السبت، 2 فبراير 2013

غيلان.. لعز الدين قنون وليلى طوبال: على نخب أقنعة النفاق الجديد



«البلاد 23 سنة عاقرة، ونهارت اللي ولدت جابت غول»… بلغة مسرحية لاذعة، توجه الثنائي ليلى طوبال وعزالدين قنون، من خلال مسرحية «غيلان»، إلى الجمهور ليعبّرا عن رؤيتهما وموقفهما من الواقع الإجتماعي والسياسي الذي بتنا نعيشه بعد الثورة.. فقد «هرب الصباح عن تونس» على حد تعبير كاتبة النص ليلى طوبال، ليحل محله ليل جديد بوحوشه الآدمية التي لا تقيم في الكهوف ولا تظهر في الليل ولا تأكل الأطفال ولا تهدم البيوت، بل هي وحوش نزعت أقنعتها القديمة لتعوضها بأخرى جديدة ولتعيد دوران عجلة الإنبطاح والإنتهازية والتزلف.
ومن خلال نقدهما للواقع الذي نحيا، يدعونا صاحبا العمل الى التفكير في طبيعة البشر الرافض للتحرر من أغلاله وإن جاءته فرصة الإنعتاق مخيّرا المواصلة في لعب دور «المتشعبط» و»المستأذب» الرافض لقيم الحرية والخلق وتقرير المصير.
في رمزية الكراسي والأقنعة
في رمزية حبلى بالمعاني، اختار الثنائي ليلى طوبال وعز الدين قنون أن يكون كل أبطالهم جالسين على كراسي متحركة، لا يتنقلون إلا بواسطتها، وكأنّهم عاجزون عن التحرر منها وعلى المشي مرفوعي الهامات بعد عقود من الديكتاتورية ومن التقزيم ومن «الأبوئة السياسية» التي أفرزت مواطنين مبتوري الحرية والحقوق.. وتدفعنا «غيلان« بكراسيها المتحركة إلى التفكير في علاقتنا المرضية بالسلطة وبالآخرين، فكلنا لا يبحث عن حريته وعن سعادته بقدر ما يبحث عن سلطة أو مقام يتبجح به في المجتمع… تدخلنا ليلى طوبال في لعبة الكراسي البيضاء والحمراء والسوداء العديد منا، فنخرج منها ممحونين وناقمين  على هذه الكراسي التي مازالت عالقة في اذهاننا كتلك الطحالب البحرية القديمة التي يستعصى إزالتها.
وعكس محمود درويش الذي كشف سقوط الأقنعة من على الأقنعة، عوّض أبطال مسرحية «غيلان» أقنعتهم القديمة بأقنعة جديدة، أقنعة الموالاة والإنبطاح والذل الجديدة، وكأنه قدر أزلي أن نظل حاملين لأقنعة النفاق الإجتماعي في رفض قاطع للتخلي عما دأبنا عليه من تزلف وانتهازية..
تانغو الجمال والحياة
الجانب الجمالي لم يغب عن مسرحية «غيلان» التي تضمنت عدة لوحات فائقة الجمال ومنها بالخصوص لوحة التانغو الإسباني والتي جمعت الممثلة سيرين قنون بأسامة كشكار في رقصة حمراء وسوداء ـ دائما فوق الكراسي ـ حرة وجميلة.. وكذلك لوحة بحري رحالي التي روّض فيها كرسيه كما تروّض الخيول، وأيضا لوحة ريم الحمروني التي غنت فيها يأسها ووجيعتها فهزتنا معها الى ما وراء النغم والى ماوراء المعنى، وهل ننسى لوحة بهرام العلوي التي اعترف فيها بنشاطاته التي جملت صورة النظام السابق وغيرها من اللوحات الجميلة سواء بمشهديتها او بمعانيها..
على نخب النفاق الجديد
وفي نهاية المسرحية يرفع أبطال «غيلان» كؤوسهم على نخب النفاق الجديد الذي لم ينتظر طويلا لكي يطل علينا بامراض الماضي غير البعيد.. نفاق من رفضوا الفرصة التي أتيحت لهم لممارسة إنسانيتهم ولينساقوا مجددا، كالوحوش الآدمية، في لعبة الذل والإنبطاح والإنتهازية وكأنه ليس للتاريخ أي معنى أو أية دروس..
صحيح أنّ البلاد عاشت ثورة، لكنّ هذه الثورة لم تفلح في الإطاحة بالعقليات الصدئة والمريضة وهي الرسالة التي عبّرت عنها مسرحية «غيلان» بإحساس الفنان الثائر على واقعه والتائق إلى نشر قيم التحرر والصدق في مجتمعه.
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق