الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

الفنان نصير شمة: أكبر خيبة أن نترحم اليوم على صدام وبن علي ومبارك والقذافي


لعود الفنان العراقي نصير شمة قدرة تكاد تكون سحرية على إزالة شيء من الظلمات التي تلّفنا وعلی بث أشعة الأمل والتسامح.. على دندنات عوده تتماوج النغمات تموّج الدانتيلا الرهيفة فتعزف الحياة بجروحها وبفرحها، تعزف الأنا والآخر الذي لا يرتفع بينهما أيّ جدار أو عداوة.. تخال وأنت تستمع لمعزوفة «رحيل القمر» مثلا كأنك شربت اكسيرا يصالحك مع نفسك ومع العالم وناسه، لما فيها من عذوبة تدعو الى السلام والمحبة.. التقينا نصير شمة بمدينة الحمامات حيث كان يشارك في ملتقى حول الموسيقى والسينما، فجمعنا به هذا الحوار الذي حدّثنا فيه عن رؤيته للثورات العربية قائلا إنّ «الغد» يمكن أن يحتضن تطلعاتنا وأحلامنا وأنّ أكبر خيبة يمكن أن نعيشها اليوم هي أن تصبح الشعوب تترحم على أنظمة صدام وبن علي ومبارك والقذافي..
وقد شدّنا نصير شمة في اللقاء الذي جمعنا به بالروحانيات التي تفيض من تفكيره، من ذلك اعتباره أن هناك مشيئة و«يدا إلهية» وراء ما يحدث في العالم العربي من تغييرات معترفا في الآن نفسه بأنّ هناك ضريبة سندفعها قبل أن تندمل جراحنا..
لو بدأنا من الجرح الذي خلفته الثورات العربية، كيف يعيشه الفنان نصير شمة وهو الذي عزف الجرح العربي منذ أكثر من عقدين؟
يبدو لي أن الطبخة الديمقراطية غير جاهزة ومازال طعمها لم يستو بعد فالديمقراطية لا يمكن لها ان تُركّب، هي ليست قطعة ديكور داخلي لمنزل، بل يجب أن تنبع من الداخل وفق سياقات المجتمع الذي تظهر فيه سواء كانت دينية أو اقتصادية أو سياسية وذلك إلى أن تصير من التقاليد.. ولقد مثّل الربيع العربي فرصة لكي نبدأ في هذا المسار.. كانت لنا أنظمة فيها كثير من الفساد، فيها عائلات تحكم، فيها رشوة وصلت الى مستويات فظيعة، فيها خدمة للمصالح الضيقة على حساب الشعوب، وهذا كله تخلصنا منه وهو ما يتطلب منّا اعادة ترتيب البيت من جديد .. فعندما تفقد أسرة أحد أفرادها، فإنها تفقد بذلك وضعها الطبيعي، فما بالك بشعوب تفقد الالاف ومئات الالاف من أبنائها؟ الأكيد أنّ هناك ثمن واضح سندفعه حتى تندمل الجراح.. المزاج العام مفروض عليه أن يدخل في سياق التجربة الحقيقية لتبادل السلطة الديمقراطية التي تؤسس لمصلحة المجتمعات وتعطي ضمانات للفرد.. لكل شعب خصوصياته وتجربته ونحن بحاجة الى الوقت.. لكن المهم أنّنا قطعنا الخطوة الأولى..
والفن، أليس هو أيضا في حالة انكماش؟ وكيف لشعوب أن تنهض من جديد و فنّها وثقافتها موضوعان بين قوسين وحرية الابداع مهدّدة فيها؟
هناك شكلان من التعبير الفني: شكل تعبوي يواكب الاحداث وهو ضروري، وشكل تعبيري ينتظر ان تزول الصدمة لكي يعيد تنظيم نفسه خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار هشاشة الفعل الثقافي.. الصدمة التي حدثت في مجتمعاتنا العربية بدءا من تونس وصولا الى مصر، الى سوريا، الى اليمن، الى ليبيا شكلت رجّة في كافة دول الربيع العربي وخلقت حالة ارباك كبيرة وفي خضّم كل هذا انكمش الفن على نفسه.. وفي نظري فإن الفن الحقيقي يحتاج الى وقت حتى يعبّر عن نفسه.. والاعمال الكبيرة التي دخلت التاريخ تطلبت شيئا من الوقت حتى تستقر الامور أكثر.. ومن جهة اخرى لمّا نُقحم السياسة في الدين تصير اساءة للدين وللانسان الذي يجد دائما سببا للتنازع والتّحارب بينما الدين أسمى من كل هذا.. ما نريده من كل الاحزاب والسياسيين هو أن ألاّ يتركونا نترحم على أنظمة فاشية أنظمة صدام وبن علي ومبارك والقذافي.. هم كانوا مخطئين والوضع الآن في طريقه الى أن يصبح صحيحا.
يعزف نصير شمة الحزن والوجيعة («أرض السواد» و«رحيل القمر») وفي الوقت نفسه الامل والحلم («ضوء الروح»، «اشراق»)، فمن أين يأتي ضوء الروح هذا وهل له قدرة على اجلاء السواد من على الوجوه والنفوس؟
الامل موجود وكذلك الالم موجود، فهما صنوان متلازمان يسيران بالتوازي ونحن محكومون بهما الاثنين في الوقت ذاته… يقول ونّوس نحن محكومون بالامل وأنا أقول نحن محكوم علينا بالالم، لأننا لم نعرف منذ 1000 سنة من تاريخ العرب فترة خالية من التدمير ومن الاقصاء والاحتلالات وتغيير بنيان الدول والشعوب والحضارات.. غير أني اعترف بأن الامل موجود في الجيل الصاعد وفي الشباب وأتذكر أني لما كنت أعزف بالجامعة التونسية أو بفضاء النجمة الزهراء كنت أرى شبابا يصغي إلى الموسيقى بإنتباه عجيب.. بمجرد أن أضع قدمي في المسرح يتحول الفضاء الى محراب.. الامل أراه في هذا الجيل وعندما يتوّحد وجدان الشعب في لحظات، فينتفض ويغيّر حالته.. عندما ننظر الى الغرب والى حقوق مواطنيه ندرك أنّ كل هذا لم يتحقق بطريقة اعتباطية بل جاء بعد تضحيات ونضالات ومظاهرات وقتلى.. الغد يمكن أن يحتضن تطلعاتنا بعد أن كنّا مهددين بالسجن والاعدام بسبب تهمة او وشاية.. «الان أصبح فيه بكرة و إن شاء الله أطفال بكرة يعيشوا أحسن مما فات..»
عنونت إحدى معزوفاتك «قصة حب شرقية»، فهل مازال مجال للحب الشرقي اليوم بعد أن أشهرنا في وجوه بعضنا مسدسات التفرقة والكراهية والاقصاء؟
قبل فترة ليست بعيدة، أربعة عقود تقريبا، كانت اسبانيا تسمى ارض الموت والخراب وكان فرانكو يقصف ويقتل وفعل العجب العجاب في شعبه.. والشعب بدوره تمترس وأصبحت الجثث في الشوارع، أما اليوم فقد وصلت اسبانيا إلى مستوى عال من الرقي.. الشيء نفسه بالنسبة إلى أوروبا التي أصبحت فضاء موحدا متماسكا بعد أن عرفت أكثر من 50 مليون قتيل.. طبيعة الانسان انّ له القدرة على التجاوز وعلى التطلع لما هو أفضل فهناك المصالح المشتركة وهناك مصلحة الاولاد والجيل الصاعد وكل هذا من شأنه أن يقود الى مصالحات والى حب جديد خاصة ان الانسان قادر على الصفح والاعتذار، وكل هذا ليس مستحيلا ولسنا أول الشعوب التي خاضت حروبا ولن نكون آخرها..
العراق كيف حاله وحال أهله اليوم؟
لمّا يكون الخطر موجودا يصبح الانسان واعيا اكثر بقيمة الحياة.. كنت خلال شهر سبتمبر بالعراق وقدمت بمناسبة اليوم العالمي للسلام واحدة من أجمل حفلاتي.. ونحن في الطريق كنا نتمنى ألا تنفجر السيارة.. في كل مرّة نتوقف في الطريق ندعو الاله لكي يسترنا وكل اطفال بلاد الرافدين.. كنت أردّد الشهادة في كل اشارة ضوئية نقف عندها.. لماذا الموت ولماذا القتل؟ الاحتلال غادر البلاد فلماذا نقتل بعضنا البعض؟ هناك اليوم صناديق اقتراع وانتخابات ومن يريد أن يصعد الى السلطة عليه ان ينشئ حزبا وتصبح له قاعدة قويّة ويفوز ويحكم.. أمّا أن تُفجّر وتقتل فهذا ما لا نقبله.. سيأتي يوم ويتلاشى كل هذا وتنتصر الحياة..
ماجديد نصير شمّة؟
سأقدم يوم 31 ديسمبر 2013 حفل رأس السنة بالقاهرة وتحديدا بساقية الصاوي وسأقدم لجمهور ذواق ساعتين من الفن الجميل يعبروا به الى العام الجديد وهم منتشون بالموسيقى الجميلة.. كما سأحيي يوم 15 جانفي حفلا بمهرجان دولي بالشارقة في الامارات.. وفضلا عن هذا سأشارك بفرنسا في تكريم محمد سعيد الصقار وهو أحد أهم الخطاطين العراقيين.. ولي رغبة في تقديم عرض موسيقي في تونس يلتقي فيه الاوركسترا السمفوني مع العود وأُشرك فيه موسيقيين من تونس ومن العراق..
كلمة نوّدع بها 2013؟
كل أملي أن تستقر تونس بسرعة فقد سبقت سائر دول العالم العربي بخطوة وأتمنى أن تنجح في مسارها الانتقالي وأن تؤكد للعالم قدرتها وطاقة أبنائها على تجاوز المحن.. وإذا نجحت تونس فستمنح للبقية أملا حقيقيا لمن هم مضطهدون بسبب دينهم أو قوميتهم.. يجب ان يكون شعار المرحلة القادمة «مصلحة الوطن قبل كل شيء..»

رابط معزوفة “رحيل القمر”

حاورته: شيراز بن مراد

رواية الغوريلا لكمال الرياحي ضمن قائمة أفضل الروايات العربية 2013


في إستفتاء مع الكتّاب أجراه الموقع المتخصص في الأدب العربي المترجم إلى الانجليزية حول أفضل الكتب التي قرأها الكتّاب سنة 2013، تم إختيار رواية “الغوريلا” للكاتب التونسي كمال الرياحي ضمن قائمة قصيرة لأفضل الروايات العربية.. ويُنجز موقع الأدب العربي هذا الاستفتاء كل عام ليرصد أفضل الكتب التي قرأها الأدباء. وقد شارك في الاستفتاء كل من جانة حسن ومحمد علاء الدين وابراهيم فرغلي وعلي بدر وهشام البستاني وطارق الامام وسيد محمود ونهاد سيراس والكاتبة التونسية المتميزة والمقيمة بالإمارات إيناس عباسي التي اختارت رواية الغوريلا كأفضل قراءاتها لهذا العام.
وصدرت رواية “الغوريلا” عن دار الساقي للنشر وتطرق فيها الكاتب كمال الرياحي لعالم المهمشين.. وكان سبق للرياحي أن نشر رواية أخرى تحت عنوان “المشرط” لاقت بدورها نجاحا واسعا وتوّجت بجائزة الكومار الذهبي لسنة 2007 على المستوى المحلي. ويأتي هذا التتويج ليؤكد مرّة أخرى قيمة الأعمال الروائية للكاتب كمال الرياحي الذي يستعد لإصدار روايته الثالثة “نكسة 69″..
ومن الأعمال الأخرى التي تضمنتها قائمة أفضل الروايات العربية الأكثر مقروئية لسنة 2013 نذكر “فراكنشتاين في بغداد” لأحمد السعداوي و”النباشون” لسوسن جميل حسن و”لاسكاكين في مطابخ هذه المدينة” لخالد خليفة و”ساق البامبو” لسعود السنعوسي و”منازل الوحشة” لدُنى غالي.
شيراز

السبت، 21 ديسمبر 2013

يسرى فراوس (ممثلة الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان في تونس): هناك تهديدات حقيقية لحرية التعبير في تونس بعد الثورة


بكثير من الامتعاض تحدثت لنا يسرى فراوس ممثلة الفيديرالية الدولية لحقوق الانسان بتونس عن واقع الحريات في تونس بعد الثورة، فكيف لنا -والكلام لها- أن نقبل بمحاكمة الفنانين والاعلاميين والشباب الذي شارك في ثورة قامت من أجل الكرامة والحريات؟ التقينا السيدة يسرى فراوس على هامش الحملة التي أطلقتها فيدرالية حقوق الانسان بمعية عدد من مكونات المجتمع المدني للمطالبة بإطلاق سراح سجيني الرأي جابر الماجري الذي حوكم بـ7 سنوات سجنا بتهمة نشر كاريكاتور مسيء للرسول ومطرب الراب ولد الكانز الذي حوكم بـ 4 أشهر سجنا نافذة على خلفية أغنية راب مسيئة للأمنيين، وقد أكدت فراوس على ضرورة حماية حقوق الانسان ومنها بالخصوص حرية التعبير حتى نضمن أسسا متينة لبناء الدولة الديمقراطية وكان الحوار الاتي..
يوم 10 ديسمبر تم الافراج عن 79 سجينا ولم يكن من بينهم أي سجين رأي، فكيف قرأت هذا القرار؟
لقد سبق لنا، كفيدرالية، أن تقابلنا مع الرئيس المنصف المرزوقي، وقدمنا بمعية لجنة مساندة جابر الماجري، مطلبا للعفو عنه، وقد وعدنا المرزوقي بإطلاق سراحه وقال انه ليس من العدل ان يظل جابر في السجن، لكن تتالت المناسبات والاعفاءات دون أن تشمل جابر وكأنّ هناك موقفا من هذه القضية.. إنّ التبريرات المتواصلة التي صدرت عن الرئاسة بخصوص سجن جابر تزعجنا، ونحن نرى فيها انتهاكا لحرية التعبير ولكل الحريات في معناها المطلق..
 وكيف كان ردّ فعلكم؟
لقد تجندت عدة مكونات من المجتمع المدني ومنها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والشبكة الاورو متوسطية لحقوق الانسان وشبكة دستورنا وغيرها للدفاع عن قضية جابر ونظمنا يوم الجمعة 13 ديسمبر ندوة صحفية ومسيرة في شارع الحبيب بورقيبة للتحسيس بقضية جابر الماجري وكذلك مغني الراب ولد الكانز، طالبنا من خلالها بإطلاق سراحهما الفوري.. ولكن مع الأسف عدنا إلى المربع الاول: مربع الدفاع عن الحريات مباشرة بعد ثورة قامت من أجل الحريات، ومهما يكن من أمر سنواصل التحرك حتى تسير تونس في مسار الانتقال الحقيقي بحيث تكون الحقوق والحريات محمية.. ولعلمكم فقد أبلغنا مقرري منظمة الامم المتحدة المكلفين بملف الحريات بقضية جابر الماجري.
طالبتم في البيان الذي أصدرته الفيدرالية مؤخرا، السلطات التونسية باحترام حرية التعبير ووضع حد للانتهاكات، فهل من توضيح لهذا الموقف؟
نعتبر ان هناك اليوم تهديدات حقيقية في أشكال وتمظهرات مختلفة، مسلطة على الحريات وعلى حرية التعبير بشكل خاص، وقد استهدفت في الفترة الاخيرة سياسيين ومثقفين.. انظروا الى سلسلة التتبعات العدلية الاخيرة زهير الجيس والطاهر بن حسين وزياد الهاني ومراد المحرزي فضلا عن جرحى الثورة وعدد من شباب الثورة الذين يحاكمون اليوم بتهمة «الشغب أيام الثورة» أو بتعلات أكثر خبثا مثل المخدرات.. انظروا إلى ما حدث لرجب المقري ولعبد الله يحيى وغيرهما ممن زجّ بهم في السجن تحت مسميات مختلفة.. كما لن ننسى أحداث 9 أفريل و14 ديسمبر أمام اتحاد الشغل واحداث الرش بسليانة.
كأنكم تحمّلون السلطة الحاكمة مسؤولية هذه الاحداث؟
ما نلاحظه أنّ هناك تذبذبا في الارادة السياسية وفي المضي قدما نحو تكريس وإرساء مناخ من الحريات في تونس.. فالفصول نفسها التي كان يستعملها بن علي مع خصومه ومعارضيه ومنها تعكير صفو النظام العام، والمس من الاخلاق الحميدة، ها إنّ السلطة القائمة بعد الثورة تواصل اعتمادها.. فقد حوكم جابر الماجري بسبب رسومه التي نشرها على موقع الفايسبوك وفق الفصل 121 من المجلة الجزائية أي وفق فصول تغيب عنها روح حقوق الانسان وأبجديات الحريات.. إنّ الاستعانة بهذه الفصول لن يخدم سوى تأبيد ديكتاتورية النظام السابق.
يعاب في بعض الاحيان على الهياكل الحقوقية دفاعها عن الاسماء المعروفة ووفق أجندات معينة وتجاهلها لقضايا عموم المواطنين؟ فهل هذا اللوم في محلّه؟
لنؤكد قبل كل شيء على فكرة أساسية وهي أنّنا كهيكل حقوقي نشتغل وفق مبادئ ونصوص لحقوق الانسان غير قابلة للتجزئة.. قد يقال عنا إننا سلطنا الضوء على قضايا هامشية وذات صبغة نخبوية، لكن ما يحدث هو ان هناك مستويات للتدخل وليس أجندات، إذ أننا نتدخل بناء على التزامات الدولة والمواثيق التي أمضت عليها.. من جهة أخرى لا أعتقد ان قضية شهداء الثورة قضية نخبوية، وقد يكون هناك غياب اعلامي لمتابعة هذه القضية بالتحديد.. الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان بتونس تتابع هذه القضية عن كثب وتواكب أغلب المحاكمات، والشيء نفسه بالنسبة لقضية نقابيات الأتيليك بن عروس.. نحن لا نختار أناسا معينين بقدر ما نعمل على القضايا التي نرى فيها انتهاكا صارخا لحقوق الانسان، وشغلنا الشاغل هو تحسيس الرأي العام والحكومات بأهمية هذه القضايا حتى لا تهمّش و تدخل في طيّ النسان.. بصراحة، قضيتا جابر الماجري وولد الكانز كان يمكن ان تنسيا لو لا ضغط المجتمع المدني وحرصه الدؤوب على ضرورة احترام مبادئ حقوق الانسان واشكالية الحريات بالخصوص.. هذا هو ضمان بناء الدولة الديمقراطية..
ما هو موقفكم من حملات التشويه والتهديد التي تطال عددا من السياسيين؟
الفيديرالية الدولية لحقوق الانسان تتابع باهتمام ما يحدث في المشهد التونسي من تهديدات تطال نشطاء حركة حقوق الانسان وكل ما يمكن أن يهدد منظومة الحقوق والحريات، وفي هذا السياق نحن نشجع كل ما من شأنه أن يحمي تونس من الانزلاق نحو العنف ونعمل على تكريس ثقافة حقوق الانسان وعلى حماية النشطاء.. كما ننبه لخطورة العنف والارهاب والتمييز الجنسي…
لو أعطيتنا بسطة على نشاط مكتب الفيديرالية الدولية لحقوق الانسان بتونس؟
المكتب فتح أبوابه منذ سنة تقريبا، لكن سبق للفيدرالية ان تبنت عدة قضايا في تونس، منها قضية الحوض المنجمي.. ولنا الآن استراتيجية تقوم على 4 محاور أساسية وهي أولا الدفاع عن المدافعين عن حقوق الانسان، ثانيا المساواة بين الجنسين إذ أننا ندعم حملة رفع التحفظات عن اتفاقية سيداو ( رفع كل أشكال التمييز ضد المرأة) ونعتبر ان ملف المرأة في تونس يثير هواجس بالنظر للتراجعات الخطيرة التي تتضمنها بعض النصوص أو مشاريع القوانين المقترحة..
وثالث هذه المحاور؟ 
ثالث المحاور التي تشتغل عليها الفيدرالية هو ملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك حقوق المهاجرين، وقد أصدرنا يوم 4 ديسمبر 2013 بمعية عدد من مكونات المجتمع المدني بيانا يتعلق بحرية التنقل بين تونس والاتحاد الاوروبي، إذ تُقيّد هذه الحرية بشروط مجحفة مبنية على العقلية الامنية، وقد سلّمنا البيان للاتحاد الاوروبي وننتظر تفاعلا ايجابيا منه..
أمّا رابع المحاور فهو ملف الحريات، فلنا مرصد لمراقبة الحريات يتكفل بمتابعة الانتهاكات ويتحرك لوضع حدّ لها، كما يعمل على رفع التوصيات في عديد المسائل، بالدستور مثلا ومدى ملاءمته للمعايير الدولية..
كلمة أخيرة…
نعتبر أنّ لتونس مؤشرات حقيقية لعدم السقوط في الانزلاقات لكن يجب الحسم في عدة مواضيع، منها مسألة كونية حقوق الانسان والمساواة بين الجنسين ومدنية الدولة التي لا يجب أن تشوبها شائبة فضلا عن أهمية تصفية تركة الديكتاتورية في سياق عدالة انتقالية وبعيدا عن عقلية التشفي والانتقام.. ولهذا نؤكد على أهمية ارساء مؤسسات قوية قادرة على حماية البلد من الانزلاقات ومن الارهاب مهما كانت المتغيرات السياسية ومهما كانت نوعية الحكومات المتعاقبة على البلاد.
حاورتها: شيراز بن مراد

فيلم “رغبات” لسمير الحرباوي: حياة مع وقف التنفيذ


كيف لشخص أن يصمد في مدينة يعشقها ولا ترد إليه الجميل؟ كيف لشخص أن يحقق رغباته في مدينة إمتنعت عن إهدائه أبسط الفرص؟ فرص الحب وفرص العمل وفرص ممارسة الوجود؟ حول ثنائية العطاء والممانعة، تمحور فيلم “رغبات” الذي قدمه المخرج سمير الحرباوي يوم السبت 14 ديسمبر في عرض خاص بالإعلاميين بحضور فريقه التقني وعدد من ممثليه..
فعلى وقع موسيقى كلاسيكية جميلة، تندفع رغبات البطل لسعد الشاب المثقف (محمد لسعد غربالي)، تندفع رغباته البسيطة في قضم الحياة، كالنزيف الحي الذي ينشد الحياة لكنها تصطدم بجدار رفض سميك، إذ يفشل لسعد في العثور عن عمل وتتوالى خيباته الواحدة تلو الأخرى، خيبات الحب ونكسات الوجود وإنكسارات الأحاسيس…
ومن خلال قصة بطله، يقودنا سمير الحرباوي في “رغبات” الى عمق مفارقة غريبة من نوعها، إذ يصوّر بكثير من الحب تونس العاصمة، تونس شارع الحبيب بورقيبة بمهجته الخاصة، تونس حانة لونيفار بأجوائها المميزة، تونس محطة الأرتال نقطة الإنطلاق ونقطة الوصول، تونس دار الثقافة إبن خلدون بشحنتها الثقافية، وهي كلّها أماكن ذات رمزية فائقة، ففيها يحيى ويموت أبناء العاصمة، فيها يلتقون ويتفارقون وفيها يُحبون ويكرهون..
وفي نفس الوقت، يصوّر الحرباوي تونس هذه المدينة “العاقر” التي عجزت على حب أبنائها وعلى رد الجميل الذي يضاهي حبهم لها.. في هذه المدينة، تتوه أرواحهم ويهيمون طويلا طويلا بحثا عن مرافئ للحياة لكنهم لا يظفرون بشئ.. مشهد بعد مشهد، يصوّر الحرباوي في شريطه ثنائيات الحب والفشل، الجمال والقبح، البؤس والسعادة ليروي مصير واحد من أبناء تونس، مصير عاشق أدونيس وعاشق الحرية وعاشق المرأة الذي تحاصره أسوار المدينة رافضة مدّه مفاتيح الولوج الى شرايينها الحية… فيبدو وجوده كأنه حياة مع وقف التنفيذ، حياة عالقة في إنتظار ربيع قادم، إذ يكتب البطل في أحد مشاهد الفيلم على ورقة طائشة “وبيّا أمل يذهب ويأتي ولكن لن أوّدعه” في محاولة للإفلات من قبضة المصير المظلم وبغية التحليق في سماوات إثبات الوجود.
والجدير بالملاحظة أنّ الفيلم، وهو من إنتاج شركة إيزاس، ينقل قصة حقيقية عاشها الكاتب لسعد بن حسين ودوّنها في رواية “رغبات” وشاءت الأقدار أن يجسدها بعد سنوات المخرج سمير الحرباوي..
الصورة المرافقة للمقال: المخرج سمير الحرباوي رفقة بطل الفيلم محمد ساسي غربالي
شيراز بن مراد

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

فيلم باستاردو لنجيب بلقاضي: هناك شيء ما عفن في الوطن


وراء أسوار المدينة العالية، يعيش “محسن باستاردو” و”لرنوبة” و”خضراء” و”بنت السنقرة”.. مدينة يؤمها ناس ضعاف الحال، فيها الطيبون والأشرار وفيها العاهرات واللصوص… مدينة كأسماء متساكنيها غريبة الأطوار، مدينة تنتظر الخلاص والانعتاق، مدينة صادق ابناؤها الحشرات وجرى أطفالها حفاة الأقدم في ساحاتها العامة.. مدينة في حالة انتظار، كحال البلاد التونسية أيام النظام السابق..
في هذا الفضاء المغلق، صوّر المخرج نجيب بلقاضي فيلمه الروائي الطويل الأوّل «باستاردو» عن سيناريو كتب سنة 2007 وتطرّق بصفة واضحة الى العلاقة الزبائنية التي كانت تصل السلطة بمواطنيها: حيتان كبيرة تنهش اسماكا ضعيفة وفق المقولة الشعبية الدارجة: «حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت»، كلاب جشعة أطلقت لتمتص دماء الشعب، وقردة قبلت بأن تركبها قردة أخرى لتحقيق مآربها وطموحاتها السياسية أو المالية. وقد صرح نجيب بلقاضي خلال اللّقاء الصحفي الذي تلا العرض الأوّل للفيلم، أنّه سعى لإبراز الجانب الحيواني الكامن في داخلنا وذلك من خلال موازاة مشهدية بين الحيوان والإنسان الذي يقبل بالتخلي عن مبادئه من أجل المنصب والمال…
وفي هذا السياق، بدا لنا أنّ نجيب بلقاضي شبّه في فيلمه، البلد بحظيرة الحيوانات، «حيوانات انسانية» تتهافت على الجاه والسلطة والمال على حساب الآخرين وخاصة ضعفاء الحال منهم… وقد دخلت سلوكيات أبطاله في خانة «الآدميين المتوحشين» الذين توقفهم أسوار الحظيرة لكن لا يوقفهم جنونهم في محاولة البروز على حساب المستضعف والفقير.
لنعد الى قصة الفيلم وأبطاله «السرياليين» سريالية عرابي النظام السابق حيث يروي «باستاردو» قصة محسن ذاك الشاب اللقيط الذي طرد من الشركة التركية التي كان يعمل بها بعد إقدام إحدى العاملات على سرقة كمية من الأحذية.. تطول مدة البطالة بمحسن الى أن تقترح عليه إحدى شركات الاتصالات كراء سطح منزله مقابل ألفي دينار شهريا بهدف وضع لاقط هوائي، وهكذا تتغير حياة محسن وحياة أهل المدينة بعد وصول «الريزو» و«الهواتف الجوّالة»، ويحتفي الأهالي «بالحقّ في التكلم» كمن يحتفي بتحرره من قيود الصمت والعزلة…


مع هذا الحدث الهام، تنطلق الألسن المعقولة وتنطلق معها الأطماع الجديدة، أطماع من يريدون تقاسم الكعكة، تماما كجشع المتنفذين القدامى الذين كانوا يريدون نسبة من الرأسمال أو جزءا من الأرباح مع كل مستثمر خاص يسعى الى الانتصاب… فكيف لمحسن الشاب اللقيط أن يصبح «ثريا» وكيف له أن يستفرد بالغنيمة؟ من هذا الباب، يدخل نجيب بلقاضي في تيمة الصراع من أجل السلطة، حيث يفتح مشروع الهواتف الجوالة باب السباق أمام تهافت الخصوم: القتل والتآمر والنفاق والخداع كلّها وسائل متاحة ومباحة لتحقيق المنشود..
وتجدر الإشارة إلى أنّ فيلم «باستادرو» الذي تولى انتاجه عماد مرزوق يرتكز على تميّز شخصيات أبطاله ومنهم خضراء (لسعد بن عبد الله) في دور الأم «الكبرانة» بوشمها الأخضر وشعرها الكثيف وعينها العوراء، ولرنوبة (الشاذلي العرفاوي) بجثته المفزعة وخوائه الداخلي، وبنت السنقرة (لبنى نعمان) التي لمعت ببدائية الكائن الخارج لتوّه من الكهف، وتوفيق البحري التي تقمص دور التاكسيست، وسندس بلحسن في دور صاحبة الماخور، دون أن ننسى طبعا البطل عبد المنعم شويات الذي سكنه هدوء البحار رغم وجوده في قلب العاصفة.
وقد اختار نجيب بلقاضي أن يكون بطله باستاردو (عبد المنعم شويات) لقيطا لا يعرف لا أمّه ولا أباه.. لا يعرف جذوره ولا ماضيه في تماه واضح مع واقع المجتمع التونسي الذي فُسخت صفحات عديدة من تاريخه وأضحى بحكم ضغوط السياسة وأطماعها مُنبتا عن جذوره وتاريخه، فيسقط البطل في فخ اللاتاريخ ويستبطن القيّم المتوفرة في مجتمعه: الانتهازية والجشع واستغلال الآخر ويعيد تسليطها على من هم أضعف منه.. يدعونا بلقاضي بطريقة غير مباشرة إلى أن ننظر إلى ماضينا بانتصاراته وبخيباته حتى «نستخلص» العبر.. فلا غرابة في مجتمع يفرز الاستعباد من جديد مادام يعاني من عزلة التاريخ ومن تهميش الحاضر.
«هناك شيء ما عفن في الوطن» هذا ما قاله المخرج نجيب بلقاضي في فيلم «باستاردو»، أسوة بالمقولة الشهيرة للروائي البريطاني شكسبير الذي قال في نص هاملت: «هناك شيء ما عفن في مملكة الدانمارك».. فطوال الفيلم يكشف بلقاضي أوجها من العفن الذي نخر البلاد، عفن السلطة، وعفن التقاتل من أجل السلطة والجاه، والعفن الذي يفرزه الجهل والفقر والتهميش… ومن المشاهد المحورية في الفيلم التي تُبين حالة التعفن التي أصابت الجسد تلك اللقطة التي يخرج فيها الدود من منخر خروف بمحل لبيع اللحوم. وقد إتخذ بلقاضي من موضوع كشف المتعفن في مجتمعنا التيمة الاساسية لفيلمه الذي جاء سوداويا ونابضا بالحياة في نفس الوقت.
شيراز بن مراد

«وحيدا.. أصعد الى السماء» لوليد الفرشيشي: بعيدا.. بعيدا عن خناجر القرية المشعّة كعيون الذئاب


إذا كان الشاعر وليد الفرشيشي «كلبيّا» في وفائه، وهو التصنيف الذي جاء في الصفحات الأولى من مؤلفه الجديد الذي صدر مؤخرا عن دار «منشورات كارم الشريف»، فإنّ مجموعته الشعرية «وحيدا.. أصعد الى السماء» سمكيّة الطابع ترتجف وتنتفض بين يدي القارئ رافضة كشف سرّها لمن لا يصادق الشعر والحرية والسؤال.. «هنا دوّنت عذابي الشخصي الذي كنت أعتقد – ولا أزال- أنه سيظل قادرا على مقاومة الزمن» هكذا كتب الصحفي الشاب وليد الفرشيشي في مقدمة مؤلفه الشعري البكر الذي نقل فيه احساسه العميق بالغربة في وطنه.. غربة واحباط ووحدة تحاصر الكاتب فتغريه بشيء واحد ألا وهو الرحيل أو «الصعود الى السماء» بعيدا عن وطن «مطيّن بماء الاكتفاء»، وطن «يبس الذلّ في منخري قطيعه»، وطن «يهيّجه شغف بالنّفاق»..
يوصد الوطن أبوابه في وجه الكاتب الشاب، فتتراكم اللاءات كجبل أسود وكليل حزين لتقول مدى إنحسار الآفاق ومكر الطبيعة وجحود الإنسان، فلا «شمس تسرح وحيدة في سماء البلاد»، ولا «حانة تبيع حلما بتكلفة أقل»، و«لا نجم يضيء على الموج الهارب»، و«لا قبلة عشق تثبتها الروح»..
يكشف وليد الفرشيشي في مجموعته الشعرية «وحيدا.. أصعد الى السماء» قصيدا بعد قصيد حجم الغربة العاطفية التي يعاني منها الإنسان رجلا كان أم إمرأة أمام «شمعة العشاء الأخير» وأمام «آخر نجمة تطل على البحر» … وفي هذا السياق يكتب الناظم الذي يعترف بإنتهاء الخطاف فيه، يكتب ما يلي:
«قاحلٌ ليس يُربكنِي..
انْ أمطر في عيْني ربيعُ نعاجْ..
أوْ بكت في روحي بلادُ أضاعتني صبيّا
بلاد كمْ كيّفتْ لُؤم الاستدراكات بعقلي..
قاحلٌ جدّا صرتُ يا أمِّي..
قاحلٌ ليس فيّ سوى هذا الذِّئب المبتلى
بالعُواءْ..»
وبإيغاله في عالم الوحدة بثناياها المحبطة وبمتاهاتها الكئيبة، يطرح وليد الفرشيشي سؤالا مصيريا: هل أنّ ما نعيشه حياة أم تأجيل متجدد لسقوط في الغياب؟ إذ كيف لنا أن نؤكد أننا على قيد الحياة إذا بقي «اللسان تحت العقال» وإذا ما أضحى «الخواء ينزّ من الشوارب المعقوفة».. يرى وليد الفرشيشي إذن أننّا نوهم أنفسنا بالحياة وبالحرية وبالحب وبالانعتاق بينما لايعدو ما نعيشه أن يكون شبه «وهم حياة»، وهم يمارس فيه الرحيل مخاضه الابدي.. الى هذا المخاض تجرّنا كتابة وليد الفرشيشي، الى قلب الحيرة والى نواة السؤال حول معنى حياتنا وذلك الإحساس المحبط والمدمّر الذي يتنازع في داخلنا مرّات ومرّات بعد أن نسأم أقنعة التقاليد وأقنعة العواطف وأقنعة السياسة..
ومن بين النصوص التي تضمنتها المجموعة الشعرية «وحيدا.. أصعد الى السماء»، نصّ أهداه الفرشيشي الى روح الشهيد محمد البراهمي وتساءل فيه عن سرّ مهادنتنا للرصاص الذي «لا يضيّع وقته في اصطياد الرجال» قائلا:
«لماذا نهادن اذن؟
أنحسب أنّ المدافن ترطّبُ حقّا
لسان الفضيحة
نسيتٌ…
شهيد جديد يزفّ
ونحنُ تماثيل ثكلى تميل فقط
حتى يُفتى بقتل البلد»..
وفي رحلة بحثه عن «الخلاص الانساني»، يعود وليد الفرشيشي الى قريته الاولى والى الارض البكر آملا العثور على ولد « لا يشبه الحوافر المهترئة»، عن ولد «صافيا كقرص الشمس».. يبحث عنه قبل ان يذهب ضحيّة «القلوب المترفة بالجهل والعبودية»، وقبل أن «ترشم القرية اسمه حول عنقه كما تُرسم أسماء الكلاب على طوقها الحديدي».. غير أنّ الثنايا تتشعب والخلاص يستحيل أمام كم «الشتائم واللعنات الصفراء كالسُلّ» وأمام «خناجر القرية المشعة كعيون الذئاب»، فيختار وليد الفرشيشي أن يصعد وحيدا الى السماء، بعيدا عن «الحناجر المحشوة بالضغينة والحقد»، عن «فم الوطن المظلم»، وعن « قصائد العشق الهشة» مستجديا طقوس الموت لعلها تساعده في رحلته الاخيرة قائلا:
«أعدّوا.. الليلة .. كفني.. الاحمر
وادهنوا جسدي بزيت اللوز
مشّطوا.. مشاعري جيدا..
أريدها مسترسلة في ذكرياتكم
ونازفة جدا على ألقابكم
كحمامة تُسحل في الشوارع حتى الموت
فالليلة..
وحيدا.. أصعد.. الى السماء»..
في مجموعته الشعرية «وحيدا.. أصعد الى السماء» يبوح وليد الفرشيشي بما يسكنه من وحدة واحباط ومن حيرة وجودية، نازعا واحدة تلو الاخرى القشور التي تحيط بمجتمعات تقدس الجهل والعبودية، وممارسا الكتابة، على حد عبارة الشاعر أدونيس بوصفها فعلا جرميا يهدم وينقض ويزلزل أسس الطغيان لكي يظهر النسغ الحي..
يُخيّر وليد الفرشيشي في خلاصة تفكيره الرحيل مقتطعا تذكرة لدخول تخوم الغياب، بعيدا عن وطن تعفنت مياهه، وسكنه النفاق، وخار الحب الساكن فيه، وحاصره العبث من كل منفذ فأصبح كـ«المومس التي تلهث في حضن الظلام»، لكنّ الكاتب يعترف في نفس الوقت بأنّ هناك بصيصا مازال يغري بالبقاء: بصيص شمس جديدة، سعادة ابتسامة عاشقة، جمال أقحوانة متفتحة، وحب آت لا محالة.. فيرفض النهاية قبل النهاية، ويُشع من جديد بكلماته النافرة والرافضة..
شيراز بن مراد

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

«صفر فاصل» لتوفيق الجبالي: عندما تصمد اللغة في وجه الغلاة والغزاة


اللغة وما أدراك ما اللغة.. تلك التي رأى فيها محمود درويش وألبار كامو وطنا، ارتكز عليها توفيق الجبالي في مسرحية «صفر فاصل» ليذكرنا بتونسيتنا وبهويتنا المميّزة بما فيها من خاصيات.. من لوحة إلى أخرى يذكرنا الجبالي بمقالبه اللغوية وبتراكيبه الكلامية بالقواسم المشتركة التي تجمعنا وكأنّ اللغة هي السيف الذي اختاره ليحارب به من اختاروا غزو الأراضي التونسية بقواميس غريبة محاولين فرض نماذج بعيدة عن تونس وعن ألوانها وعن حريتها وعن وسطيتها…
في «صفر فاصل» وهو عنوان سياسي بامتياز، بما أنّه يتضمن إشارة واضحة إلى الخاسرين في انتخابات 23 أكتوبر، راوغ توفيق الجبالي السياسة والسياسيين، من يلهثون وراء الكراسي والمناصب.. راوغهم الى حدّ التساؤل لماذا نضيع وقتنا في الحديث عن الرئيس المؤقت وهو الذي انتزعت صلاحياته وأفرغت يداه؟ ويضيف الجبالي مستهزءا: «ما قيمة ناس لا يفرّقون بين الحوار والحمار؟»…
من غرفة أموات بأحد المستشفيات، يتعالى هراء 3 جثامين (توفيق الجبالي ورؤوف بن عمر ونوفل عزارة)، هراء أو بالأحرى كلام بعد الموت حول السياسة وما تعيشه تونس اليوم من تجاذبات.. ليزداد يقيننا بأنّ «الصفر فاصل» الحقيقيين ليسوا تلك الأقلية التي لم تحرز نسبا هامة في انتخابات 23 أكتوبر، بل هم من تحاذي أذهانهم مستوى الصفر الفكري، هم من يكرهون العلم والمعرفة والحضارة، هم من يعملون على غسل الأدمغة وقولبتها بهدف إفراغها من مضامينها الحية والثائرة.. «الصفر فاصل» هم من يتوددون للحالة الحيوانية، من يفقدون انسانيتهم ليصبح العنف وسيلتهم الوحيدة للتواصل مع الآخر.. «الصفر فاصل» هم آكلو اللحوم البشرية الذين فقدوا المشاعر الانسانية فراحوا كالقطيع يركضون وراء سراب الجهل والعنف والانغلاق على النفس… «الصفر فاصل» هم من يعادون الفن والحب والثقافة ويقدسون ثقافة القبور والموت ويحرضون عليها..
ومن اللوحات التي شدتنا في مسرحية «صفر فاصل» ذلك المشهد الذي يظهر فيه أحد من تقف أذهانهم عند لغة التحريم، فإذا به ممسك بجثة هامدة ويخاطبها قائلا: «حرام على الصبية ان تسقي الأزهار بعد الظهيرة»، و«حرام على المرأة أن تنظر الى ثياب زوجها عندما يكون غائبا عن البيت» وذلك قبل أن يستل شيئا من داخل الجثة المسجاة أمامه، ليتضح انه العلم التونسي، العلم الأحمر والأبيض بهلاله ونجمته اللذين يرمزان للهوية والشخصية التونسية..
كما شدّنا مشهد ثنائي واجه فيه الجبالي الأضداد: من يؤمنون بالكلمة الحرة وبالفن وبالحرية مقابل من لا يتقنون سوى لغة «الرصاص» همهم الوحيد إجهاض أحلام الآخرين، فيطلق «أهل الظلام» النار على كل من يتجرأ على التعبير والكلام الحرّ. هذا وتضمنت المسرحية عدة لمسات ذات رمزية فائقة ومنها اللوحة التي يظهر فيها الممثلون يحملون أرئدة طويلة وكأنهم أتوا لتفتيش الضمائر ومحاسبتها أو تلك اللوحة التي يظهر فيها رؤوف بن عمر في شخصية هاملت البطل الشكسبيري فيمد يده تجاه يد أحد الممثلين في إحالة للوحة الخلق الشهيرة للرسام ميكال أنجلو، أو تلك التي يظهر فيها الممثل صابر الوسلاتي في تحية للفنان الراحل محمد الأرناؤوط الذي شارك الجبالي وبن عمر في سلسلة «كلام الليل».
في «صفر فاصل»، تصمد اللغة التونسية والشخصية التونسية المنفتحة والوسطية في وجه الغزاة الظلاميين وغلاة الدين، تصمدان ضد ثقافة الجهل ولغة الموت التي يحاول البعض زرع بذورها في أرضنا.
يقول الجبالي إنّ الحلّ موجود وهو يكمن في زقزقة العصافير.. قد تكون عصافير الصبح أو عصافير المغرب بتغريداتها المؤنسة والجميلة التي تنسيك غباء وجهل بعض من دأبوا على تلقيب فئات من التونسيين «بالصفر فاصل».
شيراز بن مراد
تصوير كريم العامري
• تعرض مسرحية «صفر فاصل» الى غاية نهاية شهر ديسمبر بفضاء التياترو

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

«ديمقراطية إن شاء الله» لمختار الخلفاوي: هل هي ديمقراطية أم مسرح للعبث؟


سهام حادة تلك التي أطلقها الكاتب مختار الخلفاوي في مؤلفه حديث الولادة «ديمقراطية إن شاء الله»، أطلقها على جلد «الديمقراطية التونسية الناشئة» ليثبته على جدار التشريح السياسي مبيّنا فصلا تلو الآخر تراكم وتزاحم المؤشرات والدلائل التي تصب في بنيان «اللاديمقراطية» الذي ترتكز أوتاده على الإقصاء والتكفير وتصفية الخصوم وانحسار هامش الحريات..
«في ديمقراطية إن شاء الله» لم يقدم الخلفاوي «اطروحة» الديمقراطية بمستلزماتها النظرية وبتطبيقاتها العملية، بل قدّم «الأطرحة المضادة» لها، تلك التي تسلك المسار المعاكس وتنقض المفاهيم المتعارف عليها لتفتح الأبواب على مصراعيها أمام غزوة المجتمع وغزوة السياسة من قبل من يرومون التكفير وتصفية الخصوم حتى «صرنا غرباء تحت سماء هذا الوطن» على حدّ عبارة الخلفاوي.
ارتهان الوطن
قراءة الخلفاوي لمختلف الأحداث التي عاشتها تونس منذ ما يزيد عن السنتين تحيلنا الى حالة من الارتهان، ارتهان البلد في قبضة من يرون فيه صلصالا جديدا قابلا للتطويع وللإخضاع وفق أجندة لا تعترف بمضامين الديمقراطية بل تعمل على تجسيد وتفعيل نقيضها.. أفليست السياسية ذلك «الفعل الحربائي» الذي قد يرتدي لبوس المساواة والحقوق والعدالة لينقلب عليها في أول فرصة سانحة؟
غزوة المجتمع
يعتبر الخلفاوي في كتابة «ديمقراطية إن شاء الله» وهو قراءة شخصية لما تعيشه تونس من أحداث منذ 14 جانفي 2011 أنّ تونس تعرضت لعملية غزو اجتماعي قوامه ضرب وحدة المجتمع التونسي وأنّ هناك «اسفينا دقّ بين التونسيين وأنّ عقائد مجلوبة نبتت بين الناس وصار عليها المعوّل في العلاء والبراء». ويرى الكاتب أنّ «الفتنة لم تعد تغمز بعينها ولا تطلّ برأسها بل أسفرت على وجهها وسائر جثمانها… فتنة قادمة من ممالك الرمال والبترول على وجه التحديد…». ويشير الخلفاوي إلى أنّ تونس صارت وجهة محبّبة لبعض شيوخ الكراهية والتعصب في هجرات رمزية لا تخلو من الانتقام والثأر من تميّز النموذج المجتمعي التونسي والتجربة التحديثية التونسية في التعليم والصحة والأحوال الشخصية. وقد رافقت غزوة المجتمع هذه، «إجراءات محلية» عملت على توظيف المساجد التي صار بعضها يضج بالدعوات الى التكفير والاقتتال، وعلى التضييق على هامش الحريات العامة والخاصة ومنها حرية الضمير وحق التنظم وحرية التعبير.

غزوة السياسة
يقول الخلفاوي انّ الديمقراطية تقتضي في أصل الوضع فريقا يحكم وفريقا يعارض وشعبا يراقب عبر مؤسساته الممثلة والمستقلة، غير أنّ الديمقراطية بالنسبة «لهم» هو السلّم الذي «يرفعهم الى سدة الحكم دون أن يلطخوا سمعتهم بالانقلابات والثورات الدامية حتى إذا بلغوا القمة، دفعوا بالسلم أرضا فلا يجد المنافسون من بعدهم سلما يرتقونه».. كل ذلك من أجل فرض نموذج مجتمعي وهابي غريب على تونس وتاريخها.. واقترنت غزوة السياسة هذه، حسب الخلفاوي بضربات قاسمة جاءت لتسرع المسار نحو تبديد مفاهيم الحق في الاختلاف واحترام الاخر، فتمت تصفية الخصوم والمخالفين (الشهداء لطفي نقض وشكري بلعيد ومحمد البراهمي) وتضاعفت «المؤشرات التي تبعث عن مزيد من القلق في ما يخص تونس التي اردناها ديمقراطية مدنية منطلقة الى الأمام».
نكبة الواقع
ومن غزوة المجتمع والسياسة، يتنقل الخلفاوي إلى«نكبة الواقع» أو بالأحرى تجاهل الحكومة للواقع بما فيه مشاكل وتحديات… فكل شيء ـ يقول الخلفاوي ـ نما وزاد: البطالة والأسعار والعنف والغبن.. حتى الشعب زاد وصار لنا بدل الشعب اثنين: «شعب السلطة المؤمن وشعب المغضوب عليهم الكافر..». وبمرارة، يضيف الخلفاوي «مازلنا نغزل من صوف أيامنا خيوطا واهية كخيوط العنكبوت.. مازال الذي يجوع ويعرى ويعتل ولا يجد الدواء… ومازال من يرتمي في اليم هاربا من ربيع العربان… مازال فيهم المقهور والموجوع والمحقور والمجروح والمكلوم».
الاحرار والشطّار
ومن الأمثلة التي ضربها الخلفاوي ليؤكد بها عبثية المسلك اللاديمقراطي الذي توخته تونس بعد الثورة، ما حدث مع من سماهم بالأحرار والشُطّار (الصعاليك).. إذ يتساءل الخلفاوي كيف لحكومة أن تسمح لجمعيات تعمل تحت ستار خيري على تغيير قسري ومشبوه لنمط المجتمع وتمنع في نفس الوقت المفكر محمد الطالبي من تأسيس جمعية مدنية ذات طابع فكري… ويعلق الخلفاوي قائلا «إنّه لمن نكد الدهر على الحرّ أن يحيى إلى زمن تمتحن فيه الحكومة الأحرار وتُنعم على الشُطّار».
نحن والإرهاب جيران
وأخيرا وليس آخرا، تعرض صاحب كتاب «هل غادرنا السقيفة؟» الذي صدر سنة 2012 الى معضلة أخرى، معضلة من الوزن الثقيل جاءت لتنسف كل معاني الديمقراطية ألا وهي الإرهاب الأعمى… ويرى الخلفاوي أنّه لا مناص من الإقرار بأنّ الحكومة تعاطت بكثير من التراخي والمصانعة أيضا في موضوع الإرهاب، وعوض سياسة الحزم، ركنت الحكومة الى سياسة النعامة التي قادت إلى حوادث عنف واغتيالات وإرهاب راح ضحيته ابناء تونس.
مسرح العبث والمأساة
في عملية وعي مبكر، استقرأ المفكر والكاتب، قبل رجال السياسية، المشروع الذي يّراد به ضرب تونس المدنية عبر مخطط محكم يراوح بين شن الغزوات وبث الفتن ونشر ثقافة الشق على الصدور والنبش في القبور… فقدّم رؤيته وقراءته لأحداث قد تبدو منعزلة وآنية ولكنها تدخل وفق نظرة الكاتب في إطار هذا المخطط اللاديمقراطي الذي استهدف تونس منذ 23 أكتوبر 2011. رغم كلّ العقبات والصعوبات، يحلم الخلفاوي في كتابه بالديمقراطية القادمة ان شاء الله، لكنه يقرّ في نفس الوقت بأنّنا «نعيش شيئا أشبه بمسرح العبث، ولكنه عبث يقترن بالمأساة».
• صدر «ديمقراطية ان شاء الله» عن دار آفاق برسبكتيف للنشر ومتوفر بعديد المكتبات بسعر 10 دنانير.
شيراز بن مراد

نعمان جمعة: أين السلط وكبرى الشركات الإقتصادية مــن تمـويـل الـمشـاريـع الثقـافيـة؟


 هل تعلم أنّ أكبر الجوائز التي تحصلت عليها تونس في السنوات الأخيرة في المهرجانات الدولية جاءت بفضل الأفلام الوثائقية، لا الروائية.. في هذا السياق استشهد نعمان جمعة المدير التنفيذي للجمعية التونسية للحركة من أجل السينما (آتاك)، بعدد من الأفلام التي حملت راية تونس عاليا ومنها على سبيل الذكر لا الحصر، فيلم «بابل» للثلاثي اسماعيل وعلاء الدين سليم ويوسف الشابي، وفيلم «يلعن بو الفسفاط» للمخرج سامي التليلي، وفيلم «يامن عاش» لهند بوجمعة، وأخيرا وليس آخرا، تتويج المخرج حمزة عوني في مهرجان أبو ظبي السينمائي عن فيلمه «جمل البروطة» بجائزة أفضل مخرج..

وفي لقاء جمعنا به، أفادنا السينمائي الشاب أنّ “آتاك” نظمت ورشة تدريبية (من 28 أكتوبر الى 2 نوفمبر) شارك فيها عدد من السينمائيين وطلبة السينما، ونشطها تياري اودين وهو واحد من أبرز المخرجين البلجيكيين المختصين في هذه النوعية من الأفلام التسجيلية. وأبلغنا جمعة أن هذه الورشة التي تحمل عنوان “مقاربة تحليلية للفيلم الوثائقي” تهدف إلى تقاسم التجارب ووجهات النظر والتعاطي مع “الصورة الوثائقية” مع مخرج له خبرة في هذا المجال، وأشار الى أنّ هذا النوع من الورشات لا يحظى بدعم سلطة الإشراف بل تدعمه عدد من الجمعيات على غرار «كاراكوز للانتاج» و«كتابة الجنوب» و«صندوق والوني بروكسال» فضلا عن دعم «المورد الثقافي» وهو صندوق تمويل مصري يُعنى بتمويل المشاريع الثقافية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا..
 وزارة المرأة لم تف بوعدها تجاهنا
وأضاف نعمان جمعة أنّ وزارة الثقافة تدعم الجمعية بقرابة 5 ملايين سنويا، لكن هذه الأموال غير كافية لتنظيم برامج الجمعية التي تهدف لتجذير ثقافة السينما في مجتمعنا، وضرب لنا نعمان مثالا عن تجربة جمعت «أتاك» بوزارة المرأة، قائلا: «إن الوزارة وافقت على دعم عملية «السينما المتجول» بألفي دينار، لكن وإلى الآن، العملية إنتهت منذ عدة أشهر، لم تتسلم الجمعية ولو مليما واحدا… واعتبر نعمان جمعة، أنّه من غير الممكن ان تقدم أية جمعية عملا جادا اذا ما كانت الأطراف الرسمية لا تحترم تعهداتها.. وفي نفس السياق، عاب المدير التنفيذي لجمعية «آتاك» على كبرى الشركات الاقتصادية (بنوك وشركات اتصالا وغيرها) تجاهل دعم المشاريع الثقافية التي تساهم في تنوير الأذهان وفي تكريس قيم احترام الآخر والحرية.
100 تقني يتخرجون سنويا والسوق عاجزة على استيعابهم
 ومن جهة أخرى، أشاد نعمان جمعة بالتكوين الذي يتلقاه طلبة السينما في تونس لكنه لفت النظر في نفس الوقت الى ضيق السوق التونسية التي تفتقد القدرة لاستيعاب 100 تقني يتخرجون سنويا من مدارس التكوين. وقال إنّ المخرجين الأجانب عندما يأتون الى تونس، عادة ما يفاجؤون بجودة التقنيين التونسيين الموجودين على عين المكان، لكن المشكلة تكمن في نظر جمعة في الصعوبات التي تواجه السينمائيين الأجانب في إنجاز أفلامهم في تونس مقارنة بما يوفّره المغرب من تسهيلات مستشهدا بالعائدات بالعملة الصعبة التي يحققها المغرب من السينما والتي تناهز سنويا ما تحققه تونس من مداخيل السياحة.
ماذا نفعل بقاعات السينما، إذا كانت الثقافة السينمائية غائبة؟
وفي سياق آخر، ذكر نعمان جمعة إنّه حقا من المفارقات أن تتحصل على الدعم الأسماء الكبرى للسينما التونسية في حين يقول المنطق إنّ الدعم يوجه للشبان وللمبتدئين الذين هم بحاجة حقيقية لمن يسندهم.. أمّا بخصوص معضلة اندثار قاعات السينما الواحدة تلو الأخرى (تونس تعد اليوم 15 قاعة سينما مقابل 65 قاعة سينما في السبعينات)، فإعتبر نعمان جمعة أنّ المشكلة ليست في عدد القاعات وحدها، إذ بإمكاننا أن نوّفر 100 قاعة في مختلف أنحاء الجمهورية، لكن اذا كانت الثقافة السينمائية غائبة، فمن سيرتاد هذه القاعات؟ وذكر في هذا السياق أنّ عملية «السينما المتجولة» التي نظمتها جمعية «آتاك» كان هدفها الذهاب بالأفلام وبكل ما تحمله من مضامين إيجابية للمناطق المهمشة التي لم يتعود متساكنوها على إرتياد قاعات السينما.
 لنا كنز في تطاوين لكنه لا يلقى الاهتمام
ولفت جمعة نظرنا الى أنّ عديد الأفكار موجودة لتطوير السياحة السينمائية، غير أنّها لا تلق آذانا صاغية ومنها مثلا فكرة تنظيم رحلات لطلاب كليات السينما الأجنبية لتونس بهدف زيارة عدة مواقع ومنها على سبيل الذكر لا الحصر الموقع الذي صوّر فيه السينمائي جورج لوكاس فيلم «حرب النجوم» بتطاوين، إذ مازال الى اليوم الديكور قائما، وهي فكرة من بين الأفكار العديدة التي يمكن تجسيدها لإحياء الاقتصاد والصناعة السينمائية.
 المكان الطبيعي للمخرج علاء الدين يحيى ليس في السجن
وختم محدثنا كلامه بتوجيه تحية الى السينمائي الشاب علاء الدين يحيى الذي يقبع حاليا بالسجن، مع العلم أن فيلمه الوثائقي «على هذه الأرض» توّج منذ أسبوعين بالجائزة الكبرى لمهرجان أفلام حقوق الإنسان الذي انتظم بتونس، وقال جمعة إنّ المكان الطبيعي لعلاء الدين يحيى ليس في السجن بل أن يكون حرّا طليقا مع كاميراه لينجز أفلامه.
شيراز بن مراد

الخميس، 31 أكتوبر 2013

مسألة حياة لنوفل عزارة: حياة وصخب وأضواء على مسرح الموت


«في دفينة موزار.. ما تبّعو كان كلبو»، هكذا تحدث أحد ممثلي مسرحية “مسألة حياة” ليؤكد أنّ الواحد منا قد يموت في حياته مئات المرّات.. قد يموت غبنا أو حزنا أو ظلما.. وقد تموت مشاعره وتفنى أحلامه وتنطفئ مهجته، وقد يدخل في خريف الحياة مبكرا سواء لسبب أو لآخر.. وقد بدا لنا أنّها التيمة الاساسية التي تطرقت لها مسرحة «مسألة حياة» التي عرضت الاسبوع الفارط بفضاء التياترو والتي صاغ نصها المسرحي توفيق الجبالي وأخرجها نوفل عزارة بمشاركة مجموعة من الممثلين من خريجي «ستوديو التياترو»..
ومن خلال شخصيات مختلفة خذلتها الحياة، سعت مسرحية «مسألة حياة» الى تقديم مفهوم آخر للموت، لا تلك “النهاية الابدية” التي يتفق عليها أغلبنا بل تلك «النهايات الصغيرة» التي نعيش على وقعها طوال حياتنا.. فالوحدة مثلا شكل من أشكال الموت المبكر وقد جسدت هذه الفكرة الممثلة كوثر الضاوي التي تحدثت عن نجاحها المهني وأيضا عن وحدتها العاطفية القاتمة التي جعلت حياتها أشبه بمعزوفة موسيقية محبطة.. أمّا ذاك الرجل (معز بالرحومة)، فقد عانى الأمرين وعاش موت الاحاسيس بسبب عدم انسجامه العاطفي مع زوجته وبرود مشاعرها إزاءه.. ومن الشخصيات التي شدتنا أيضا بأدائها، ذلك الفنان (سهيب الوسلاتي) الذي تقرأ في أدائه معاناة الفنان الذي يموت بالحياة مائة مرّة بعد أن تتقاذفه أمواج التهميش والنسيان وسياسات الابواب المغلقة.. والى جانب هؤلاء، تظهر امرأة بفستان أسود (نور الهدى ساسي) يبدو أنّ السياسة حولت نكهة حياتها الى طعم الحنظل وها إنّها لا تكف عن الصراخ: « اخرجوا من حياتنا.. اخرجوا من ذاكرتنا» وكأن وجودها مزقته السياسة ودمرّه حمق السياسيين وغباؤهم..
ومن أبرز ميزات مسرحية «مسألة حياة» رؤيتها الاخراجية التي نفخت فيها طابعا خاصا، فجعلتنا ننظر للركح وكأنه مسرح للموت تتنقل فوقه الاجنحة المتكسرة والارواح الهائمة بحثا عن طمأنينة مفقودة أو عن ضحكة مخطوفة.. ولقد جاءت بعض المشاهد بمثابة اللوحات التي تهامست فيها الاضواء البرتقالية والارجوانية والرمادية والزرقاء لتضفي شيئا من الأنوار على حياة من فقدوا الأمل بعد أن طال الانتظار، انتظار ضحكة الحبيب أو رقصة الحرية أو وعد بغد أفضل، لتنتهي المسرحية بمشهد شبيه بلوحة زيتية فائقة الجمال بعد أن تشابكت أجساد الممثلين الذين اجتمعوا وسط الركح رافعين شموع الأمل فوق رؤوسهم، ولسان حالهم يقول إنّ العتمة لا يمكن إن تغلب الانوار وإنّ الحياة ستنتصر حتما على كل محاولات القتل، قتل المشاعر وقتل الأحلام وقتل الأمل.
شيراز بن مراد

في كتابه الجديد: الصحفي نزار بهلول ينتقد مسـار الرئيـس الـمؤقـت الـمنصف الـمرزوقي


«رجل لم يعرف كيف يصبح رئيسا»، تحت هذا العنوان المثير للجدل أصدر الزميل نزار بهلول منذ أيام مؤلفا نقديا تطرق فيه إلى أهم المواقف والقرارات التي اتخذها الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي طيلة 22 شهرا من الحكم.. وفي هذا السياق استحضر الإعلامي في كتابه الذي صدر عن دار أبولونيا للنشر جملة من المحطات التي بقيت راسخة في أذهان التونسيين لما أثارته من استغراب وامتعاض وحتى استهزاء.. ينطلق الكتاب بفصل أول ذكّر فيه الكاتب أنّ المرزوقي لم يتحصل في انتخابات 23 أكتوبر 2011 إلا على 17 ألف صوت من جملة 4 ملايين ناخب وكيف عيّن على رأس الدولة التونسية بعد اتفاق مع حركة النهضة والتكتل، ثمّ ذكرنا الكاتب في عمله الذي ارتكز على بحث صحفي دقيق، بأبرز الهفوات التي ارتكبها المرزوقي مثيرة جدلا في وسائل الاعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ولعل أبرزها عندما تطرق في أول خطاب توجه به الى التونسيين يوم 13 ديسمبر 2011 الى النساء التونسيات واصفا اياهن بالسافرات وبالمتنقبات والمتحجبات، مما فجّر موجة من التعاليق لم يفهم أصحابها لماذا أصر المرزوقي على التفرقة وعلى تجاهل القواسم المشتركة... ثم جاء دور السفير السوري بتونس، فقد قرر المرزوقي طرده بتاريخ 4 فيفري 2012 مما أثار انتقادات عدد هامّ من المتابعين للشأن السياسي وقد كان هذا القرار سببا في قطع العلاقات التونسية السورية وتعطيل مصالح عديد التونسيين المقيمين بسوريا دون أن ننسى ان قرار الطرد كان بلا معنى بما أنّ منصب السفير كان شاغرا منذ قرابة السنتين. مواقف سياسية سبّبت أكثر من حرج ديبلوماسي كما تطرق الكاتب الى مواقف المرزوقي ازاء الجزائر والمغرب ومصر وهي مواقف سببت أكثر من حرج ديبلوماسي بعد أن رأى فيها الطرف المقابل تدخلا في الشؤون الداخلية و في هذا الصدد نذكر على سبيل المثال طلب المرزوقي الافراج عن الرئيس المصري محمد مرسي وهو ما رأى فيه المصريون تدخلا في ارادة الشعب المصري وكذلك رفض الجزائر للوساطة التي حاول المرزوقي ان يلعبها لتقريب وجهات النظر بين الجزائر والمغرب هذا فضلا عن اعلانه عن حرية تنقل مواطني اتحاد المغرب العربي دون جوازات سفر وقد استغربت انذاك حكومتا المغرب والجزائر هذا القرار الذي لم تكونا على علم به. قرارات اضرّت بصورة الرئاسة ومن جهة اخرى، تطرق نزار بهلول الى ما أسماه معضلة المحيطين بالمرزوقي ومستشاريه حيث أنهم برزوا بتصريحات مخالفة للمنطق، منها ما كتبه عدنان منصر على موقع نواة من أنّ «للثورة أولوية على العدالة ولو أدى ذلك إلى بعض الظلم» وغيرها من المواقف التي اعتبر بهلول انها اضرت بصورة الرئاسة. ولم يكتف الصحفي في كتابه بذلك بل تطرق الى القرارات التي أعلنها المرزوقي ولم ينفذها ومنها اعلانه بيع القصور الرئاسية وتخصيص 20 % من مداخيل الفسفاط لمواطني قفصة فضلا عن قرار بيع طائرة بن علي التي مازالت الى الان رابضة في مكانها.. وعـلّق بهلول على تنكر المرزوقي لاصدقاء سنوات الجمر ومنهم عمر صحابو وتوفيق بن بريك وسليم بقة قائلا إنه: « عزل نفسه في قصر ـ سجن قرطاج بسجانين ـ حاشية جديدة». وعبّر الكاتب عن استيائه من فتح قصر قرطاج لمن هب ودب ذاكرا بالخصوص فتح أبواب الرئاسة لاعضاء من روابط حماية الثورة ولمتشددين دينيا فضلا عن السماح لكاميرا قناة حنبعل بدخول القصر وبتصوير مختلف زواياه وهو ما لا يتماشي مع المحاذير الامنية التي تستوجبها مؤسسة رئاسة الدولة. تجاذبات في اعلى هرم السلطة ولم تفت الصحفي نزار بهلول طبعا حادثة تسليم البغدادي المحمودي لليبيا والتي تمت دون علم المرزوقي مما أثار تجاذبات سياسية في أعلى هرم السلطة، وكذلك إقالة المرزوقي لمحافظ البنك المركزي كمال النابلي وتعويضه بالشاذلي العياري علی الرغم من ان حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ينادي بالقطع مع الوجوه التي شاركت في النظام السابق وما فتئ ينادي بسن قانون لتحصين الثورة.. كما عرّج بهلول على حادثة شيك الاموال التي استرجعتها تونس من البنوك اللبنانية وكيف حاول المرزوقي الركوب على الحدث متناسيا الدور الذي لعبه البنك المركزي ممّا أثار حفيظة المحافظ العياري إضافة إلى أحداث ستظل محفوظة في سجل المرزوقي كرئيس مؤقت.. وفضلا عن العمل التوثيقي الذي قدمه نزار بهلول فإن مؤلفه يدفعنا للتفكير حول مسائل أساسية منها الهوة السحيقة التي تفصل بيت السياسيين الذين يتولّون المناصب العليا وبين المواطنين العاديين الذين يعانون يوميا من مشاكل لا تجد سبيلا الى الحل وكذلك التدهور الذي مافتئت تعيشه تونس منذ انتخابات 23 أكتوبر 2013 ولا يخفى على أحد اليوم ان مدبّري جريمة اغتيال شكري بلعيد استفادوا من المناخ السياسي الذي شابته التجاذبات والخلافات وانعدام الثقة وقلة الجدية في التعامل مع كبرى القضايا الامنية و الملفّات الاقتصادية مما فتح الطريق امام عديد التجاوزات والانتهاكات الى جانب الصمت المطبق الذي لازمه المرزوقي وهو الحقوقي والرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان إزاء عديد القضايا المتعلقة بحرية التعبير والمعتقد وقد وصل به الامر الى حد مقاضاة اعلاميين وهما الطاهر بن حسين وزهير الجيس.. كل هذا يدفعنا الى مزيد الاقتناع بأنه لا توجد معارك مربوحة بل انه علينا ان نناضل من أجل الحفاظ على مكتسبات التقدم والمساواة وان النقد سواء كان صحفيا أو فنيا لا يمكن أن يكون الاّ حصنا منيعا وسلطة مضادة في وجه كل الانحرافات السياسية.
شيراز بن مراد

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

إنـ.. عاش لكمال التواتي: اسعافات مسرحية حتى لا ينقطع الخيط الذي يربطنا بالحياة


«فيق من النوم» جملة رهيبة انطلقت بها مسرحية «انـ.. عاش» التي قدّمها مؤخرا المسرحي كمال التواتي على خشبة المسرح البلدي بالعاصمة.. جملة رهيبة استفز بواسطتها التواتي ضمائر الحاضرين ليدعوهم الى الدخول في طرحه الفني الجديد الذي تضمّن جملة من الرسائل السياسية ذات العلاقة المباشرة بما يعيشه التونسيون اليوم.. الطبق كان كما قلنا سياسيا بإمتياز، حرّك من خلاله التواتي المياة الراكدة داعيا المواطنين الى ان يمارسوا مواطنتهم وليكونوا فاعلين في تقرير مصيرهم..
كمال التواتي لم يعط أجوبة بقدر ما طرح أسئلة حول عديد النقاط التي يدور حولها النقاش العام حاليا ومنها اشراك «المسامر المصددة» في الحراك السياسي من عدمه في اشارة واضحة الى رموز العهد البائد، وصورة الدمّالة» التي اختلف الفرقاء في طريقة مداواتها في ايحاء للمشاكل التي تعاني منها تونس ومنها البطالة والارهاب وغيرهما، ولإختلاف المقاربات في معالجتها..
في فضائه المغلق (الركح كان بمثابة قاعة بمستشفى) واصل كمال التواتي محاولته الفنية لإنعاش الجسد التونسي المريض محذرا من الامراض السياسية القديمة-الجديدة على غرار مساحات الحرية التي تسعى الدولة الى الحدّ منها اذ يقول التواتي «نسيّبوك لكن موش على طول ذراعك ها.. ها» وهي جملة تلخّص وحدها كل التجاذبات القائمة بين السلطة من جهة والفنانين والاعلاميين من جهة اخرى، فكل يعمل لبسط نفوذه: نفوذ الهيمنة مقابل نفوذ الحرية.. ومن بين الأمراض السياسية التي استحضرها التواتي كذلك “جنون السلطة” الذي يمتلّك كل من يصعد الى منصب المسؤولية، وعلّق التواتي قائلا: « كل ما تزيد تطلع، كل ما اللطخة تكون أقوى» وهو درس سياسي من الصنف الاول إذ عادة ما تكون المحاسبة أعسر كلّما اقترب المنصب أكثر من أعلى هرم في السلطة..
وبين الرسالة والاخرى، يستنجد التواتي بلوحات حبلى هي أيضا بالرمزية على غرار سطل الماء الذي رشّ به الركح وكأنّه يحاول أن يدخل شيئا من الصفاء على عالم زايد فيه النفاق على النفاق.. ولئن كانت مسرحية «انـ.. عاش» ناجحة في مجملها لمّا فيها من مضامين قوية ومعبرة عن واقع تونس اليوم فإنّ ما نعيبه عليها هو غياب عنصر المفاجأة الذي عهدناه في أعمال كمال التواتي المسرحية بصفة عامة، فلم تبعد المسرحية عن السياق العام وعن اتجاه الحراك الذي دأب التونسيون عليه منذ فترة..
«إنـ.. عاش» أنعشت شيئا من كياننا الذي أصابه الوهن في ظل إنسداد الآفاق ونفاق السياسة واستفحال الارهاب، مثيرة السؤال ومنادية الى التفاعل والعطاء فجاءت بمثابة «الاسعافات المسرحية» التي يمارسها الفنان حتى لا ينقطع الخيط، الخيط الرفيع الذي يربط جسد المريض بالحياة فتدعوه أن لا يخضع ولا يستسلم.. وتلك أجمل رسالة تضمنتها «إنـ.. عاش».
شيراز بن مراد

غريب: وزارة الثقافة ترفض إقتناء فيلم تونسي توّج في أكبر المهرجانات السينمائية


خلال شهر جويلية 2012 بدأت الأصداء الطيبة تصل الى تونس بخصوص فيلم «بابل» (Babylon) الذي أخرجه الثلاثي إسماعيل وعلاء الدين سليم ويوسف الشابي، وذلك بعد عرضه لأوّل مرّة في إطار مهرجان مرسيليا للأفلام الوثائقية.. ولم تخطئ التوّقعات حيث فاز الفيلم التونسي «بابل» بالجائزة الكبرى للمهرجان في دورة 2012، وهي أوّل مرة يتوّج فيها فيلم تونسي وثائقي بجائزة من هذه الدرجة. وقد كتب الناقد السينمائي طاهر الشيخاوي آنذاك مقالا تطرّق فيه للمنحى الإنساني الذي نبض به فيلم “بابل” والذي رأى فيه الشيخاوي درسا في التواضع السينمائي الذي يهدف لخدمة حقوق الإنسان وقضاياه العادلة، علما وأنّ شريط «بابل» تطرق لقصة مخيّم الشوشة هذه “المدينة” التي احتضنت مئات الآلاف من اللاجئين الذين فرّوا من ليبيا إثر اندلاع ثورة 17 فبراير..
وبعد التتويج الفرنسي، تمكن «بابل» من الفوز بعدّة جوائز أخرى في مهرجانات دولية بعد أن تنافس مع أقدر المخرجين وأفلام من طراز رفيع وذلك في أكثر من 50 مهرجان سينمائي في العالم… فضلا عن مئات المقالات التي أشادت بقيمة الفيلم سواء على المستوى الفني أو على مستوى المضمون والرسائل.. وبعد هذا الاعتراف الدولي، جاءت الخيبة من تونس وتحديدا من وزارة الثقافة حيث صُدم مخرجو الفيلم الثلاثة والشركة المنتجة له (إكزيت للإنتاج) بموقف وزارة الثقافة التونسية المخيّب للآمال، فقد رفضت لجنة دعم اقتناء الأفلام شراء شريط “بابل” الذي يعتبر من أبرز الأفلام الوثائقية التونسية التي أنجزت في السنوات الأخيرة.. فهل من تفسير لهذا الموقف الغريب والذي لم نجد له أي مبرر ناهيك أنّ المقاربة السينمائية التي إنتهجها المخرجون متميزة على أكثر من مستوى وتم خلالها تسخير السينما لرفع الستار عن واحدة من أكبر التراجيديات الإنسانية التي سجلّها التاريخ في بداية هذا القرن؟
وفي هذا الصدد، أبلغنا الناقد السينمائي الناصر الصردي، أنّ فيلم “بابل” يستحق منطقيا موافقة لجنة إقتناء الأفلام بوزراة الثقافة، فهو في نظره فيلم وثائقي جيّد تمكن من التميّز على المستوى الدولي، فضلا عن المقالات التي أشادت بقيمته الفنية ومنها ما نشر على سبيل المثال بـ”كراسات السينما” (Les cahiers du cinéma) وغيرها.. وأضاف الصردي قائلا: “كان من المنتظر أن توافق لجنة إقتناء الأفلام على شراء فيلم “بابل” بالنظر للنجاح والإعتراف الذي حققه على المستوى الدولي خاصة وأنّ شركة “إكزيت” المنتجة للفيلم ما فتئت تخصص الأموال التي تلقتها للإنتاج السينمائي ولا لأغراض أخرى”.
ومن جهة أخرى، إعتبر ناصر صردي أنّه على لجنة إقتناء الأفلام -وهي لجنة متكونة من 3 أشخاص- أن تعتمد على مقاييس واضحة وأن تتوخى الشفافية عند إقتنائها للأفلام التونسية، فهناك أعمال دون قيمة تم إشتراؤها.. وأكدّ الصردي على ضرورة القطع مع سياسة الغموض التي لا تخدم السينما التونسية بل تزرع الشك واللبس حول آداء هذه اللجنة.. وقال الصردي إنّه من المنتظر الآن أن يتم نقل صلاحيات إدارة السينما الى المركز الوطني للسينما والذي تم بعثه مؤخرا لكي ينكب على معالجة مختلف الملفات الشائكة للسينما التونسية ويتولى ضبط المقاييس الشفافة التي من شأنها أن توّضح “قواعد اللعبة” بعيدا عن الأحكام الشخصية التي قد تظلم أعمالا تستحق الدعم والمساندة.
فلماذا تُصرّ وزارة الثقافة على إحباط عزائم أبرز المخرجين الشبان؟ ولماذا تُصرّ على خلق الخيبة والإستياء في نفوس من يمثلون الجيل الصاعد والواعد للسينما التونسية؟ لقد أرّخ إسماعيل وعلاء الدين سليم ويوسف الشابي من خلال عملهم السينمائي «بابل تونس» أو مخيمات الاجئين بالشوشة لتظل محفورة في الذاكرة التونسية والإنسانية.. فهل من حقّ وزارة الثقافة تجاهل التاريخ وقهر المبدعين؟؟
شيراز بن مراد

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

فيلم «على هذه الارض» لعبد الله يحيى: وجيعة الطفل، وجيعة القرية، ووجيعة الوطن


في صميم وجيعة فتى برئ، في صميم وجيعة قرية تونسية منسيّة، في صميم وجيعة شيوخ وهنوا بفعل التهميش.. في صميم هذه الوجيعة المتعددة الملامح، وفي أجواء قرية العمران المتفرّعة عن مدينة المكناسي من ولاية سيدي بوزيد، أوغلنا المخرج الشاب عبد الله يحيى من خلال شريطه الوثائقي «على هذه الارض» والذي توّج يوم السبت 28 سبتمبر 2013 بالجائزة الكبرى لمهرجان فيلم حقوق الانسان نظرا إلى لغته السينمائية السلسة وشاعريته المرهفة مثلما جاء على لسان عضو لجنة التحكيم الناقد السينمائي ناصر الصردي..
فعلى وقع قرع طبل حديدي، تقترب كاميرا المخرج عبد الله يحيى من مجموعة من الأشخاص تجمهروا لقطع الطريق المؤدية إلى قرية العمران احتجاجا على احتجاز عدد من أبنائهم في السجن بعد أن طالبوا بحقّهم في التشغيل وفي التنمية الجهوية وفي العدالة الاجتماعية.. تتوقف الكاميرا عند وجه الطفل حمزة الحيدوري الذي يدعو من خلال اللافتة التي يحملها بين يديه إلى إطلاق سراح والده الذي طالب بتوفير شغل قار تقتات منه عائلته الصغيرة.. ومن عيني حمزة الكستنائيتين الشفافتين يدرك المتفرج حجم الرسائل المتضمنة في الفيلم والتي تراوح بين الحلم والخيبة وبين العزم والاحباط بعد أن أدارت السياسة وجهها عن واقع الوطن..
شيئا فشيئا يستدرجنا المخرج الى عمق وجيعة قرية العمران، هذه الارض المعزولة التي بعثت في بداية الستينات في إطار التعاضد الذي أراد احمد بن صالح ارساءه، ومن خلال شهادات أهالي القرية نكتشف حجم معاناة المتساكنين الذين يفتقرون الى أبسط مقومات العيش الكريم، ولعل اللافت للنظر في خطابهم هو شهامتهم كمواطنين تونسيين تنكّر لهم الوطن وتناستهم السياسة وهمشتهم الجغرافيا، وحول هذه النقطة بالذات سعت كاميرا عبد الله يحيى ومدير تصويره مهدي بوهلال الى تكبير الصورة لتبرز جفاء الطبيعة والمناخ، جفاء لم يسهّل حياة المتساكنين بل جعلهم ينفرون من الاحجار المتكلسة ومن نبتة الحلفاء التي غطت الاراضي الشاسعة في حين أن هذه الربوع يمكن ان تدرّ خيرات بلا حساب لو توفرت الارادة ونصيب من الامكانات..
ومن أبرز نقاط قوة فيلم «على هذه الارض»، قدرة المخرج على الاقتراب من ذلك النسغ الحيّ لقرية العمران، فوراء الوجوه معاناة وفي القلوب خيبات وفي الصدور وجيعة الذات والوطن وفي الطبيعة خلاء محبط..  وتتوالى الشهادات، شهادات الآباء الذين دخلوا في إضراب جوع للمطالبة باطلاق سراح أبنائهم، الشهادات الصامتة كما الشهادات الشفوية تفصح الكثير عن هذا الوطن الذي تناسى أبناءه ومنها «طلبنا مع من نتحاور فلم نجد سوى الدز والفز»، و«حاكمنا ما تفقدناش منذ ذلك الزمن»، و«ما عندي كان حرية التعبير وكان صهيوني يوفر لابنائي الشغل نخدم معاه»، و«العمران مهانة» و«اعمل الخير في شعبك» و«هكذا كافأتنا تونس كرتوش وكريموجان» و«شكون ضرب ولدي؟ ضربو تونسي» و«كلنا في حالة سراح مؤقت» و«لا عربي لا مسلم لا متدين، ما فمة إلا شخص يخدم وطنو» الى غير ذلك من الشهادات التي تعلن الاستعداد للتخلي عن جنسية وطن تنكر لابنائه..
وبلمسات الفنان الساحرة، يمرّ بنا المخرج عبد الله يحيى عبر عدد من المشاهد من «سماء النجوم» الى «سماء الحلم» بعد أن يلتقي الطفل حمزة الحيدوري جدّه في ظلام العمران وتحت جذوع شجرة عملاقة تحمي حديثهما من برد الليل ووحشته.. يسأل حمزة: «لماذا أدرس يا جدي اذا كانت الشهائد لا تضمن الشغل؟» فيجيب الجدّ «أُدرس لكي لا تيأس يا بنيّ».. ينتهي الكلام الذي يلملم الجراح لتحلّ «سماء الحلم» محلّ «سماء النجوم» في حيلة بصريّة تظهر فيها رسوم تجسد أحلام حمزة الطفولية وبراءة الفتى الذي يريد ان يصبح رائد فضاء أو طبيبا جراحا..
وفي الشريط كذلك مشاهد حبلى بالمعاني اختزلت حجم الهوة السحيقة بين الخطاب السياسي الاجوف واللغة الخشبية ووعود رجال السياسة من جهة، وواقع الجهات التي تعاني من التهميش من جهة اخرى، ومن بين هذه المشاهد تلك اللوحة التي يظهر فيها مسنّان يجلسان فوق حصير بيتهما وصوت المذياع يقول إن رئاسة الجمهورية نظمت ندوة بمشاركة خبراء أجانب للنظر في السبل الكفيلة بمكافحة الفقر وإن النتائج ستظهر بعد سنوات.. بمشاهده هذه، أبرز عبد الله يحيى حجم القطيعة الحاصلة بين المركز والجهات وحجم غياب الارادة السياسية في تحسين الواقع المعيش ولو بإجراءات استعجالية بسيطة تنفض الغبار الذي تكدّس منذ سنين في القلوب وفي الشوارع وفي المؤسسات.. ألم يعبّر الطفل حمزة الحيدوري عن حلم بسيط في آخر الشريط يتمثل في ادخال خط هاتفي إلى مستشفى الجهة؟
«على هذه الارض» فيلم اقتفى أثر وجيعة طفل حُرم من والده، ووجيعة قرية مهمّشة ووطن تنكّر لابنائه، وقد مارس عبد الله يحيى في شريطه السينما بوصفها فعلا مقاوما كشف من خلاله واقع بلد «في حالة عطب» عبر نقل معاناة سكان احدى قراه، وذلك بلغة «القلب» الذي ينشد كرامة الانسان ولا شيء غير ذلك.
شيراز بن مراد

الأحد، 29 سبتمبر 2013

المخرج نجيب عبيدي: الفنانون لا يستحقون السجن وعلينا أن نقاوم لتحرير أنفسنا


لحظات قبل إنطلاق عرض فيلم “على هذه الارض” في إطار مهرجان سينما حقوق الإنسان الذي ينتظم بتونس من 25 الى 29 سبتمبر، أخذ المخرج نجيب العبيدي الكلمة ليٌعبر عما يخالجه بعد أن قضى 6 أيام في الإيقاف في بوشوشة رفقة مجموعة من الفنانين على غرار عبد الله يحي وسليم عبيدة ويحي الدريدي. وقال العبيدي في مداخلته إن سجن الفنانين هو بمثابة قهرهم وقهر كل التونسيين، فـ”ولد ال15″ و”كلاي بي بي جي” و”فينكس” وجابر وسليم عبيدة ومحمود عياد لا يستحقون السجن.. وأضاف العبيدي أنّ لسجن الفنانين دلالة واضحة وهي أننا شعب محتل وعليه أن يقاوم لكي يحرر نفسه..
ووجّه العبيدي تحيّة لكل من يؤمن بالفكر الحر ورسالة الى الحكومة مفادها أنّ هذه الأخيرة تخطئ إذا ما إعتقدت أنها بفتح السجون في وجه الفنانين فإنها ستخيفهم مشيرا الى أنه سيتم إطلاق حملة “شيلونا” سيطالب فيها مواطنون بسجنهم بعدما أضحت تونس سجنا للفكر الحر وللمبدعين والفنانين.
شيراز بن مراد

فيلم المخرج عبد الله يحي القابع في السجن يُتوّج بالجائزة الكبرى لمهرجان فيلم حقوق الإنسان


تٌوّج مساء يوم السبت 28 سبتمبر 2013 فيلم “على هذه الأرض” للمخرج عبد الله يحي القابع في السجن بالجائزة الكبرى لمهرجان فيلم حقوق الإنسان الذي إحتضنته تونس من 24 الى 28 سبتمبر. وقد أعلن عن الجائزة الشاعر آدم فتحي الذي كان عضوا في لجنة التحكيم بمعية المخرجتين سنية الشامخي ولينا بن شعبان. وتسلم الجائزة منتج الفيلم الفنان نصر الدين السهيلي -الذي غادر لتوه السجن بعد أن قضى شهرا وراء القضبان بعد حادثة رشق وزير الثقافة ببيضة- وسط وابل من التصفيق وهتافات تنادي بإطلاق سراح المخرج عبد الله يحي ومهندس الصوت يحي الدريدي اللذين يقبعان في السجن منذ يوم 21 سبتمبر.

كما تحصل فيلم عبد الله يحي على جائزة أحسن فيلم تونسي بعدما إعتبرت لجنة التحكيم المتكونة من الناقد السينمائي ناصر الصردي وسوسن دروزة وإيهاب الخطيب أنّ “على هذه الأرض” يستحق الجائزة الأولى نظرا للغته السينمائية السلسة ولشاعريته المرهفة، وقد تسلم الجائزة السيد منذر شقيق عبد الله يحي.
وفي مسابقة الأفلام القصيرة، فاز فيلم “صباط العيد” للمخرج أنيس لسود بالجائزة الأولى وتسلمت الجائزة نيابة عن المخرج زوجته الأستاذة والكاتبة المسرحية شامة بن شعبان. وتكونت لجنة التحكيم من كل من منير بوعزيز ورفيق عمراني ونيفين شلبي. أمّا مسابقة أفلام ونساء، فقد شهدت تتويج الفيلم الوثائقي “سلمى” للمخرجة كيم لين جيناتو، وقد ضمت لجنة التحكيم كل من سعاد بن سليمان وإيناس التليلي وهاشمي بن فرج.
وصرّح إلياس بكار مدير مهرجان فيلم حقوق الإنسان في إفتتاح السهرة الختامية انّ نجاح الدورة الثانية للمهرجان يؤكد تعطش الجمهور للكلمة الحق بعد أن سئم الخطاب الخشبي، وعرّج على نجاح تجربة عرض عدد من الأفلام بسجن المرناقية وحبس النساء بمنوبة قائلا إن الجمعية الثقافية التونسية للإدماج والتكوين التي يرأسها ستعمل على مواصلة التجربة في السجون التونسية عى مدار السنة نظرا للبعد الإنساني التي تتضمنه.
شيراز

كمال التواتي يُقدم “إن.. عاش” يومي 9 و10 أكتوبر بالمسرح البلدي


بعد غياب عن الساحة الفنية، يصافح الفنان كمال التواتي جمهوره من جديد بعمل مسرحي يحمل عنوان “إن.. عاش” وذلك يومي الاربعاء والخميس 9 و10 أكتوبر على الساعة السابعة والنصف مساء بالمسرح البلدي بالعاصمة. ويوحي عنوان المسرحية بعدة معاني تدفعنا للتساؤل عن التيمة التي إشتغل عليها التواتي، فهل يتطرق عمله الى الحاجة التي يشعر بها الجسد التونسي اليوم الى عملية إنعاش مستعجلة تنقذه من الفصل الأخير الذي يسبق الموت، فصل طغت عليه الفوضوية، فوضوية السياسة وفوضوية الحالة الأمنية وفوضوية دواخل وحواس التونسي في نهاية الأمر.. أم هل لهذه المسرحية بعد آخر يتعلق بالواقع الفني وبالتهديدات التي طالت عددا من الفنانين حتى أصبح البعض منهم لا يدرك إن كان سيداوم حيّا “إن عاش” على هذه الأرض ليمارس حريته الشخصية والإبداعية.. بعد “ضد مجهول” و”أحنا هكا” وهما عملان حاول من خلالهما التواتي رفع النقاب على جوانب خفية من نفسية التونسي، وهو تمشي قريب جدا من التحليل النفسي، سنتوغل مرّة أخرى مع التواتي في “إن عاش” لمحاولة سبر أغوار التونسي الآن وهنا..
شيراز بن مراد