الخميس، 14 أغسطس 2014

الناشطة الحقوقية زينب فرحات: علينا توفير بديل ثقافي يقطع مع عقلية القهاوي والزطلة والتهريب والجهاد في سوريا

لن ننسى كيف خرجت 35 ألف امرأة الى الشارع التونسي للتعبير عن غضبهن من محاولة المساس بمجلة الأحوال الشخصية
أشعـر بغضب أزرق إزاء السياسيين الذين لم يفهموا مدى أهمية المشروع الوطني الثقافي
أستنكر تصريح خليل الزاوية الذي شتم فيه المرأة التونسية وكلّ نساء التكتل
لم تكتف السيدة زينب فرحات الناشطة في المجتمع المدني ومديرة فضاء التياترو المسرحي بعرض المشاكل التي يعاني منها القطاع الثقافي في تونس وباقتراح مجموعة من الأفكار التي من شأنها أن تغير المشهد الى الأفضل، بل فاجأتنا في الحوار الذي أجريناه معها بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية بمواقفها تجاه عدد من السياسيين والنواب الذين لم يدافعوا بما فيه الكفاية عن مجلة الأحوال الشخصية والذين لم يعوا أهمية المشروع الوطني الثقافي. وفضلا عن ذلك شدّدت محدثتنا على أهمية العمل على إبراز النضالات النسائية منذ سنة 1920 والتي ساهمت في نحت معالم النموذج المجتمعي التونسي كما تحدثت زينب فرحات عن الاستثناء التونسي الذي صمد في وجه كلّ من حاول العبث بمقوماته.
وعبرت الناشطة بجمعية النساء الديمقراطيات عن شديد انشغالها بظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة معتبرة أنّه يجب العمل على مقاومتها ناهيك أنّ 30 ألف تلميذ تونسي غادروا مقاعد الدراسة في السنوات الثلاث الماضية. وتطرقت محاورتنا الى عدد من المواضيع الأخرى تطالعونها في هذا الحوار.
ونحن نحتفي بالعيد الوطني للمرأة تبقى مشاركة المرأة التونسية في الحياة العامة قبل والاستقلال وبعده غير بارزة بالشكل الكافي وكأنّ هناك تاريخا يريد أن يتغلّب على التاريخ، فلماذا حسب رأيك؟
نعرف أنّ الفائزين هم الذين يكتبون التاريخ، وبما أنّ الغلبة كانت لبورقيبة، فقد محا أبوابا من الذاكرة الجماعية، فأصبحت مثلا وسيلة بن عمار بورقيبة تقدّم على أنّها المناضلة الكبيرة التي خرجت في مظاهرة باجة.. لكن اليوم جدير بنا أن نلفت النظر الى نضالات المرأة التونسية بين 1920 والاستقلال، عندما لم تكن للمرأة حقوق بل واجبات فقط، عندما لم تكن المرأة حاضرة في الفضاء الخارجي، عندما كانت نسبة الأمية مرتفعة، عندما كانت البلاد في حالة استعمار، عندما نستحضر الإطار العام الذي كانت تعيش فيه المرأة في تلك الحقبة، لا يمكن الا أن نفخر بدورها فقد تحدت العقبات والمجتمع لتلعب أدوارا سياسية واجتماعية ونقابية من الدرجة الأولى... وهنا وجب أن نعترف أيضا بدور الأولياء الذين ساروا عكس تيار المجتمع وقرروا منح الفرصة لبناتهم لكي تدرس وتسافر الى الخارج... وهذا لم يأت من عدم طبعا، فهناك الحركات الإصلاحية وهناك الدور الذي لعبته ـ على سبيل المثال ـ مؤسسات مثل دار ترشيح المعلمات التي فتحت الباب لتثقيف المرأة ناهيك أنّ مهمتها كانت مقرونة بنبل الرسالة والهدف. ومع الإقرار بكل هذا، نلاحظ مع الأسف فقدان حلقة من حلقات الذاكرة الجماعية، فدورنا كنساء اليوم ان نبرز هذه الحلقة من النضالات النسائية ومن العطاء النسوي في كل المجالات، فلا شيء أتى من عدم..
لكن في مقابل هذا التطور الذي نالت من خلاله المرأة التونسية حقوقا عديدة واكتسحت مجالات مختلفة، عشنا إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 أشياء أشبه بالسريالية، فقد حاول البعض التنصيص في الدستور الجديد على «الدور التكميلي» للمرأة، ولوّح البعض الآخر بإدراج الشريعة ممّا يفتح الباب لتعدد الزوجات وبالتالي يسدّد ضربة قاصمة مجلة الأحوال الشخصية، فكيف يمكن تفسير هذا التناقض الصارخ؟
في نظري، هناك شيء اسمه «الاستثناء التونسي» وهو استثناء صمد في وجه كل من حاول محو مكاسب المرأة التي جاءت في مجلة الأحوال الشخصية، وشخصيا أعتبر هؤلاء من «الخونة» لأنّهم أمضوا على وثائق تنص على مدنية الدولة وعلى تنمية المكاسب. وقد فهمنا إثر الانتخابات أنّ «شريكنا» يفتقر الى الأخلاقيات، ولن أنسى كيف حاول رئيس كتلة حركة النهضة الصحبي عتيق المس بمجلة الأحوال الشخصية.. وعموما يمكن القول إنّ حركة النهضة حاولت أن تضع يدها على المجلة، وكانت إجابة المجتمع المدني أكثر من قوية آنذاك ففي 13 أوت 2012 خرجت قرابة 35 الف امرأة الى الشارع مع رفاقهن من الرجال للتعبير عن اعترضهم على محاولة التراجع في ما نصت عليه مجلة الأحوال الشخصية.
يعود الفضل ـ حسب رأيك ـ إذن الى المجتمع المدني؟
لو لم يرد المجتمع المدني النسوي والديمقراطي الفعل في ذلك الوقت، لكنا خسرنا المعركة... وفي نظري، لا يمكن ان نحافظ على مكاسب المرأة التونسية إلاّ إذا توخينا «اليقظة»، فضلا عن أهمية «الشارع» الذي يمثل قوّة ضغط أكثر من هامة.. مهما يكن من أمر، من المضحك المبكي أن تشكك وبعد 50 سنة من النضالات، بعض الأطراف ومنها نائبات من حركة النهضة في مكاسب المرأة التونسية، فإذا كنّ حاملات لثقافة العورة، فهذا لا يستغرب منهن.. كما أغتنم الفرصة لأذكّر بتاريخ آخر على غاية من الأهمية وهو تاريخ غرّة جوان 2013 الذي ألقى فيه حبيب خضر المقرّر العام للدستور أمام أعضاء الحكومة وضيوف آخرين الدستور الذي أرادته النهضة، وعندها وقفت المعارضة وعلى رأسها الشهيد محمد البراهمي الذي قرأ البيان الذي يندد بافتكاك الشرعية مؤكدا أنّ هذا الدستور لا يمثل كلّ التونسيين، لأنّه دستور خائن لروح الثورة التونسية... ويوم 25 جويلية تم اغتيال البراهمي ليظهر بعد ذلك الدستور التوافقي وهاهي النهضة تتباهى به اليوم بين الأمم.
لو نظرت الى التاريخ، لمن تودّ زينب فرحات أن تهدي هذا الدستور؟
كناشطة في المجتمع المدني، أهدي ما جاء في الدستور الى كلّ امرأة أعطت من وقتها لكي تساهم ولو بحركة بسيطة، في البنيان المجتمعي الديمقراطي.. وسأستحضر بصفة استثنائية كلّ من شقيقتيّ سعاد وحليمة فرحات. إذ أكنّ إعجابا كبيرا لأختي سعاد التي تخرجت من دار ترشيح المعلمات سنة 1949 وكوّنت مع رفيقاتها جمعية عزيزة عثمانة.. وكانت سعاد درست كمعلمة ثمّ كأستاذة اللغة العربية إلى غاية تقاعدها سنة 1995.. وفي الاثناء كانت فضلا عن كونها أمّ لـ5 أبناء ناشطة ثقافية في عديد الجمعيات... أمّا أختي حليمة فهي خريجة مدرسة ترشيح المعلمات، وقد اجتازت مع ابنها امتحان الباكالوريا ونجحت لتدرس علم الاجتماع بجامعة 9 أفريل ثمّ لتواصل الدكتوراه بفرنسا في السبعينات ويعود أيضا الفضل لزوجها السيد الحبيب الشعبوني الذي شجعها على مواصلة دراستها رغم الأعباء العائلية... كما استحضر فائقة فاروق التي لعبت دورا بارزا في التعريف بمجلة الأحوال الشخصية، وكانت مجازة في اللغة الانقليزية، ثمّ عيّنت سفيرة بالسينغال حيث كانت تنظم مجلسا أدبيا أسبوعيا، وبعدها عينت سفيرة في لندن وكانت مفخرة لتونس بأتم معنى الكلمة قبل أن يطردها القصر البورقيبي لأنّها قالت لا في عدد من المواضيع...
ترشحت مؤخرا عديد الأسماء النسائية للانتخابات الرئاسية، فهل في ذلك علامة صحية؟
موقفي وموقف الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات التي أنتمي إليها واضح، فقد عبرنا عن تضامننا ومساندتنا للمترشحة القاضية كلثوم كنو.. ومن المضحكات المبكيات ان تستضيف بعض وسائل الإعلام بعض الفقاقيع التي ليس لها أي ماض يذكر في المقاومة وتتجاهل كثلوم كنو والحال أنّه لا يمكن لأي كان أن ينكر نضال هذه المرأة الفاضلة التي صمدت من أجل استقلالية القضاء الذي يعدّ العمود الفقري لكلّ مجتمع ديمقراطي.
وكيف قرأت تصريح الوزير السابق خليل الزاوية الذي اعتبر أنّه ليس بإمكان أيّ امرأة ان تحقق الإجماع في الانتخابات الرئاسية؟
بصراحة استغرب واستنكر مثل هذا التصريح من قبل صديقي خليل الزاوية الذي كان له نشاط بارز في المجتمع المدني، وهو على علم بالتضحيات النسائية.. ماقاله الزاوية إساءة في حق المرأة، فقد شتم المرأة التونسية بكلامه هذا وشتم نساء التكتل التي أوجه لهنّ التحية بالمناسبة فمنهن نساء ممتازات وأنا حزينة لصديقي خليل الزاوية العضو السابق بالرابطة التونسية لحقوق الإنسان وبالنقابة ودكتور الصحة العمومية ومن آثار التحالف الذي دخل فيه التكتل.
يرى البعض أنّ الواجهة الثقافية لم تلعب دورها بالشكل الكافي في الحراك الذي تلا سقوط نظام بن علي، ما عدا بعض الأعمال القليلة، فهل تشاطرينهم الرأي؟
سأفعل مثلما تقول أمي رحمها الله «توا باش نسكر عينيا ونحلّ فمي!!!» سأنطلق من المسرح، فهناك اليوم العشرات من الشباب المسرحي الذين يقدّمون عديد الأعمال، ودون شك هناك مقاومة مسرحية لا لبس فيها، لكن من تحدث عنهم ومن سمع بهم؟ ففي التياترو، ننظم سنويا تظاهرة العرض الأوّل التي تهتم بالمسرح الشبابي في تونس، وفي آخر دورة نظمناها برمجنا 20 عرضا مسرحيا، لكن أين هو الإعلام؟ أما في ما يخص الفضاءات الثقافية، فهناك «انفجار ثقافي» بأتم معنى الكلمة وقد حضرت مؤخرا افتتاح فضاء ثقافي في جبل سمامة بمبادرة من الفنان عبد القادر الميساوي، وفي القصرين بعث وليد الخضراوي فضاء ثقافيا، وفي تاجروين أسس رمزي الجبابلي فضاء أيضا، وفي القلعة الصغرى كذلك، وفي لافيات فتح غازي الزغباني فضاء ثقافيا.. وفي ساحة جان دارك بالعاصمة فتح جلول الجلاصي فضاء ثقافيا ، وفي باب سيدي عبد السلام بعث صالح حمودة فضاء، وهكذا فإنّ الحراك الثقافي الذي نعيشه اليوم هام جدّا عكس ما يمكن أن يقال... ومن المبادرات التي اريد التنويه بها، أستحضر على سبيل المثال الشاب اسامة الرميلي الذي يشرف على دار الشباب بالقصرين والذي يبادر بإطلاق عديد المبادرات منها أكبر رقعة شطرنج وغيرها... وكذلك وليد الخضراوي وهو بصدد القيام بالمستحيل لكي يتسوّغ قاعة سينما مغلقة منذ 12 سنة في القصرين ويعيد فتحها من جديد وقد صرّح لي وليد أنّه لو لم يتعود على ارتياد قاعات السينما ومشاهدة الأفلام، لكان اليوم في الشعانبي.
وما هي وضعية المركبات الثقافية التي تشرف عليها وزارة الثقافة؟
إلى جانب الفضاءات الثقافية الخاصة، هناك مشكلة المركبات الثقافية الكبرى التي أنشأها بن علي خارج المدن، فخذي مثلا المركب الثقافي بالقصرين فهو يشكو نقصا كبيرا في المعدات وموجود خارج المدينة مما يعيق تنقل أبناء الجهة ناهيك أنّ النقل العمومي غير متوفر عشيّتي السبت والأحد في حين أنّ أغلب العروض تبرمج آخر الأسبوع.. وكل هذا يجبر الشبان على البقاء في مدينة القصرين حيث المقاهي وحيث الزطلة وحيث الكنترا (أي عصابات التهريب).
وكأنّ البديل غير متوفر؟
مع الأسف لا توجد الفضاءات التي تقدم البديل وتستوعب الطاقات الشابة.. وكأنّه هناك مؤامرة ممنهجة ضدّ شباب تونس ما عدا مركب «نيابوليس» الموجود بقلب نابل. وقد طالبنا بإدخال التحسينات الضرورية على هذه المركبات من قبل المقاولين الذين شيّدوها، وأذكر على سبيل المثال المركب الثقافي بسليانة الذي سقط سقفه في وقت قصير. كما اقترح إحداث اتفاقيات بين دور الثقافة والمعاهد حتى يتمكن التلاميذ من مشاهدة ولو عمل فني في الأسبوع، وهذا أمر ضروري ومستعجل علينا العمل على تحقيقه.
هل تستمع وزارة الثقافة الى مثل هذه المقترحات؟
مع الأسف لا، فدون مبالغة ما فتئ الفنانون ـ منذ 25 سنة ـ يقدمون البدائل لكن دار لقمان على حالها.. وقد طالبنا ـ مثلا ـ باعتماد طلب عروض وفتح باب الترشح لمديري المؤسسات الثقافية على أن يقدم هؤلاء سيرهم الذاتية والمشاريع الثقافية التي يريدون تقديمها ومن ثمة يتم اختيار المسؤولين على أساس كراس شروط.. أمّا هذه التسميات العشوائية التي نراها، فلامعنى لها ولن تعود بالفائدة على الفعل الثقافي في البلاد.. هذا دون أن ننسى الميزانيات المخجلة التي يتم رصدها لدور الثقافة، وهنا أتساءل أين صندوق التنمية الثقافية الذي أسّسه البشير بن سلامة سنة 1981 والذي جلب المليارات للقطاع الثقافي؟ أتساءل أيضا أين هي مبادرة المرحوم محمد الشرفي الذي تحصل على مليار من الرئاسة لفائدة الشباب والطلبة؟ أين هي هذه المبادرات ولماذا صمت عليها المسؤولون عن الفعل الثقافي؟ ولماذا تحرم المؤسسات الاقتصادية الكبرى الثقافة من الدعم في حين أنّ القوانين تخصم من اداءاتها اذا هي ساندت الثقافة؟
احتفت جمعية النساء الديمقراطيات مؤخرا بمرور 25 سنة على بعثها، فما هي حسب رأيك حصيلة سنوات من النضال النسوي؟
اشتغلت الجمعية، وأنا فخورة بالانتماء إليها، على عدة قضايا ومنها العنف المسلط على المرأة والمساواة والميراث والعنصرية وغيرها... وما أريد قوله هو أنّنا أثبتنا حول موضوع الميراث مثلا أنّ القرآن أعطى المرأة حقها في الميراث، دون أن يغلق باب الاجتهاد. ومع الأسف، تسعى بعض الأطراف ـ رغم كل المجهودات التي بذلناها ـ إلى طمس معالم هذا النضال، كما ارتكبت في الفترة الأخيرة جرائم فظيعة في حق المرأة مثل اغتصاب مريم من قبل عوني أمن وحرق الفتاة آية من قبل أبيها، فضلا عن العودة للحديث عن ختان البنات وجهاد النكاح وتحجيب الصغيرات وهي قضايا كنا نعتقد أنّنا تجاوزناها.. وأتمنى اليوم ان نتجاوز البلاهة التي حدثت في انتخابات 23 أكتوبر 2011 عندما تم خلط الدين بالسياسة، فالدين مسألة شخصية وكل ما هو سياسي مرتبط بالانتهازية وبالتلاعب بالأفكار والأموال.. ولذا أرجو أن يعي كثيرون منا ذلك ناهيك أنّ لا أحد منا يمتلك الحقيقة المطلقة... ودون شك على أهل الثقافة أن يعيدوا الاشتغال على هذه المفاهيم وعلى القيم التي نحملها، وهوما سنسعى الى القيام به في الأعمال التي سينتجها التياترو قريبا.
في كلامك كثير من الأمل، لكن يعيش التونسي اليوم على وقع مخاوف من الميليشيات والتنظيمات المسلحة التي ترتع في عدد من البلدان العربية، فكيف تتعاملين كمثقفة مع هذه التهديدات؟
بالفعل، كل هذه المعطيات يمكن أن تدفعنا في اتجاه اليأس والخوف، ولأنّها معركة ما بين الحب والموت، فمن واجبنا أن نصمد.. شخصيا أؤمن بالمشروع الثقافي وبالطاقة المتوفرة لدى عديد الشبان لكي نتجاوز مشاكل المرحلة.. وفي نظري خيار الثقافة خيار هام جدّا فالثقافة والفن يزرعان ثقافة الشك، ولمّا تشك لا يمكن أن تكون متطرفا، لأنّه لاتوجد حقيقة واحدة بل حقائق متعددة.. وللأسف لم تع عدة أطراف سواء كانت من اليمين أو اليسار، من الحكومة أو المعارضة أهمية المشروع الثقافي الوطني.. مرت 3 سنوات على وهم لم يفهموا بعد أهمية الثقافة.. يوجد في تونس 620 فضاء ثقافيا ما بين دور ثقافة ودور شباب ولو أحسنا استغلال هذه الفضاءات لغيرنا وجه تونس... والكل يعرف، وقد لا يعرف، أنّنا أي «جماعة صفر فاصل» من لدينا الإطارات الثقافية عكسهم هم.. فنحن حاملو فلسفة الشك.. وأنتهز الفرصة لكي أوجه لوما شديدا ولكي أعبّر عن شعوري بغضب أزرق إزاء كل السياسيين الذين لم يدركوا مدى أهمية مشروع ثقافي وطني، وهذا لا يعني رصد مئات المليارات، فالفضاءات موجودة ويكفي أن تعود الحياة الى هذه المساحات عبر بديل ثقافي وفكري يقطع مع عقلية القهوة والزطلة والتهريب والذهاب إلى الجهاد في سوريا.
تبدين اهتماما كبيرا بالشباب؟
بالفعل، عندما نرى الشباب التونسي يموت في سوريا، وقد مات أحد أصدقاء ابنتي هناك لا يمكن الا أن استحضر مقولة المفكر والشيخ السوري عبد الرحمان الكواكبي الذي قال إنّه لا شيء يعلو على السماحة الإنسانية، فأين نحن منها؟ هناك أشياء هامة نحن بصدد فقدانها من انسانيتها وهذا خطير جدّا. فضروري أن نعطي للشباب التونسي امكانية لكي يدخل فضاء فيه الحلم وفيه الجمال وفيه أيضا أجوبة للتساؤلات التي يحملها، أن نوفر له المادة التي تمدّه ببعض الأجوبة، ونمنح الفكر مكانة عالية وخاصة لحرية الفكر المكانة التي تستحقها... إذا لم نوفر كل هذا، فلا يجب إذن أن نتباكى على التهريب والمخدرات والجهاد... ولعلمكم فإنّ 30 ألف تلميذ تونسي غادروا مقاعد الدراسة خلال السنوات الثلاث الماضية وذلك وفق إحصائيات نشرت مؤخرا، فماهو مصير هؤلاء الشبان وهل من المعقول أن نلتزم الصمت إزاء هذه الكارثة؟ ولعلمكم أيضا فإنّ الفاعلين الوحيدين الذين بصدد تقديم البديل هم المجتمع المدني الذي يبادر ويسعى إلى ترميم المدارس وإعانة الأطفال على التنقل الى مدارسهم نظرا لغياب وسائل نقل... لقد أرسى بورقيبة التعليم كمصعد اجتماعي مهما كان وضعك الاجتماعي، فإذا ألغينا الدراسة وتركنا هؤلاء الأطفال يذرعون الشوارع فماذا سيحدث؟
لو تعطينا فكرة حول المشروع الذي تعدينه للمساهمة في الحدّ من ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة؟
شخصيا أنا بصدد إعداد مشروع لإعانة المرأة والتلميذ الريفيين. ويتمثل مشروعي في توفير وسيلة نقل (عربة مجرورة) بين مدرسة تبعد قرابة 4 كيلومترات عن حي سكني تنعدم فيه وسائل النقل، وهو ما سيسمح لعدد من الأطفال من التنقل بسهولة الى مدرستهم بعيدا عن مخاطر الطريق وصعوباته خاصة في فصل الشتاء.. وهي فكرة نموذجية اتمنى أن تلقى النجاح قبل أن أعمّمها في مناطق أخرى... وأعتقد أنّ المجتمع المدني قادر عبر مبادرات مميزة على أن يصنع الفارق وأن يقدّم خدمات تساهم في الحدّ من عدة ظواهر خطيرة تهدد المجتمع ومنها ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة التي يجب أن تتكافل الجهود للحدّ منها.
حاورتها شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق