بعد مرور قرابة 21 سنة عن عرضه بقاعات السينما، قدم نادي سينما الحمراء فيلم «حبيبة مسيكة» للمخرجة سلمى بكار وذلك في اطار شهر خصّص لسينما المرأة تزامنا مع الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة، 8 مارس 2016، وذلك وفق ما أعلنته منيرة يعقوب المشرفة على النادي.
اثر العرض تجمّع المتفرّجون في بهو مسرح الحمراء -وهو من أعرق القاعات الثقافية في العاصمة- حول صاحبة «خشخاش» و«فاطمة 75» للتناقش حول مضمون الفيلم واختياراته، وهو الذي تطرّق لواحدة من أبرز رموز الموسيقى التونسية، ألا وهي الفنانة حبيبة مسيكة التي قدمت للأغنية الكثير قبل أن تقضي نحبها على يد رجل يُدعى الميموني أحبّها ولم يقبل أن تنفصل عنه وتطير بجناحيها..
في البداية تولت سلمى بكار توجيه تحية الى روح من رافقوها في انجاز الفيلم الذي صوّر سنتي 1994 و1995، لكنهم غادرونا اليوم ومنهم الكاتب سمير العيادي والممثلة منية الورتاني التي قامت بدبلجة صوت البطلة سعاد حميدو التي كانت تتكلّم بالفرنسيّة.
كما توجهت بشكرها الى الفنانة سنية مبارك التي قدمت أغاني الفيلم، وبيّنت سلمى بكار انّ الاسطوانات الموسيقيّة لحبيبة مسيكة لم تكن ذات جودة عالية وبالتالي لم يكن ممكنا استغلالها في الفيلم. وعرجت سلمى بكار على الحياء الذي أبدته سنية مبارك عند غناء بعض الكلمات الجريئة على غرار «علي سرير النوم دلعني»، لكن سنية مبارك تغلبت علي خجلها ليكون أداؤها لأغاني مسيكة أكثر من مميّز.
وقالت سلمي بكّار انّ من بين الصعوبات التي اعترضتها عند البحث عن تفاصيل من حياة حبيبة مسيكة هو انه لم يُكتب الكثير عن هذه الفنّانة عندما كانت على قيد الحياة بل كُتب عنها بعد مماتها.. وأضافت سلمى بكار انّها انجزت فيلما حول الفن والحبّ والحياة، وأرادت نقل صورة جميلة لحبيبة مسيكة، هذه الفنانة التي احبت تونس والفن والحياة الى ان احترقت أجنحتها
Elle est allée jusqu'au bout de sa passion comme un papillon attiré par la lumière tout en sachant qu'il sera brûlé par le feu
ومما كشفته سلمى بكّار انّ حبيبة مسيكة، التي سافرت الى برلين وباريس آواخر عشرينات القرن الماضي، مثلت في فيلم مصري لكنّه مع الأسف لم ير النور.. وبعد وفاتها يوم 28 فيفري 1930، صدر فيلم وثائقي صوّر جنازتها التي حضرها قرابة 5 آلاف شخص وشيّعوها من مقر اقامتها بجهة الباساج الى مقبرة بورجل.. وقد بحثت بكار عن الفيلم وعثرت على مخرجه "جون سباغ" الذي أعلمها أنّ الشريط الوثائقي أتلفته المياه بأحد الأقبية القديمة.
وحول المصادر التي اعتمدتها سلمى بكار لرسم ملامح شخصيّة حبيبة مسيكة، قالت المخرجة انها اتصلت بعدة أشخاص عايشوا الفنانة ومنهم الموسيقار محمد التريكي و«ايلي» الذي كان مرافقا لها والذي التقته سلمى بكار بباريس بعد بحث طويل وقد أصابه مرض «الزهايمر» لكنها تمكّنت بفضل اعانة زوجته من التحصّل علي عدّة معلومات قيّمة حول مسيكة.
وردّا عن سؤال أحد الحاضرين بخصوص تداخل الجانبين الوثائقي والروائي في شريطها، قالت سلمى بكار انها لاتعرف نسبة هذا وذاك لأنّها أنجزت فيلما حول حبيبة مسيكة الفنانة التي أعطت للفنّ ولتونس كما عبرت خلاله عن الكثير من نفسها ومن محيطها ومما كان يسكن دواخلها من أسئلة ومن رؤى للحياة.
وبخصوص الثوب الذي ارتدته حبيبة مسيكة في أحد مقتطفات الفيلم وظهرت فيه حاملة العلم التونسي، -لا ننسى انّ الحقبة التي سطع فيها نجم حبيبة مسيكة كان في عشرينات القرن الماضي ـ قالت سلمى بكار انّ هذا الثوب كان من وحي خيالها مشيرة الى انّ هناك من انتقد هذا المشهد متسائلا كيف ليهودية ان تحمل العلم التونسي. واعتبرت بكار في هذا السياق، انها لم تبالغ لأنّ كل من عرف حبيبة مسيكة يؤكد حبّها لتونس والتزامها بوطنها الأم مضيفة انّ مسيكة شاركت في مسرحيّة «الوطن» التي تُرجمت الى العربيّة وبسببها اقتحم البوليس الفرنسي المسرح واعتقل الممثّلين الذين قضوا ليلتهم في «دار الكوميسار».
ومما لا يعرفه العديدون انّ فنانات بداية القرن الماضي على غرار حبيبة مسيكة وفضيلة ختمي كان لهن «عسكر الليل» وهي مجموعة ترافق الفنان ومتكونة من كتّاب وملحّنين وصحفيين وهم الذين أثروا الحياة الثقافية بكتاباتهم ونقاشاتهم.. وفي هذا الاطار، قالت بكار إنّ الصحفي سعيد الخلصي، كان ضمن عسكرها، وقد تقمّص دوره الممثل نجيب بلقاضي، غادر الى المغرب ومنها الى اسطنبول حيث قضى سنوات طويلة بعد الصدمة التي لحقته عند مقتل مسيكة.
وأما في ما يتعلّق بعنوان الفيلم «رقصة النار»، فوضحت سلمى بكار انّها استلهمت العنوان من رقصة شهيرة قدمتها حبيبة مسيكة واستوحتها من الراقصة الأميريكية «لاو فيلير» حيث صعدت مسيكة على الرّكح مرتدية فستانا بلون النار ومصوغا مذهبا وعندما دارت حول نفسها اصبحت مثل «لهلوبة النار» ومنها جاء عنوان الفيلم. وختمت سلمى بكار كلامها قائلة انّ لهذه الرقصة رمزية فائقة في علاقة بالبحث عن الحرية في المطلق..
c'est la recherche de la liberté dans l'absolu
وبخصوص تكلفة الفيلم، قالت سلمى بكار انّ الفيلم بلغت ميزانيته 250 مليونا فقط موجهة التحيّة الى وزير الثقافة الأسبق الحبيب بولعراس الذي شجّعها على انجاز شريطها مثلما أرادته في حين اعترض الوزير الذي سبقه على الاهتمام بحبيبة مسيكة وطلب من سلمى بكار ان تصوّر فيلما حول صليحة او حول تونس في الثلاثينات.. وبمجرد تغيّر الوزير، بادر بولعراس بالاتصال بسلمى بكار ليعود الماء الى مجراه ويرى فيلم حبيبة مسيكة النور.
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق