في السينغال و24 و25 أفريل بصفاقس.
شيراز بن مراد
تصوير بشرى بوناب

المخرجون حافظ خليفة وطاهر عيسى بلعربي وحبيب المنصوري يدعون الجامعة التونسية لمسرح الهواة لعقد مؤتمر استثنائي في أجل لا يتجاوز 20 يوما


نادى ثلاثة من أبرز المخرجين المسرحيين الناشطين في مسرح الهواة وهم على التوالي حافظ خليفة وطاهر عيسى بلعربي وحبيب منصوري، الجامعة التونسية لمسرح الهواة الى عقد مؤتمر اسثنائي في أجل لا يتجاوز 20 يوما.. واعتبر الثالوث المذكور أنّ المكتب التنفيذي الحالي للجامعة فقد منذ 8 أفريل 2013 شرعيته بما أنّ الفترة النيابية لهذا الهيكل لا تتجاوز السنتين.. ودعا خليفة وبلعربي والمنصوري الجمعيات السرحية الهاوية الى مقاطعة هذا المكتب خاصة بعد تواصل أسلوب المماطلة والتنصل من قبل رئيس الجامعة السيد حبيب غزال في عقد المؤتمر الدوري للجامعة.

المخرج طاهر عيسى بلعربي: أعيب على الجامعة الضعف الفادح في التصورات الثقافية 
وفي هذا الصدد أفادنا المخرج طاهر عيسى بلعربي انه يعيب على المكتب التنفيذي الحالي الضعف الفادح في التصورات الثقافية في مسرح الهواية، إذ أن الجامعة هيكل من المفروض ان يسهر على تخطيط حاضر مسرح الهواية ومستقبله وعلى وضع برامج وتصورات ترتقي بواقع مسرح الهواة في تونس وإلا جاز أن يطلق عليه اسم المسرح الهاوي بمعنى السقوط..
وأشار طاهر عيسى بلعربي الى أنه انسحب من المكتب التنفيذي على إعتبار ان الجامعة لم تسع بالقدر الكافي الى تطوير قطاع مسرح الهواية وبسبب عوامل اخرى منها ضعف التكوين الميداني والاداري للجمعيات.. ومن النقاط الاخرى التي انتقدها بلعربي، سلم الدعم الذي توفره وزارة الثقافة لجمعيات مسرح الهواة قائلا في هذا السياق إنّ دعم الوزارة مخجل و مدعاة للسخرية وإنه يجب ضرورة مراجعة الـ«800دينار» التي توفرها وزارة الإشراف..
كما ذكر بلعربي أنّ من مهام الجامعة التنسيق على مستوى الولايات ومتابعة اعمال الجمعيات الهاوية قبل عرضها على لجنة الانتقاء وكذلك التأطير معتبرا انّه على الجامعة أيضا ان تتصدى للدخلاء فهناك حد معرفي أدنى يجب ان يتوفر في مخرجي مسرح الهواة مشيرا الى أن المشكل ليس بين الاكادميين والميدانيين فهناك مخرجون ممتازون وعصاميون منهم عبد القادر بن سعيد وصابر الخميسي والكشباطي.. وعاب بلعربي اقصاء مسرحية «البروفة الاخيرة» للمخرج خالد شنان، التي قال انها عمل متميز، من مهرجان قربة بعد ان رأت اللجنة ان الممثلين المشاركين فيها طلبة وليسوا هواة.. وقال محدثنا انه من غير المعقول ان يرفض وزير الثقافة مقابلة أعضاء الجامعة أو النقابة فمن مهامه ومن واجبه الانصات لشواغل الفاعلين في القطاع.. وتساءل بالعربي كيف لوزير الثقافة ان يقبل بالتخفيض في ميزانية وزارته حتى أصبحت الثقافة في آخر سلم الاولويات واستشهد بالفيلسوف نيتشه الذي ربط بين مستوى البنى الفوقية (الفلسفة والمسرح والموسيقى) ورقي المجتمعات، فإذا أولينا الثقافة القيمة التي تستحقها كان المجتمع متحضرا وراقيا واذا استهترنا بها إنساق المجتمع نحو التخلف والانحدار… وختم محدثنا كلامه قائلا إنه على الجامعة التونسية لمسرح الهواة ان تكون في مستوى طموحات الشبان والكهول والاطفال الذين يعملون في هذا القطاع.

المخرج حبيب منصوري: يجب اعادة الاعتبار لهذا الهيكل حتى يلعب دوره على أحسن وجه 
من جهته، أفادنا المخرج المسرحي حبيب منصوري انّ الجامعة التونسية لمسرح الهواة والتي تمثل الركيزة الاولى للمسرح الهاوي لم تنجز اي شيء يذكر ما عدا “بطاقة هاو” ولم تطبق ولو 30 % من ورقة العمل التي كانت على طاولتها.. وأشار حبيب المنصوري الى انّ المشكل ليس مع حبيب غزال رئيس الجامعة الذي وصفه بالصديق بل مع أدائها المهزوز الذي لم يخدم شواغل مسرح الهواية.
وقال المنصوري إنّ الجامعة لم تعد كلمتها مسموعة بل وقع تهميشها بعد أن تميزت بالجمود ولم تسع الى تنظيم تربصات ودورات تكوينية مضيفا انّ المسرحيين الهواة أنهكتهم هذه الحالة المزرية التي لا تخدم بأي شكل من الاشكال المسرح في تونس. وتساءل محدثنا الى متى سيتواصل تهميش المسرح والمسرحيين؟ وقال إنّ مطالبته بعقد مؤتمر استثنائي للجامعة تدخل في سياق اعادة الاعتبار لهذا الهيكل الذي يجب أن يلعب دوره على أحسن وجه فضلا عن التواصل مع وزارة الثقافة والاشراف على الجمعيات المسرحية الهاوية الى غير ذلك من تنظيم للقطاع واسناد بطاقات الهواية وضبط تصورات لهذا الهيكل الثقافي الذي يضم عديد الطاقات الواعدة.
شيراز بن مراد

الجمعة، 24 يناير 2014

مسرحية التفاف لوليد الدغسني: في قلب الديليريوم السياسي-الاجتماعي الذي تعيشه تونس بعد الثورة


هل السلطة بيد الشعب؟ هل الاسلام في خطر أم في قطر؟ هل تسير البلاد الى الوراء؟ هل توّزع أمريكا القمح أم القمع؟ هل نبقى أم نغادر أرض الوطن؟ هي عيّنة من الاسئلة التي طرحتها مسرحية «التفاف» لوليد الدغسني التي عرضت يوم 14 جانفي بقاعة الفن الرابع بالعاصمة بمشاركة كل من أماني بلاعج ومنير عماري ومكرم الصنهوري..
وقد عبّر هذا العمل عن حالة الغليان التي يعيشها الوطن: غليان السياسة والمجتمع، غليان المواطنين العاديين وغليان النخبة السياسية، غليان شعب دخل في حالة من الهذيان الجماعي بعد ان تعددت المفاهيم والاشكاليات والاسئلة اثر سبات دام لعقود، فمن نُصدّق ومن نُكذّب؟ ولكي يمرّر رسالته، سار وليد الدغسني على وقع ثنائية غليان الافكار وغليان الاجساد اذ تشابكت الاسئلة والقضايا التي طرحها أبطال المسرحية بـ «حالة جسدية» متأثرة بما يدور حولها من صخب.
دون تأن، دفع وليد الدغسني بشخوصه الى قلب إعصار ما بعد الثورة، فارتدى بطلا المسرحية وهما امرأة (أماني بلاعج) ورجل (منير عماري)، لبوس الخوف والخيبة وكذلك الحلم والامل مصورين للمشاهد عددا من القضايا التي شغلت بال التونسيين بعد الثورة ومنادين في الوقت نفسه بضرورة ايجاد حلول لتونس التي نشترك في حبها..
ويذهب المخرج  الى أبعد من ذلك بشخوصه الذين أصيبوا بحالة «مرضية» مستعصية الفهم.. فقد استبطنت أماني بلاعج، التي كان أداؤها أكثر من مميّز، أعباء الثورة وتساؤلاتها، وجاءت تعبيراتها الجسمانية منفعلة وديناميكية ولم تترك جزءا من الركح الا واحتلته ناقلة كل الحراك والهواجس التي تغلغلت في كيان التونسيين.. أما منير عماري فقد بدا أقلّ حيوية وكأنه لم يتمكن من التخلص من جلباب الماضي بما فيه من انتهازية ومن ردود فعل بافلوفية مازالت تسعى للمهادنة و”للتبندير”. ولعل اللقطة العجائبية التي يظهر فيها الممثل مكرم الصنهوري في حالة انسان-حيوان «برمائي»، تعطي فكرة عن مدى الحيرة التي أضحى يعيشها العديد منا، فمن نحن وماذا نريد لحاضرنا ولمستقبلنا؟
بنفس كوميدي واضح، إستدرجنا وليد الدغسني، الى أعماق الاسئلة المصيرية التي مزقت الجسد التونسي وشرذمت بين أطياف عديدة من التونسيين حتى باتوا تائهين حائرين أمام ما قد ينفعهم ولا ينفعهم.. فهل الحل في الديمقراطية بعد ان احتل وحرق وقتل بعضهم باسمها؟ هل الاسلام في خطر مثلما ذهب الى ذلك بعض الناس؟ هل أن صناديق الاقتراع مجرد لعبة كوميدية أم تعبير صادق لمّا يريده الشعب؟ الى ذلك من الاسئلة التي خامرت اذهان مئات الالاف من التونسيين الى حد الهوس.
ومن الغرائب التي أشار اليها وليد الدغسني في مسرحيته ذلك الكم الهائل من المصطلحات الغريبة عن مجتمعنا والتي تمكنت من «غزونا» ومن فرض نفسها علينا حتى باتت تمثل جزءا لا يتجزأ من قاموسنا اليومي ومنها الماسونية والتواطؤ والعمالة والتخوين وقد زادت الى همومنا هموما رغم أنّ البعض لا يدرك معناها أصلا. ولكي تبلغ صورة الهذيان الذي سقطت فيه ذروتها، إستدعى وليد الدغسني قصيد «ابليس» للشاعر جمال الصليعي الذي عبّر كأحسن ما يكون التعبير عن الخيبة التي سكنت النفوس بعدما عبثت النخبة بالثورة. وتقول بعض أبيات القصيد:
ابليس اذا كان منقوص المواهب في الخراب يحتاج أعواما ليبلغ ربع موهبة النخب..
ابليس ما سبّ الجلالة مرّة، هذه فصاحات النخب
ابليس يبكي من دموع يتيمة، لكن ذلك متعة عند النخب
ابليس يعجز أن يسيء لثورة عبثت بها النخب.
وختم الدغسني عمله بلوحة مميزة أخفى فيها ثالوثه جانبا من وجوههم إذ قد تكون الحقيقة، حقيقتنا مرعبة.. وممّا جاء على لسان البطلة أماني بلاعج في المشاهد الاخيرة من المسرحية ما يعني الكثير، اذ تساءلت «أنا شكون؟ إنت شكون؟ الخوف كي يطب على البلاد يعميها» في تأكيد أخير على الحيرة الوجودية التي نعيشها وعلى ضرورة التحرر من كل القيود التي تعطل مواصلة السير إلى الامام والرأس مرفوع..
في «التفاف»، غاص بنا المخرج وليد الدغسني في لبّ الديليريوم السياسي-الاجتماعي الذي تعيشه تونس بعد الثورة، هذيان هدّ النفوس والاجساد الى حد الهوس، الى حد المرض.. ورغم قوّة التيار الجارف الذي قد يعجز حتى ابليس على مجاراته، تصمد المرأة بدرجة أولى ويصمد بعدها الرجل في محاولة للقطع مع رواسب الماضي وللتصدي لكل الأمواج العاتية التي تهدد بنسف أوتاد الوطن..
شيراز بن مراد

الأحد، 19 يناير 2014

المخرج طاهر عيسى بن العربي: أكبر جريمة فــــي تاريخ تونس أن تقتل الـدولة الثقافة


• اغتيال شكري بلعيد وحرق مقامات الأولياء الصالحين ليسا إلاّ حرقا لتــونــــس
• بلادنا مع الأسف لا تعترف بكبار فنانيها
• الـمــــاء فــي وزارة الثقــافـة «قـاعد يـفـيّع»
• لـماذا يقتـلـون الشـاذلـي العرفاوي وجعـفـر القاسمـي؟
يوم 28 ديسمبر من السنة المنقضية، أشعّت  قاعة المونديال بالعاصمة بنور خاص من نوعه بمناسبة احتضانها لعرض «مبيتة رجال الكاف»، 
الذي تداخلت فيه موسيقى العيساوية بتصور ركحي أكثر من مميّز حيث طغت على الخشبة مشهدية إبداعيّة قطعت أنفاس الحاضرين بما فيها من عبق الماضي وحرارة الألوان والأصوات.. وكان لابد لنا أن نحاور مخرج هذا العمل طاهر عيسى بن العربي وهو خريج المعهد العالي للمسرح، مخرج وممثل شارك منذ 1990 في عدة أعمال فنية مع فاضل الجزيري ولطفي الدزيري وبشير الدريسي وحسن المؤذن.. وقد تطرّق  الطاهر إلى موقفه مما يحدث في تونس من حرق لمقامات الأولياء الصالحين ومن تجاهل للفنانين وغيرها من المواضيع تكتشفونها في هذا الحوار…
لو أعطيتنا فكرة عن عرض «مبيتة رجال الكاف»؟
هو عمل فرجوي موسيقي صوفي انطلق في إعداده محمد طاهر خيرات وعماد المديوني عن فكرة لشيخ العيساوية عادل بن عليّة قبل أن استلم المشعل… وقد اخترت مجموعة من مدحات الأولياء الصالحين من كتاب سفينة العيساوية ورتبتها في كتابة موسيقية انطلقت من الاستهلال والترحيب بالجمهور، وصولا الى المدحات التي استحضرت عدة أولياء صالحين منهم  قطب كبير للعيساوية الا وهو سيدي بن عيسى..
وعنوان العرض، ما القصد منه؟
أولا أشير إلى أنّه ليس هناك أي إقصاء للنساء، فعدة نساء شاركن في هذا العمل، والعنوان يرمز الى الارتباط الذي كان قائما بين الأغاني الصوفية والنضال ضدّ الاستعمار… ففي جلسات التصوّف الرجالية يتمّ استحضار روح الأولياء وذكرياتهم للاستعانة بقوتهم وبخصالهم لمواجهة العدو… ولا ننسى أنّ الكاف مثلت مركزا للفن وللتصوف وللنضال.. ويحز في نفسي اليوم ألاّ يوجد فيها أي مشروع اقتصادي.. شخصيا أدافع عن تراث الكاف وأسعى للمحافظة عليه حتى لا يندثر…
هل يمثل هذا العرض نوعا من التحدي بالنسبة للذين اعتدوا على مقرات الأولياء الصالحين؟
اغتيال شكري بلعيد، أو حرق مقام لولي صالح ليسا الا «حرقا لتونس».. أتساءل لماذا توقفت التحريات بخصوص اليد التي اجرمت في حق تاريخ البلاد وعمدت الى حرق اكثر من 400 مقام لولي صالح؟ هل تعرفون أن السودان الذي كان يمثل معقلا من معاقل التصوف في العالم العربي، فقد كل مقاماته بعد أن تمّ حرقها، وحتى مقامات الصحابة حرقوها!!
رفعت اذا هذا التحدي..
نعم رفعت هذا التحدي بفخر لأنّي أدافع عن تونس وعن تاريخ تونس.. مع الأسف ظاهرة حرق المقامات مرت مرور الكرام.. والخطير أنّهم حرقوا المقامات أمس، وغدا سيحرقون المسرح، وبعد غد الأعراس وكل ما له علاقة بالتنوير الفكري.. الفن ليس إلا جزءا من تطبيق الطقوس الانسانية، وهم يريدون قتله بتعلة أنّه حرام!! بالنسبة لي حرق مقامات الأولياء الصالحين جريمة لا تغتفر لأنّها في مستوى الاغتيالات السياسية: الفضاء أو الشخصة يمثلان واجهتين لنفس الشيء…
انتقد بعض المتفرجين عرضك، لماذا؟
بعض الأشخاص رأوا في المناجاة شركا بالله وهذا غير صحيح بالمرّة لأنّ كل خطوة في العرض كانت مدروسة ومدققة… ومن جهة أخرى يعرف كلّنا أنّ الأولياء ليسوا وسطاء بين الإنسان والإله، فلا مجال إذا الى أي شرك.. نقطة أخرى أريد أن أرّكز عليها وهي أنّ الأولياء عانوا من ظلم الساسة ومن الفقر والسجن وكانوا بمثابة الرواد… فسيدي محرز خدم بلاده وسيدي بلحسن، من يقدر على نكران الدور الذي لعبه، وسيدي بوسعيد أيضا تحدى الاستعمار.
وبصفة أعمّ، ليس لديّ أي مشكل مع السلفية، بالعكس يجب محاورة السلفيين.. كما لا يجب الرد على العنف بالعنف بل الاقتداء بغاندي وبالسلام الذي نادى به.. أمّا بالنسبة للمتشدّدين فيجب أن نكون واعين أنّهم ليسوا الا ضحايا الجهل والفقر.
وزارة الثقافة كيف ترى عملها وهل هي قريبة من الفنانين الشبان؟
المشكل «إنو الماء قاعد يفيّع» وهناك أسماء تتخبط بين الأمواج… فانظري إلى جعفر القاسمي مثلا الذي بامكانه تقديم أعمال مسرحية من قيمة أعمال الجعايبي، انظري الى عديد الأسماء المسرحية الشابة الأخرى التي لم تجد التشجيع ولا الدعم من وزارة الثقافة.. لماذا ندفع بمخرج من قيمة الشاذلي العرفاوي إلى إخراج  الوان مان شو؟ «لماذا نقتل مبدعينا؟».. أين هي الدولة، أين هي وزارة الثقافة؟ تتكلم مع الوزير فيقول لك: ما فيباليش واللجان تدافع عن مصالح شخصية والنقابة تدافع عن الوزارة.
في كلامك أسف وألم على الطريقة التي يُعامل بها الفنانون في تونس؟
بلادنا مع الأسف لا تعترف بطاقاتها الشابة ولا بكبار فنانيها.. ففضلا عن الأسماء الشابة التي ذكرتها، لا أحد بإمكانه أن ينكر قيمة سمير العقربي وقيمة الفاضل الجزيري الذي أتمنى له الشفاء، فكيف لتونس ألا تضعهم في بؤبؤ العين.. من لا يعترف بآبائه لا يمكنه مواصلة المسيرة… نفس الشيء بالنسبة للفاضل الجعايبي ولمحمد ادريس.. هم كبار بأتم معنى الكلمة…
ترى أنّ هناك ارتجالا قد يصل الى حدّ الجريمة إذن..
مشروع الدولة الثقافي غير واضح بل لنقل إننا نعيش اشكالا كبيرا يتمثل في غياب مشروع ثقافي على مدى سنوات.. وفضلا عن هذا نعاني من الارتجال اليومي في كل الإدارات المختصة على المستوى الفني والثقافي.. فالمشاكل لا تقتصر على الدعم، بل هنا عدّة ملفات على الطاولة وعلى رأسها مشكلة البحث العلمي الموسيقي وصيانة التراث وغيرهما… ولنقلها بصراحة، لو واصلت وزارة الثقافة خدمة أجندات سياسية ضيقة فعلى الدنيا السلام…
إنّ أكبر جريمة في تاريخ  تونس أنّنا نتجاهل الثقافة ولا نستحضرها الا في إطار تعبوي ضيق.. الثقافة أساسية في بناء الدولة وفي بناء مستقبل البلاد.
ماهو جديد طاهر عيسى بن العربي؟
أستعد لتقديم عمل مسرحي يشارك فيه 15 ممثلا وعنوانه «embouteillage».. منذ 6 أشهر والعمل متوقف لأنّي أنتظر الدعم.. لكني متأكد أنّ هذه المسرحية سترى النور قريبا… كما أحلم بإنجاز عمل حول فن «القصبة» الذي يمثل قاسما مشتركا بين بلدان شمال إفريقيا، وهو فن بصدد الاندثار خاصة بعد وفاة زليخة واسماعيل الحطاب وبقار حدة وغيرهم من الكبار…
وأعتقد أنّنا بحاجة إلى الاهتمام بالرقص التونسي  وبحاجة الى تجميع التراث في هذا المجال… بعد وفاة القلمامي، مازالت خيرة على قيد الحياة وهي من آخر حبات العنقود… وها هو رشدي بلقاسمي يقوم بمحاولات لكن ما عساه يفعل وحده؟
ماهي أمانيك لسنة 2014؟
أنا متأكد أنّ هذه البلاد التي مرّ عليها البرابرة والبيزنطيون والرومان لن يقدر أحد على المس من هويتها ومن التراكمات التي أحرزتها.. تونس نوميديا، سيفاكس، ماسينيسا، عليسة، حسان ابن النعمان، عقبة ابن نافع لن يقدر أحد عليها…
وحتى وإن سال الدّم، فإن ذلك لن يدوم.. لدي قناعة بأنّ تونس ستصمد أمام كل التهديدات التي ستواجهها.. تونس ستظل موّحدة ولن تكون أبدا غنيمة بيد أي كان… سيرحل كل من أراد الأذى لتونس، وإن لم يرحلوا فإنّ النضال سيجعلهم يرحلون.
حاورته: شيراز بن مراد