الخميس، 12 مارس 2015

«مدينة النهار الأزلي»: جديد الكاتب هادي ثابت في أدب الخيال العلمي

صدرت منذ أيام قليلة «مدينة النهار الأزلي» وهي رواية من صنف الخيال العلمي للكاتب هادي ثابت الذي اختصّ في هذا الجنس الأدبي، فقد سبق له ان أصدر «غار الجن» و«جبل عليين».. وقال الروائي كمال الرياحي مدير ورشة «بيت الخيال» التي استضافت في لقائها الثالث الكاتب الهادي ثابت بمناسبة صدور روايته الجديدة، انّ تجربة الهادي ثابت في كتابة الخيال العلمي تمثل تجربة رائدة وزاوية مهمّة في المشهد الروائي التونسي.
ومن جهته، أكّد الهادي ثابت انّ أوّل من كتب في الخيال العلمي في تونس يدعى الرزقي الذي كتب سنة 1935 رواية من نوع الخيال العلمي، مضيفا انّ تجربته الشخصيّة في الكتابة انطلقت قبل تقاعده بـ5 سنوات.. وأردف قائلا:«كنت أتعاطى السياسة كمناضل، وغادرتها لأنّ المعارضة السياسيّة لا تعطيك دفعا كافيا» وعلّق ساخرا: «عندما تلتقي السياسة بالأدب لا يمكن ان يكون النتاج الاّ خيالا علميا»، وذكر  ثابت انّ اهتمامه بالخيال العلمي يعود الى الأسئلة التي تشغله أو بالأحرى تسكنه حول مستقبل البشرية وعن امكانية احتلال كواكب أخرى، قائلا:«كان لي خوف ان يقع انفجار سكاني كبير يخلّف تطاحنا بين البشر»..
وبخصوص روايته الأخيرة «مدينة النهار الأزلي» التي جاءت كتكملة لثلاثيته حول كوكب قانيماد، كشف الهادي ثابت انها تروي قصّة حب تجمع ابراهيم هذا «الأرضي المتخلف» وبإمرأة من كوكب قانيماد، فيغوص الثنائي في أرحام الأرض.. يتطهر ابراهيم من كل ما يسكنه من عنف وعقد كراهية فيرتقي الى مستوى إنسان قانيماد ويقطع مع ما كان يربطه  بتاريخ الإنسان القديم بما فيه الدين لتكون الرواية التي صدرت  مؤخرا عن دار«سحر» للنشر والمتوفّرة حاليا بمكتبة الكتاب.
شيراز بن مراد
صورة: فاطمة الزهراء الذيبي

كتاب «نصر حامد أبو زيد: التفكير في وجه التكفير» لكمال الرياحي: حديث حول الحرية في زمن الحظر

المفكّر المصري نصر حامد أبو زيد: "رجل أتته الرّصاصات من الجهات الأربع: من الاسلاميين ومن رجالات السلطة الانتهازيين ومن الشعوب المسكوبة مثل المرق في طناجر الخرافة والميتافيزيقا ومن العدو الرابض هناك بعيدا والذي يحرك الثلاثة السابقين وان كانوا لا يعملون" على حدّ عبارة معين بسيسو.
حول هذا الكاتب الذي يعتبر واحدا من أبرز المفكّرين العرب في مجال فقة اللغة والدراسات الاسلامية، أصدر الكاتب كمال الرياحي عن دار «منشورات كارم الشريف» مؤلفا يحمل عنوان «نصر حامد أبو زيد: التفكير في وجه التكفير». حوار تطرّق فيه أبو زيد الى عدّة مواضيع على غرار تأويل النصوص الدينية والحداثة وتطور الفكر الإسلامي والتعصّب ودور المثقّف في مجتمعات العالم الثالث فضلا عن إشكاليات العقل والنقل، وثنائية «الهوية الإسلامية والمواطنة» ومأساة التعليم ونظرية الاسلام "الواحد المتعدّد".
وعلى سبيل المثال أوضح نصر حامد أبو زيد -الذي غادرنا سنة 2010 بعد إصابته بـفيروس غريب- مفهوم "تأويل النص القرآني" معتبرا أنّ هدف التأويل هو تحقيق الفهم العميق للظاهرة ولذا لا يجب على المؤوّل أن يزعم لنفسه الهيمنة بإدعاء الحقيقة المطلقة، مضيفا أنّ التحرر من سلطة النصوص يجب أن يُفهم بالتركيز على كلمة "سلطة" لا بالتركيز على كلمة "نصوص".
وفي السياق نفسه اعتبر نصر حامد أبو زيد انه لم يرتكب أمرا محظورا عندما نادى بضرورة انجاز منهج لتأويل النصّ القرآني يفتح معنى النص للإجابة عن أسئلة معاصرة قائلا: «لازلت متيقّنا انّ تحقيق اصلاح فكري جوهري في الفضاء العربي الاسلامي غير ممكن دون الدّخول في هذه المناطق. انها محظورة لأنّها تهدد عروشا سياسية واجتماعية وثقافية كثيرة لكنها ضرورية لتحقيق نهضة مستدامة».
لم يغادر الحوار الذي أجراه الرياحي مع أبو زيد "المناطق الحمراء"، فبعد موضوع  "تأويل النص القرآني" الذي يعتبره العديد بمثابة "عش الدبابير" لما فيه من حساسية، تطرق الكاتب الى عملية التكفير والحكم بالردة اللذين صدرا ضدّه سنة 1993 قائلا انّه لا يمكن فهم هذه القصة خارج سياق مناخ الاحتقان السياسي-الثقافي الذي غلّف الأجواء المصرية منذ بداية الثمانينات وساعد مناخ «الفزع الحكومي» من الارهاب في توسيع سلطة الفكر الديني الذي يؤيد النظام ويدين الارهاب بلاغيا.
وفي فصل يحمل عنوان "المثقف والسلطة"، إستجوب الرياحي نصر حامد أبو زيد حول دور المثقف في المجتمعات العربية وعلاقته بالسلطة. فإعتبر المفكر انّ التحدي الحقيقي للمثقّف في مجتمعات العالم الثالث يكمن في انتاج خطاب عميق ومفهوم في نفس الوقت ولا في انتاج خطاب شعبوي يطبطب على عواطف وغرائز الجماهير.. ويضيف ابو زيد انه يجب على المثقف ان يحتفظ لنفسه بمسافة خارج مفاهيم السلطة، وهي مسافة تسمح له بالاستقلال الفكري مشيرا الى انّ منطقة «المحرم» و«اللامفكر فيه» تتسع في ثقافتنا بينما تضيق الى أقصى درجة في الثقافات الغربية.
ومن هذا المنطلق، دعا الرياحي أبو زيد لتقديم قراءة لأسباب انحدار العالم الإسلامي، فإعتبر أبو زيد أنّ مبدأ تتعدد الرؤى فقد ديناميكيته وتحول الى سلاح لمطاردة المفكّرين ومحاكمة ايّ خروج عن ثوابت السلطات العسكرية العشائريّة الديكتاتورية، ولذا نادى ابو زيد بحرث الأرض-القاعدة لكي تتعرض من جديد للشمس والهواء وتتعافى من أمراض التشدد والتطرّف.
وأضاف انّ العلمانية التي تفصل بين الدولة ونظامها السياسي وبين الدين هي وحدها التي يمكن ان تفتح آفاقا للحرية والعقلانيّة وتعدد المعاني: الدين شأن المتدين، ومهمة الدولة ان تضمن حرّية الجميع وتحمي البعض من البغي على البعض بإسم الدين. هذا وفسّر أبو زيد مفهوم «التعصّب» قائلا انّه حالة ذهنية، حالة عقلية فردية او جماعيّة تصبح فيها الذات مصدر الحقيقة ومصدر الفضائل كلّها في حين يكون الآخر هو «الشيطان» أو «السرّ المطلق» لا خير الاّ في إبادته.
واعتبر أبو زيد ان كل شيء ولد مختنقا في مجتمعاتنا بسبب انّ الحداثة الوافدة تمّ تمزيقها اشلاء في الوعي التحديثي، فتمّ تقبّل الشّكل التقني فقط وتم رفض الأساس العلمي للتقنية بكل مكوّناته من عقلانية وعلمانية، ثم تقبل الديمقراطية بدون أساسها وهي حرية الفرد ولم يحدث الفصل بين السلطات لارتباط مفهوم السلطة بمفاهيم قرووسطية مثل «الراعي» و«الحامي».
ويحلّق ابو زيد عاليا عندما يدعوه الرياحي الى موضوع "الصوفية والعقلانية"، فينادي أبو زيد في سياق أزمة ما بعد الحداثة الى اكتشاف مناطق «التجربة الرّوحية» في التراث الانساني، والتي قدّم عنها فكر ابن عربي انضج صياغة لشرح التجربة الروحية في الفكر الاسلامي. وللمهتم برؤية ابو زيد لصوفية ابن عربي ولعقلانية ابن رشد الاطلاع علي هذا المؤلف الهام الذي جاب فيه الرياحي مع أبو زيد في مختلف مدارات المعرفة والفكر.
ومن الرؤى التي إستوقفتنا في كتاب «نصر حامد أبو زيد: التفكير في وجه التكفير» نظرة أبو زيد للإسلام "الواحد المتعدد"، إذ يقول المفكر إنّ العرب الفاتحين حملوا بذورا تم استنباتها في أراض مختلفة، فظهرت شجيرات بطعوم متعددة، انتجت بدورها ثقافات وعلوم ومعارف يصعب نسبها إلى البذور الأولى وحدها.. ويرى أبو زيد أنّ هذا الإسلام "الواحد المتعدد" هو القادر على تخطّي المحن والأزمات ولعلّ أخطر أزمة يمرّ بها الإسلام الآن -وفق نظره- هي محاولة الحفر بحثا عن البذور وقتل التعدد الرائع، ويواصل فكرته قائلا: "أشجار الإسلام المتعدد الثقافات والتأويلات تتعرض لأكبر عملية استئصال للخصوبة في التاريخ".
ويمكن القول إنّ الحوار النهري الذي أجراه الرياحي مع المفكّر ناصر حامد أبو زيد قبل وفاته بأشهر-والذي جاء في قرابة 59 سؤال- تضمن مجموعة من المفاتيح ومن المقاربات والأفكار التي تفتح أبواب التفكير على مصراعيها بعيدا عن كل أشكال الغلو والتضييق. كما يشكل المؤلف مرجعا هاما على ذمة الباحثين الذين يمكن ان يتسلّحوا به اذا ما أرادوا التقدم في حقول اللغة والدين والسلطة.

شيراز بن مراد