من منا يتذكر ماتيلد
أو مفيدة بورقيبة, الزوجة الأولى للزعيم الحبيب بورقيبة؟ قد لا نعرف عن حياة هذه
الفرنسية التي تجنست واعتنقت دين الاسلام الكثير, لكننا يمكن أن نستشف تعلقها
بتونس ووقوفها الى جانب الرئيس بورقيبة في معركة تحرير البلاد وبناء الدولة
الحديثة...
ثم تتساءل الروح الغائبة... تتساءل عن الحداثة التي أراد بورقيبة ارساءها في تونس, فماذا تبقى منها وما هو مستقبلها بعد الثورة؟ وهل ستتناقل نساء تونس شيئا من الإرث البورقيبي؟ معربة عن اصابتها بحالة اختناق من جراء ما يحدث من محاولات لاستهداف الحريات.
في "ماتيلد
ب", نفضت نضال قيقة الغبار عن شخصية هامة في حياة الحبيب بورقيبة لترسم بريشتها
أوجها وملامح من رفيقة درب الرئيس الراحل في محاولة لاستجلاب رحيق حياة إمرأة أحبت
زوجها المناضل كما أحبت تونس, الأرض التي احتضنتها بطيبة ناسها وبنبل قضيتها. فهل نفذت أشعة نور نضال قيقة الى حيث تنام
ماتيلد مفيدة بورقيبة نومتها الأبدية؟
عن هذه المرأة التي
غادرتنا في صمت سنة 76, رسمت الكاتبة نضال قيقة لوحة مائية حاكت فيها شيئا من
مواقف وأحاسيس إمرأة عرفت بحبها لتونس لتقدمها في شكل نص نثري صدر مؤخرا عن دار
الجنوب للنشر في كتاب باللغة الفرنسية يحمل عنوان "ماتيلد ب"... وإذ كنا
لا نعرف أين تتوقف الحقيقة وأين يبدأ الخيال فقد شدنا في هذا المؤلف تعلق الشخصية
الرئيسية بمجرى الأحداث التي عرفتها تونس كما شدنا شوقها الى الأنوار والروائح
والأشخاص الذين رافقوها طيلة حياتها...
وقد جاء الكتاب على
لسان ماتيلد بورقيبة التي استرجعت ورقات من حياتها الآفلة قائلة إنها ترفض النسيان
"فعندما ننسى, نسمح للتاريخ بأن يكرر نفسه"...
« Pourquoi vous oubliez ?
Quand on oublie, on permet à
l’histoire de récidiver »
تتكلم ماتيلد من
بيتها الذي عاشت فيه الحب والنضال و المرض والوحدة فتستحضر ذكرياتها مع بورقيبة
وتضحيته من أجل استقلال وطنه وتحرر شعبه ملقية في نفس الوقت نظرة نقدية الى ما آل
اليه النظام البورقيبي من استبداد واضطهاد لمعارضيه...
ثم تتساءل الروح الغائبة... تتساءل عن الحداثة التي أراد بورقيبة ارساءها في تونس, فماذا تبقى منها وما هو مستقبلها بعد الثورة؟ وهل ستتناقل نساء تونس شيئا من الإرث البورقيبي؟ معربة عن اصابتها بحالة اختناق من جراء ما يحدث من محاولات لاستهداف الحريات.
كما تسترجع ماتيلد
بورقيبة تفاصيل بسيطة من الحياة كولادة طفل أو رائحة القوارص المميزة أو استضافتها
لبعض المقاومين أو بالعكس أحداث مؤلمة كإصابة النقابي وأستاذ الفلسفة
"بوزو" بالجنون أو طرد الشاب طارق من المعهد بسبب معارضته لبورقيبة أو
فرار صديقتها "روزا" من فرنسا بعد فوز الألمان لتقول أن التاريخ يصنعه
أيضا الناس البسطاء بنضالهم اليومي ولو تناستهم كتب ومجلدات التاريخ ليتلاشوا شيئا
فشيئا من الذاكرة..
والى جانب الرسائل
التي مررتها الكاتبة على لسان ماتيلد بورقيبة, تدفعنا الكاتبة للتساؤل اذا ما كانت
هناك حياة بعد الموت؟ وهل يبقى الموتى على صلة بعالم الأحياء؟ هل يصلهم عبق
الياسمين وصوت تدفق الأمواج وما تضج به قلوب الأحبة والأصدقاء؟ أسئلة خافتة وصارخة
في آن واحد تمس صميم الروح لما فيها من استحالة تواصل ظاهرية ومن توق لهدم الحواجز
الخفية بين عالم من "مازالوا هنا" و عالم من "غادرونا الى مرقدهم
الأخير"..
شيراز بن مراد
صورة هند تقية
صورة هند تقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق