الأحد، 20 سبتمبر 2015

المخرج السينمائي أشرف لعمار يزور 16 سجنا تونسيا ويكشف ما يلي

أفادنا المخرج السينمائي أشرف لعمار أنه بصدد القيام بجولة بين السجون التونسية، تحديدا 16 سجنا، بهدف عرض مجموعة من الأفلام التونسية في المؤسسات السجنية وذلك في إطار تظاهرة "جسور" التي تنظمها جمعية "أكتيف" للتكوين والثقافة والتي يرأسها المخرج الياس بكار.
وبيّن لنا محدثنا أنّ هذه المبادرة تمتد من 1 الى 22 سبتمبر وترمي الى تقديم أفلام تونسية للسجناء حتى لا يفقد السجين علاقته بالعالم الخارجي ويتمكن في إطار حلقات النقاش التي تُعقد بعد عرض الأفلام من ابداء رأيه والتعبير عن استفساراته او ما يخالجه من أحاسيس.
وفي هذا السياق، دعا أشرف لعمار المبدعين التونسيين الى التنقل الى المؤسسات السجنية لعرض اعمالهم والتواصل مع الموقوفين ومد جسور الحوار والجدل معهم. ولاحظ لعمار ان المسجونين متشوقون الى الصورة السينمائية والى الإنتاجات التونسية وأنه لا يجب عزلهم على محيطهم الطبيعي بل العمل على فتح نوافذ ومد الأيادي حتى لمن غدرت بهم الحياة.
ومن المواقف التي بقيت راسخة في ذهنه، والتي سردها علينا المخرج أشرف لعمار، سجين -متقدم في السن-محكوم عليه بالمؤبد في حبس الهوارب، أصابته نوبة ضحك بعد مشاهدته للفيلم -وهو الذي لا يضحك أبدا حسب شهادة أعوان السجن- قبل أن تنقلب تلك النوبة الى هيستيريا بكاء. كما قصّ علينا حالة طفل صغير مودع بالسجن مع امه في حبس المسعدين، وقد اقترب منه اثر نهاية عرض الفيلم متسائلا لماذا إنتهى الفيلم بهذه الطريقة؟
كما ذكر أشرف لعمار أنه عادة ما يتم توزيع استمارات على السجناء بعد عرض الأفلام لمعرفة انطباعاتهم، فيعبر الموقوفون عن ندمهم عما فعلوه او يعبرون عن رغبتهم في العودة الى ديارهم وتخوفهم من نظرة المجتمع. 
قائمة الأفلام التي عرضت بالمؤسسات السجنية
-رايس الأبحار لهشام بن عمار
-أنا تونسية لإلياس بكار
-في المقلوب لأشرف لعمار
-علاش أنا لأمين شيبوب
-صابون نظيف لمليك عمارة

شيراز بن مراد

120شخصا فقط تابعوا مسرحية "كعب غزال" في مهرجان الحمامات، لماذا؟

في الوقت الذي توجه فيه آلاف الأشخاص، ليلة السبت 15 أوت، الى مدينة ياسمين الحمامات لترشف الشاي الأخضر وتلمظ عصير الليمون في مرفإ "المارينا" أو في ساحة "المدينة"، توجه 120 شخصا -فقط- الى مهرجان الحمامات الدولي لمتابعة عرض مسرحية "كعب غزال" للمخرج علي اليحياوي. 
ولعلّ هذه المفارقة العددية تدفعنا للتساؤل حول مكانة الثقافة وارتياد الفضاءات الثقافية في بلادنا. اذ كيف لشعب ان يصمد ويرفع ما يعترضه من تحديات اذا ما كان العقل خاويا وإذا ما كانت المعرفة والثقافة مهمشة لا تلعب دورها الجوهري في انارة العقول وفي بث قيم الانفتاح والتسامح.
120 شخصا فقط اختاروا قضاء سهرة ثقافية وتمتعوا بمسرحية "كعب غزال" -وهي من انتاج مركز الفنون الدرامية بمدنين- التي جمعت بين جمالية التصور وقوة المضمون الذي تطرق لتيمة جشع البشر ولهثهم وراء المادة على حساب كل قيم الحرية والإنسانية والتآخي، مقابل آلاف من التونسيين فضلوا "قتل الوقت" بالأكل والتجوال وملء الصدور بالنسمات الصيفية. 
قد يكون عامل غلاء أسعار التذاكر وراء عزوف المواطنين عن ارتياد المسرح، وهي تعلة معقولة إذا علمنا أن سعر التذكرة الواحدة يناهز الـ20 دينارا مما يجعل متابعة المسرحية بالنسبة لعائلة متكونة من 5 أفراد مثلا عملية مستعصية على المستوى المادي، فمن من العائلات التونسية بإمكانه تخصيص 100 دينار لسهرة واحدة؟
ولكن وراء معضلة غلاء أسعار التذاكر (نقطة تتطلب المراجعة بعد ان وصلت أسعار تذاكر بعض العروض الى 40 و60 دينارا للفرد الواحد) وتدهور القدرة الشرائية للمواطن التونسي بصفة عامة، يجب طرح أسئلة أساسية حول علاقة المواطنين بالفضاءات الثقافية، فكيف يمكن أن نجري "مصالحة ثقافية" أسوة بالمصالحة الإقتصادية التي طرحتها بعض الأطراف السياسية والتي تبدو لنا ثانوية بالنظر لما تعرفه تونس من تحديات حضارية.
كيف للتونسي أن يتصالح مع المسرح؟ مع السينما؟ مع الكتاب؟ مع الفن التشكيلي؟ ما هو الدور الذي يجب أن تضطلع به وزارتا التربية والثقافة، ما هو دور المجتمع المدني؟ من له القدرة اليوم على تحريك مياه هذا الملف الحارق؟ فالمقاربة الأمنية غير كافية وحدها لمقاومة الارهاب وتفشي الفكر الداعشي القائم على الصلب والذبح واراقة الدماء. 
اذا لم تُفتح منافذ الثقافة في المتاهة التونسية الكبرى التي طغت عليها قيم المادة على حساب قيم الفكر والمعرفة، فلن يتغير من واقعنا شيء بل لعله سيزداد سوءا وانغلاقا وتعصبا وانحدارا. 
بإمكان تونس أن تفعل الكثير، أن تهدي لأبنائها ظروف العيش الكريم ومصابيح تضيء دروب العلم والارتقاء غير أننا لم نفعل شيئا ملحوظا الى حدّ الآن.. يعمل العشرات من الفنانين، رغم انعدام الدعم والماديات على اعداد أفلام ومسرحيات وكتب ولوحات زيتية ومجموعات شعرية وغيرها لكنها لا تلقى الاقبال ولا تجد الاهتمام والمسالك التي تؤمن وصولها الى المواطن.
هناك خلل ما في "الموديل" الثقافي التونسي، خلل ان لم نتداركه سينعدم متابعو العروض الفنية خلال السنوات القادمة.. تونس وأبناؤها لا يستحقون مثل هذا الجمود، مثل هذا الإهمال. وسأكتفي بضرب مثال واحد يخص مجال السينما: هناك حاليا قرابة الـ15 فيلما تونسيا جديدا لم تُعرض في القاعات: أفلام مهدي هميلي، علاء الدين سليم، سمية بوعلاقي، محمد عطية، ليلى بوزيد، مروان المدب، نصر الدين السهيلي، عربية العباسي، رضا التليلي، سارة العبيدي، لطفي عاشور، منيرة اليعقوبي، وليد الطايع، قيس مناشو، محمد بن سلامة والقائمة تطول حقا.
فماذا سنفعل بهذه الأفلام وعدد قاعات السينما لا يتجاوز الـ15 في كامل الجمهورية والمواطنون عزفوا عن ارتيادها؟ لماذا لا نبرمجها في المدارس والجامعات، لماذا لا تجوب أرجاء الجمهورية في اطار نوادي السينما ودور الثقافة بطريقة مستحدثة تقطع مع المعتاد والمجتر الذي سئمناه ولم يعط اكله؟ لماذا لا نحدد اهدافا ونعمل على تحقيقها؟ نحن بحاجة الى رجة مستعجلة تعيد خلط أوراقنا الثقافية ونحن على ذلك قادرون. 
طلب أخير لوزارتي الثقافة والتربية: لم لا إطلاق مشروع مشترك يهدف الى عرض مسرحية "كعب غزال" لفائدة كل تلاميذ السنة التاسعة اعدادي بكافة أنحاء الجمهورية، وهو مشروع يمكن ان يشكل خطوة نوعية لمصالحة التلاميذ مع المسرح، وكم نحن بحاجة الى هذه المصالحة..
 طبعا لن اتحدث عن الإجتياح الذي عرفه الطريق المؤدي الى العلب الليلية بمدينة الحمامات على الساعة منتصف الليل والنصف حتى اضطرت قوات الأمن الى غلقه مؤقتا. أترك لكم التعليق حول اهتمامات التونسي وتعلقه بالقشور مقابل موت الثقافة وفناء قيم العلم والمعرفة. هكذا أضحت تونس مع الأسف! بلد يعج بالكنوز الثقافية ولا من مهتم!
شيراز بن مراد

Dans son livre "La route des consuls": L'architecte Adnen El Ghali reconstitue la richesse urbaine et diplomatique de la Médina du 16e au XIXe siècles

L'architecte et urbaniste Adnen El Ghali vient de publier, aux éditions "Les Points sur les i", un livre qui s'intitule "La route des consuls- Les territoires de la diplomatie à Tunis".
 Ce livre, préfacé par Zoubeir Mouhli (Prix Aga Khan d'architecture 2010 et directeur général de l'Association de Sauvegarde de la Médina de Tunis), se propose de reconstituer la richesse urbaine et diplomatique qui se développa au cœur de Tunis dès le16 siècle. Il constitue aussi une invitation, destiné au grand public, pour découvrir l'histoire diplomatique tunisienne. Le premier consulat en Tunisie, nous révèle le livre à titre d'exemple, est celui de Pise et remonte au 12e siècle (1157). Comme tant d'autres consulats antérieurs à la domination ottomane il fut établi en dehors de la ville, le long de l'avenue de la Marine. Ce n'est qu'avec le passage de Tunis sous suzeraineté ottomane que les représentations consulaires furent admises à l'intérieur de l'enceinte de la Médina.
 
 Adnen El Ghali présente son livre comme suit: "Ce livre est au croisement de deux disciplines : l'histoire diplomatique et l'histoire urbaine. Il a notamment pour objectif de révéler au lecteur l'existence de ce monde particulier du quartier franc de la médina de Tunis constitué autour et à partir des représentations consulaires et diplomatiques du moyen-âge au XXe siècle. Ce quartier, dont l'histoire est ignorée, est le témoignage vivant d'un pays multiculturel et risque de disparaître si des initiatives ne sont pas prises mettre en valeur son histoire et ses spécificités. C'est aussi le témoin matériel d'une période faste qui devrait faire la fierté de notre diplomatie où Tunis était une scène de la diplomatie méditerranéenne".
 Par ailleurs, Zoubeir Mouhli considère dans la préface du livre que l’intérêt majeur de l’ouvrage d’Adnen El Ghali se situe dans cette double facette: D'abord une contribution à la connaissance des consulats de la Médina de Tunis. Puis, une restitution de la réalité de ce quartier en tant que territoire de la diplomatie et laboratoire d’inter-culturalité.
Biographie de l'auteur:
Né à Tunis en 1979, Adnen el Ghali a étudié l’architecture, l’urbanisme et l’histoire à Paris, Rome et Buenos Aires. Expert auprès de l’Association de Sauvegarde de la Médina de Tunis, il y a effectué de nombreuses recherches et contribué à des projets régionaux et européens de protection et de mise en valeur des métiers et espaces historiques de la Ville de Tunis. Il intervient régulièrement en qualité de conseiller auprès de diverses institutions internationales et d’organisations tunisiennes de la société civile en matière de communication, de mobilisation de ressources, de montage et de suivi de projets pluridisciplinaires en lien avec la ville, la culture, la population et le développement.
Chiraz Ben M'rad

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

عرض "موطني" لشادي القرفي: طبق موسيقي جميل ومتحرر من كل العصبيات

بين ثنايا النغم الجميل، من تونس أو من فرنسا، من ليالي اشبيلية أو من جزيرة الكنز، من تفاصيل الأيام العابرة أو من عمق الخيال الحالم، استمد الفنان شادي القرفي طاقته الموسيقية ليرسم بطريقته "مشهدية موسيقية" فريدة من نوعها.
"نغم حالم مسافر"، هكذا كان عرض "موطني" الذي قدمه شادي القرفي يوم الأحد 26 جويلية على ركح مهرجان الحمامات الدولي بمشاركة نورالدين الباجي وأسماء بن أحمد وعدد من أمهر موسيقيي الأركستر الفلرموني التونسي على غرار عازف الكمنجة أسامة أنس الرمضاني وبالإعتماد على نصوص شعرية لابراهيم طوقان ومهدي الهميلي وأسامة فرحات.
وخلافا لما يمكن أن يوحي به عنوان العرض، فقد جاء الطبق الموسيقي الذي أعده القرفي متنوعا حضرت فيه الألحان التي تخاطب المشاعر والاحاسيس بعيدا عن الهويات الضيقة التي لا تعترف بالآخر، وقد يكون ذلك هو الوطن الحقيقي، ذلك الذي تنعدم فيه الحدود الجغرافية فيفتح أفاقه على الثراء الكوني بكل ما فيه من حلم وقوة وحزن. ومن خصوصيات عرض "موطني" أنه جمع بين اللحن الشرقي والتراتيل الكنائسية والفادو البرتغالي والجو التونسي في تناغم موسيقي يصعب تحقيقه.
ومن بين الأغاني التي تضمنها العرض، نذكر "يازهرة في خيالي" و"جزيرة الكنز" و"موطني" و"في عيونك نار" التي أداها الفنان نور الدين الباجي، و"يا لور حبك" للإخوة الرحباني و"مع الأيام" كلمات مهدي هميلي (ترجمة لأغنية الفنان الفرنسي ليو فيري) و"حديقة الشتاء" لهنري سلفادور و"تسألني" كلمات أسامة فرحات وألحان شادي القرفي والتي أدتها بتميز الفنانة أسماء بن أحمد. هذا دون أن نسهو عن الآداء الدقيق والمميز لعازفي الأركستر الفلرموني التونسي.
في "موطني"، شدت الموسيقى الحب والوحدة والأحلام والحنين بعيدا عن كل أنواع التفرقة والعصبيات. نعم هكذا هي الموسيقى في بعض الأحيان وهكذا أرادها شادي القرفي أن تكون جميلة وقوية ومتحررة.

شيراز بن مراد

المناضل الحبيب بالغالي: هذه تفاصيل معركة طبلبة 23 جانفي 1952.. ولايمكن ان ننسى فضل هؤلاء

قدّم المناضل الحبيب بالغالي لموقع "الجمهورية" شهادة تاريخية حول الأحداث التي عرفتها مدينة طبلبة بتاريخ 23 جانفي 1952 عندما كانت تونس ترزح تحت الاستعمار.. وممّا أكد عليه محدثنا الدور الذي لعبته مجموعة من الوجوه القيادية في تحرير البلاد من براثن الاستعمار ومنها الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف وفرحات حشاد وأحمد التليلي ولزهر الشرايطي وساسي وطاهر لسود معتبرا أنّ مجهودات هذه الشخصيات الوطنية كان لها أثر كبير في تحريك الشارع التونسي وفي صنع ملحمة استقلال البلاد.
وقال الحبيب بالغالي ـ وهو من مواليد 1927 ـ أنّه قضى عاما و7 أشهر في السجن (من 5 فيفري 1952 إلى غاية 23 جويلية 1953) بعد أن وجّه له القضاء الفرنسي تهم «التمرد» و«المشاركة في احتجاجات مسلحة» وذلك عقب تخطيطه ومشاركته في معركة طبلبة التي دارت أطوارها يوم 23 جانفي 1952.
وحول هذه الواقعة التي تشكل واحدة من أبرز الأحداث الدامية التي عرفتها جهة الساحل قبيل الاستقلال والتي اسفرت عن استشهاد 8 مناضلين ومقتل عدد من الجنود الفرنسيين (إذاعة لندن تحدثت عن 8 قتلى وبعض الأطراف عن 70 قتيلا لكن لا يمكن حصر عدد الضحايا بحكم التعتيم الذي فرضته فرنسا)، قال محدثنا إنه كان منخرطا في الشبيبة الدستورية في بداية الخمسينات وقد أمر الحزب بتجديد الهياكل فتم انتخابه كاتبا عاما وسنه آنذاك حوالي 24 سنة، بينما تمّ انتخاب عبد السلام شبيل (رحمه الله) رئيسا وعلية بالفقيه (مريض ربي يشفيه) امين مال وحسن عمار (رحمه الله) كاتبا عاما كذلك.
وأضاف محدثنا قائلا: «خدمنا خدمة كبيرة عام 1951 عندما تمّ تغيير المقيم العام إثر المفاوضات التي أجرتها الحكومة التونسية التي كان مشاركا فيها آنذاك صالح بن يوسف وكان يرأسها محمد شنيق الذي لعب دورا وطنيا هاما.. في تلك الفترة تمّ تعيين حكومة تفاوضية ووعدت فرنسا بالاستقلال الداخلي.. الحزب وافق لكن بورقيبة لم يعط الثقة الكاملة في فرنسا.. وقام حينها بجولة في الدول الصديقة والشقيقة ليبيّن لها الخلاف الذي كان قائما مع الفرنسيين وأنّ التونسيين طلاب حق لا غير».
 هكذا خططنا لمعركة طبلبة
ويواصل حبيب بن الغالي شهادته على النحو التالي: «أنهى بورقيبة جولته يوم 2 جانفي 1952 وذهبنا لاستقباله في العوينة، ومن الغد توجهنا الى بيته الصغير الموجود في رحبة الغنم (معقل الزعيم) وكنا قرابة 15 شخصا.. وخلال هذا اللقاء قال لنا بورقيبة ما يلي: «في هذه الجولة، أزحت من امامكم الشوك والحجر واتصلت بالدول الشقيقة والصديقة التي أكدت أنّ موقفها موال لتونس، ولكن هذا لا يكفي! أنا أبعدت الشوك والحجر وأنتم يجب أن ترموا بأنفسكم أمام المتريوز والمدفع والاّ إلّي مشيتلهم الكلّ باش يقولو هذا «بُلف» متاع بورقيبة»..
اثر هذا اللقاء، عدنا الى مدينة طبلبة وقلنا إنّه يجب علينا أن نقوم بعملية نوعية في مدينتنا... فكرنا أن نضرب الجنود الفرنسيين بـ«المولوتوف» لكن عدلنا عن ذلك معتبرين أنّ هذه الوسيلة لن تعط أكلها... انتبهنا الى أنّ البحارة كانوا يصطادون السمك بالديناميت، فقلنا: «لم لا؟ توجهنا الى البحارة وطلبنا منهم كمية من الديناميت، وكنا آنذاك نسميه «العصبان».. قالوا: لا.. قلنا: لقد فشل المشروع»...
ويردف المناضل الحبيب بن الغالي قائلا: «أحنا هكا ويجينا بحار يقول لنا: أمدوني بالمال وسأوفر لكم ما تبغونه»... أعطينا المال ـ كنت أمين المال وكانت الأموال متوفرة ـ فأحضر لنا 25 كيلو متفرقعات... تساءلنا حينها أين سنضعها، فعائلاتنا كانت ترفض أن نبقي عليها في منازلنا.. توجهنا الى محمد المروّعي شهر «الحڨازي» فوافق على توفير «قراج» لصنع «الذخيرة».
العيايشة والزرنيّة على نفس الخط
ويضيف محدثنا مبتسما: «عندما علم جماعة البحر (ويقصد البحارة) بأنّنا تحصلنا على الذخيرة، وكان هناك خلاف بيننا نحن «العيايشة» وهم «الزرنيّة»، قالوا: نحن كذلك نريد أن نشارك معكم!! إثر ذلك طرح إشكال ثان يتمثل في مكان وضع «العصبان» يوم تنفيذ العملية، فقررنا أن نضعه فوق السطوح وعندما يمرّ الجنود الفرنسيون نضربهم ونختفي... كان علينا حينها التنسيق، فاخترنا مكانا ضيقا من المدينة وبالتحديد شارع بجهة «السفرة» لايمكن أن تمر منه سوى عربتين بالكاد.. وكانت التعليمات التي اعطيناها أن نكتفي باستهداف العسكريين الفرنسيين وبتفادي المدنيين منهم.. لم يكن لنا فنيون ولا شيء من قبيل ذلك (بعد معركة طبلبة سألنا فؤاد المبزع هل كان معنا فنيون وكيف حاصرناهم، فقلنا: «رانا شباب وحدنا»).
 يومها كنا «قادمين على الموت»
وحول اختيار تاريخ «العملية»، يقول الحبيب بالغالي إنّه لم يتم تحديد تاريخ بعينه، بل إنّ الظروف هي التي حكمت، «بلغنا أنّ هناك حركية كبيرة في تونس وأنّ جنودا فرنسيين سيصلون الى المدينة لإلقاء القبض على الوطنيين، ولم يخطر على بالهم إنّنا استعددنا للقيام بعمليّة نوعية هي من أهم ما عرفه مسار الاستقلال من محطات ضاريّة.. أن تضرب الجيش الفرنسي المحتل وهو من أعظم الجيوش، وحتى المخبرين فشلوا ولم يتيقظوا إلى أنّ شبابا قرر الصعود على السطوح للقيام بهذه العملية.. شيوخنا قالوا «قوموا بهذه العملية خارج البلاد، لكنّنا لم نوافقهم.. نسقنا وحدنا .. ما جانا حدّ»... يومها كنا «قادمين على الموت».. بورقيبة كان بمثابة «الرسول» وكان لازمنا نطيعوه».
 الفقر كان ضارب أطنابو والجهل متفشي
وهنا عرّج الحبيب بالغالي على نقطة هامة الا وهي الحالة التي كانت عليها البلاد آنذاك فقال: «البلاد كانت في حالة استعمار.. الفقر كان ضارب أطنابو.. كان مستولي على أراضينا وكانت التجارة بيد الفرنسيين واليهود... كان الجهل متفشي وكان القمل يجري... كان لهذه الظروف أشد الأثر علينا ـ وكنا نردد الأناشيد لشحذ العزائم وممّا كنا ننشده أن «الموت بشجاعة أفضل من المذلة»... ويؤكد الحبيب بالغالي أنّ الظروف القاسية اجتمعت مع الرغبة الجامحة في الاستقلال وهي التي دفعت بالعديد لكي ينخرطوا في هذه المعركة الوطنية..
يوم التحق الشهيد عامر بيوض بالمقاومين دون رجعة...
ويقول الحبيب بالغالي إنّ الواقعة كانت دامية، فقد حامت الطائرات العسكرية فوق المدينة وتولى المناضلون رمي الشاحنات العسكرية التي توغلت في شوارع طبلبة بالقذائف النارية «العصبان» فكان ما كان من مواجهات أسفرت عن مقتل عدد من الجنود الفرنسيين واستشهاد 8 من أبناء طبلبة. وفي هذا السياق استحضر الحبيب بالغالي حالة الشهيد عامر بيوض ابن عبد السلام بيوض قائلا إنّه كان يشتغل بالماكينة، ولما علم بما سيقع غادر شغله، حمل معه سلاحا والتحق بالمقاومين بلا رجعة (رحمه الله)..
آمنة ابراهم ومحبوبة سوسية من بين الشهداء
وبخصوص مشاركة النساء في معركة طبلبة، أفادنا الحبيب بالغالي أنّ النساء لم يشاركن مباشرة في التخطيط أو تنفيذ العملية، إنّما صعدن فوق السطوح لتشجيع المقاومين بالزغاريد وخرجت بعضهنّ إلى الشارع ومنهن الشهيدة آمنة براهم التي «افتكت» البندقية من يد أخيها واطلقت النار، فتلقت رصاصة قاتلة رصاصة أردتها شهيدة على عين المكان.. وتوقف الحبيب بالغالي على حالة أخرى وهي الشهيدة محبوبة سوسيّة التي أطلت من بيتها تزغرد وتشجع المقاومين عندما سمعت القنابل «هابطة» فتلقت هي الأخرى رصاصة قاتلة.. وقال الحبيب بالغالي لايمكن أن نسهو عن وضعية المرأة آنذاك فقد كنا في عام 52 ولا 2000!
مباشرة بعد أحداث طبلبة الدامية أي يوم 23 جانفي 1952 اجتاح 1500 جندي فرنسي المدينة ثمّ وصل عددهم الى 5 آلاف جندي وكانت مهمتهم تمشيط المدينة وترويع المواطنين وزوجات المناضلين بهدف القبض على مخططي العملية والمشاركين فيها وفي هذا الصدد قال الحبيب بن الغالي أنّه ظلّ أسبوعا كاملا يتنقل متخفيا من مكان الى مكان.
رسالة الى شيخ المدينة بدم المقاومين
وقال الحبيب بالغالي إنّ الأجواء المروعة التي عرفتها المدينة لم تثنه ـ مع عبد السلام شبيل ـ على كتابة رسالة بالدّم الى شيخ المدينة جاءت فيها الجملة التالية: «احذر المقاومة وراءكم».. وأضاف محدثنا أنّ أخاه الشاذلي بالغالي أعلمه أنّ مداخل المدينة مطوقة مما دفعه للهروب الى «الحنشية» حيث اختفى في داموس «كذال». ومنه عاد الى منزل والده حيث تمّ إلقاء القبض عليه.. وفي هذا الصدد قال الحبيب بالغالي إنّ الجادرمية قصدوا بيته واستفسروا والده فرج بالغالي عن مكان تواجده فما كان منه الا أن سلّم نفسه، فإمّا «نسلم والدي للتعذيب وإلاّ نسلم نفسي» هكذا حسم الحبيب بالغالي أمره..
«هزوني طول الى العذاب»
وبخصوص المصير الذي عرفه بعد إلقاء القبض عليه، قال لنا محدثنا بصوت خافت: «هزوني إلى العذاب.. إلى العذاب.. هزوني طول إلى العذاب باش نعترفلهم». وبيّن لنا انّه تمّ تحويله مع ثلة من المناضلين الى مركز الإيقاف بسوسة حيث قضى 17 يوما من أبشع ما عاشه في حياته... 17 يوما من البحث والتعذيب بجميع أنواعه قبل أن يتمّ نقله الى السجن المدني بتونس.. وقال بالغالي «عندما وصلنا الى السجن كأنّنا دخلنا الجنة بعد أن كنّا في جهنم»، فأعوان السجون كانوا تونسيين وعلى قدر من الطيبة.. وأضاف أن الإحساس الذي كان ينتابه في السجن هو ان لايلحق على الاستقلال ويعيش في تونس حرّة وذات سيادة.
 دور الشهود والمحامي راؤول بن عطار 
وهنا عرّج الحبيب بالغالي على الدور الذي لعبه محاميه اليهودي راؤول بن عطار والذي كان يحمل الجنسية الانقليزية حيث قال إنّه لولا الضغوطات التي مارسها لكانت العقوبة التي سلطلت عليه أكثر قساوة... كما أشار الى دور الشهود الذين «عملوا معاه المليح» حيث أكدوا أنّه كان موجودا بجهة «شيبة» يوم الحادثة وذلك لنفي تورطه في أحداث طبلبة، وترحم عليهم قائلا إنّه لن ينسى فضلهم مادام على قيد الحياة.
 بورقيبة لم يُعط معركة طبلبة قيمتها
وفي خلاصة اللقاء، أفادنا محدثنا -بأسف- بأنّ بورقيبة لم يُعط معركة طبلبة قيمتها.. «بورقيبة قال إنّه جاب الاستقلال لتونس ولم يعترف بفضل المعارك التي دارت في عدد من المدن... ما يحبش حدّ يتفوق عليه.. لا طبلبة ولا غيرها». واعتبر الحبيب بالغالي أنّ بورقيبة -دون التشكيك في ما قدمه لتونس، فقد كان زعيما عظيما لكن لكل عظيم نقائص- ارتكب خطأين فادحين، أوّلهما عندما قرر الرئاسة مدى الحياة وثانيهما عندما اغتال المعارض صالح بن يوسف الذي قال إنّه كافح وناضل وكان منفيا مع بورقيبة في «سان نيكولا» وخدم الشعب اسوة ببقية المناضلين مضيفا أنّ وفاة صالح بن يوسف شكلت خسارة لتونس.
تعاليق الصور:
- صورة روضة الشهداء بطبلبة
-خارطة معركة طبلبة كما رسمها احد الشهود
- مقطع من جريدة لوفيقارو التي غطت الحدث
قائمة شهداء معركة طبلبة:
ـ محبوبة سوسية
ـ آمنة براهم
-عامر بن عبد السلام بيوض
-عثمان بن أحمد بالسويسية
-عمر بيوض
-محمد المستيري
-أحمد التركي
-شبيل بن محمد حسن نويرة
شيراز بن مراد