الخميس، 15 ديسمبر 2011

التفكير بدل التكفيــــر

هاتفني منذ أيّام أحد أقربائي ليروي لي «المصيبة» التي باتت تؤرقه بعد الإعلان عن نتائج انتخابات 23 أكتوبر.. فقد أسرّ لي بأنّ  بعض أفراد عائلته صاروا يعتبرونه «كافرا» لأنّه لم يصوّت للنّهضة التي تجسّد ـ في نظرهم ـ الإسلام والهويّة العربيّة..
وقد أحالتني هذه الواقعة على اعتصام باردو  إذ تمّ تصنيف المعتصمين فيه الى فئتين اثنتين: فئة حداثيّة «كافرة» وفئة محافظة «مسلمة» بما يؤكّد رغبة البعض في الزجّ بنا في متاهات وصراعات ايديولوجيّة  بعيدة كلّ البعد عن مطالب الشّعب التونسي الذي يرغب في القضاء على البطالة ويتطلّع إلى توزيع عادل للثروات وإلى الحقّ في الشغل والصحّة والكرامة..
وفي محاولة لتخفيف «مصابه» أكّدت لقريبي،  أنّ الذين صوّتوا للأحزاب المنافسة للنهضة مسلمون وهم لا ينتظرون «شهادة حسن سيرة دينيّة» من أنصار النهضة بل  منهم من قد يكون أكثر تقوى والتزاما بتعاليم الدّين من الذين  منحوا أصواتهم لهذا الحزب، وقد تكون أحزاب أخرى أقنعتهم أكثر ببرامجها الاقتصادية والاجتماعية فتعاطفوا معها.. كما لاحظت له أنّ البلدان التي يستشهد بها أقرباؤه على أنّها نماذج في التديّن والصّلاح غير خالية من الفساد..
ولعلّ السّؤال الذي يطرح نفسه بحدّة اليوم يتعلّق بمدى احترامنا، كتونسيين، لخصوصيّات شركائنا في هذا الوطن واختياراتهم وذلك انطلاقا من حرّية اللباس والإيديولوجيّة وصولا الى حرّية المعتقد..
علينا أن نكون في الظرف الرّاهن على درجة من الوعي وأن نعمل على نشر ثقافة «حقّ الاختلاف» إذ لا يجوز لأيّ طرف أن يقصي طرفا آخر مهما كانت درجة تناقضه الفكري أو الدّيني أو السياسي.
لقد آن الأوان لأن نعدّل الموازين بهدف وضع حدّ للغة الاقصاء والتكفير وهتك الأعراض ومن أجل إرساء تقاليد الإحترام والنقاش.. علينا أن نقلب ترتيب الحروف التي تكوّن كلمة «تكفير» لتصبح أجمل وأرقى وأنبل وهي «التفكير»، التفكير في مصلحة بلادنا وفي أولوياتها وفي البحث عن أفضل الحلول التي تضمن العيش الكريم لكل أبناء هذا الوطن..
وأنا بصدد كتابة هذا المقال، ألقيت نظرة على موقع الفايس بوك، ففوجئت بالمستوى المنحطّ وغير الأخلاقي الذي علّق به البعض على الأفكار التي وردت في  الحوار الذي أدلت به الصحفيّة نزيهة رجيبة لجريدة الصّباح الأسبوعي وعبّرت فيه عن موقفها من حزب المؤتمر الذي كانت تنتمي اليه وكذلك من حزب النّهضة.. فهل يستحي هؤلاء وهل يأتي اليوم الذي يفهمون فيه أنّنا لم نصنع من عجينة واحدة بل لكلّ منّا آراؤه وموافقه من أيّ موضوع كان..
لن تنفعنا لغة الشّارع ولا منطق التحقير والتقزيم ولغة اسفل الحزام في فضّ مشاكلنا ـ وكم هي عديدة ـ بل انّ اللحظة تقتضي أن نمدّ أيدينا الى بعضنا البعض وأن نفتح آذاننا على آخرها لكلّ الأفكار التي يمكن أن تفيد العباد والبلاد وان نفكّر ونفكّر ونفكّر حتى نهتدي للطريق السويّ لا ان نكفر ونكفر ونكفر لأنّنا بذلك سنضل الطريق..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق