الثلاثاء، 19 مايو 2015

عرض «الزڨلامة» للسعد بن عبد الله: خيمياء موسيقية شعبية من تونس المنسية

«الزڨلامة» (يعني الطبلة) هو عنوان العرض الموسيقي الراقص الذي قدّمه المخرج لسعد بن عبد الله بمشاركة الفنانين رشيدي بلقاسمي والشاب بشير يوم الجمعة 15 ماي بقاعة الريو. عرض إجتمعت فيه عناصر الجسد والصوت والإيقاع لتروي فصولا من «تونسيتنا» ومن «هويتنا الشعبيّة» بكلّ ما تعجّ به من أوجاع ومن حبّ للحياة.
من على ركح طغت عليه العتمة، انبثقت شيئا فشيئا الروايات والأحاسيس والإيقاعات والحركات.. يقرع الزڨلام (الطبال) طبله فيتعالى ذلك الايقاع الذي يسكن في دواخلنا منذ طفولتنا الأولى، ذلك الايقاع الذي طالما سمعناه في أفراحنا فتهيج فينا تلك «الخيمياء» التونسية الشعبيّة المخصوصة، تلك «الخيمياء» التي تتحرر بها الأجساد من قيودها فتنشرح الرّوح وتنفتح المسام على حكايات غرامنا المخفيّة، على قصص عشقنا الممنوع، على حلم الأرض الموعودة التي لم تف بوعودها، على حنان تلك الأم البعيدة، على خيبة تلك الحبيبة الخائنة.
من «قاع خابيتنا» الغنائية التونسية ينهل لسعد بن عبد الله، فيخيط عرضا يعلو فيه الصوت، صوت الزڨلام (الشاب بشير) وطبلته ومعها حركات الرڨاص (رشدي بلقاسمي)، ثلاثية الجسد والصوت والطبل المتجانسة التي تقودنا الى صميم «التخميرة» فتطفو على السطح شذرات من ذاكرتنا الفردية والجماعيّة، تلك التي تحكي الهموم الصغرى والهموم الكبرى، هموم الفرد والبلد.
ومن الأغاني التي جاءت في عرض «الزڨلامة»، نذكر «آمان آمان يالماني» و«الأمريكان» و«دوّر دوّر» وغيرها من المقاطع الموسيقية التي تحيل على ما عاشته البلاد من ويلات زمن الاستعمار، على معاناة الفلاح الذي يُفتكّ منه محصوله ويصبح «خماسا» لدى الأجنبي، على عذابات «الربطيّة»، على جراح العشاق، على الزيتون الذي لم يثمر، على زهر اللوز الذي لم يتفتّح ومع ذلك لا يستسلم الجسد، جسد رشدي بلقاسمي المتحرك المتخمّر المرتعش الذي يفيض طاقة وابتسامة وتعلقا بالحياة.
يرقص بلقاسمي رقصاتنا الشعبية بإيقاعاتها المختلفة، البونوارة والفزاني والعلاجي والعجمي وغيرها ليروي ثراء الريبرتوار التونسي الذي يكاد يندثر بعد أن أصبنا بمحنة «فقدان الذاكرة»، نسينا من نحن وما هي حكاياتنا وأصولنا ومعاناتنا، لكن يبقى هناك أمل ضئيل، حبل رقيق (يظهر في أول مشاهد عرض «الزڨلامة» يشد خصر رشدي بلقاسمي) يربطنا بجذورنا الأولى ويمنعنا من أن نسقط في فخّ النسيان.
طبلة، رقصة، وشم، إيقاعات تونسية، صوت مؤثر، ضوء خافت، قارورة بوخة هي العناصر الفنية التي بنى عليها لسعد بن عبد الله عرضه ليرسم لوحة تونسية شعبية مميّزة حضر فيها البلد بعبقه الخاص، بوجيعة ناسه وبجمال روحه في حراك لا ينقطع، لا ينضب، لا يملّ ولا يكلّ، فهذه هي ملامح تونس التي غالبا ما ننساها!
تنطلق عروض «الزڨلامة» بقاعة الريو بالعاصمة أيام 22 و23 و24 ماي 2015.
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق