اختتمت يوم الجمعة 19 ديسمبر ورشة الصحافة الثقافيّة التي أشرف عليها الإعلامي كمال الرّياحي وذلك بحضور الصحفيين مكي هلال وناجي الخشناوي. واحتضنت دار الثقافة ابن خلدون الجلسة الاختتامية التي تطرّقت الى عدّة مسائل ذات علاقة بالمشهد الإعلامي الثقافي انطلاقا من واقع الحرّيات وصولا الى أهمية التكوين المستمرّ فضلا عن غياب المادّة الثقافيّة وخاصّة منها الأدبيّة عن المشهد الإعلامي. ونوّه الرّوائي كمال الرّياحي بمسيرة الضيفين ناجي الخشناوي سكرتير التحرير بجريدة الشعب والذي تحصّل مؤخرا على جائزة أكاديميا التي تسندها جامعة منوبة ومكي هلال الشاعر والإعلامي بقناة «البي بي سي» صاحب الكاريزما ومقدّم نشرات الأخبار والحوارات.
مكي هلال وناجي الخشناوي ومسارات إعلامية مميزة
ومن غرائب الصدف ان يكون الإعلاميين مكي هلال وناجي الخشناوي انطلقا في مسيرتهما الإعلاميّة كمدقّقين لغويين، الأول في جريدة «الأسبوع العربي» والثاني في جريدة «الشعب». ثم تشعّبت ثنايا كلّ منهما حيث انتقل مكي هلال الى قناة 21 حيث خطا خطواته الأولى في تقديم الأخبار، تجربة إنتهت بطرده بعد 3 أشهر من العمل. عندها التحق هلال بقناة الجزيرة بالدوحة واشتغل فيها مدّة 6 سنوات ليغادرها سنة 2006 نحو قناة «البي بي سي» وذلك بعد أن اختارت الجزيرة مساندة تيار الاسلام السياسي.
ومن جهته تحدّث الخشناوي عن أول مقال صدر له بجريدة الشعب يوم 9 أفريل 2003 تحت عنوان «سقوط التماثيل.. سقوط الأنظمة» لتتواصل كتاباته الأسبوعية السياسية والثقافيّة بنفس الجريدة الى غاية يومنا هذا. وشددّ الخشناوي على أهمية القاموس اللغوي الذي يُعطي للنّصوص طابعها الخاصّ وينفخ فيها روحا مميزة إلى جانب أهمية تقنيات الكتابة التي يلقنها معهد الصحافة.
وفي هذا السياق، كشف الخشناوي انه صاحب اجازة في اللغة العربية لكنه تلقى تدريبات عديدة في المعهد الافريقي لتكوين الصحافيين، وهو ما سمح له من التمكّن من أبجديات المادة الإعلاميّة الثقافية. وهي فكرة تجاوب معها ايجابيا مكي هلال الذي اكّد على أهمّية التدريب لكونه يسمح بتطوير أدوات العمل باختبار قدرات الإعلامي، ففي الاعلام ثمّة جديد يطرأ يوميا في تقنيات التعامل مع الحدث.. وقال هلال: «التكوين مطلوب مطلوب يا ولدي» مضيفا انّه شارك في 30 دورة تكوينية في مركز الجزيرة للتدريب وفي معهد «البي بي سي» أكاديمي وفي ميدي1 بالمغرب في ظرف 15 سنة من العمل.
لماذا يغيب المشهد الثقافي عن الإعلام التونسي؟
ثم دفع كمال الرياحي بضيفه الى معضلات «المشهد الثقافي» في الإعلام التونسي قائلا انّ تونس تشكو من غياب المشهد الثقافي في الإعلام، اذ لا توجد صفحات ثقافية ولا توجد برامج تلفزية تعنى بالأدب وبالكتاب على سبيل المثال. وقال: «المشهد يندثر.. تونس البلد الوحيد الذي تعاد منه نسخ للكويت في مسابقة البوكر، ولذا تمّ استثناء تونس من التوزيع». وواصل الرياحي قائلا: «الاشكال يتمثّل في خلق هذا المشهد، فماذا ننتظر كي يعود الكتاب الى البرامج التلفزية»؟
مكي هلال: الحرية ستثمر يوما قمحا وورودا
غير أنّ رأي مكي هلال كان مُخالفا حيث اعتبر انّ الاعلام التونسي يتطور بشكل سريع رغم كلّ المطبّات (مال فاسد وغياب المهنية)، وقال: «انّ الحرية ستثمر يوما قمحا وورودا» مضيفا: «أنا متفائل خلال 5 سنوات، ستكون تونس بيروت العالم العربي في الإعلام»، لكنّه اعترف في الوقت نفسه بالنقص الذي تشكو منه التلفزة في ما يتعلق بالمادة الثقافية موجّها في نفس الوقت التحية الى مارك زوكبارغ باعث الفايسبوك الذي سهّل عملية التواصل بين المبدع والمتلقي وقال انّه تصله رسائل وملاحظات في الصميم من قرّاء لا يعرفهم.
ناجي الخشناوي: رأس المال المالي يجب ان يؤمن برأس المال الرمزي وببناء الأجيال عبر الفعل الثقافي
وفي هذا الصدد قال الخشناوي انّ ما يقلقه في الصحافة التونسية هو قلّة احترام الثقافة وتتفيه المثقف مقارنة بالمناخات الإعلاميّة الموجودة في كل من لبنان والمغرب ومصر والتي تعطي المادة الثقافيّة حقّها، وذكر ان تونس تفتقر للمحامل الثقافية التي تفتح وتحترم المادة الثقافية وانّ اكثر ما يزعجه هو المقالات المدرسية التي لا تعطي الأعمال الأدبية والفنّية حقّها، وحتى الإذاعة الثقافية فهي في أسفل ترتيب الإذاعات الأكثر استماعا حسب قوله.
وأضاف الخشناوي قائلا: «رأس المال المالي يجب ان يؤمن برأس المال الرمزي وببناء الأجيال عبر الفعل الثقافي... بقدر ما يراكم رأس المال المليارات، عليه ان يخصّص قسطا من الأموال لتمويل الأفلام ولدعم الكتب». وواصل الخشناوي في نفس السياق ذاكرا: «عيب ان نشاهد مبدعين مثل حسين مصدق او سليم دولة يعيشان في حالة اجتماعيّة مزرية».
هل يحتاج المبدع الى دعم الدولة؟
تساءل حينها كمال الرياحي عمّا إذا كان المبدع بحاجة الى دعم الدولة لكي يبدع قائلا: «المشهد الثقافي في الثلاثينات عندما كان البلد يرزح تحت الاستعمار وعندما كانت الحكومة الفرنسية استبداديّة أفرز من أجمل المشاهد الثقافية في الغناء والشعر.. أعتقد انّ المسألة الابداعيّة مسألة فردية». فعلّق مكّي هلال قائلا: «انّنا في دول العام الثالث بحاجة الى قرار سياسي كرافعة كميّة تأتي لدعم ومعاضدة الثقافة». وأضاف مكي: «لا نريد منطق الدولة الراعية لكن الدولة الضامنة للحدّ الأدنى من الابداع». وأيّد رأيه كلّ من الشاعر حسين مصدق والناشر كارم الشريف اللذين كانا حاضرين في اللقاء. وقال مصدّق: «هناك مغالطة كبيرة، فالدّعم غير موجود. الحكومات الغربية تدعم الثقافة، ولابدّ من دعم الثقافة الى غاية امتلاك حرية التمتّْع بها».
وهنا علّق الكاتب والدكتور النفساني أيمن الدبوسي انّ من يأخذ الدعم من الدولة عادّة ما يكتب لصالح الدولة، وهو الأمر الذي نفاه الناشر كارم الشريف الذي اعتبرانّ المبدع يمكن ان يظلّ مستقلا من الناحية الابداعيّة حتى لو تلقّى الدعم.
وقبل نهاية اللقاء، ألقى الشاعر مكي هلال المقيم بلندن مجموعة من قصائده وهي «خذني اليك بليل»، و«الى وردتي» و«أسماء» و«شوق وأكثر» قائلا انه كتب هذه القصائد بصوت نسائي وهو أسلوب نزاري. واختتم اللقاء بتوزيع شهادات مشاركة للذين واكبوا ورشة الصحافة الثقافية، وهم ابتسام القشوري وجمال الجلاصي وشيراز بن مراد وشوقي البرنوصي وهدى نعمان ونضال الصيد ومروان الخميري وذلك بحضور المندوب الجهوي للثقافة بتونس محمد الهادي الجويني.
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق