السبت، 21 ديسمبر 2013

فيلم “رغبات” لسمير الحرباوي: حياة مع وقف التنفيذ


كيف لشخص أن يصمد في مدينة يعشقها ولا ترد إليه الجميل؟ كيف لشخص أن يحقق رغباته في مدينة إمتنعت عن إهدائه أبسط الفرص؟ فرص الحب وفرص العمل وفرص ممارسة الوجود؟ حول ثنائية العطاء والممانعة، تمحور فيلم “رغبات” الذي قدمه المخرج سمير الحرباوي يوم السبت 14 ديسمبر في عرض خاص بالإعلاميين بحضور فريقه التقني وعدد من ممثليه..
فعلى وقع موسيقى كلاسيكية جميلة، تندفع رغبات البطل لسعد الشاب المثقف (محمد لسعد غربالي)، تندفع رغباته البسيطة في قضم الحياة، كالنزيف الحي الذي ينشد الحياة لكنها تصطدم بجدار رفض سميك، إذ يفشل لسعد في العثور عن عمل وتتوالى خيباته الواحدة تلو الأخرى، خيبات الحب ونكسات الوجود وإنكسارات الأحاسيس…
ومن خلال قصة بطله، يقودنا سمير الحرباوي في “رغبات” الى عمق مفارقة غريبة من نوعها، إذ يصوّر بكثير من الحب تونس العاصمة، تونس شارع الحبيب بورقيبة بمهجته الخاصة، تونس حانة لونيفار بأجوائها المميزة، تونس محطة الأرتال نقطة الإنطلاق ونقطة الوصول، تونس دار الثقافة إبن خلدون بشحنتها الثقافية، وهي كلّها أماكن ذات رمزية فائقة، ففيها يحيى ويموت أبناء العاصمة، فيها يلتقون ويتفارقون وفيها يُحبون ويكرهون..
وفي نفس الوقت، يصوّر الحرباوي تونس هذه المدينة “العاقر” التي عجزت على حب أبنائها وعلى رد الجميل الذي يضاهي حبهم لها.. في هذه المدينة، تتوه أرواحهم ويهيمون طويلا طويلا بحثا عن مرافئ للحياة لكنهم لا يظفرون بشئ.. مشهد بعد مشهد، يصوّر الحرباوي في شريطه ثنائيات الحب والفشل، الجمال والقبح، البؤس والسعادة ليروي مصير واحد من أبناء تونس، مصير عاشق أدونيس وعاشق الحرية وعاشق المرأة الذي تحاصره أسوار المدينة رافضة مدّه مفاتيح الولوج الى شرايينها الحية… فيبدو وجوده كأنه حياة مع وقف التنفيذ، حياة عالقة في إنتظار ربيع قادم، إذ يكتب البطل في أحد مشاهد الفيلم على ورقة طائشة “وبيّا أمل يذهب ويأتي ولكن لن أوّدعه” في محاولة للإفلات من قبضة المصير المظلم وبغية التحليق في سماوات إثبات الوجود.
والجدير بالملاحظة أنّ الفيلم، وهو من إنتاج شركة إيزاس، ينقل قصة حقيقية عاشها الكاتب لسعد بن حسين ودوّنها في رواية “رغبات” وشاءت الأقدار أن يجسدها بعد سنوات المخرج سمير الحرباوي..
الصورة المرافقة للمقال: المخرج سمير الحرباوي رفقة بطل الفيلم محمد ساسي غربالي
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق