الاثنين، 15 أغسطس 2016

ملاحظات وأسئلة على هامش عرض "حراير تونس" لرجاء فرحات

احتفالا بستينية مجلة الأحوال الشخصية واليوم الوطني لعيد المرأة، قدم الفنان رجاء فرحات عرض "حراير تونس" بمهرجان الحمامات يوم 13 أوت بحضور جماهيري غفير.
وقد اكتسى العرض بعدا تاريخيا هاما استدعى فيه رجاء فرحات قدراته الحكواتية التي قصّت على الحاضرين -بمشاركة كل من مريم بن حسين ونجلاء بن عبد الله ونجوى زهير وآمال فرجي- حقبة هامة من الذاكرة التونسية ومن أبرز أعلامها أبو القاسم الشابي والطاهر الحداد ومحمد علي الحامي والحبيب بورقيبة  فضلا عن الجانب الفني المميز الذي ساهم فيه كل من المايسترو شادي القرفي والراقصات مريم بوعجاجة وآمال لعويني ووفاء الثابتي.
ولئن قدم العرض قراءة ممكنة لتاريخ تحرير المرأة التونسية، حيث سلط الضوء على ما قدمه المفكر الطاهر الحداد من أفكار تحررية بالنسبة للمرأة التونسية التي كانت مسلوبة من أبسط حقوقها ومنها الحق في التعلم وفي حرية اختيار شريك الحياة، كما انتقد ردة فعل المحافظين والتي كانت قاسية تجاهه، وأشاد بالدور الريادي الذي لعبه الرئيس الحبيب بورقيبة في سن مجلة الأحوال الشخصية وضمان حقوق المرأة قانونيا، فإننا نسوق مجموعة من الملاحظات والأسئلة تتعلق بضرورة نفض الغبار على أجزاء من ذاكرتنا الجماعية والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تظل مجهولة ومعتما عليها.
-هل الفضل في تحرير المٍرأة التونسية يعود الى الطاهر الحداد والحبيب بورقيبة دون سواهما مثلما أوحى بذلك العرض؟ صحيح ان بورقيبة كان له التأثير الأول على مستوى التقنين وصياغة مجلة الاحوال الشخصية، لكن ألم يكن ذلك مسبوقا بمقاومة عديد التونسيات وبتعبيرهن عن رفضهن لوضعهن الاجتماعي انطلاقا من انتفاض منوبية الورتاني (1924) وحبيبة المنشاري (1929) على واقع المرأة المتردي (تعود بدايات الحركة النسائية في تونس الى بداية العشرينات وفق ما جاء في كتاب الأستاذة الهام المرزوقي "الحركة النسائية في تونس")؟
-في نقده للزيتونيين الذين عارضوا الطاهر الحداد، يقول رجاء فرحات إنهم لم يتفوهوا بكلمة واحدة ضد المؤتمر الأفخارستي (1930) الذي انتظم بتونس وكان من بين أهدافه دفع التونسيين الى اعتناق المسيحية، أفليس هذا تحريفا للتاريخ؟ وألم تشهد تونس عدة احداث من قبل شباب مقدام -ومنهم الزيتونيون- ندد بهذا المؤتمر وحاول فك تمثال الكاردينال لافيجري الحامل للصليب والذي كان منصوبا في مدخل المدينة (خلف باب بحر)؟ 
-الشيخ محمد صالح بن مراد، وان عارض الطاهر الحداد، فإنه لم يستعمل عبارة "هذا على الحساب الى ان أقرأ الكتاب"، بل هي عبارة نُسبت له خطأ.. وهذه جزئية لا يمكن أن تحجب خصوصيات الفترة التاريخية التي كانت تعيشها تونس تحت الاستعمار، وهو ما يتطلب قراءة متأنية لما حدث حتى لا نحمل التاريخ ما لا يمكن ان يحتمله. 
-نضال بشيرة بن مراد وأعضاء الاتحاد النسائي الاسلامي (تأسس سنة 1936) المنخرطين بفروعه بأغلب تراب الجمهورية ونضال نساء اتحاد نساء تونس ومنهن شريفة السعداوي ونبيهة بن ميلاد وقلاديس عدة وانتخاب شريفة المسعدي في الهيئة التنفيذية لإتحاد الشغل (سنة 1949) شكلت كلها عوامل وتراكمات ادت الى تحرر المراة التونسية، وهو ما تجاهلته المسرحية كليا. 
-صحيح أن عملا واحدا لا يمكن أن يفي حق التونسيات ونضالهن من أجل البلد وحقوقهن، لكنْ هناك نقاط لا يمكن التغافل عنها ومنها بصفة خاصة مقاومة النساء في القرى والمدن ضد الاستعمار وخروجهن الى الفضاء العام للمشاركة في مسيرات واجتماعات في فعل مواطني نادر في العالم العربي في الثلاثينات والاربعينات، وهو ما وضع الأسس الأولى لمسار تحرير المرأة التونسية.
احتفى عرض "حراير تونس" بالمرأة التونسية لكنه احتفى بالأخص برجلين كان لهما أشد الأثر على واقع المرأة التونسية في القرن العشرين وهما الطاهر الحداد والحبيب بورقيبة. وهي قراءة تاريخية فنية هامة تفتح الباب لقراءات أخرى تُبرز القصص البطولية والأدوار الحاسمة التي لعبتها التونسيات في مختلف أنحاء الجمهورية.
شيراز بن مراد