متى نلتفت الى صغارنا؟ متى نصغي الى أحلامهم؟ كيف يمكن أن نساعدهم على ترجمة طموحاتهم الى حقيقة؟ تنطلق كاميرا المخرجة مفيدة فضيلة في فيلم "Hors-je" من إحدى الساحات التي تجمّع فيها عدد من تلاميذ حي التضامن الذين لم يتجاوز سنهم الثانية عشرة، فتُصور ملامح براءتهم وعنفوانهم وفضولهم متعقبة أثر «خيط الطفولة النقي» -ذلك الذي لم تطله لا الحسابات ولا الايديولوجيات- ومستدرجة هؤلاء الأطفال الى عالم الحلم، الى "كاروسيل" طفولي تنشرح فيه النفوس وتتزاحم فيه الطاقات.
يدور الخذروف مرارا حول نفسه قبل أن يتوقف، لتنطلق «لعبة الأحلام». تدعو المخرجة مفيدة فضيلة الأطفال الذين صورت معهم شريط «Hors-je» إلى صياغة جملة بسيطة تعبر عن أحلامهم، فيكتب أحدهم «نحب نولي حرّ»، ويدوّن الآخر «نحب نشري موتور»، وتحرّر الأخرى «نحلم باش نتزوج» إلى غيرها من الجمل البسيطة التي تعبر عمّا يخالج صدور هؤلاء الأطفال من أمنيات ورغبات. تجمع مفيدة فضيلة الجذاذات الورقية وتخلطها في وعاء بلوري ثمّ تطلب من الأطفال أن يختاروا جذاذة واحدة وأن يكتبوا ما جاء فيها على باب حديدي كبير.
في تجربة فنية تحمل الكثير من المعاني والدلالات، يكتب الأطفال أحلام أترابهم كما لو كانت أحلامهم الخاصة، يكتبونها بقطع طباشير ملوّنة راسمين دون إدراك «لوحة أحلام الأطفال»، هذه اللوحة التي يجب أن نسعى كلنا الى مشاهدتها، فهي التي تُخفي شيفرة عيشنا المشترك، تلك التي تنادي بالإصغاء إلى الآخر وبالتواصل معه.. فإذا ما أصغينا الى أحلام الأطفال وإذا ما وفّرنا لهم سبل تحقيقها، فقد نكون ساعدناهم على تحقيق ذواتهم بعيدا عن فخاخ العنف والإرهاب التي أصبحت تُلغّم ثنايانا.
في زمن انحرفت فيه المسارات وأضحى الشباب التونسي يُشكل بارود حروب دامية، تدعو المخرجة مفيدة فضيلة إلى العودة الى الأطفال. فعودهم الطري قابل لتحقيق أجمل الأشياء وأبهاها اذا ما أنصتنا لهم وفتحنا لهم أبواب الأمل، وهو أيضا قابل للانخراط في أبشع السيناريوهات وأعنفها اذا ما فقد أسباب التعلق بالحياة وبجانبها المشرق.
وبالتوازي مع فكرة "العودة الى الأطفال"، يتضمن الفيلم دعوة صريحة لغرس الثقافة في الأحياء المهمشة تلك التي لا يتوفر فيها لا دور ثقافة ولا مسرح ولا سينما ولا نوادي للأطفال.. فإذا ما غابت الثقافة -بكل ما تعنيه من توفير قيم الانفتاح والتسامح واحترام الآخر- عن أطفال تونس، إستفحلت المخططات الجهنمية، تلك التي تمجد ثقافة الموت والعنف وإقصاء الآخر.
هذا هو التحدي المضاعف الذي دعت إليه مفيدة فضيلة في شريطها القصير «Hors-je»، وهو من انتاج شركة «يول»، فمهما فعلنا، لن نستطيع أن نبني المستقبل إذا ما لم نضع في صدارة اهتمامنا عالم الأطفال وما يتطلبه من عطاء واهتمام. وقد يكون شعار "الأطفال هم الحلّ" من بين الشعارات الهامة التي وجب رفعها في مجتمعنا اليوم.
يُذكر أنّها ليست المرّة الأولى التي تُشرّك فيها مفيدة فضيلة الأطفال في أعمالها الفنية، فقد سبق أن كان ذلك مع عرض «التونسي الخارق للعادة» الذي قدمته مرارا في شوارع تونس، وهو تمشي فني-إجتماعي ذو أهمية قصوى، فالأطفال هم من يحملون رايات المستقبل، وإذا تجاهلناهم رفعنا الرايات السوداء في وجوهنا من دون أن نشعر.
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق