أليس عون النظافة تونسيا ككل التونسيين؟ ألم يحلم في صغره كبقية أترابه بأن يصبح طبيبا أو طيارا؟ لماذا يشكل اليوم حلقة من أضعف الحلقات في مجتمعنا؟ هذا بعض من الأسئلة التي طرحتها مسرحية «سلفي» التي تمّ تقديم عرضها الأول يوم الجمعة 9 أكتوبر بقاعة المونديال بالعاصمة.
ورغم جديّة الطرح ، فإنّ روح الفكاهة لم تغب عن المسرحية بل كانت حاضرة طوال مختلف مراحل هذا العمل المميز الذي سهر على إعداده الثلاثي أحمد عامر على مستوى النص وطاهر عيسى بالعربي على مستوى الإخراج وإكرام عزوز على مستوى التمثيل..
وتروي المسرحية قصة عون نظافة يُدعى صالح مرغاد تتهمه السلطات الأمنية بتهديد أمن الدولة وبالإعداد لعملية إرهابية. يتم إلقاء القبض على البطل لتنطلق رحلته مع ماضيه، طفولته ثمّ فشله في الدراسة ومنها تجربته في مكتب التشغيل ثمّ التحاقه بسلك أعوان النظافة.
ومن خلال تفاصيل حياة صالح مرغاد يعانق المتفرج «قصتنا التونسية الجماعية» تلك التي تجتمع فيها قواسمنا المشتركة ومميزات الشخصية التونسية، فيتماهى معها ويشاهد نفسه على الركح رغم اختلاف المسارات والثنايا.
ومن اللوحات التي شدت انتباهنا ولاقت استحسان الجمهور الحاضر في عرض الافتتاح تلك التي يتداخل فيها الحلم مع الحقيقة ويستفيق فيها إكرام عزوز على مدينة نظيفة، منظمة تماما عكس ما نراه اليوم من تكدس للفضلات ومن عدم احترام لإشارات المرور وتبادل للعنف وغيرها.. فقد هُدم سجن الإيقاف ببوشوشة وتوّحد المغرب العربي وساد الاحترام بين الجميع وغابت القاذورات من الشوارع وهي كلّها مواقف ساخرة قدّمها إكرام عزوز بكثير من الضمار وخفة الروح...
غير أنّ لمسرحية «سلفي» ميزة أخرى أبعد ممّا يبدو ظاهرا للعيان، فهذا العمل يذكرنا ونحن مصابون بداء النسيان -في غالب الأحيان- أنّ عون النظافة الذي يشتغل في ظروف صعبة ويكابد البرد وحرارة الطقس كما يعاني من قساوة البعض ليس الا واحدا منا، كان طفلا يحلم بمستقبل واعد ككل التونسيين قبل أن تلفظه ظروف الحياة فيجد نفسه مضطرا لممارسة هذا العمل الهام والحيوي مقابل دخل ضعيف لا يكفي لضمان الحياة الكريمة لعائلته.. فلماذا لا نفكر بمنطق العدالة الاجتماعية وبمنطق التضامن ونحن أبناء الشعب الواحد؟ قد تبدو المسألة طوباوية لكنّها أساسية إذا ما اردنا مراجعة أنفسنا..
ويمكن القول إنّ مسرحية «سلفي» انتهجت منحى «الانتصار للضعيف» وإزالة الغشاء الذي يغطي أعين العديد منا.. فعندما تدعو السلطات الأمنية عون النظافة صالح مرغاد للتحقيق معه حول انتمائه لخلية إرهابية، نفهم أنّ الحلقة الأضعف في المجتمع هي التي تدفع ـ دائما- الثمن في حين يتمتع من لهم «المال» أو «الجاه» بالاستثناءات وبالإعفاءات ومما طاب من التسهيلات...
ولايصال مختلف مضامين النص المسرحي، اعتمد المخرج طاهر عيسى بالعربي على تقنيات مختلفة منها تقنية الفيديو المعروض على الواجهة الخلفية للركح وكذلك اللوحات الراقصة التي أثثت محيط عون النظافة صالح مرغاد وجعلت الركح متحركا يثير المتابعة والاهتمام بعيدا عن كل أشكال الجمود..
بين الأسلوب الفكاهي والطرح الجدي، توفقت مسرحية «سلفي» في تمرير عدة رسائل مجتمعية جوهريّة تتعلقّ بغياب العدالة الاجتماعية وبالظلم الذي يتعرض له ضعاف الحال، كل ذلك بلغة كوميدية محبذة تنفذ للدواخل وتدعو للتفاعل. ويمكن القول إنّ مسرحية «سلفي» ترد الاعتبار لمهنة «عون النظافة» بأسلوب فني ظريف يصالح الجمهور مع المسرح ويُرغّبه في مزيد متابعة الأعمال الهادفة والهزلية في آن.
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق