خلال شهر جويلية 2012 بدأت الأصداء الطيبة تصل الى تونس بخصوص فيلم «بابل» (Babylon) الذي أخرجه الثلاثي إسماعيل وعلاء الدين سليم ويوسف الشابي، وذلك بعد عرضه لأوّل مرّة في إطار مهرجان مرسيليا للأفلام الوثائقية.. ولم تخطئ التوّقعات حيث فاز الفيلم التونسي «بابل» بالجائزة الكبرى للمهرجان في دورة 2012، وهي أوّل مرة يتوّج فيها فيلم تونسي وثائقي بجائزة من هذه الدرجة. وقد كتب الناقد السينمائي طاهر الشيخاوي آنذاك مقالا تطرّق فيه للمنحى الإنساني الذي نبض به فيلم “بابل” والذي رأى فيه الشيخاوي درسا في التواضع السينمائي الذي يهدف لخدمة حقوق الإنسان وقضاياه العادلة، علما وأنّ شريط «بابل» تطرق لقصة مخيّم الشوشة هذه “المدينة” التي احتضنت مئات الآلاف من اللاجئين الذين فرّوا من ليبيا إثر اندلاع ثورة 17 فبراير..
وبعد التتويج الفرنسي، تمكن «بابل» من الفوز بعدّة جوائز أخرى في مهرجانات دولية بعد أن تنافس مع أقدر المخرجين وأفلام من طراز رفيع وذلك في أكثر من 50 مهرجان سينمائي في العالم… فضلا عن مئات المقالات التي أشادت بقيمة الفيلم سواء على المستوى الفني أو على مستوى المضمون والرسائل.. وبعد هذا الاعتراف الدولي، جاءت الخيبة من تونس وتحديدا من وزارة الثقافة حيث صُدم مخرجو الفيلم الثلاثة والشركة المنتجة له (إكزيت للإنتاج) بموقف وزارة الثقافة التونسية المخيّب للآمال، فقد رفضت لجنة دعم اقتناء الأفلام شراء شريط “بابل” الذي يعتبر من أبرز الأفلام الوثائقية التونسية التي أنجزت في السنوات الأخيرة.. فهل من تفسير لهذا الموقف الغريب والذي لم نجد له أي مبرر ناهيك أنّ المقاربة السينمائية التي إنتهجها المخرجون متميزة على أكثر من مستوى وتم خلالها تسخير السينما لرفع الستار عن واحدة من أكبر التراجيديات الإنسانية التي سجلّها التاريخ في بداية هذا القرن؟
وفي هذا الصدد، أبلغنا الناقد السينمائي الناصر الصردي، أنّ فيلم “بابل” يستحق منطقيا موافقة لجنة إقتناء الأفلام بوزراة الثقافة، فهو في نظره فيلم وثائقي جيّد تمكن من التميّز على المستوى الدولي، فضلا عن المقالات التي أشادت بقيمته الفنية ومنها ما نشر على سبيل المثال بـ”كراسات السينما” (Les cahiers du cinéma) وغيرها.. وأضاف الصردي قائلا: “كان من المنتظر أن توافق لجنة إقتناء الأفلام على شراء فيلم “بابل” بالنظر للنجاح والإعتراف الذي حققه على المستوى الدولي خاصة وأنّ شركة “إكزيت” المنتجة للفيلم ما فتئت تخصص الأموال التي تلقتها للإنتاج السينمائي ولا لأغراض أخرى”.
ومن جهة أخرى، إعتبر ناصر صردي أنّه على لجنة إقتناء الأفلام -وهي لجنة متكونة من 3 أشخاص- أن تعتمد على مقاييس واضحة وأن تتوخى الشفافية عند إقتنائها للأفلام التونسية، فهناك أعمال دون قيمة تم إشتراؤها.. وأكدّ الصردي على ضرورة القطع مع سياسة الغموض التي لا تخدم السينما التونسية بل تزرع الشك واللبس حول آداء هذه اللجنة.. وقال الصردي إنّه من المنتظر الآن أن يتم نقل صلاحيات إدارة السينما الى المركز الوطني للسينما والذي تم بعثه مؤخرا لكي ينكب على معالجة مختلف الملفات الشائكة للسينما التونسية ويتولى ضبط المقاييس الشفافة التي من شأنها أن توّضح “قواعد اللعبة” بعيدا عن الأحكام الشخصية التي قد تظلم أعمالا تستحق الدعم والمساندة.
فلماذا تُصرّ وزارة الثقافة على إحباط عزائم أبرز المخرجين الشبان؟ ولماذا تُصرّ على خلق الخيبة والإستياء في نفوس من يمثلون الجيل الصاعد والواعد للسينما التونسية؟ لقد أرّخ إسماعيل وعلاء الدين سليم ويوسف الشابي من خلال عملهم السينمائي «بابل تونس» أو مخيمات الاجئين بالشوشة لتظل محفورة في الذاكرة التونسية والإنسانية.. فهل من حقّ وزارة الثقافة تجاهل التاريخ وقهر المبدعين؟؟
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق