الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

"نيكوتين" لعاطف بن حسين: تونس للكل.. علمانيين وسلفيين


  • تماهيا مع الأجواء المشحونة التي تعيشها تونس اليوم, قدم المخرج عاطف بن حسين منذ أيام عملا مسرحيا جديدا جاء بمثابة طبق ملكي تنوعت فيه الأصناف أو بالأحرى التيمات ولو أنها لم تشذ عن قاعدة التجاذب والتناحر التي تهيمن حاليا على المشهد العام...
    فمن خلال قصة ثالوث (شاكرة رماح في دور المرأة المتحررة و عبد المنعم شويات في دور المتمرد وفؤاد ليتيم في دور الرجل الكلاسيكي والمعقد) يلتقي ذات ليلة بأحد الفضاءات الفنية, نقلت مسرحية "نيكوتين" أجواء تونس المتوترة بعد مضي سنة ونصف على الثورة دون أن تغيب عنها روح الدعابة والفكاهة..
    بحضور عدد من رجال السياسة –على غرار وزير الصحة عبد اللطيف عبيد وحمة الهمامي- جاؤوا الى قاعة الفن الرابع لمواكبة العرض الثاني من المسرحية, أفرغ عبد المنعم وشاكرة وفؤاد ما في جعبتهم من روح اندفاعية عبرت عن دواخلهم وعن رؤاهم إزاء عدد من القضايا الشائكة, ولعل من أهم ما سعت المسرحية لإبرازه هو عجزنا عن التحاور بصفة عادية, وعن التناقش بروح رياضية إذ غالبا ما نسقط في فخ التعادي والتصادم..

    و ل"تفسير" أزمة العلاقات التي أضحت تميز مشهدنا الاجتماعي و السياسي, عاد النص بطريقة فكاهية الى عاهاتنا النفسية وأمراضنا الخفية, فمنا من هو متعلق بأمه أكثر من اللزوم, ومنا من هو عاجز عن التعايش بسلام حتى مع محيطه العائلي وكلها عوامل تفسر شيئا من عصبيتنا الزائدة ومن عدم قدرتنا على التواصل مع الآخرين بصفة طبيعية... فلا عجب إذن في أن نرى نواب المجلس التأسيسي يتصايحون وسياسيينا يتناحرون ومسؤولينا يتدافعون مثل "حيوانات بشرية" خرجت لأول مرة من حظيرتها, وهو ما جسدته المسرحية في بعض من مشاهدها...


    ومن الرسائل القوية التي تضمنها هذا العمل الذي قال عنه عاطف بن حسين إنه "موجه الى التونسي الذي يفكر ويتذكر", تلك التي دعت الى التعايش السلمي بين كل التونسيين مهما كانت انتماءاتهم, سواء كانوا علمانيين أو سلفيين, وذلك من خلال لوحة نقدية فضحت سخافة التخوفات والأفكار المسبقة التي يحملها بعضنا على البعض الآخر.. فالعلماني أو السلفي هو تونسي قبل كل شئ ولا مفر من أن يتعايشا طالما لم يلجآ الى العنف.


    لقد شدتنا "نيكوتين" بروحها النقدية التي تجسدت في عديد اللوحات ومنها تلك التي تطرق فيها الممثلون الى "أوساخنا" وكم نستحق من وقت لإزالة "اوساخنا الداخلية", أو تلك التي تحدثت عن الشعب والنخبة لتؤكد بطرافة أن "الشعب 4 أفراد والبقية لكلها نخبة" أو تلك التي نادت فيها شاكرة بحرية المرأة وحقوقها وغيرها من المواقف الساخرة التي نقلت بسلاسة صفحات من حياة التونسي سنة 2012. كما شدتنا
    رؤيتها الإخراجية التي يظهر فيها كل ممثل معزول في عالمه الخاص قبل أن ينطلق نحو الفضاء الرحب, نحو الآخر ونحو الصراع حتما حتى بدا الركح  كحلبة للمواجهة وللتلاسن تماما مثلما هي الساحة العامة اليوم  في تونس...

    "نيكوتين" تطرقت بلهجة ساخرة الى أجواء القلق السائدة في مجتمعنا بما فيها من تجاذبات ورؤى ضيقة كما نادت الى التحابب والتفاهم والتعايش السلمي, لا أن ننغص وجودنا ب"نيكوتين" العداء والتباغض بما يحول الحياة الى جحيم لا يطاق..

    شيراز بن مراد

    تصوير محمد كريم العامري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق