الخميس، 24 مارس 2016

يوسف مارس مخرج مسرحية «دوالب»: ما حدث في بنقردان ملحمة مذهلة صنعها شعب بسيط

بمناسبة تقديمه للعرض الأول لمسرحية«دوالب»، التقينا المخرج يوسف مارس الذي حدثنا عن خصوصيات عمله الفني الجديد. كما تطرقنا في هذا الحوار الى الأحداث الأليمة التي شهدتها مدينة بنقردان مسقط رأس محدثنا الذي تحدى حظر التجوال المفروض على الجهة ليحتفي بزواجه نهاية الأسبوع الفارط قائلا «نحن أناس يفعلون.. نحرك الفعل وندركه وندرك معانيه، سننتصر لأنّنا عاجزون عن الهزيمة».
ـ لو تحدثنا في بداية الحوار عن مسرحية «دوالب» وفكرتها الأساسية؟
فكرة مسرحية «دوالب» انطلقت من رحم الواقع التونسي وممّا تعيشه البلاد من «دوالب» مكشوفة ومخفيّة... ولعلّ السؤال الرئيسي الذي اعتمدت عليه المسرحية هو «من يحرّك من؟» أي من يحرّك «الماكينة» التي تتحكّم في مجتمعنا...
وبصفة أوضح، أثارت «دوالب» مواضيع سلطة المال وسلطة الدين وسلطة الحكم.. وفي المسرحية اجتمع إله الكفر وهو الجوع وإله العدم وهو الجهل، وعندما يجتمع هذان العاملان وسط أناس دون وعي يمكن تخيّل تداعياتهما..
الفعل المسرحي كان مطيّة للمسائل المذكورة، فالمسرح له القدرة على تحمّل واستيعاب هذه الرؤى من خلال بناء درامي يحاكي ما يعرفه الواقع من أزمات ومن انقسامات وثنائيات بين الأمل والألم، بين الحلم والعدم، بين المخيال والواقع، بين الثراء الفاحش والفقر، بين الكذب والصدق، بين الوعي وغياب الوعي، بين من يحرّكون الدوالب وبين تلك الشخصيات البسيطة التي يمكن أن تكون "عروس الخيط" الذي يتلاعبون به كما يشاؤون.
ـ تطرقت في عملك بصفة خاصة الى مفهوم «السلطة» في معناها الاجتماعي اي سلطة الأخ على أخته وسلطة الكبير على الصغير، فلو تفسر لنا هذا التمشي؟
فكرة السلطة كانت حاضرة من أولى مشاهد المسرحية، عندما يقول الأخ لأخته «وين على خير؟» تتجلى فكرة تسلّط هذا الأخ الذي اطلقنا عليه اسم «الشرقي» في إشارة لرمزية هذه الشخصية الذكوريّة المتغطرسة.. السلطة هي أول منطلق في الحياة، من النطفة الأولى التي يتزاحم فيها 3 أو 6 آلاف حيوان منوي ليبقى منها واحد فقط.. السلطة تنطلق من الوهلة الأولى... وإيماننا مطلق أنّ الخشبة هي أهم رحم لإبراز ذلك... وبدون سلطة لا يمكن أن نتحرّك، فالسلطة هي الضابط والمقياس والمحرار... فمن يملك السلطة يعلو ومن يفتقد السلطة يتدحرج الى الأسفل.. السلطة هي الإعلام، هي السياسة، هي الدين، وهي أيضا في علاقة مباشرة مع أبسط حاجيات البشر، فإذا منعت عنك الأكل، فستكون تحت أمري، وإذا أعطيتك هدية وقبلتها، أصبحت عبدي.. ونحن كمجتمعات شرقية، يُكبلنا المنطق الديني الروحاني، وإذا كانت هناك سلطة بإمكانها أن تدمرنا، فسلطة العادة أقوى من القانون، وهي خط أحمر يصعب المساس منه.
ـ عملك كان موغلا في السوداوية، لماذا؟
لا يمكن أن نرى الأبيض إلاّ إذا كان هناك أسود والعكس بالعكس.. والعمل انطلق ممّا تعيشه البلاد من انكسارات ومن وحشية بشرية ومن جهل وتعشش أفكار الدمار والمحسوبية وغياب الوطنية رغم إيمان عدد كبير منا بفكرة الوطن وبحب الوطن. السواد موجود في الجوامع وفي الجامعات وفي المكاتب والمقاهي.. السواد موجود في الأعراس والمناسبات والمآتم.. السواد موجود في الذاكرة الشخصية والذاكرة الجماعية...
في تونس هناك السواد ولكن هناك أيضا الأحلام.. ومن وجهة نظري البسيطة كإنسان يشتغل في الحقل الفني، علينا توفير رؤية أو سبيل خلاص.. نحن لا نعطي أدوية بل نضع أصابعنا على الداء... لماذا نزيّف الواقع؟ اللون الأسود هو الطاغي بطم طميمه، ثمّ إنّ اللون الأسود قديما هو لون الحكمة وهو صوت الحق...
- المرأة كانت حاضرة بقوة في عملك من خلال شخصيتي دليلة وليليا..
صحيح، دليلة (إباء الحملي) مثلت المرأة الجميلة المتألقة وكان دورها أساسيا نظرا لشبكة العقد التي يعاني منها المجتمع العربي، ومنها مسألة الجنس ونعود هنا إلى المحرمات الثلاثة: السلطة والدين والجنس. وهناك أيضا ليليا (ميساء ساسي) التي يمكن أن ترمز الى تونس التي تتلقى الكدمات، وهي كذلك الفتاة البسيطة التي قمعت وظلت وفية لمبادئها وتونسيتها طيلة 3 آلاف سنة حضارة أو أكثر... المرأة هي الطاقة والمحرار لتحرير الوطن. هذه المرأة تحمل شيئا من الوعي ـ ولو كان فطريا ـ ولو أضفنا اليه شيئا من العلم لأعطى نتائج طيبة.
-أنت أصيل بنقردان، فكيف عشت على وقع الأحداث التي هزت المدينة منذ يوم 7 مارس؟ 
ما حدث في بنقردان ملحمة مذهلة قدمها شعب بسيط... انا حاضر في بنقردان منذ أيام وشاهدت كيف حمى الأمن والجيش والمواطنون الوطن... ولو لم يكن هذا الشعب مبنيا على ثنائية الرغبة الحياة واحترام الحياة لما حققنا النصر..
بصراحة كنت كأغلب أبناء بنقردان أجلب السلع من ليبيا لبيعها على أرض الوطن، وكنت أعرف ما معنى أن تطأ قدماك التراب التونسي... وكل مواطن من بنقردان يعي ذلك جيدا.. وإذا ما دخل أي غريب فسيتم دحره. «العقرب تنهش واللبة تعض والقطة تخبش وتدبش» مثلما تقول ليليا في المسرحية.. كل الطرق في الدفاع ستكون مباحة وعندما نحكي عما يحدث في بنقردان، لا يمكن أن نرمز لذلك إلا بليليا التي تحمل هذا الرداء الأصفر الفاقع، فالأصفر هو لون الغيرة على البلاد وهو لون الرغبة في التحرر، وهو كذلك اللون الذي يمكن أن يصبح برتقاليا أو أحمر قانيا.
 - وهل كان الساسة في مستوى هذه الملحمة؟
لكي تكون في مستوى الملحمة، عليك أن تكون سياسيا عظيما مثل أرسطو أو كريون.. يبدو أنّنا في أمس الحاجة إلى رجال صناع فعل بإمكانهم تغيير واقع البلاد.. ما حدث في بنقردان يمكن أن يكون منطلقا حقيقيا للتغيير. فهذا الدرس البسيط الذي قدمه أناس بسطاء من مواطنين وأمنيين وجنود من الضروري أن يفتح أبواب الأمل. الدولة مطالبة بتوفير جزء بسيط مما قدمه هؤلاء من خلال بعث المشاريع وتوفير سبل العيش الكريم. منذ استعمار فرنسا لتونس سنة 1881، هذه هي المحاولة الثانية لاستعمار جزء من أرض الوطن.. وقد ووجهت هذه المحاولة ببسالة وبصدور عارية ورؤوس شامخة. اليوم الحكومة مطالبة بتغيير مجرى الأحداث.
-هل من كلمة أخيرة؟
تخليدا لهذه الملحمة، قررنا مع مجموعة من المبدعين تقديم تظاهرة ثقافية أيام 8 و9 و10 أفريل تزامنا مع عيد الشهداء تتمثل في عروض ثقافية في المدارس وفي دار الثقافة ببنقردان ايمانا منا أن الحزام الأول للدفاع عن الوطن هو الثقافة. وقد انخرط في هذه المبادرة عدد من مبدعي الجهة على غرار فرحات دبش ومبروك السياري وفتحي السياري ومراد تواهرية وجلال عبد الكبير (مدير دار الثقافة) وسفيان هلال. في نظري يجب الانطلاق من القاعدة أي الأطفال، الغزو الثقافي يكون بتقديم الحقيقة، أي قيم حب والعلم والرغبة في اكتشاف الآخر والتواصل معه وضرورة ان نتجاوز الحائط وأن نكتشف ما وراء الحائط وضرورة البحث عن الحلم...
من أعمال يوسف مارس:
ـ5 أعمال موجهة للأطفال: «السندباد» و«يوبا يوبي» و«فوجي وبوجي» و«صاحب الرسالة» و«سنقور»
ـ مساعد مخرج في «بوراشكا والفلايك ورق»
ـ مشاركة في مسرحية «حقائب» ورُشح في ليلة المسرح التونسي كأحسن ممثل
ـ مساعد مخرج في الحضرة مع الفاضل الجزيري (2010 و 2012)
ـ مساعد مخرج في صاحب الحمار للفاضل الجزيري
ـ مساعد مخرج في «واحد منا» لمنير العرقي
الجذاذة الفنية لمسرحية "دوالب"
نص : يوسف مارس  والجليدي العويني
دراماتورجيا واخراج : يوسف مارس
المنتج المنفذ : معز جاء بالله
تمثيل: علاء الدين شويرف - محمد الياس العبيدي -هيثم لعوينيمحمد شوقي خوجةميساء ساسيإباء حملي
توظيب عام : لطفي معاوية
تقني موسيقى : لطفي معاوية
تقني اضاءة : يوسف ميلاد
ملابس و اكسسوار: صالح بركة  
ماكياج : صالحة الجلاصي
انتاج : فورتونا للانتاج والتوزيع الفني مارس 2016
حاورته شيراز بن مراد

بعد مرور 21 سنة على اخراجه: المخرجة سلمى بكار تكشف خفايا فيلم حبيبة مسيكة

بعد مرور قرابة 21 سنة عن عرضه بقاعات السينما، قدم نادي سينما الحمراء فيلم «حبيبة مسيكة» للمخرجة سلمى بكار وذلك في اطار شهر خصّص لسينما المرأة تزامنا مع الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة، 8 مارس 2016، وذلك وفق ما أعلنته منيرة يعقوب المشرفة على النادي.
اثر العرض تجمّع المتفرّجون في بهو مسرح الحمراء -وهو من أعرق القاعات الثقافية في العاصمة- حول صاحبة «خشخاش» و«فاطمة 75» للتناقش حول مضمون الفيلم واختياراته، وهو الذي تطرّق لواحدة من أبرز رموز الموسيقى التونسية، ألا وهي الفنانة حبيبة مسيكة التي قدمت للأغنية الكثير قبل أن تقضي نحبها على يد رجل يُدعى الميموني أحبّها ولم يقبل أن تنفصل عنه وتطير بجناحيها..
في البداية تولت سلمى بكار توجيه تحية الى روح من رافقوها في انجاز الفيلم الذي صوّر سنتي 1994 و1995، لكنهم غادرونا اليوم ومنهم الكاتب سمير العيادي والممثلة منية الورتاني التي قامت بدبلجة صوت البطلة سعاد حميدو التي كانت تتكلّم بالفرنسيّة.
كما توجهت بشكرها الى الفنانة سنية مبارك التي قدمت أغاني الفيلم، وبيّنت سلمى بكار انّ الاسطوانات الموسيقيّة لحبيبة مسيكة لم تكن ذات جودة عالية وبالتالي لم يكن ممكنا استغلالها في الفيلم. وعرجت سلمى بكار على الحياء الذي أبدته سنية مبارك عند غناء بعض الكلمات الجريئة على غرار «علي سرير النوم دلعني»، لكن سنية مبارك تغلبت علي خجلها ليكون أداؤها لأغاني مسيكة أكثر من مميّز.
 وقالت سلمي بكّار انّ من بين الصعوبات التي اعترضتها عند البحث عن تفاصيل من حياة حبيبة مسيكة هو انه لم يُكتب الكثير عن هذه الفنّانة عندما كانت على قيد الحياة بل كُتب عنها بعد مماتها.. وأضافت سلمى بكار انّها انجزت فيلما حول الفن والحبّ والحياة، وأرادت نقل صورة جميلة لحبيبة مسيكة، هذه الفنانة التي احبت تونس والفن والحياة الى ان احترقت أجنحتها
Elle est allée jusqu'au bout de sa passion comme un papillon attiré par la lumière tout en sachant qu'il sera brûlé par le feu
ومما كشفته سلمى بكّار انّ حبيبة مسيكة، التي سافرت الى برلين وباريس آواخر عشرينات القرن الماضي، مثلت في فيلم مصري لكنّه مع الأسف لم ير النور.. وبعد وفاتها يوم 28 فيفري 1930، صدر فيلم وثائقي صوّر جنازتها التي حضرها قرابة 5 آلاف شخص وشيّعوها من مقر اقامتها بجهة الباساج الى مقبرة بورجل.. وقد بحثت بكار عن الفيلم وعثرت على مخرجه "جون سباغ" الذي أعلمها أنّ الشريط الوثائقي أتلفته المياه بأحد الأقبية القديمة.
وحول المصادر التي اعتمدتها سلمى بكار لرسم ملامح شخصيّة حبيبة مسيكة، قالت المخرجة انها اتصلت بعدة أشخاص عايشوا الفنانة ومنهم الموسيقار محمد التريكي و«ايلي» الذي كان مرافقا لها والذي التقته سلمى بكار بباريس بعد بحث طويل وقد أصابه مرض «الزهايمر» لكنها تمكّنت بفضل اعانة زوجته من التحصّل علي عدّة معلومات قيّمة حول مسيكة.
وردّا عن سؤال أحد الحاضرين بخصوص تداخل الجانبين الوثائقي والروائي في شريطها، قالت سلمى بكار انها لاتعرف نسبة هذا وذاك لأنّها أنجزت فيلما حول حبيبة مسيكة الفنانة التي أعطت للفنّ ولتونس كما عبرت خلاله عن الكثير من نفسها ومن محيطها ومما كان يسكن دواخلها من أسئلة ومن رؤى للحياة.
وبخصوص الثوب الذي ارتدته حبيبة مسيكة في أحد مقتطفات الفيلم وظهرت فيه حاملة العلم التونسي، -لا ننسى انّ الحقبة التي سطع فيها نجم حبيبة مسيكة كان في عشرينات القرن الماضي ـ قالت سلمى بكار انّ هذا الثوب كان من وحي خيالها مشيرة الى انّ هناك من انتقد هذا المشهد متسائلا كيف ليهودية ان تحمل العلم التونسي. واعتبرت بكار في هذا السياق، انها لم تبالغ لأنّ كل من عرف حبيبة مسيكة يؤكد حبّها لتونس والتزامها بوطنها الأم مضيفة انّ مسيكة شاركت في مسرحيّة «الوطن» التي تُرجمت الى العربيّة وبسببها اقتحم البوليس الفرنسي المسرح واعتقل الممثّلين الذين قضوا ليلتهم في «دار الكوميسار».
ومما لا يعرفه العديدون انّ فنانات بداية القرن الماضي على غرار حبيبة مسيكة وفضيلة ختمي كان لهن «عسكر الليل» وهي مجموعة ترافق الفنان ومتكونة من كتّاب وملحّنين وصحفيين وهم الذين أثروا الحياة الثقافية بكتاباتهم ونقاشاتهم.. وفي هذا الاطار، قالت بكار إنّ الصحفي سعيد الخلصي، كان ضمن عسكرها، وقد تقمّص دوره الممثل نجيب بلقاضي، غادر الى المغرب ومنها الى اسطنبول حيث قضى سنوات طويلة بعد الصدمة التي لحقته عند مقتل مسيكة.
وأما في ما يتعلّق بعنوان الفيلم «رقصة النار»، فوضحت سلمى بكار انّها استلهمت العنوان من رقصة شهيرة قدمتها حبيبة مسيكة واستوحتها من الراقصة الأميريكية «لاو فيلير» حيث صعدت مسيكة على الرّكح مرتدية فستانا بلون النار ومصوغا مذهبا وعندما دارت حول نفسها اصبحت مثل «لهلوبة النار» ومنها جاء عنوان الفيلم. وختمت سلمى بكار كلامها قائلة انّ لهذه الرقصة رمزية فائقة في علاقة بالبحث عن الحرية في المطلق..
c'est la recherche de la liberté dans l'absolu
وبخصوص تكلفة الفيلم، قالت سلمى بكار انّ الفيلم بلغت ميزانيته 250 مليونا فقط موجهة التحيّة الى وزير الثقافة الأسبق الحبيب بولعراس الذي شجّعها على انجاز شريطها مثلما أرادته في حين اعترض الوزير الذي سبقه على الاهتمام بحبيبة مسيكة وطلب من سلمى بكار ان تصوّر فيلما حول صليحة او حول تونس في الثلاثينات.. وبمجرد تغيّر الوزير، بادر بولعراس بالاتصال بسلمى بكار ليعود الماء الى مجراه ويرى فيلم حبيبة مسيكة النور.
شيراز بن مراد

فيـلـم "الحـمـايـة 1881": هكذا تـمـكـنـت فـرنـسا من استعـمـار تــونــس..


قدّم المخرج طارق ابراهيم والمنتج محي الدين التميمي العرض الأول لفيلم "الحماية 1881" خلال الدورة الخامسة لملتقى المخرجين التونسيين. وقد رصد الفيلم الذي سجّل مشاركة مجموعة من الممثلين علي غرار سندس بلحسن والشاذلي صفر وأنس العبيدي الظروف التي هيأت لاستعمار البلاد سنة 1881 من قبل فرنسا.
ينطلق الفيلم بمقولة لشاعر الزنوجة إيمي سيزار والتي قال فيها انّ «مأساة إفريقيا أنّها احتكّت بأوروبا أثناء أزمتها. في تلك الفترة كانت اوروبا في أيدي تجّار الأموال وأصحاب الشّركات، فاقدي الضمير والذين تسبّبوا في أكبر مجزرة في التاريخ» ليعلن الفيلم منذ الوهلة الأولى عن النزعة الاستغلاليّة للقوى التي تربّصت بتونس والتي تجاوزت أطماعها حدودنا الوطنيّة لتخترقها بهدف استنزاف الثروات والخيرات التونسية غير عابئة بأرواح ناسها وبسيادة الخضراء على أرضها..
ومن خلال عمليّة توثيق دقيقة، يعود الفيلم الى تواريخ هامّة أثرت على مصير البلاد ومنها اقتراض تونس من فرنسا قرابة 35 مليون فرنك ذهبي سنة 1848 بعد ان شحت مداخيل الدولة من الضرائب، ومضاعفة الجباية من قبل الوزير الأكبر مصطفى خزندار الذي لم يحسن التصرف في ميزانية الدولة، ثم ثورة علي بن غذاهم، كبير قبيلة ماجر، سنة 1864، ثم القرض الجديد الذي طلبته تونس من فرنسا، وصولا الى سنة 1869 عندما أعلنت الإيالة إفلاسها.
وبالتزامن مع هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعيّة الصعبة، عبرت قبائل تونسية عديدة عن رفضها لدخول قوات المستعمر التي استغلّت معركة على الحدود مع الجزائر -قرب القالة- لإقحام أوّل جنودها على الأراضي التونسيّة.. وفي هذا السياق، قدّم الفيلم مقتطفات من أبرز أحداث المقاومة التي عرفتها البلاد من قبل قبائل أولاد خمير وأولاد عمّار وغيرهم ممن ضحّوا بدمائهم رفضا لدخول المستعمر..
 ومما نقله الفيلم أيضا ما عرفته مدينة الكاف من ردود أفعال عندما اختلفت مواقف أعيان المدينة بين الشيخ علي بن عيسى الذي نادى بمقاومة المستعمر وعدد من المشائخ الآخرين الذين اعتبروا انه لافائدة من سيلان الدم التونسي لعدم توازن القوى.. وفي 29 أفريل 1881 تمّ احتلال جندوبة، واما بنزرت فحاولت المقاومة لكنّها استسلمت بعد احتلال برجي سيدي سالم وسيدي حمد..
ومقابل مقاومة هذه المدن التونسية، كان موقف الصادق باي مخالفا رغم أنّ مستشاره العربي زروق نادى بالمقاومة وحكم عليه جرّاء ذلك بالإقامة الجبرية ثم اعتقل هو وابناه بتهمة التآمر قبل ان يلجأ الى تركيا.. وقد أمضى الصادق باي -كما هو معروف- بتاريخ 12 ماي 1881 على معاهدة باردو التي سمحت للاستعمار بالدّخول رسميا الى البلاد..
ويمكن القول انّ الفيلم توفق في تسليط الضوء على هذه الحقبة التاريخية الهامة لبلادنا، والتي لانعرف عنها الكثير وذلك من خلال طرح ذكي اعتمد على عاملين اثنين: اولهما تبسيط المعلومة حتى يتلقاها المتفرج بسهولة وثانيهما الدور الذي لعبته الممثلة سندس بلحسن التي مثّل ظهورها متنفسا فنّيا عبرت من خلاله بحرية الجسد والكلمات عن الهويّة التونسية المنفتحة والمتعدّدة، وكانت بمثابة الراوي العليم الذي يشهد على الأحداث ويسخر منها في نفس الوقت..
بين المعلومة التراجيديّة والتعليق الطريف، تأرجح فيلم "الحماية 1881" ليتخذ لنفسه جنسا سينمائيا مخصوصا يراوح بين الوثائقي والروائي فيقصُ مأساة التاريخ دون ان ينغّص على المتفرّج، ولو انّنا لمسنا -عند عرض الفيلم- تحسر عدد من الحاضرين على خضوع الصادق باي الى الفرنسيين وتسليمهم مقاليد حكم البلاد ولو مكث هو على كرسي العرش.. كما لمسنا أيضا رغبة في معرفة تاريخ البلاد بتفاصيله التي تقول الكثير عنا، وهي النافذة التي فتحها الفيلم مؤكدا حاجتنا كتونسيين لمعرفة من نحن وما هي حكايتنا. 
هذا ويستخلص المتفرّج من خلال "الحماية 1881"، كيف يمكن للتاريخ ان يعيد نفسه، عندما يضعف الاقتصاد ويكون الساسة مجرد دمى لا همّ لهم سوى المحافظة على كراسيهم، عندها تُفتح الأبواب امام التدخّل الأجنبي وامام استغلال خيرات البلاد.. ذلك ما حدث سنة 1881 وذلك ما يحدث في 2016 ولو بشكل مغاير..
بقي ان نشير الى انّ فيلم "الحماية 1881" حاز جائزة أفضل فيلم وثائقي في الدورة الخامسة لملتقى المخرجين التونسيين، وهي جائزة يستحقّها بجدارة لما فيه من تميّز على مستوى الصورة والمضمون. فألف مبروك لكل الفريق الذي اشتغل على الفيلم في انتظار عرض الفيلم في القاعات التجارية وفي انتظار جوائز أخرى هو جدير بها.
شيراز بن مراد