الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

حماية الثورة أم حماية الكراسي؟

رحم الله لطفي نقض المواطن التونسي ورئيس اتحاد الفلاحين بتطاوين وكاتب عام حزب نداء تونس بالجهة.. فقد ذهب لطفي نقض، وحتّى إن لم يقل القضاء كلمته بعد، ضحية للأجواء السياسية المحتقنة التي تعيشها البلاد اليوم بين من ينادي بالتطهير وبين من ينادي بإقصاء الآخر من الحياة السياسية ومن يؤكد على انتهاء شرعية المجلس التأسيسي وحتّى من ينادي بقتل الخصوم السياسيين..
 

والأكيد أنّه لو لم نتمكن من السيطرة ـ حكومة وأحزاب معارضة ومجتمعا مدنيا ـ على هذه الأجواء التي تسودها الكراهية والتباغض والتهديدات المتبادلة فإنّنا سنحفر قبورنا بأيدينا، قبور العديدين منّا الذين سيروحون ضحيّة للغباء السياسي وللنرجسيّة الحزبيّة المهلكة وللعقليات التي لا تدرك معنى احترام الاخر، فتدفع بفئات منا نحو الاقتتال، نعم الاقتتال وهو ما حدث أمام مقرّ الاتحاد الجهوي للفلاحين بتطاوين يوم الخميس 18 أكتوبر..
 

فبتعلّة تحصين الثورة وحمايتها، يدعو البعض الى وضع قوانين إقصائيّة في «حق من أساؤوا وأجرموا في البلاد» ويتناسون أنّ القضاء وحده هو المؤهل لمحاسبة ولمعاقبة من أخطأوا في حق الشعب التونسي لا أن ندخل في منطق قانون الغاب والعدالة الانتقامية ونصب المشانق..
 

وفي الحقيقة، إن تحصين الثورة لا يمكن ان يتحقّق الا بتحصين عدد من الملفات ومنها القضاء أي دعم استقلاليته وهو ما لم نلمسه من قبل وزارة العدل التي يشرف عليها وزير نهضوي وكذلك بتحصين الإعلام أي النأي به عن أيّة ضغوطات سياسية قد تمسّ من استقلاليته ومن حياده المطلوب وهو ما لم يلتمسه الصحفيون الذين دخلوا يوم 17 أكتوبر في اضراب عام للتعبير عن غضبهم من تلكؤ الحكومة في معالجة ملف الاعلام .
 

تحصين الثورة يتطلب أيضا الحرص على أن يكون الأمن التونسي جمهوريّا لا يعترف بالولاءات بقدر بقائه على مسافة واحدة من الجميع و في خدمة الجميع.. وإن لمسنا وعيا بأهميّة حياد الامن الجمهوري من قبل عدّة أطراف، فإنّنا سمعنا الغنّوشي يقول في الفيديو المسرّب أن «الأمن مازال غير مضمون» ورأينا كيف أصبحت روابط حماية الثورة تتصرف بمثابة الميليشيات التي تحلّ محلّ الامن أحيانا وتسانده أحيانا أخرى (لن ننسى مشاهد الميليشات التي نزلت يوم 9 أفريل إلى شارع الحبيب بورقيبة).. 
عبر هذه المبادرات «التحصينية» وغيرها من القرارات الاقتصادية الذكية يمكن أن نساهم في حماية الثورة من أعدائها ولا بعقلية التطهير المرضية التي قالت عنها الاستاذة لطيفة لخضر إنّها «نوع من الفاشية التي استعملها هتلر وميلوزيفيتش لزرع القتل والتعدي على الانسانية»..
 

قد تسقط عشرات الضحايا الأخرى لو لم نسرع بوضع حد للاحتقان الذي يشوب الحياة السياسية، لأنّنا سنكون قد فكرنا بعقلية الاقصاء والتطهير التي تذكي نار الفتنة وكأنّ التونسيين سذّج غير قادرين على التمييز في الانتخابات القادمة إلّا بفضل توجيهات الترويكا الحاكمة بعد أن خلنا أنّنا قطعنا مع عقليّة توجيهات السيد الرّئيس.. لن ينفعنا حينها الندم ولا الاعتذار ولا لغة « لقد أخطأنا ، سامحونا» لأنّنا سنكون قد دخلنا وقتها في حلقة عنف ستأتي على الاخضر واليابس وهو ما لا نتمناه لتونس العزيزة..
 

رحم الله لطفي نقض وألهم عائلته الصبر والسلوان، فسيظل في الذاكرة الجماعية التونسية كدلالة لمراهقة طبقتنا السياسية الحاكمة التي لم تعمل بما فيه الكفاية لحماية الثورة بل سعت لحماية نفوذها والكراسي التي تجلس عليها، دافعة بأبناء الشعب إلى العنف والتهلكة.. وبئس المصير.

شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق