الأربعاء، 12 مارس 2014

فيلم «آخر سراب» لنضال شطا: هكذا حاول الغرب طمس معالم الريادة العربية

بعد مصيبة غزو بغداد، تعددت المآسي والانكسارات... ففي خطوة أولى تحمل رمزية كبرى، تمّ نهب المتحف العراقي في بغداد، هذا الفضاء الذي يختزل لـ8 الاف سنة من الحضارات السومرية ثمّ البابلية ثمّ الآشورية ثمّ الكلدانية ثم العربية الإسلامية.
من بلاد الرافدين، انطلقت قصة فيلم «آخر سراب» الذي أخرجه نضال شطا لتروي الكارثة التي حلت بالعالم العربي بعد أن سُلب منه أنفس ما يملك ألا وهي ذاكرته التي حاولت بعض الأطراف الغربية طمسها لتنفرد هي بتاج التحضر والتقدم.
ويتطرق «آخر سراب» الذي شاركت فيه ثلة من الممثلين على غرار هشام رستم ولطفي الدزيري وعبد المنعم شويات والممثلين الفرنسيين جون مارك بار وإليزا توفاتي، إلى قصة مخطوط «اللامتناهي الثالث» الذي يتضمن أهم محطات تاريخ العرب في العلوم ويثبت كيف كان العرب أوّل من وصف علميا الدورة الدموية وأول من قدّم نظريات في عالم الرياضيات.
ونظرا الى قيمة هذا المخطوط النادر، سعت المخابرات الأمريكية الى الإستيلاء عليه مجندة في ذلك أحد عملائها لكي يعثر عليه مهما كانت التكاليف، لتنطلق مغامرة ليفينقستون (الممثل جون مارك بار) الذي حلّ بالجنوب التونسي وتحديدا ببرج العرق مقتفيا أثر مسؤول سابق بمتحف بغداد (هشام رستم) عسى أن يجد لديه المخطوط المذكور.
وبين أسوار مدينة برج العرق الجنوبية، تتسارع أطوار هذا الفيلم الذي يتداخل فيه الغموض بقصص الحب وجرائم القتل الغريبة التي أظفت على الشريط شحنة درامية إضافية، إذ لا تكتمل الجريمة الكبرى الا بتعدد الجرائم الصغرى التي تحبط العزائم وتبعثر الأوراق. وهو ما حرص شريط «آخر سراب» على إبرازه في محاولة لتسليط الضوء على المخطط الذي استهدف العالم العربي انطلاقا من غزو العراق سنة 2003.
ومن بين اللقطات المعبرة في الفيلم، تلك الصرخة التي أطلقها مساعد رئيس مركز الشرطة ببرج العرق (الممثل عبد المنعم شويات) ليكشف عمق الدمار الذي سكنه بعد أن استغل ليفينقستون طيبته وكرمه ليسلب المخطوط النادر الذي يشهد على تفوق العرب على الغرب طيلة قرون. أفلم يكن عمر الخيّام (القرن الحادي عشر) من أبرز علماء الرياضيات؟ ثمّ ألم يكن العلاّمة العراقي علي بن حسين المسعودي صاحب نظرية الانحراف الوراثي في القرن العاشر ميلادي؟ ألم يكتشف ابن نفيس الدورة الدموية الصغرى في القرن الثالث عشر ميلادي؟ ألم يكن الطبيب ابن سينا (القرن الحادي عشر ميلادي) صاحب كتاب «القانون في الطب» الذي ظلّ لسبعة قرون متوالية المرجع الرئيسي في الطب؟ كل هذا والغرب مازال يتخبط في الجهل والبربرية وهو ما أكده العلامة والرحالة أحمد ابن فضلان البغدادي في «رسالة ابن فضلان» (القرن العاشر ميلادي) بعد رحلته الشهيرة الى روسيا وتركيا وبلغاريا.
ومن المشاهد اللافتة للنظر على المستوى السينمائى، ذلك المقطع الذي جمع قامتين مديدتين في السينما وهما الممثل لطفي الدزيري ـ رحمه الله - (في دور الطبيب) والممثل جون مارك بار (في دور الباحث)، رجلين أو بالأحرى «ذئبين» لم يترددا في تنفيذ مخططهما الجهمني. سينمائيا أيضا، شدتنا المشاهد التي صوّرها نضال شطا في ذلك الخلاء الأبيض الذي يحيط بالمدينة، خلاء يعكس حالة العراء التي أضحت تميز عالمنا العربي.
في «آخر سراب» أكد المخرج نضال شطا حقيقة مُرّة أخرى من تاريخ عالمنا العربي الحديث.. فإلى جانب الاستيلاء ونهب الثروات النفطية، عملت بعض الأطراف الغربية على سلب كنوز أخرى تفوق قيمتها ما هو متعارف عليه، وتتمثل في الإرث اللامادي من علوم وفلسفة وفنون تشهد على رسوخ الحضارة العربية التي استهدفت من قبل من يريدون طمس كل آثار ريادة وتفوق الفكر العربي.
- يتواصل عرض فيلم «آخر سراب» بقاعات «الريو» بالعاصمة و«أميلكار» بالمنار و«سيتي مدار» بقرطاج و«الحمراء» بالمرسى.
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق