الثلاثاء، 23 أبريل 2013

خميس عشيّة لمحمد دمق: حين تتلاطم أمواج الانتقام والخيبة والخسران



«حين تتلاطم أمواج الانتقام والخيبة والخسران» هي المقولة التي يمكن أن تنطبق على جل أبطال «خميس عشية» الفيلم الجديد للمخرج محمد دمق والذي يعرض حاليا بعدد من قاعات السينما بالعاصمة.. فالاقدار لم ترحم أحدا في هذا العمل الدرامي الذي نال شرف المشاركة في الدورة الاخيرة من أيام قرطاج السينمائية.. فلا البطل الرئيسي (فتحي الهداوي) ولا الاشخاص الذين يدورون في فلكه تمكنوا من الخروج من دوّامة الفشل والاحباط التي طوقت حياتهم.. كلّ منهم يصطدم في مسيرته بعبثية الحياة: المناضل اليساري والآنسة البورجوازية ومطرب الراب ورجل الاعمال والفتاة المثقفة، وحتى الممرضة البسيطة فإنّها لم تفلت من سطوة الزمن.. وكأن بالمخرج يقول لنا ان الحياة ليست بنهر طويل هادئ بل هي أقرب للبحر الهائج الذي تتلاطم فيه أمواج الانتقام والوحدة والخيبة والخسران..

على وقع موسيقى حزينة، تتلاحق أطوار الفيلم لتروي قصة رجل (فتحي الهداوي) قريب من السلطة - أيام حكم بن علي- تنقلب حياته رأسا على عقب بعد تعرضه لحادث مرور فيتعرف على ممرضة ( عائشة بن يحمد) التي تنتقل للعيش معه ببيته لرعايته، وبينما يبدأ تعلّق البطل بها عاطفيا، تقترب هي منه بدافع الانتقام والتشفي، وكلّ ذلك تحت أنظار أبنائه الرافضين لهذه العلاقة "الغرامية"..
ولئن جاء الفيلم «باردا» نسبيّا على مستوى تطور الاحداث فإنه بلغ ذروته في اللقطة النهائية عندما تكتشف الممرضة أخاها مشنوقا في بيته إثر خيبة عاشها في حياته.. إن هذا التناقض هو أكثر ما نعيبه على هذا الفيلم الدرامي الهادئ حيث أن لقطة الانتحار المدويّة والمعبرة جاءت متأخرة نوعا ما في حين أنها كانت يمكن أن تضفي شحنة درامية على العمل وتُسّهل على المتفرج تعاطفه -سلبا أو إيجابا- مع الممرضة بتفهم دوافعها وما يحركها من ألم ورغبة في الانتقام..
وإحقاقا للحق فقد لاحظنا، عند مشاهدتنا للفيلم، تفاعل المتفرجين إيجابيا مع الفيلم وتحديدا مع المشاهد التي تضمنت مقاطع هزلية، وتجلّى ذلك خاصة مع الممثلين فاطمة بن سعيدان وفرحات هنانة وحتى مع فتحي الهداوي.. وقد تكون هذه ميزة خاصة بالمخرج محمد دمق الذي يتوّفق في رسم «البسمة» وإشاعة «حب الحياة» رغم كل المشاكل، ولعل فيلم «دار الناس» أحسن تجسيد لذلك..

سيناريو فيلم «خميس عشية» يدفعنا للتفكير في مصير عالمنا العربي الحديث الذي ما انفك يتدحرج من سيئ الى أسوأ ومن كارثة الى أخرى، وقد حزّ في أنفسنا بالخصوص أن نشاهد الشباب الحالم والثائر (محمد أمين حمزاوي في دور فنان الراب و ومهذب الرميلي في دور المناضل اليساري ورامي الضاوي في دور الشاب الرافض لنواميس المجتمع) يعيش نهايات حالكة تراوحت بين ادمان الكحول والانتحار، وكأن برياحنا العربية عاقرة وعاجزة عن اهداء الحلم والامل.. لا أحد من أبطال محمد دمق أفلت من هذا المصير المأسوي الذي يعرفه العالم العربي منذ قرون، وهي الرسالة التي قد يكون دمق أراد ايصالها عبر فيلم «خميس عشية» في انتظار غد أفضل، غد يحلو فيه العيش للفنان وللاستاذ وللمرأة وللمواطن البسيط التائق للعيش بكرامة وبحرية..
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق