الاثنين، 2 يونيو 2014

«أنا وأنت» لحفيز ضو وعائشة مبارك: تحت سماء الشرق أو الغرب.. نضال إنساني واحد

هنا أو هناك، تحت سماء الغرب أو تحت سماء الشرق، أناس يقاومون ويثابرون لاثبات الذات.. بعضهم سمر وبعضهم بيض البشرة، بعضهم نساء وبعضهم الآخر رجال، كلّهم سواسيّة أمام معارك الحياة.. لا فرق بين هذا وذاك إلا بمنسوب الإرادة والعزيمة على تغيير الاشياء..
من على أرض افريقية قديمة انطلق العرض الراقص «أنا وأنت» لمصمّمي الكوريغرافيا حفيز ضو وعائشة مبارك -والذي قدّم خلال تظاهرة «تونس ترقص» من 1 إلى 4 ماي بتونس العاصمة- ليروي شيئا من قصة الانسان عبر الازمنة وعبر الجغرافيا، ذلك الانسان الذي تجري في شرايينه دماء الحياة، فيتحرّك ويسعى ويعبّر ويفرض وجوده رغم المخاطر المحدقة..
يمزج حفيز ضو وعائشة مبارك الموسيقى بالحركة، فتتعدّد اللّوحات الواحدة تلو الاخرى راقصة، مندفعة، متناظرة متناغمة في بعض الاحيان ومتنافرة أحيانا أخرى لكنها تظلّ دائما ثنائية تجمع امرأة ورجلا ـ نواة الحياة والوجود ـ يشتركان في صنع مصيرهما على أرض لا يسهل عليها العيش دائما.. يلتقيان في الغضب وفي الفرح، في الاحتجاج والتعبير، في الانتظار وفي الجنون، في الوحدة وفي البناء، في المعاناة وفي العمل في الخيبة وفي الاستمرار، وهي كلّها حالات تجلّت من خلال التعبيرات الجسديّة للراقصين، ستيفان بينيون وأمالا ديانور..
ومن خلال طين الجسد الذي طوّعه حفيز ضو وعائشة مبارك، يطرح العرض الراقص، «أنا وأنت» قضية المصير المشترك للإنسانية، فأينما كنّا ومهما كانت حدة المخاطر التي تتهدّدنا ـ سواء كانت حروبا أو كوارث طبيعية أو أمراضا ـ فهناك إرادة تجمعنا، دافعة إيانا نحو العطاء والحراك لمواصلة المسيرة على هذه الارض.. وبهذه الطريقة، ينسف ضو ومبارك نظرية "صراع الحضارات" ليقولا إنّ الصراع واحد، صراع الإنسانية الأبدي ضد القيود والأغلال ومن أجل إثبات الذات والتعبير عنها بحرية. كما يدعونا العرض إلى التساؤل حول الهمجية السائدة وحول البربرية المتفشية طالما أنّ معاناة البشر واحدة ورغبتهم في الحياة مشتركة..
واختتم العرض بلوحة فيها الكثير من الرمزية حيث تنطفئ أضواء القاعة بأمر من الراقص ثم بأمر من الراقصة في إيحاء لقدرة الفرد على رسم ثنايا حياته، فإذا أرادها مفعمة ومضيئة فعليه أن يسعى لذلك وإذا قبل بعتمتها وظلمتها فإنه سبب ذلك..
ونعتقد أنه كان يمكن للعرض الذي جاء في صيغة مكثفة، أن يكون أطول نسبيا بما يسمح بالتوقف أكثر عند «الحالات» المذكورة أعلاه خاصة أنّه ليس متاحا لنا متابعة عروض الثنائي حفيز ضو وعائشة مبارك إلا نادرا..
في «أنا وأنت» اقترب «الانا» من «الانت»، اقترب مصير «الانا» من مصير «الانت» لأن الطريق مهما اختلفت ثناياها ومهما تعدّدت مخاطرها واحدة.. وقد رسم حفيز ضو وعائشة مبارك، رقصا وجسدا، طريق الانسانية المتحررة التي تنفعل وتعبر وتتحرك لتثبت ذاتها وترسم مصيرها بيدها رغم كل العراقيل.
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق