«في دفينة موزار.. ما تبّعو كان كلبو»، هكذا تحدث أحد ممثلي مسرحية “مسألة حياة” ليؤكد أنّ الواحد منا قد يموت في حياته مئات المرّات.. قد يموت غبنا أو حزنا أو ظلما.. وقد تموت مشاعره وتفنى أحلامه وتنطفئ مهجته، وقد يدخل في خريف الحياة مبكرا سواء لسبب أو لآخر.. وقد بدا لنا أنّها التيمة الاساسية التي تطرقت لها مسرحة «مسألة حياة» التي عرضت الاسبوع الفارط بفضاء التياترو والتي صاغ نصها المسرحي توفيق الجبالي وأخرجها نوفل عزارة بمشاركة مجموعة من الممثلين من خريجي «ستوديو التياترو»..
ومن خلال شخصيات مختلفة خذلتها الحياة، سعت مسرحية «مسألة حياة» الى تقديم مفهوم آخر للموت، لا تلك “النهاية الابدية” التي يتفق عليها أغلبنا بل تلك «النهايات الصغيرة» التي نعيش على وقعها طوال حياتنا.. فالوحدة مثلا شكل من أشكال الموت المبكر وقد جسدت هذه الفكرة الممثلة كوثر الضاوي التي تحدثت عن نجاحها المهني وأيضا عن وحدتها العاطفية القاتمة التي جعلت حياتها أشبه بمعزوفة موسيقية محبطة.. أمّا ذاك الرجل (معز بالرحومة)، فقد عانى الأمرين وعاش موت الاحاسيس بسبب عدم انسجامه العاطفي مع زوجته وبرود مشاعرها إزاءه.. ومن الشخصيات التي شدتنا أيضا بأدائها، ذلك الفنان (سهيب الوسلاتي) الذي تقرأ في أدائه معاناة الفنان الذي يموت بالحياة مائة مرّة بعد أن تتقاذفه أمواج التهميش والنسيان وسياسات الابواب المغلقة.. والى جانب هؤلاء، تظهر امرأة بفستان أسود (نور الهدى ساسي) يبدو أنّ السياسة حولت نكهة حياتها الى طعم الحنظل وها إنّها لا تكف عن الصراخ: « اخرجوا من حياتنا.. اخرجوا من ذاكرتنا» وكأن وجودها مزقته السياسة ودمرّه حمق السياسيين وغباؤهم..
ومن أبرز ميزات مسرحية «مسألة حياة» رؤيتها الاخراجية التي نفخت فيها طابعا خاصا، فجعلتنا ننظر للركح وكأنه مسرح للموت تتنقل فوقه الاجنحة المتكسرة والارواح الهائمة بحثا عن طمأنينة مفقودة أو عن ضحكة مخطوفة.. ولقد جاءت بعض المشاهد بمثابة اللوحات التي تهامست فيها الاضواء البرتقالية والارجوانية والرمادية والزرقاء لتضفي شيئا من الأنوار على حياة من فقدوا الأمل بعد أن طال الانتظار، انتظار ضحكة الحبيب أو رقصة الحرية أو وعد بغد أفضل، لتنتهي المسرحية بمشهد شبيه بلوحة زيتية فائقة الجمال بعد أن تشابكت أجساد الممثلين الذين اجتمعوا وسط الركح رافعين شموع الأمل فوق رؤوسهم، ولسان حالهم يقول إنّ العتمة لا يمكن إن تغلب الانوار وإنّ الحياة ستنتصر حتما على كل محاولات القتل، قتل المشاعر وقتل الأحلام وقتل الأمل.
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق