الأحد، 19 يناير 2014

المخرج طاهر عيسى بن العربي: أكبر جريمة فــــي تاريخ تونس أن تقتل الـدولة الثقافة


• اغتيال شكري بلعيد وحرق مقامات الأولياء الصالحين ليسا إلاّ حرقا لتــونــــس
• بلادنا مع الأسف لا تعترف بكبار فنانيها
• الـمــــاء فــي وزارة الثقــافـة «قـاعد يـفـيّع»
• لـماذا يقتـلـون الشـاذلـي العرفاوي وجعـفـر القاسمـي؟
يوم 28 ديسمبر من السنة المنقضية، أشعّت  قاعة المونديال بالعاصمة بنور خاص من نوعه بمناسبة احتضانها لعرض «مبيتة رجال الكاف»، 
الذي تداخلت فيه موسيقى العيساوية بتصور ركحي أكثر من مميّز حيث طغت على الخشبة مشهدية إبداعيّة قطعت أنفاس الحاضرين بما فيها من عبق الماضي وحرارة الألوان والأصوات.. وكان لابد لنا أن نحاور مخرج هذا العمل طاهر عيسى بن العربي وهو خريج المعهد العالي للمسرح، مخرج وممثل شارك منذ 1990 في عدة أعمال فنية مع فاضل الجزيري ولطفي الدزيري وبشير الدريسي وحسن المؤذن.. وقد تطرّق  الطاهر إلى موقفه مما يحدث في تونس من حرق لمقامات الأولياء الصالحين ومن تجاهل للفنانين وغيرها من المواضيع تكتشفونها في هذا الحوار…
لو أعطيتنا فكرة عن عرض «مبيتة رجال الكاف»؟
هو عمل فرجوي موسيقي صوفي انطلق في إعداده محمد طاهر خيرات وعماد المديوني عن فكرة لشيخ العيساوية عادل بن عليّة قبل أن استلم المشعل… وقد اخترت مجموعة من مدحات الأولياء الصالحين من كتاب سفينة العيساوية ورتبتها في كتابة موسيقية انطلقت من الاستهلال والترحيب بالجمهور، وصولا الى المدحات التي استحضرت عدة أولياء صالحين منهم  قطب كبير للعيساوية الا وهو سيدي بن عيسى..
وعنوان العرض، ما القصد منه؟
أولا أشير إلى أنّه ليس هناك أي إقصاء للنساء، فعدة نساء شاركن في هذا العمل، والعنوان يرمز الى الارتباط الذي كان قائما بين الأغاني الصوفية والنضال ضدّ الاستعمار… ففي جلسات التصوّف الرجالية يتمّ استحضار روح الأولياء وذكرياتهم للاستعانة بقوتهم وبخصالهم لمواجهة العدو… ولا ننسى أنّ الكاف مثلت مركزا للفن وللتصوف وللنضال.. ويحز في نفسي اليوم ألاّ يوجد فيها أي مشروع اقتصادي.. شخصيا أدافع عن تراث الكاف وأسعى للمحافظة عليه حتى لا يندثر…
هل يمثل هذا العرض نوعا من التحدي بالنسبة للذين اعتدوا على مقرات الأولياء الصالحين؟
اغتيال شكري بلعيد، أو حرق مقام لولي صالح ليسا الا «حرقا لتونس».. أتساءل لماذا توقفت التحريات بخصوص اليد التي اجرمت في حق تاريخ البلاد وعمدت الى حرق اكثر من 400 مقام لولي صالح؟ هل تعرفون أن السودان الذي كان يمثل معقلا من معاقل التصوف في العالم العربي، فقد كل مقاماته بعد أن تمّ حرقها، وحتى مقامات الصحابة حرقوها!!
رفعت اذا هذا التحدي..
نعم رفعت هذا التحدي بفخر لأنّي أدافع عن تونس وعن تاريخ تونس.. مع الأسف ظاهرة حرق المقامات مرت مرور الكرام.. والخطير أنّهم حرقوا المقامات أمس، وغدا سيحرقون المسرح، وبعد غد الأعراس وكل ما له علاقة بالتنوير الفكري.. الفن ليس إلا جزءا من تطبيق الطقوس الانسانية، وهم يريدون قتله بتعلة أنّه حرام!! بالنسبة لي حرق مقامات الأولياء الصالحين جريمة لا تغتفر لأنّها في مستوى الاغتيالات السياسية: الفضاء أو الشخصة يمثلان واجهتين لنفس الشيء…
انتقد بعض المتفرجين عرضك، لماذا؟
بعض الأشخاص رأوا في المناجاة شركا بالله وهذا غير صحيح بالمرّة لأنّ كل خطوة في العرض كانت مدروسة ومدققة… ومن جهة أخرى يعرف كلّنا أنّ الأولياء ليسوا وسطاء بين الإنسان والإله، فلا مجال إذا الى أي شرك.. نقطة أخرى أريد أن أرّكز عليها وهي أنّ الأولياء عانوا من ظلم الساسة ومن الفقر والسجن وكانوا بمثابة الرواد… فسيدي محرز خدم بلاده وسيدي بلحسن، من يقدر على نكران الدور الذي لعبه، وسيدي بوسعيد أيضا تحدى الاستعمار.
وبصفة أعمّ، ليس لديّ أي مشكل مع السلفية، بالعكس يجب محاورة السلفيين.. كما لا يجب الرد على العنف بالعنف بل الاقتداء بغاندي وبالسلام الذي نادى به.. أمّا بالنسبة للمتشدّدين فيجب أن نكون واعين أنّهم ليسوا الا ضحايا الجهل والفقر.
وزارة الثقافة كيف ترى عملها وهل هي قريبة من الفنانين الشبان؟
المشكل «إنو الماء قاعد يفيّع» وهناك أسماء تتخبط بين الأمواج… فانظري إلى جعفر القاسمي مثلا الذي بامكانه تقديم أعمال مسرحية من قيمة أعمال الجعايبي، انظري الى عديد الأسماء المسرحية الشابة الأخرى التي لم تجد التشجيع ولا الدعم من وزارة الثقافة.. لماذا ندفع بمخرج من قيمة الشاذلي العرفاوي إلى إخراج  الوان مان شو؟ «لماذا نقتل مبدعينا؟».. أين هي الدولة، أين هي وزارة الثقافة؟ تتكلم مع الوزير فيقول لك: ما فيباليش واللجان تدافع عن مصالح شخصية والنقابة تدافع عن الوزارة.
في كلامك أسف وألم على الطريقة التي يُعامل بها الفنانون في تونس؟
بلادنا مع الأسف لا تعترف بطاقاتها الشابة ولا بكبار فنانيها.. ففضلا عن الأسماء الشابة التي ذكرتها، لا أحد بإمكانه أن ينكر قيمة سمير العقربي وقيمة الفاضل الجزيري الذي أتمنى له الشفاء، فكيف لتونس ألا تضعهم في بؤبؤ العين.. من لا يعترف بآبائه لا يمكنه مواصلة المسيرة… نفس الشيء بالنسبة للفاضل الجعايبي ولمحمد ادريس.. هم كبار بأتم معنى الكلمة…
ترى أنّ هناك ارتجالا قد يصل الى حدّ الجريمة إذن..
مشروع الدولة الثقافي غير واضح بل لنقل إننا نعيش اشكالا كبيرا يتمثل في غياب مشروع ثقافي على مدى سنوات.. وفضلا عن هذا نعاني من الارتجال اليومي في كل الإدارات المختصة على المستوى الفني والثقافي.. فالمشاكل لا تقتصر على الدعم، بل هنا عدّة ملفات على الطاولة وعلى رأسها مشكلة البحث العلمي الموسيقي وصيانة التراث وغيرهما… ولنقلها بصراحة، لو واصلت وزارة الثقافة خدمة أجندات سياسية ضيقة فعلى الدنيا السلام…
إنّ أكبر جريمة في تاريخ  تونس أنّنا نتجاهل الثقافة ولا نستحضرها الا في إطار تعبوي ضيق.. الثقافة أساسية في بناء الدولة وفي بناء مستقبل البلاد.
ماهو جديد طاهر عيسى بن العربي؟
أستعد لتقديم عمل مسرحي يشارك فيه 15 ممثلا وعنوانه «embouteillage».. منذ 6 أشهر والعمل متوقف لأنّي أنتظر الدعم.. لكني متأكد أنّ هذه المسرحية سترى النور قريبا… كما أحلم بإنجاز عمل حول فن «القصبة» الذي يمثل قاسما مشتركا بين بلدان شمال إفريقيا، وهو فن بصدد الاندثار خاصة بعد وفاة زليخة واسماعيل الحطاب وبقار حدة وغيرهم من الكبار…
وأعتقد أنّنا بحاجة إلى الاهتمام بالرقص التونسي  وبحاجة الى تجميع التراث في هذا المجال… بعد وفاة القلمامي، مازالت خيرة على قيد الحياة وهي من آخر حبات العنقود… وها هو رشدي بلقاسمي يقوم بمحاولات لكن ما عساه يفعل وحده؟
ماهي أمانيك لسنة 2014؟
أنا متأكد أنّ هذه البلاد التي مرّ عليها البرابرة والبيزنطيون والرومان لن يقدر أحد على المس من هويتها ومن التراكمات التي أحرزتها.. تونس نوميديا، سيفاكس، ماسينيسا، عليسة، حسان ابن النعمان، عقبة ابن نافع لن يقدر أحد عليها…
وحتى وإن سال الدّم، فإن ذلك لن يدوم.. لدي قناعة بأنّ تونس ستصمد أمام كل التهديدات التي ستواجهها.. تونس ستظل موّحدة ولن تكون أبدا غنيمة بيد أي كان… سيرحل كل من أراد الأذى لتونس، وإن لم يرحلوا فإنّ النضال سيجعلهم يرحلون.
حاورته: شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق