الخميس، 1 نوفمبر 2012

لا للعنف, نعم للتوافق

  • إلى ماذا تحتاج تونس اليوم؟ توجهنا بهذا السؤال إلى الجامعية والكاتبة نورة بورصالي وإلى الأديب بوراوي عجينة وكذلك إلى رئيس جمعية «السلم بأيدينا» ماهر الساحلي، فجاءت إجاباتهم مختلفة كل حسب جوهر اهتماماته... فبينما أكّدت الأستاذة نورة على أهمية التوافق وتشريك الكفاءات والنخبة في اتخاذ القرار، شدّد الكاتب بوراوي عجينة على أهمية الفعل الثقافي كمحدّد لهوية الثورة إذ أنّ هذه الأخيرة لا يمكن أن تنجح ـ حسب رأيه ـ إذا اقتصرت على السياسة والاقتصاد... أمّا رئيس جمعية «السلم بأيدينا» فقد أكّد على ضرورة إرساء ثقافة بديلة تقطع مع العنف السائد مشيرا إلى الدور الذي يجب أن تضطلع به الدولة في وضع قوانين زجرية وتطبيقها على كل من يدعو أو يحرض أو يمارس العنف.


    نورة بورصالي (جامعية وكاتبة): «مطلوب التوافق والتوافق ثم التوافق»
    «يبدو لي انّ الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي متأزّم جدّا.. وقد تكون هذه الأزمة عادية في ظلّ المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد، اذ ليس هناك تغيير دون صعوبات وعثرات لكن اذا تواصل الوضع على ماهو عليه فسيكون مستقبل تونس في خطر..
    شخصيا أعتبر انّ المسؤولية في الوضع الحالي مشتركة بين كل الأطراف: قوى مضادّة للثورة تحاول إفشال المسار الإنتقالي وتعطيل حياة المواطنين وكذلك مسؤولية السلطة الحاكمة التي تعمل ببطء شديد بما لا يخدم تحقيق أهداف الثورة.. ورغم الثّغرات والهفوات، ينبغي التدارك من خلال إشراك الكفاءات بغضّ النظر عن انتماءاتها الايديولوجيّة والسياسيّة..
    ما نلاحظه أيضا هو حالة التشنّج التي أصبحت ميزة أساسية للحوار السياسي وهذا في رأيي ناتج عن التهافت على السلطة وتغليب المصالح الحزبيّة على مصالح البلاد وهو سلوك غير ديمقراطي خاصّة اذا اقترن بعدم احترام الآخر وبنزعة اقصائيّة واضحة للعيان..
    والمتابع للمشهد السياسي لابدّ أن يلاحظ محاولات النهضة البقاء في الحكم وقد عبّرت عن ذلك بتكبّر رافضة وجود حزب ينافسها وهو ما أدّى الى وقوع أحداث دامية في تطاوين بينما غاب عنها أن الانتخابات وإرادة الشعب هما وحدهما الكفيلتان بإفراز الفائزين في الاستحقاقات القادمة.. خطاب بعض قياديي نداء تونس أيضا ليس مقبولا وسأذكر على سبيل المثال خطاب لزهر العكرمي في الحوار الذي أدلى به لصحيفة «حقائق» ففيه شيء من التشنّج والاتهامات التي لا يمكن الاّ ان توتّر المسار السياسي..
    خلاصة القول إنّ المعاداة المتبادلة تعكر الجوّ السياسي ولا تسمح بحوار رفيع المستوى يعبّر عن الشواغل الحقيقيّة للبلاد.. ويجب هنا التحذير من خطورة تواصل هذا التناحر الذي يمكن ان يؤدي الى أزمة وقد رأينا بوادرها الأولى في تطاوين..
    وبخصوص إقصاء التجمّعيين من المشاركة في الحياة السياسيّة أرى انّ القضاء هو ـ وحده ـ المؤهّل لإقصاء من التصقت بهم جرائم في العهد السابق، وان كنت اعتبر انّ الثورة قامت ضد التجمّع الذي كان مسؤولا عن منظومة الاستبداد..
    هناك أيضا مسؤولية بعض فئات من الشعب التي لم تفهم معنى الديمقراطية، فاختصّت في الفوضى وهو ما يهدّد قوانين التعايش السلمي وما يمسّ بمحاولات النّهوض بالبلاد.. على بعض المواطنين ان يراجعوا سلوكهم وان يقطعوا مع التسيّب والهمجيّة.. تصورنا انّ تضعنا الثورة على طريق نظام ديمقراطي حقيقي لكنّنا أضحينا ندافع عن المكاسب ولا نفكّر في تطويرها.. على السلطة ان تستمع لمواطنيها وان تفعّل العدالة الانتقالية (محاسبة ثم مصالحة) حتى نتمكّن من المضيّ قدما وبطريقة إيجابية في هذا المسار الانتقالي.
    وأغتنم هذه الفرصة لأوجّه لوما الى القنوات التلفزية التي تقلّصت فيها مساحة الحوارات السياسية وغاب عنها المجتمع المدني، بينما كان حاضرا في كل المعارك الإجتماعية وهذا تغييب خطير لأن الحياة لاتقتصر على القوى الحزبيّة ..
    كما لا يمكن ان نغفل عن ظاهرة خطيرة باتت تهدّد تماسك المجتمع التونسي ووحدته وهي ظاهرة تقسيم البلاد الى جزأين أي: العلمانيين ـ ولو انّهم مسلمون ـ والاسلاميين، هذا فضلا عن ظاهرة السلفيين أو بالأحرى المتزمّتين دينيا الذين يريدون فرض نمط مجتمعيّ بعينه بالعنف وكأنّ التونسيين كفار أو أنّ الإسلام حلّ بأرض تونس بعد الثورة!
    واليوم، نلاحظ والبعض يحتفل بتاريخ 23 اكتوبر، حالة من الإحباط ومن المرارة المتقاسمة، فالثورة التي كان من المفروض ان تفتح لنا أبواب التقدّم والتطوّر وان تحقّق البعض من الأهداف التي نادت بها، جلبت معها صراعات وتجاذبات تكاد تعصف بالبلاد، وفي رأيي مهما كانت اختلافاتنا السياسيّة أو الإديولوجيّة فإنه لا مفرّ لنا من التوافق: التوافق والتوافق ثم التوافق.. ولئن كنت لا أشاطر النهضة أفكارها فأنا اعتبر انّ لكلّ طرف منا مكانا في المشهد السياسي.. لابدّ ان نصل الى التعايش السلمي بعيدا عن التشنّج والعداء.. لابدّ ان نرتقي بالحوار السياسي وان نضع مصلحة تونس فوق كل الاعتبارات الحزبية.. كفانا تكالبا على الحكم.. فليس بمقدور اي طرف ان يحكم تونس بمفرده بل هي بحاجة الى توافق كل ابنائها مهما كانت اختلافاتهم.. على النهضة ان تحترم منافسيها ـ لا اعداءها ـ فالديمقراطية ليست هيمنة الأغلبيّة على الأقلية بقدرما هي احترام الأغلبيّة للأقلّيات.. فمن حقّ كل مواطن ان يشعر بالسعادة في بلاده وعلى الجميع ان يحترم قيم المواطنة والمساواة والتعايش السلمي واحترام الآخر.

  • الأديب بوراوي عجينة: «الثقافة هي التي تحدّد هوية الثورة في أية حضارة»
    بصفتي كاتبا ومشاركا في الحياة الثّقافية منذ قرابة ثلث قرن ألاحظ أنّنا في مفترق طرقات، فكل طرف سياسي يسعى الى كسب مواقع واقصاء غيره من الأطراف... الاّ أنّ المحيّر في الأمر انّ الثقافة ومنذ سنة عوض ان تتقدّم ظلّت تتقهقر وتواجه صعوبات عديدة خلافا للمجال السياسي الذي اصابنا بتخمة من المناقشات والصراعات... من موقعي الخاص أرى أنّه على المثقفين ان يسهموا في هذ الحراك المتجه الى الأمام وذلك بعدّة أعمال ارجو ان تتحقق قريبا، منها اعادة النظر في عمل وزارة الثقافة الذي يتحكّم فيه افراد قلائل مهما اجتهدوا لن يكونوا في مستوى ما ينتظره المثقّفون، وكذلك بإعادة النظر في تركيبة الوزارة واقحام كفاءات عالية في شتى اداراتها من مسرح وآداب وسينما وغيرها.. ثم ألم يحن الوقت لطرح مسألة المجلس الأعلى للثّقافة المجمد منذ عقود على ان تتوفّر فيه شروط كفاءة الأعضاء واستقلاليتهم والموارد المالية الكافية والقرار التطبيقي السليم، وأما الجمعيّات الثقافية فأحوالها يرثى لها وكذلك المندوبيات ودور الثقافة.. أليس من الطبيعي ان تجرى فيها انتخابات حرّة لاختيار الهيآت الملائمة لها ومدّها بامكانات مالية تسمح لها بالعمل واقتراح برامج ثوريّة تخدم الوطن.
    انّ النشر والتوزيع والانتاج على أبواب كارثة اذا لم يتحرك المثقّفون لضخّ دماء جديدة فيها واعداد تصوّرات جدّية والقطع مع الماضي الرتيب وضمّ أسماء جديدة لديها خبرة في المجال وإلّا ستكون النتيجة الانحدار نحو الهاوية التي سيخسر اثرها الجميع من مسؤولين ومثقفين وابناء وطن..
    آن الأوان لنحيي ما أنجز في هذا الوطن وان نميّز بين ما كان صالحا وما كان فاسدا وان نضع برامج ثقافية قابلة للانجاز آجلا وعلى مدى متوسط وآخر بعيد... ولئن تعذّر على الوزارة القيام بأعمال ثقافية ذات مستوى رفيع متعلّلة بقوانين سابقة، أفليس من المنطقي في هذا العهد الجديد ان يعاد النظر في تلك القوانين وسنّ أخرى جديدة من قبيل دعم الوزارة نشر الكتاب والترفيع في شراء الكتب المطبوعة..
    نحن الآن في مفترق طرق يسعى فيه كلّ طرف الى ان يكون الرابح وان يجعل الآخر خارج اللعبة، والحقيقة انّ تونس امّ حضنها واسع لجميع ابنائها.. وأختم بالقول انّ الخطر السلفي وان كان يهدّد الثقافة فانّ على المثقفين ان يواجهوه بأعمال فنية تتناسب والمرحلة الجديدة وان يجدّدوا المضامين والأساليب، فالثورة لا تنجح ان اقتصرت على السياسة والاقتصاد بل ان الثقافة في أيّة حضارة هي التي تحدد هوية الثورة.. ورغم ما ينتباني وغيري من احساس بالضيم والظلم واليأس والرغبة احيانا إمّا في الخروج من حلبة العمل الثقافي والهجرة الى أرض الله الواسعة فانّ الأمل باق لكي نتجاوز هذه المرحلة الصعبة المعقّدة التي تحتاج الى مثقّفيها وكتابها ومفكريها حتى تتقدّم هذه البلاد المعطاء وتسهم في بناء الحداثة والتطوّر..»

  • ماهر الساحلي (رئيس جمعية السلم بأيدينا): «يجب ردّ الاعتبار للدولة وإرساء ثقافة تقطع مع العنف»
    إنَ اغتيال لطفي نقض تعتبر حادثة أليمة و خطيرة لأنّها عملية عنف صدرت عن مجموعة من الأشخاص يتقاسمون نفس الانتماءات و القناعات الإيديولوجية و السياسية ، قد يكون وقع الإعداد و التدبير لها مسبَقا ضدَ شخص يخالفهم الرَأي والانتماء و المواقف و هو العنف السياسي في أبشع مظاهره والمتمثل في التصفيات الجسديَة والاغتيالات.
    ومع الأسف، فإنَ هذه الجريمة جاءت كامتداد و كنتيجة طبيعيَة و منتظرة لأعمال العنف المتكرَرة والمتنوَعة التي تمَت الدعوة لها و تبريرها و التحريض عليها و السكوت عنها من قبل مسؤولين سياسيين في بعض الأحزاب و في السَلطة منذ مدَة، زد على ذلك حالة الإحباط و الاحتقان والحيرة التي يعيشها التونسيون منذ أواخر سنة 2010 وأضف إلى هذا كلَه التركيبة التاريخية و الثقافيَة لمجتمعاتنا الإسلاميَة التي يعدَ فيها العنف و الاغتيال ممارسة عادية وطبيعية لممارسة السياسة و للوصول إلى السَلطة أو الاحتفاظ بها. إنَ تنامي العنف المسكوت عنه سينجرَ عنه تقلَص و اضمحلال لدور الدولة و الذي يؤدَي بدوره لا محالة إلى تفشَي الفوضى والعنف وقانون الغاب.
    والحلَ في رأينا يكمن في اتخاذ تدابير سوف تؤتي أكلها على المدى القصير و المتوسَط والطويل:
    ـ أمَا التدابير العاجلة فتتمثل في: 1) ردَ الاعتبار للدولة، المخوَل لها وحدها استعمال العنف الشرعي، و وضع القوانين الزَجريَة و تطبيقها على كلَ من يدعو أو يحرَض أو يبرَر أو يمارس العنف أيَا كان انتماؤه أو مركزه أو جاهه أو ماله. 

    2) بعث أطر للتواصل والتحاور و التشاور وتبادل الآراء و الوساطة للوصول إلى التوافق
    ـ أمَا على المدى المتوسط فتتمثَل التدابير بخصوص التنمية السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافيَة و التربوية و الجهوية والمحلَية، لأنَ العنف ينمو و يترعرع بتفاقم الظلم و الفقر و الخصاصة والجهل و غياب الثقافة.
    ـ أمَا الإجراءات الطويلة المدى فتتمثل في التأسيس لثقافة لاعنفية بديلة للثقافة العنفية السائدة من خلال مراجعة برامج ومناهج التعليم من أجل تنمية قيم و سلوكيات و أنماط حياة متماشية مع ثقافة السلم مثل الحل السلمي للنزاعات والحوار والبحث عن الوفاق واللاعنف و تنمية وتعزيز احترام جميع حقوق الانسان ودعم ضمان المساواة بين النَساء و الرَجال و دعم المشاركة الديمقراطيَة و تنمية ودعم التفاهم والتسامح و الإحترام والتضامن وتعزيز التواصل المشاركاتي و حرَية نقل المعلومات و المعارف ...

    شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق