«رجل لم يعرف كيف يصبح رئيسا»، تحت هذا العنوان المثير للجدل أصدر الزميل نزار بهلول منذ أيام مؤلفا نقديا تطرق فيه إلى أهم المواقف والقرارات التي اتخذها الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي طيلة 22 شهرا من الحكم.. وفي هذا السياق استحضر الإعلامي في كتابه الذي صدر عن دار أبولونيا للنشر جملة من المحطات التي بقيت راسخة في أذهان التونسيين لما أثارته من استغراب وامتعاض وحتى استهزاء..
ينطلق الكتاب بفصل أول ذكّر فيه الكاتب أنّ المرزوقي لم يتحصل في انتخابات 23 أكتوبر 2011 إلا على 17 ألف صوت من جملة 4 ملايين ناخب وكيف عيّن على رأس الدولة التونسية بعد اتفاق مع حركة النهضة والتكتل، ثمّ ذكرنا الكاتب في عمله الذي ارتكز على بحث صحفي دقيق، بأبرز الهفوات التي ارتكبها المرزوقي مثيرة جدلا في وسائل الاعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ولعل أبرزها عندما تطرق في أول خطاب توجه به الى التونسيين يوم 13 ديسمبر 2011 الى النساء التونسيات واصفا اياهن بالسافرات وبالمتنقبات والمتحجبات، مما فجّر موجة من التعاليق لم يفهم أصحابها لماذا أصر المرزوقي على التفرقة وعلى تجاهل القواسم المشتركة...
ثم جاء دور السفير السوري بتونس، فقد قرر المرزوقي طرده بتاريخ 4 فيفري 2012 مما أثار انتقادات عدد هامّ من المتابعين للشأن السياسي وقد كان هذا القرار سببا في قطع العلاقات التونسية السورية وتعطيل مصالح عديد التونسيين المقيمين بسوريا دون أن ننسى ان قرار الطرد كان بلا معنى بما أنّ منصب السفير كان شاغرا منذ قرابة السنتين.
مواقف سياسية سبّبت أكثر من حرج ديبلوماسي
كما تطرق الكاتب الى مواقف المرزوقي ازاء الجزائر والمغرب ومصر وهي مواقف سببت أكثر من حرج ديبلوماسي بعد أن رأى فيها الطرف المقابل تدخلا في الشؤون الداخلية و في هذا الصدد نذكر على سبيل المثال طلب المرزوقي الافراج عن الرئيس المصري محمد مرسي وهو ما رأى فيه المصريون تدخلا في ارادة الشعب المصري وكذلك رفض الجزائر للوساطة التي حاول المرزوقي ان يلعبها لتقريب وجهات النظر بين الجزائر والمغرب هذا فضلا عن اعلانه عن حرية تنقل مواطني اتحاد المغرب العربي دون جوازات سفر وقد استغربت انذاك حكومتا المغرب والجزائر هذا القرار الذي لم تكونا على علم به.
قرارات اضرّت بصورة الرئاسة
ومن جهة اخرى، تطرق نزار بهلول الى ما أسماه معضلة المحيطين بالمرزوقي ومستشاريه حيث أنهم برزوا بتصريحات مخالفة للمنطق، منها ما كتبه عدنان منصر على موقع نواة من أنّ «للثورة أولوية على العدالة ولو أدى ذلك إلى بعض الظلم» وغيرها من المواقف التي اعتبر بهلول انها اضرت بصورة الرئاسة.
ولم يكتف الصحفي في كتابه بذلك بل تطرق الى القرارات التي أعلنها المرزوقي ولم ينفذها ومنها اعلانه بيع القصور الرئاسية وتخصيص 20 % من مداخيل الفسفاط لمواطني قفصة فضلا عن قرار بيع طائرة بن علي التي مازالت الى الان رابضة في مكانها.. وعـلّق بهلول على تنكر المرزوقي لاصدقاء سنوات الجمر ومنهم عمر صحابو وتوفيق بن بريك وسليم بقة قائلا إنه: « عزل نفسه في قصر ـ سجن قرطاج بسجانين ـ حاشية جديدة».
وعبّر الكاتب عن استيائه من فتح قصر قرطاج لمن هب ودب ذاكرا بالخصوص فتح أبواب الرئاسة لاعضاء من روابط حماية الثورة ولمتشددين دينيا فضلا عن السماح لكاميرا قناة حنبعل بدخول القصر وبتصوير مختلف زواياه وهو ما لا يتماشي مع المحاذير الامنية التي تستوجبها مؤسسة رئاسة الدولة.
تجاذبات في اعلى هرم السلطة
ولم تفت الصحفي نزار بهلول طبعا حادثة تسليم البغدادي المحمودي لليبيا والتي تمت دون علم المرزوقي مما أثار تجاذبات سياسية في أعلى هرم السلطة، وكذلك إقالة المرزوقي لمحافظ البنك المركزي كمال النابلي وتعويضه بالشاذلي العياري علی الرغم من ان حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ينادي بالقطع مع الوجوه التي شاركت في النظام السابق وما فتئ ينادي بسن قانون لتحصين الثورة..
كما عرّج بهلول على حادثة شيك الاموال التي استرجعتها تونس من البنوك اللبنانية وكيف حاول المرزوقي الركوب على الحدث متناسيا الدور الذي لعبه البنك المركزي ممّا أثار حفيظة المحافظ العياري إضافة إلى أحداث ستظل محفوظة في سجل المرزوقي كرئيس مؤقت..
وفضلا عن العمل التوثيقي الذي قدمه نزار بهلول فإن مؤلفه يدفعنا للتفكير حول مسائل أساسية منها الهوة السحيقة التي تفصل بيت السياسيين الذين يتولّون المناصب العليا وبين المواطنين العاديين الذين يعانون يوميا من مشاكل لا تجد سبيلا الى الحل وكذلك التدهور الذي مافتئت تعيشه تونس منذ انتخابات 23 أكتوبر 2013 ولا يخفى على أحد اليوم ان مدبّري جريمة اغتيال شكري بلعيد استفادوا من المناخ السياسي الذي شابته التجاذبات والخلافات وانعدام الثقة وقلة الجدية في التعامل مع كبرى القضايا الامنية و الملفّات الاقتصادية مما فتح الطريق امام عديد التجاوزات والانتهاكات الى جانب الصمت المطبق الذي لازمه المرزوقي وهو الحقوقي والرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان إزاء عديد القضايا المتعلقة بحرية التعبير والمعتقد وقد وصل به الامر الى حد مقاضاة اعلاميين وهما الطاهر بن حسين وزهير الجيس..
كل هذا يدفعنا الى مزيد الاقتناع بأنه لا توجد معارك مربوحة بل انه علينا ان نناضل من أجل الحفاظ على مكتسبات التقدم والمساواة وان النقد سواء كان صحفيا أو فنيا لا يمكن أن يكون الاّ حصنا منيعا وسلطة مضادة في وجه كل الانحرافات السياسية.
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق