لئن اتفق عدد منّا أنّ الفنان نصر الدين السهيلي أخطأ عندما أقدم على رشق وزير الثّقافة مهدي مبروك ببيضة، باعتبار انّ لغة الحوار هي الأفضل لتمرير أيّة رسالة كانت لأنّ العنف الصغير لا يمكن آن يوّلد سوى العنف الكبير.. ولئن ندّدت عدة أطراف بالاعتداء على وزير الثقافة ومنها رئاسة الحكومة واتحاد الشغل الذي أدان بشدّة هذا الاعتداء قائلا إنّه لا يليق بالمبدعين وانّ ممارسة العنف سواء اللفظي أو المادي سلوك خطير لا يجب أن يعوّض خيار الحوار للتعبير عن الاختلاف.
ولئن كنا ننبذ كل أشكال العنف معتبرين أن من يمارسه مخطئ في حق الآخر، فإننا نندد بالخطيئة التي ارتكبها وزير الثقافة مهدي مبروك الذي اهتمّ بالبيضة التي تلقّاها على وجهه ولم يول ولو أدنى اهتمام للرسالة التي تضمنها ذلك التصرف من إحساس بالتهميش والتجاهل والغبن.. وهو انطباع لمسناه لدى عديد الفنّانين والمبدعين الذين عبّروا من خلال تصريحاتهم الإعلاميّة أو أعمالهم الفنّية عن عدم رضاهم لما آلت اليه الأوضاع سواء المهنية أو في ما يتعلق بسياسات وزارة الثقافة أو بملف حرية التعبير والإبداع.. ولعلّ مسرحية «تسونامي» للفاضل الجعايبي وجليلة بكّار تعطي فكرة واضحة عن كل المخاوف التي يحسّ بها الفنان التونسي والمواطن عموما إزاء حقوقه ومكاسبه وحريته..
وإحقاقا للحق، ذكّرني تجاهل الوزير للرسالة التي وجهها إليه نصر الدين السهيلي: رسالة السخط وعدم الرضا بمسرحيّة «L’avenue» للمخرج الشاب أيوب الجوادي والتي عرضت خلال الأيام الأولى من الثورة وتحديدا يوم 1 جانفي 2011 بقاعة الفن الرابع بالعاصمة والتي عبّر خلالها أيوب الجوادي بقوّة فنية صارخة عن حالة التهميش التي يعاني منها الفنّان لكن لم يكن هناك من يصغي إليه ولا إلى مشاكله ولا إلى معاناته وآلامه.
تماما كيوم 1 جانفي 2011، يعاد المشهد اليوم وتُبعث الرسالة نفسها: رسالة من خُنقت أنفاسه الفنية وكسرت أجنحته وتدهورت أوضاعه المادية ولكن.. ما من مجيب ولا من يمد يده أو يدفع نحو الحراك الثقافي الذي انتظره العديدون خاصّة داخل الجمهورية حيث دُور الثقافة مهملة ومهمّشة والارهاب يتربص بالأطفال التونسيين الذين لم يجدوا فضاءات تساهم في «أنسنتهم» من خلال الاستماع الى موسيقى الآخر وفتح آفاق تفكيرهم بالاعمال السينمائية والمسرحية.. وهذا كلّه لا يمكن أن يكون إلاّ نتاج عمل مشترك بين وزارة الثقافة والفنّانين الشبّان وغير الشبّان والمجازين في المسرح والسينما والموسيقى وغيرها من الفنون..
للأسف، غاب الحوار وغاب التواصل وتوجّه الوزير نحو الحلّ الأمني لنفاجأ بقوات الأمن تشنّ حملة اعتقالات ومداهمات للقبض على من؟ على الفنّان نصر الدين السهيلي.. نعم حملات أمنية للقبض على فنان تونسي في شهر أوت 2013.. طبعا نعرف كلّنا من هو العدو الحقيقي وأين يختفي.. هذا العدو الذي يجب على كلّ التونسيين مواجهته اليوم.. لكنّنا غضضنا الطرف عنه واخترنا في المقابل ان نسجن الفنّان.. ان نسجن حلم الفنان وسخط الفنان.. لا ليست هذه تونس التي نريد.. للأسف سيدي وزير الثقافة ليست هذه تونس التي نريد…
شيراز بن مراد