الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

مسرحية سوس لنزار السعيدي: خنّاڨة راك يا بلادي.. الحلمة فيك أضيق من عين الابرة


«آش تعمل المنامة في بلاد بيبانها مسكرة؟» هكذا تحدث صبري بطل مسرحية «سوس» للمخرج نزار السعيدي والتي عرضت يوم السبت 17 أكتوبر بقاعة الفن الرابع في إطار الدورة 17 لأيام قرطاج المسرحية. «بلاد بيبانها مسكرة، ناسها بعضهم موجوعين وبعضهم ملتاعين، بلاد تدفع بولادها الى الاجرام أو الانتحار أو الجنون».. هذه هي البلاد التي صوّرها المخرج نزار السعيدي في مسرحية «سوس» التي صاغ نصها الكاتب عبد الوهاب الملوّح وأنتجها مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة.
ومن خلال قصة الشاب صبري الذي يُقاد الى مستشفى الأمراض النفسية بعد ارتكابه لثلاث جرائم قتل، تنقل مسرحية «سوس» وقائع من مجتمع مريض انسدت فيه الآفاق وطغت عليه المصلحية ليصبح شبيها بمربع أسود نخرته الديدان... أشلاء مجتمع وبقايا وطن رتع فيه المهربون وتشابكت فيه مصالحهم مع المتشددين الدينيين وتحالف فيه الأمنيون مع السياسيين خدمة لمصالح بعضهم البعض. مؤشرات لا يمكن أن تنبئ بخير بل تذهب كلّها في اتجاه عدمية مؤكدة..
يقف الشاب صبري عاريا متجردا من صفات هذا المجتمع المتهاوي ليكون شاهدا على نفسه وعلى الآخرين.. أفلا يُجسد حالة الانهيار التي يعيشها وطنه؟ يشهد صبري على تفشي البطالة بين حاملي الشهائد العليا وعلى انخراط ابناء جيله في التيارات الظلامية العنيفة... يشهد على لغة الأحزاب السياسية المضروبة، على خور ناسها، وعلى الفساد الذي نخر الأمن وقضى على الاقتصاد فلم يبق فيه سواء المهربين... 
تتخمر الأفكار في رأسه، أفكار سوداء من مجتمع فقد قيمه وضلّ الطريق.. يفقد صبري شعوره بالإنسانية، ويتحول الى طائر بطريق يبحث عن أفق جديد أو إلى هيكل شبيه بالديدان التي تواصل زحفها على المدينة.
ومن خلال مشهدية مميزة أشرفت عليها مصممة الكوريغرافيا نوال سكندراني، تتلون المدينة بالقتامة ويتشح ناسها بالسواد، فيبدو مجتمع صبري مجتمعا موبوءا محكوم على أفراده بالهلاك العاجل أو الآجل، فإمّا ينخرطون في «اللعبة الكبرى»، لعبة الفساد والظلامية ونهب ثروات البلاد أو يرفضون تلك اللعبة فيكون مصيرهم إمّا الإجرام أو الانتحار أو الجنون. ذلك هو الطريق الملغوم الذي يهديه المجتمع لمن يرفض الانخراط في لعبته الكبرى... 
وعبر هذه التيمات الانسانية، تبرزُ الرؤية النقدية للكاتب عبد الوهاب الملوّح للمجتمع الذي نعيش فيه، فكيف للبشر الواحد ان يصمد في وجه هذه اللعبة؟ كيف له أن يحلم، أن يُبدع أن يُحقق ذاته وقد انغلقت ثنايا الانسان لينقلب البلد الى متاهة كئيبة ذات ملامح سوداء؟ هذه هي الأسئلة الجوهرية التي طرحتها مسرحية "سوس" بلغة جمالية مميزة جمعت بين عطاء الممثلين على الركح وبين المؤثرات البصرية الفريدة.
على أسود البلد اللامتناهي، وهو لون البلد الذي ترسخ في مخيلتنا من مسرحية "سوس"، يستلقي صبري أمام المصدح فيعبّر عن حبّه وخيبته من بلده قائلا: «الى المسماة بلادي.. سامحيني كان حبيتك وكرهتيني.. سامحيني اذا ماقدرت نفك حروفي والوردة ذبلت في كفوفي.. سامحيني اذا في وجهك سبيتك وفي طريق المرواح سبقتني الدمعة وقلت حبيتك... ضيقة الحلمة... خنّاڨة يابلادي.. فيك الكلمة حراڨة.. مانيش تنبرى والحلمة فيك اضيق من الابرة... سامحيني يا بلادي بحرك غارق نداني حارق... حبيت فيك نوطن عروقي... نمد وديان حامله فيك تتمد»...
هكذا علا صوت صبري، في المشهد الأخير للمسرحية، مناجيا وموجوعا وكأنّه يحاول لملمة جراحه بموسيقى الكلمات، فقد تكون هي الشيء الوحيد الذي تبقى على هذه الأرض بعد خراب الروح والوطن. "خنّاڨة راك يا بلادي... الحلمة فيك أضيق من عين الابرة"...
الجذاذة الفنية لمسرحية "سوس"
* مدة العرض: 80 دقيقة
* اللغة : عربية (الدارجة)
* مدير الإنتاج: الهادي عباس
* تأليف : عبد الوهاب ملّوح
* إخراج : نزار السعيدي
* كوريغرافيا : نوال الإسكندراني
* تمثيل : - محمد ساسي القطاري - حمزة بنداود - عادل رابح - عواطف مبارك - حسن ربح - كمال بوعزيزي - منال بنسعيد - إيمان مماش - الأسعد حمدة - محمد السعيدي - عبد الرزاق صخراوي

شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق