الاثنين، 17 نوفمبر 2014

الروائي كمال الرياحي في ورشة أدبيات الحوار الثقافي: الحوار قطعة أدبية مكتملة الذات

"الحوار مثل مزهرية الجدّة تساوي ثروة لكن لا احد يعرف أين يضعها" هكذا وصف الكاتب قابريال قارسيا ماركيز الحوار الصحفي الذي شكّل محور ورشة نظمها الروائي كمال الرياحي في دار الثقافة ابن خلدون يوم الجمعة 07 نوفمبر 2014 واستضاف فيها الروائي الليبي محمد الأصفر والشاعر التونسي جمال الجلاصي.

وللولوج في عالم "الحوار الثقافي"، إنطلق الكاتب كمال الرياحي من تجربته الشخصية قائلا انه دخل الصحافة بحكم هويته ككاتب ولافتا النظر الى الفقر الملحوظ في الصحافة الثقافية على المستوى العربي ماعدا لبنان وعدد من العناوين الكبيرة. واضاف كمال الرياحي انه ليس هناك ثورة كاملة دون ثورة ثقافية، مشيرا الى أنّ تثوير المشهد الثقافي يجب أن يتم من الداخل وبمواجهة المشهد بمشاكله.
الحوار.. عصب أساسي في المادة الثقافية
وقال الرياحي إنّه أجرى حوارا مع الكاتب محمود طرشونة بعدما لاحظ غياب نص "الكفارة والرحمة" للمسعدي من كتاب "أيام عمران" الذي اهتم فيه طرشونة بجمع أعمال المسعدي، ومن خلال هذا المثال  أبرز الرياحي أهميّة الحوار للأدب وللتاريخ. كما تحدث المحاضر عن تجربته مع عدد من المجلات العربية مثل مجلة عمان الثقافية التي تصدر من الأردن والتي نشرت له مجموعة هامة من "الحوارات النهرية" تقفية على الروايات النهرية.
وقال الرياحي إن الحوار يمثل عصبا أساسيا في المادة الثقافية مستشهدا بجيرار جينيت صاحب كتاب "العتبات" والذي يتنزل فيه الحوار ضمن أهم عتبات الأدب. وفي هذا السياق، يقول جينيت إن قراءة حوارات الكاتب تمثل عتبة هامة لفهم تجربة الكاتب الأدبية ولعل مقولة ماركيز حول الحوار تعطي فكرة حول أهمية الحوار وخطورته.
حسنين الهيكل.. أشهر محاور في العالم العربي 
وشدد كمال الرياحي على أهمية المحاور معتبرا أن المنبر المحترم يقوم أساسا على "المحاور" وهو هوية حقيقية مثله مثل المفكر والمخرج والروائي. واستشهد كمال الرياحي بالمحاور الأشهر في العالم العربي وهو الصحفي المصري حسنين الهيكل، وقد جاءت شهرته من لقاءاته الصحفية بشارلي شابلن ووينسون شرشل وغيرهما.. ولذا أكد المحاضر على أهمية تكوين الصحفي المحاور الذي يجب أن تتوفر فيه مهارات معينة مناديا بتكذيب ماركيز الذي كان يرفض -كأديب كبير- إجراء مقابلات صحفية متعللا بضعف مستوى محاوريه.
ولتبسيط  الصورة، ذكّر الرياحي بمختلف الأجناس الصحفية على غرار التقرير والتحقيق والحوار، مشيرا إلى التفاعل الذي يمكن أن يحصل بين هذه الأجناس. وبخصوص الحوار، قال الرياحي انه عصب أساسي في المادة الإعلامية، وهو فن يقوم على الحوار بين الصحفي وشخصية عامة. ومن أهداف الحوار الحصول على أخبار أو معلومات جديدة، كما يمكن أن يرمي الحوار إلى شرح وجهة نظر أو تصوير جوانب غريبة أو مسلية عن شخصية ما.
مؤلفات إهتمت بالحوار
وفي هذا الصدد، قدّم الرياحي نماذج لمؤلفات اهتمت بالحوار على غرار "الحوار" لمحمد شكري والذي أجراه معه يحي بن الوليد وزبير بن بشتة ونشر نصه الكامل على 10 حلقات في جريدة القدس العربي، أو "مكان تغمره الخصوصية" أو " اعترافات في الثمانين" لهنري ميلر أو السلسلة التي حاور فيها الرياحي عددا من الأدباء والمفكرين على غرار "هكذا تحدث واسيني الأعرج" و"هكذا تحدث نصر حامد أبو زيد" والذي سيصدر قريبا عن دار كارم الشريف للنشر، فضلا عن "هكذا تحدث فيليب لوجون".
وقال الرياحي إنّ الحوارات يمكن أن تحدث دفعة واحدة وأيضا على مراحل حيث يمكن للصحفي أن يجري حوارا «بالحزم» أي بحزم من الأسئلة يبعثها الي ضيفه على مراحل..
 لماذا تُجهض المشاريع الجيدة في تونس؟
وفي ما يخص الساحة التونسية، لاحظ الرياحي أنّه من الأسف أنّ المشاريع الجيدة تجهض في مهدها، وضرب مثال سلسلة «أبعاد» قائلا إنّها من أروع المشاريع في مجال الحوارات الأدبيّة، وكانت هذه السلسلة صدرت عن دار البستان وأشرف عليها أحمد الرمادي، ومن الحوارات التي تمّ نشرها قبل توقف السلسلة حوار مع الأب جون فونتان مدير إيبلا والرسام حاتم المكي..
مع الضيف الليبي محمد الأصفر: بين الفرحة والخوف
ثمّ تواصل اللقاء بمحاورة الروائي الليبي محمد الأصفر، واستعرض الرياحي عددا من مؤلفات الضيف على غرار «عسل الناس» و«شرمولة» و«تقودني نجمة» و«سرة الكون» و«ثوار ليبيا الصبورون»، قبل أن يطرح عليه عددا من الأسئلة تطرقت لرواية «فرحة» التي صدرت مؤخرا ترجمتها باللغة الإسبانية، وذكر الأصفر أنّ مؤلفه تطرق الى الفرحة أو بالأحرى الى شخص مات من الفرحة، ولذلك فإنه إستيقظ، لكن السلطة لا تريد لها فتخصص له مخبرا وتقرر ملاحقته بغية القبض على الفرحة وتجزئتها وتوزيعها على عدّة بلدان للتحكم في مزاج الناس...
ومن «فرحة»، إنتقل المحاور الى كتاب «ثوار ليبيا الصبورون»، وبيّن الأصفر أنّه رصد في مؤلفه هذا، الأشهر الثلاثة الأولى للثورة الليبية عندما كانت الأحاسيس جياشة وكان الشعب الليبي كتلة واحدة لا غرب ولا شرق قبل أن تنطفئ الشعلة وتضيع الثورة. وقال الأصفر إنّ كتابه تسجيل لموقفه من الثورة. بينما تطرق الرياحي الى تيمة «فقدان الخوف»، فكيف سيعيش المواطنون دون خوف بعد رحيل نظام القذافي؟ وتساءل االرياحي هل ما نراه الآن في ليبيا هو نتيجة للبحث عن الخوف، بمعنى أنه لابد من إعادة النظام الديكتاتوري؟
حول الحوار، مراحله وأسئلته ومهارات المحاور
بعد ذلك، وضّح كمال الرياحي مراحل إنجاز الحوار كقطعة أدبيّة وهي 3 مراحل:
ـ قبل الحوار: الاستعداد
ـ اثناء الحوار: إدارة الحوار
ـ بعد الحوار: تجهيزه للنشر
وفي هذا السياق بيّن الرياحي أنّ الصحفي المحاور عليه أن ينكب خلال فترة الاستعداد على عدّة مصادر والتشبع بها على غرار المنتج والحوارات السابقة والتصريحات والسيرة الشخصية.. ولفت الروائي النظر الى المساحة التي ستخصص للحوار في الصحافة المكتوبة لأنّ ذلك يؤثر على دقة الاسئلة وجودتها مؤكدا في نفس الوقت على أنّ الحوارات القصيرة يمكن أن تكون ممتازة.
ومن الجوانب الأخرى التي تطرق إليها الروائي كمال الرياحي، هيئة المحاور كهندامه وثقته في النفس، ونوّه الرياحي بأهميّة الإغراء المعرفي وكاريزما المحاور فضلا عن الحرفية وعدم التسرع والتيقظ الذي يفتح الباب للأسئلة التفاعلية، وهنا لفت الرياحي نظر الحضور الى نقطة هامة ذات علاقة بفضاء الحوار، فإذا انعقد الحوار في مكتب أو بيت الضيف، فيجب إيلاء أهمية إلى تفاصيل محيطه القريب والتي يمكن ان تستعمل في مقدمة الحوار على سبيل المثال.
وعرّج الرياحي على الاسئلة التي يجب تلافيها من قبيل «صف شعورك» معتبرا أنّ الاسئلة يجب أن تتجاوز السطحية وتكون مبيّنة على الإطلاع، مضيفا أنّ هناك نوعية أخرى من الاسئلة وهي الأسئلة الاستفزازية التي تتطلب الحرفية والذكاء، وكذلك الأسئلة المحرجة التي يجب السهر على حسن توقيتها. كما فصل المحاضر بين الاسئلة الذكيّة والغبيّة خالصا الى أن المحاور السيء هو الذي يريد أن يُجهض على ضيفه فيكون سطحيا، مترددا مستفزا بطريقة وضيعة، أمّا المحاور الجيّد فهو الذي يريد أن يبقي ضيفه على قيد الحياة وهو الذي يستفز بلباقة.
مع "الشاعر المؤقت" جمال الجلاصي
وانتهت ورشة أدبيات الحوار الصحفي في حلقتها الأولى بحوار جمع الصحفية ابتسام القشوري بالشاعر جمال الجلاصي صاحب «الأوراق المالحة» و«أعشاب اللغة» و«مقامات الرحيل»  فضلا عن 3 كتب مترجمة الى اللغة العربية وهي «اضراب الشحاذين» لأميناتا ساو فال و«السيد الرئيس» لأستورياس و«الزنوجة» للشاعر السينغالي ليوبول سنغور. وسعت الصحفية الى التعريف بجمال الجلاصي الشاعر من خلال ديوانه «أعشاب اللغة».
وانطلق الحوار بعتبات المجموعة الشعرية حيث سألته المحاورة عن العنوان وصورة الغلاف وعن الإهداء كمدخل للحوار قبل المرور الى تيمات الديوان ومنها المرأة والحرية والموت والوطن. وقد وصف الجلاصي نفسه بـ"الشاعر المؤقت" معتبرا أنّه سارد بالأساس. وأضاف الضيف أنّه يكتب الشعر لأنّه يتوهم صادقا أنّ لهذا الجنس الأدبي قدرة على تغيير العالم لكي يكون أكثر إنسانية.
إثر ذلك فُتح باب النقاش، فأبدى الحاضرون ملاحظاتهم فضلا عن اسئلتهم التي عبرت عن اهتمامهم بالحوار لا كجنس صحفي فقط بل كقطعة أدبيّة مكتملة الشأن لها فنونها وتقنياتها وميزاتها. ويذكر أنّ الحلقة القادمة ستخصص الى الحوار الثقافي في التلفزيون وذلك يوم الجمعة 21 نوفمبر بدار الثقافة إبن خلدون إنطلاقا من الساعة الثالثة.

شيراز بن مراد

عدنان الهلالي: لن نترك تونس بين أيدي الجهلوت

«نحن بحاجة إلى آلات موسيقية وليس فقط لطائرات F16 لمواجهة الذئاب والأغبياء» تعبيرة مجازية ختم بها الفنان عدنان الهلالي عرض مسرحية «زنقرا» على ركح مدار قرطاج يوم الاحد 9 نوفمبر ليؤكد على أهمية الفعل الثقافي في مواجهة التطرف والظلامية.. 
فمن خلال مجموعة من أشعار الفنان البلجيكي جاك برال، خاط عدنان الهلالي نصّا مسرحيّا دار حول شخصية «زنقرا» ذاك الضابط المخبول الذي يثور على الحرب ويشجبها بعد أن حوّل ثكنته الى فضاء مسرحي.. فتراه يرقص ويغني ويلقي الشعر ويجسد حالات تراجيدية وأخرى كوميدية ليعبر عن رفضه لعقلية القطيع ولينادي بالحريّة والانعتاق من قيود عالم جشع بشع لا يطاق..
وقد أفادنا عدنان الهلالي أن مداخيل عرضه المسرحي التي تمثلت بالأساس في هدايا (كتب ومواد رسم وألات موسيقة) سيتمّ نقلها يوم 16 نوفمبر الى مدرسة الحازة الحدودية بحضور عدد من الفنانين والصحفيين وذلك في إطار تظاهرة ترمي الى فكّ العزلة الثقافية عن المناطق النائية والى نشر الفنون والثقافة في المناطق الريفية والجبلية التي تشكو من نقص فادح أو لنقل من انعدام تام للفعل الثقافي..
وفي هذا الصدد لاحظ الهلالي أنه سيسعى إلى تعميم تجربة الحازة 24 ( وهو عدد تلاميذ مدرسة الحازة) على الولايات الـ  24 للجمهورية قائلا إنّّ«في كل ولاية حازّة» في إشارة للتهميش الثقافي الذي تعاني منه أنحاء عديدة من ولايات البلاد..
وبخصوص الأطراف الداعمة لهذه التظاهرة، ذكر الهلالي كلّا من عبد القادر الميساوي الذي وفّر فضاء للمركز الثقافي الجبلي بسمامة وآمن بفكرة بعث نواد ثقافيّة في مدارس المناطق النائية ودعمها، وكذلك الدكتور محمد صالح العمري وهو أصيل الحازة وأستاذ في الأدب المقارن بجامعة أكسفورد، وكان العمري تبرع بمبلغ ألف دينار لمدرسة الحازة حتى يتمكن التلاميذ من المشاركة في مسيرة الزهور التي انتظمت منذ أشهر بالعاصمة.. هذا فضلا عن مدرسة الأمل بحي الرياض بسوسة التي تدعم المبادرة وعدد آخر من الفنانين على غرار السينمائي كريم بلحاج ومريم الرفاعي وآمال شلوف ومالك عمري والشاعر عمار عواينية وغيرهم..
وقال محدّثنا «كفانا خطبا ولنذهب إلى الميدان» في إشارة إلى ضرورة القطع مع اللغة الخشبية التي لا تعمل على نشر الثقافة بصفة عملية، بل على تكريس العروض التجارية والثقافة الموسمية لاغير، وضرب الهلالي مثال الفنان وائل جسار الذي قدم عرضا في القصرين أمام العشرات من الحاضرين مقابل مبلغ خيالي يناهز الـ 80 ألف دينار معلّقا بأنّه كان بالامكان أن ننجز ثورة بهذه الأموال وأن نجعل من الجبل منحلة ثقافية.. وختم الفنان عدنان الهلالي حديثه معنا مستعملا عبارة «برال في الجبال» (ويقصد جاك برال) ليؤكد على أهمية غزو المناطق النائية بالفن والثقافة حتى لا تبقى فريسة بين أيدي الجهلوت والظلاميين.
شيراز بن مراد
تصوير : دليلة يعقوبي