الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

«ديمقراطية إن شاء الله» لمختار الخلفاوي: هل هي ديمقراطية أم مسرح للعبث؟


سهام حادة تلك التي أطلقها الكاتب مختار الخلفاوي في مؤلفه حديث الولادة «ديمقراطية إن شاء الله»، أطلقها على جلد «الديمقراطية التونسية الناشئة» ليثبته على جدار التشريح السياسي مبيّنا فصلا تلو الآخر تراكم وتزاحم المؤشرات والدلائل التي تصب في بنيان «اللاديمقراطية» الذي ترتكز أوتاده على الإقصاء والتكفير وتصفية الخصوم وانحسار هامش الحريات..
«في ديمقراطية إن شاء الله» لم يقدم الخلفاوي «اطروحة» الديمقراطية بمستلزماتها النظرية وبتطبيقاتها العملية، بل قدّم «الأطرحة المضادة» لها، تلك التي تسلك المسار المعاكس وتنقض المفاهيم المتعارف عليها لتفتح الأبواب على مصراعيها أمام غزوة المجتمع وغزوة السياسة من قبل من يرومون التكفير وتصفية الخصوم حتى «صرنا غرباء تحت سماء هذا الوطن» على حدّ عبارة الخلفاوي.
ارتهان الوطن
قراءة الخلفاوي لمختلف الأحداث التي عاشتها تونس منذ ما يزيد عن السنتين تحيلنا الى حالة من الارتهان، ارتهان البلد في قبضة من يرون فيه صلصالا جديدا قابلا للتطويع وللإخضاع وفق أجندة لا تعترف بمضامين الديمقراطية بل تعمل على تجسيد وتفعيل نقيضها.. أفليست السياسية ذلك «الفعل الحربائي» الذي قد يرتدي لبوس المساواة والحقوق والعدالة لينقلب عليها في أول فرصة سانحة؟
غزوة المجتمع
يعتبر الخلفاوي في كتابة «ديمقراطية إن شاء الله» وهو قراءة شخصية لما تعيشه تونس من أحداث منذ 14 جانفي 2011 أنّ تونس تعرضت لعملية غزو اجتماعي قوامه ضرب وحدة المجتمع التونسي وأنّ هناك «اسفينا دقّ بين التونسيين وأنّ عقائد مجلوبة نبتت بين الناس وصار عليها المعوّل في العلاء والبراء». ويرى الكاتب أنّ «الفتنة لم تعد تغمز بعينها ولا تطلّ برأسها بل أسفرت على وجهها وسائر جثمانها… فتنة قادمة من ممالك الرمال والبترول على وجه التحديد…». ويشير الخلفاوي إلى أنّ تونس صارت وجهة محبّبة لبعض شيوخ الكراهية والتعصب في هجرات رمزية لا تخلو من الانتقام والثأر من تميّز النموذج المجتمعي التونسي والتجربة التحديثية التونسية في التعليم والصحة والأحوال الشخصية. وقد رافقت غزوة المجتمع هذه، «إجراءات محلية» عملت على توظيف المساجد التي صار بعضها يضج بالدعوات الى التكفير والاقتتال، وعلى التضييق على هامش الحريات العامة والخاصة ومنها حرية الضمير وحق التنظم وحرية التعبير.

غزوة السياسة
يقول الخلفاوي انّ الديمقراطية تقتضي في أصل الوضع فريقا يحكم وفريقا يعارض وشعبا يراقب عبر مؤسساته الممثلة والمستقلة، غير أنّ الديمقراطية بالنسبة «لهم» هو السلّم الذي «يرفعهم الى سدة الحكم دون أن يلطخوا سمعتهم بالانقلابات والثورات الدامية حتى إذا بلغوا القمة، دفعوا بالسلم أرضا فلا يجد المنافسون من بعدهم سلما يرتقونه».. كل ذلك من أجل فرض نموذج مجتمعي وهابي غريب على تونس وتاريخها.. واقترنت غزوة السياسة هذه، حسب الخلفاوي بضربات قاسمة جاءت لتسرع المسار نحو تبديد مفاهيم الحق في الاختلاف واحترام الاخر، فتمت تصفية الخصوم والمخالفين (الشهداء لطفي نقض وشكري بلعيد ومحمد البراهمي) وتضاعفت «المؤشرات التي تبعث عن مزيد من القلق في ما يخص تونس التي اردناها ديمقراطية مدنية منطلقة الى الأمام».
نكبة الواقع
ومن غزوة المجتمع والسياسة، يتنقل الخلفاوي إلى«نكبة الواقع» أو بالأحرى تجاهل الحكومة للواقع بما فيه مشاكل وتحديات… فكل شيء ـ يقول الخلفاوي ـ نما وزاد: البطالة والأسعار والعنف والغبن.. حتى الشعب زاد وصار لنا بدل الشعب اثنين: «شعب السلطة المؤمن وشعب المغضوب عليهم الكافر..». وبمرارة، يضيف الخلفاوي «مازلنا نغزل من صوف أيامنا خيوطا واهية كخيوط العنكبوت.. مازال الذي يجوع ويعرى ويعتل ولا يجد الدواء… ومازال من يرتمي في اليم هاربا من ربيع العربان… مازال فيهم المقهور والموجوع والمحقور والمجروح والمكلوم».
الاحرار والشطّار
ومن الأمثلة التي ضربها الخلفاوي ليؤكد بها عبثية المسلك اللاديمقراطي الذي توخته تونس بعد الثورة، ما حدث مع من سماهم بالأحرار والشُطّار (الصعاليك).. إذ يتساءل الخلفاوي كيف لحكومة أن تسمح لجمعيات تعمل تحت ستار خيري على تغيير قسري ومشبوه لنمط المجتمع وتمنع في نفس الوقت المفكر محمد الطالبي من تأسيس جمعية مدنية ذات طابع فكري… ويعلق الخلفاوي قائلا «إنّه لمن نكد الدهر على الحرّ أن يحيى إلى زمن تمتحن فيه الحكومة الأحرار وتُنعم على الشُطّار».
نحن والإرهاب جيران
وأخيرا وليس آخرا، تعرض صاحب كتاب «هل غادرنا السقيفة؟» الذي صدر سنة 2012 الى معضلة أخرى، معضلة من الوزن الثقيل جاءت لتنسف كل معاني الديمقراطية ألا وهي الإرهاب الأعمى… ويرى الخلفاوي أنّه لا مناص من الإقرار بأنّ الحكومة تعاطت بكثير من التراخي والمصانعة أيضا في موضوع الإرهاب، وعوض سياسة الحزم، ركنت الحكومة الى سياسة النعامة التي قادت إلى حوادث عنف واغتيالات وإرهاب راح ضحيته ابناء تونس.
مسرح العبث والمأساة
في عملية وعي مبكر، استقرأ المفكر والكاتب، قبل رجال السياسية، المشروع الذي يّراد به ضرب تونس المدنية عبر مخطط محكم يراوح بين شن الغزوات وبث الفتن ونشر ثقافة الشق على الصدور والنبش في القبور… فقدّم رؤيته وقراءته لأحداث قد تبدو منعزلة وآنية ولكنها تدخل وفق نظرة الكاتب في إطار هذا المخطط اللاديمقراطي الذي استهدف تونس منذ 23 أكتوبر 2011. رغم كلّ العقبات والصعوبات، يحلم الخلفاوي في كتابه بالديمقراطية القادمة ان شاء الله، لكنه يقرّ في نفس الوقت بأنّنا «نعيش شيئا أشبه بمسرح العبث، ولكنه عبث يقترن بالمأساة».
• صدر «ديمقراطية ان شاء الله» عن دار آفاق برسبكتيف للنشر ومتوفر بعديد المكتبات بسعر 10 دنانير.
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق