الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

إنـ.. عاش لكمال التواتي: اسعافات مسرحية حتى لا ينقطع الخيط الذي يربطنا بالحياة


«فيق من النوم» جملة رهيبة انطلقت بها مسرحية «انـ.. عاش» التي قدّمها مؤخرا المسرحي كمال التواتي على خشبة المسرح البلدي بالعاصمة.. جملة رهيبة استفز بواسطتها التواتي ضمائر الحاضرين ليدعوهم الى الدخول في طرحه الفني الجديد الذي تضمّن جملة من الرسائل السياسية ذات العلاقة المباشرة بما يعيشه التونسيون اليوم.. الطبق كان كما قلنا سياسيا بإمتياز، حرّك من خلاله التواتي المياة الراكدة داعيا المواطنين الى ان يمارسوا مواطنتهم وليكونوا فاعلين في تقرير مصيرهم..
كمال التواتي لم يعط أجوبة بقدر ما طرح أسئلة حول عديد النقاط التي يدور حولها النقاش العام حاليا ومنها اشراك «المسامر المصددة» في الحراك السياسي من عدمه في اشارة واضحة الى رموز العهد البائد، وصورة الدمّالة» التي اختلف الفرقاء في طريقة مداواتها في ايحاء للمشاكل التي تعاني منها تونس ومنها البطالة والارهاب وغيرهما، ولإختلاف المقاربات في معالجتها..
في فضائه المغلق (الركح كان بمثابة قاعة بمستشفى) واصل كمال التواتي محاولته الفنية لإنعاش الجسد التونسي المريض محذرا من الامراض السياسية القديمة-الجديدة على غرار مساحات الحرية التي تسعى الدولة الى الحدّ منها اذ يقول التواتي «نسيّبوك لكن موش على طول ذراعك ها.. ها» وهي جملة تلخّص وحدها كل التجاذبات القائمة بين السلطة من جهة والفنانين والاعلاميين من جهة اخرى، فكل يعمل لبسط نفوذه: نفوذ الهيمنة مقابل نفوذ الحرية.. ومن بين الأمراض السياسية التي استحضرها التواتي كذلك “جنون السلطة” الذي يمتلّك كل من يصعد الى منصب المسؤولية، وعلّق التواتي قائلا: « كل ما تزيد تطلع، كل ما اللطخة تكون أقوى» وهو درس سياسي من الصنف الاول إذ عادة ما تكون المحاسبة أعسر كلّما اقترب المنصب أكثر من أعلى هرم في السلطة..
وبين الرسالة والاخرى، يستنجد التواتي بلوحات حبلى هي أيضا بالرمزية على غرار سطل الماء الذي رشّ به الركح وكأنّه يحاول أن يدخل شيئا من الصفاء على عالم زايد فيه النفاق على النفاق.. ولئن كانت مسرحية «انـ.. عاش» ناجحة في مجملها لمّا فيها من مضامين قوية ومعبرة عن واقع تونس اليوم فإنّ ما نعيبه عليها هو غياب عنصر المفاجأة الذي عهدناه في أعمال كمال التواتي المسرحية بصفة عامة، فلم تبعد المسرحية عن السياق العام وعن اتجاه الحراك الذي دأب التونسيون عليه منذ فترة..
«إنـ.. عاش» أنعشت شيئا من كياننا الذي أصابه الوهن في ظل إنسداد الآفاق ونفاق السياسة واستفحال الارهاب، مثيرة السؤال ومنادية الى التفاعل والعطاء فجاءت بمثابة «الاسعافات المسرحية» التي يمارسها الفنان حتى لا ينقطع الخيط، الخيط الرفيع الذي يربط جسد المريض بالحياة فتدعوه أن لا يخضع ولا يستسلم.. وتلك أجمل رسالة تضمنتها «إنـ.. عاش».
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق