"إنّ هذا التكريم يتجاوز شخصي المتواضع الى تكريم الخطاب الشعري ذاته، باعتباره نواة الحياة.. الحياة التي نحن غافلون عنها بسبب خطابات مغلقة دينية وعقائدية وايديولوجية، تشتغل كلّها إمّا في الما ـ قبل وإما في الما ـ بعد.. دون أن نعي خصائص اللحظات وفرادتها في مسطرة الزمن وفي حياة الانسان عموما»..
بهذه الكلمات استهلّ الشاعر الصغير أولاد أحمد الحفل التكريمي الذي نظمته وزارة الثقافة يوم الاربعاء 14 أكتوبر بالمسرح البلدي بالعاصمة ليؤكد على أهمية الشعر باعتباره «نواة الحياة» مضيفا انّ كل ما وجدته الثورة هو الشعر.. الشعر الممزوج بعذابات الوطن.. الشعر مطبوعا ومقروءا ومغنّى... وكل بيت شعري تردده الجماهير في تونس وعلى طول الخريطة العربية يطيل في إيمانها بحتمية النصر ويقلل من خوفها من الحرية والانعتاق».
كما عرّج أولاد أحمد عن المرض «التافه» الذي أصابه نازعا قبعته الايرلندية من على رأسه وقائلا: «صحيح فقدتُ الشَّعر.. لكنّي وجدت الشِّعر يرافقني».. وحيّى بالمناسبة الإطار الطبي الذي يشرف على مداواته..
وأضاف الصغير أولاد أحمد أنّ «تونس هي موضوع كتابته الوحيد.. شعرا ونثرا وكلاما ومشيا وحُلما وشرابا منذ انخراطي في الكتابة وإلى هذه اللحظة». وقال صاحب قصيد «نحب البلاد»: «أعلن على الملأ أنّني أحبكم، وأنّني سأحبكم بالقدر الذي تحافظون فيه على كيان تونس: تونس الموجودة على ضفاف البحر المتوسط وليس تونس الموجودة في صحاري القارة الآسيوية أو داخل بعض المخيلات العجيبة الخطرة».
واعتبر صاحب «القيادة الشعرية للثورة التونسية» أنّ «هذا التكريم الرسمي، الذي سبقه اعتراف شعبي واسع خير دليل على أنّ الشعوب تخيّر رحابة النصوص التي تتغنى بحق الحياة على انغلاق النصوص التي تتغنى بواجب الموت ما بعد الحياة وأثناء الحياة كذلك»..
وقد جاءت هذه الكلمة الافتتاحية بمثابة البيان الذي أعلن فيه أولاد أحمد ثوابته آلا وهي تونس والشعر. وقد لاقى بيان الصغير أولاد أحمد استحسان جمهور المسرح البلدي الذي غصت أدراجه بمحبي الشعر وبناس السياسة والإعلام والثقافة وغيرهم من العامة بين شباب وكهول...
وبكثير من الحب، تداولت على الركح مجموعة من المبدعين الذين احتفوا بالصغير أولاد أحمد سليل الأرض التونسية وعاشقها الأزلي.. وقد تولى تقديم الحفل الإعلامي مكي هلال الذي خص الشاعر بمجموعة من القصائد قبل أن يتغنى الفنان جمال قلة بعوده بأشعار أولاد أحمد.
ثمّ صعدت على الركح الفنانة نسرين الدقداقي لتقدم قصيد «إلهي أعنّي عليهم» من خلال مسرحة مميزة لاقت استحسان الحضور. وبين الكلمة واللحن، قدمت الفنانة التشكيلية نجاة الغريسي منحوتة حديدية زرقاء قد ترمز للصغير أولاد أحمد رجل المدينة الخالد الذي لا يمكن أن تنساه لا تونس ولا أبناؤها.
ولأنّ للصغير أولاد أحمد مواقف سياسية معروفة لدى القاصي والداني كان قد عبّر عنها في عدّة وسائل إعلام عربية، تمّ بث مقطعي فيديو من حوارات أدلى بها الشاعر وقال فيها موقفه على سبيل المثال من بورقيبة الذي وصفه بالتقدمي.
ومن ثمّ تولى الشاعران زياد عبد القادر وآدم فتحي تقديم مجموعة من القصائد تلتهما ومضة مسرحية قدمها الفنان جمال مداني الذي كان بمثابة «شبح الأوبرا» الذي لا يغيب عن الركح، فهو أرضه الأولى والأخيرة.
أما موسيقيا، فقد تمّ بث مقطع فيديو للفنانة السورية فايا يونان التي أدت بكثير من الحماسة قصيد «نحب البلاد» في دار الأوبرا بدمشق.. ثم صعد على الركح الفنانان أمال الحمروني وخميس البحري ليقدما مجموعة من الأغاني الملتزمة التي تنتصر لقيم الحرية والانسانية وهي إحدى مقومات البحر الذي يحب موجه أولاد أحمد وكل فنان صادق في البلاد.
ولأنه لا يمكن أن ننهي المقال دون عودة لشعر الصغير أولاد أحمد، فقد اخترنا الأبيات التالية التي تؤكد مرّة أخرى تعلق ابن الخضراء بتونس، بلده الأم:
أكتب الآن نشيدي بدمي
لشهيد كان صوتي وفمي
لغد لم يأتني يا صاحبي منذ قرون
تونسي مرة واحدة
تونسي، دفعة واحدة، أو لا أكون.
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق