الثلاثاء، 1 يوليو 2014

"برقو 08" ينفض الغبار على كنوز سليانة الموسيقية

من ربوع ولاية سليانة وتحديدا من سفح جبل برقو، انطلقت الرحلة الموسيقية «برقو 08»، رحلة جمعت كلاّ من الفنانين نضال اليحياوي وسفيان بن يوسف مرفوقين بثلة من العازفين..
وقد أفادنا سفيان بن يوسف المدير الفني لعرض «برقو 08» إثر الحفل الذي قدّم بدار الفنون بجهة المنزه الخامس يوم الأحد 22 جوان أنّ «برقو 08» حصيلة بحث في المخزون التراثي الموسيقي لجهة سليانة قام به الفنان نضال اليحياوي وهو أصيل الجهة، مضيفا أنّ هذا العمل يأتي في سياق تلبية رغبة فنية أساسية تتمثل في نفض الغبار عن نمط موسيقي تونسي يعكس ميزات جهة بأكملها، ووضعه على ذمة جمهور شبابي توّاق لاكتشاف أو لإعادة اكتشاف أغان من الصميم التونسي.
وأشار محدثنا إلى أنّه سعى، من موقعه كمدير فني، الى ترتيب الأولويات الموسيقية، فبعض الأغاني تتطلب إبراز قوة الخامات الصوتية، بينما تستدعي أخرى إيلاء الأهمية للكورال وغيرها من «الريتوشات الفنية» التي يتجلى من خلالها ثراء التراث الموسيقي التونسي بجهة الشمال الغربي وجماله. وهنا وجب علينا التنويه بآداء الفنان نضال اليحياوي الذي إختزل صوته النمط الموسيقي الجبلي بكل ما فيه من قوّة وشجن وأمل في نفس الوقت. وقدّم اليحياوي مجموعة من الأغاني نذكر منها "لسمر خويا" و"يا مين يجينا" أثارت بما تتضمنه من أنغام مميزة تفاعل الجمهور الحاضر. 
وفي السياق نفسه، اعترف سفيان بن يوسف بأنّ الخيار الموسيقي الذي اشتغل عليه في برقو 08 ليس سهلا ناهيك أنّه بعيد كل البعد على المنطق التجاري، وقال إنّه "اختيار يستوجب قدرا من الشجاعة ومن التعمق الإبداعي الذي يتطلب حدا أدنى من النزاهة، وهو تمشي مخالف تماما للوصفات التي يتبعها عدد من الفنانين الذين تجد في جرابهم 3 أنواع من الأغان الأولى وطنية في إطار الثورية والثانية خليجية في إطار "تدوير الزيرو" والثالثة شرقية لأنّ "الجمهور عاوز كده".
كما ذكر سفيان بن يوسف أنّه خلافا لأوروبا التي تشهد حالة ركود والمشهد الفني فيها منحصر بين قوالب إستيتيكية معينة، فإنّ تونس تعيش حراكا لا مثيل له وبالإمكان فتح أبواب لتجارب موسيقية جديدة سواء على مستوى الفضاءات أو الأنماط أو الخطاب لافتا الانتباه الى أنّ هذا التمشي يتطلب كثيرا من الجديّة ومن الصدق ومن الجهد، فالمجتمع بصدد التغيّر وما أعسر أن نبني عندما تكون الأرضية متحركة.
وفي المقابل عرّج محدثنا على نقطة سلبية تتمثل في صعوبة النفاذ الى الأرشيف الموسيقي التونسي قائلا إنّ أرشيف التراث مهمل وحان الوقت لأن يوضع على الحوامل الالكترونية حتى يتسنى للجميع الإطلاع عليه والتمتع بما يزخر به من روائع. وقال بن يوسف، وهو خريج المعهد العالي للموسيقى ومقيم منذ سنوات ببلجيكا، إنّ المخزون التراثي التونسي يعجّ بالأنماط الموسيقية الجميلة، وهي بحاجة فقط لإماطة اللثام عنها من غير إضافات معلّقا: «هل تحتاج المرأة الجميلة الى مزيد من المساحيق؟»
وختم محدثنا كلامه قائلا: «إنّ مصفاة الزمن جديرة بفرز الغث من السمين وبإبراز قيمة الأعمال الفنية الصادقة». وبخصوص عروضه القادمة، ذكر أنّه سيقدم عرض «برقو 08» في 3 تواريخ مختلفة في بلجيكا خلال شهري جويلية وأوت.
شيراز بن مراد

معرض "أرسم لي العالم" لمفيدة فضيلة: هل من معنى للجغرافيا امام الذاكرة الحرّة والمخيال الخصب؟

بين جغرافيا الأوطان وجغرافيا الذاكرة، دعتنا الفنانة مفيدة فضيلة من خلال معرض "أرسم لي العالم" -الذي يحتضنه رواق "لابوات" الموجود بمقر مجمع الكيلاني بجهة الشرقية- الى استكشاف أفكار تتعلق برؤيتنا للعالم وبتموقعنا فيه... فأي عالم نعيش فيه؟ هل هو مجموعة أوطان أم وطن بالتحديد؟ هل هو حدود مرسومة هنا وهناك تفرّق بين البعض وتجمع بين آخرين؟ أم هو ذاكرة الجسد المتنقل هنا وهناك؟ أم «إنّنا الجغرافيا، لولا السلاسل في القدمين» مثلما يقول الكاتب علي مصباح؟
حول تيمات الجغرافيا والجسد والذاكرة، والتي تحمل بين طيّاتها حدودا شفافة وخيوطا مرتعشة وثنايا غير ثابتة، تمحور العمل الفني لمفيدة فضيلة ليرسم الثابت والمتحول، المؤكد والمشكوك فيه، الباقي والهارب، المركزي والثانوي، المستقرّ والمتلاشي، الهنا واللاهنا متحديا المسلّمات والإتفاقات المزيّفة والوثائق المغشوشة والتواريخ المشؤومة.
ولتبليغ مقصدها طلبت الفنانة مفيدة فضيلة من مجموعة من الأشخاص أن يرسموا لها العالم أو «فكرة العالم» كما تبدو لهم.. فرسم أحدهم الجزائر كمركز العالم، ورسم آخر نقطة وحيدة، وبدا العالم لآخر كمجموعة من القارات ذات حدود "متراقصة"، واستهزأ آخر من العالم ليرسم الفراغ.
وتُقدم اللوحات المعروضة، بهذه الطريقة، نظرة بعضنا للعالم ولحدوده وجغرافيته. وعلى هذا الأساس تدفعنا مفيدة فضيلة الى طرح السؤال الآتي: "هل نحن أكبر من الجغرافيا أم إنّ الجغرافيا أكبر منا؟" فاتحة أبواب التفكير أو بالأحرى الإستفزاز. إستفزاز "بوليس الحدود" و"نقاط التفتيش" و"التأشيرات الورقية" و"جغرافيا الأوطان الكاذبة". فإذا كان الإنسان حبيس بعض الحدود الوهمية التي رسمتها القوى المنتصرة، فإنّ ذاكرته ومخياله يتجاوزان كل الحدود الملموسة، ليسافران به الى أبعد نقطة، إلى أقصى حلم، إلى أشسع المروج والصحاري تماما كالأمير الصغير بطل الكاتب سانت اكزوبيري.
 وفي السياق نفسه، تدحض مفيدة فضيلة بمقترحها الفني كلّ النظريات والقرارات السياسية التي تعيق حرية تنقل الانسان، فماذا يعني جدار برلين وماذا يعني الجدار العنصري الفاصل الذي شيّدته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية وماذا تعني الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر، وماذا تعني الجدران الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل من معنى للجغرافيا ولحواجزها امام الذاكرة الحرّة والمخيال الخصب؟ 
وقد بدا لنا كذلك أنّ مفيدة فضيلة اقتفت في معرضها ضربا من ضروب «الضياع» و«التلاشي» وهي ضروب لا تعترف بحدود الجغرافيا الرسمية بل تتجاوزها لترمي بذور الحرية هنا وهناك، حرية الوجود أو على عكس ذلك تماما التلاشي والضياع مع كل ما يمكن أن تهديه الطبيعة من فضاءات ومن خيال خصب يتحدى كل أنواع العوائق.
 تنظر مفيدة فضيلة الى العالم لا كفضاء مغلق دُبرت حدوده بالليل، بل كفضاء مفتوح على الآخر وعلى الخيال والجسد الحرّ والذاكرة المتحركة، فترسم عالما آخر غير معترف به في قواميس الجغرافيا ولا في العقول الجامدة، عالما منفتحا على بعضه، تغيب عنه الأحكام المسبقة والجدران العالية وبطاقات الهوية الثابتة ليفسح المجال للحلم وللتواصل والحرية وللإنصهار مع عناصر الطبيعة والأفكار الشاعرية التي تلملم شظايا الإنسانية المتبقية.
- يتواصل معرض "أرسم لي العالم" برواق "لابوات" الموجود بمقر مجمع الكيلاني بجهة الشرقية الى غاية يوم 12 سبتمبر.
شيراز بن مراد