في
الوقت الذي تزداد فيه الأوضاع في سوريا تأزما، تسعى المعارضة السورية
وأطياف من النخبة إلى إيجاد حلول وبدائل بعيدا عن كلّ تدخل عسكري خارجي...
بخصوص الوضع الراهن والتطورات الممكنة
حاورنا الباحث السياسي السوري وعضو «مبادرة الإصلاح العربي» سلام الكواكبي
الذي عبّر عن تفاؤله الحذر في ضوء المعطيات المتوفرة قائلا إنّ رفض
الإصلاح والإمعان في القمع طريقان يؤديان إلى حائط لا يمكن أن تحطمه الا
إرادة الشعب..
ما هي قراءتك للوضع الحالي في سوريا وللتطورات أو السيناريوهات الممكنة؟
انسانيا، الوضع مأسوي والحالة المعيشية في تدهور وعدد الضحايا من القتلي والجرحى يرتفع وكذلك عدد المعتقلين. سياسياً، هناك استعصاء محلي وعربي ودولي في إيجاد حل سياسي سريع. الأزمة السورية تتقاذفها مصالح إقليمية ودولية مختلفة، متقاطعة حيناً، ومتنافرة أحياناً أخرى. والأمر متوقع، فمتى كان صاحب البيت بالطبل ضاربا، فكل الجيران والمارين وحتى البعيدين، سيحاولون استغلال الفرصة أو مد اليد أو اللسان أو المساعدة أو التدخل أو الحماية أو إلخ. إخراج الأزمة من حلّها السوري هو مسؤولية الدولة السورية أولاً وأخيراً، ولا مسؤولية أيّة جهة أخرى.
وماهي مقترحات المعارضة السورية؟
المعارضة السورية ظلت تعرض حلولاً محلية منذ بدء الألفية الثانية ومدت يدها لأكثر من مرة لتلاقى بالصد وبالاعتقال. ومن المؤكد أن البلدان العربية التي تدعو النظام السوري للاستجابة لمطالب شعبه ليست واحات للديمقراطية وهدفها ليس بالضرورة حرية الشعب السوري وانتقاله إلى إدارة شؤون بلده بالأساليب الديمقراطية وبالتداول السلمي على السلطة وبالانتخابات الحرة.. هذا شيء، وإساءة الظن المطلقة واعتبار أن مجرد دعمها للتغيير هو سبب أساسي لرفض هذا التغيير، إنّما هو سذاجة سياسية وتخلّف تحليلي.
والجامعة العربية؟
الجامعة العربية تتخبط ويريحها تأخير موعد اتخاذ الموقف الواضح، وهي ليست وحدها في هذه الحالة، فالموضوع صعب ومعقد، وبالتالي، لا تمتلك الحلول. المهل تكررت وأصبحت مدعاة للسخرية من القاصي والداني. وهذا لا يعني أن الجامعة قادرة على الحسم، فدورها مستجد وهي بذلك تختلف عن الاتحاد الإفريقي الذي لديه مؤسسات وآليات فاعلة أكثر. الحل السوري ـ السوري كان متاحاً لمدة لا بأس بها كما ذكرت بداية. ثم هناك الحل السوري ـ العربي الذي يراوح بين بروتوكولات وشروط، وشروط على الشروط، وتحفظات على البروتوكولات المشروطة، وشروط على التحفظات.. وكأنها متاهات مدن الملاهي أو أحجيات الأطفال. أمّا التدويل فلا يعني التدخل الخارجي بالمفهوم العسكري أبداً. فالتدويل يمكن أن يتم عبر المنظمات الإنسانية غير الحكومية أو المنظمات الدولية أو مجلس الأمن أو الجمعية العامة. وهناك أشكال مخلفة لعملية التدويل والتدخل الخارجي ليس مطروحاً من قبل المعارضة السورية في شكله المباشر لأسباب عدّة، ثمّ إنّ رفض هذا التدخل مرتبط بتحليل منطقي حول عدم توقع حصوله في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة على المستوى الأوروبي على الأقل، والتجارب المؤلمة والتي نجمت عنها خسائر كبيرة أفغانيا وعراقيا وليبيا.
وموقف تركيا كيف ترونه؟
يجب أخذ الحذر التركي بجدية، تركيا معنية بشدة بالملف السوري وباستقرار الجار الأهم بالنسبة لها اقتصادياً واستراتيجياً وسياسياً. غير أنّ الملف الكردي ما زال يشكل للأتراك قلقاً واضحاً وقدرة السوريين على تحريكه تبدو للأتراك مصدر تهديد ولو نسبي. تركيا ليست قادرة، ولا ترغب، بأن تكون وحدها المسؤول عن إدراة عدم استقرار جارتها الجنوبية.
هل أنتم متفائلون بحلّ سلمي؟
التفاؤل بحلّ سلمي يفضي إلى تحقيق مطالب الشعب السوري، الذي استعاد السياسة ويبحث عن استعادة السيادة، يبقى حذراً في ضوء المعطيات المتوفرة. وفي المقابل، فإنّ التحليل المنطقي يقود إلى وجوب تحقق الحتمية التاريخية والتي تتعلق بمآل الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في دول عربية كتونس ومصر. رفض الإصلاح في البداية ومن ثم الإمعان في القمع، طريقان يؤديان إلى حائط مسدود لا يمكن أن تحطمه سوى إرادة شعبية كسرت حاجز الخوف بعد عقود من مصادرة الفضاء العام والتعبير.
كيف يمكن للشعب السوري أن يطوي صفحة «الـ9 أشهر الاخيرة» وما عاشه خلالها من ممارسات؟
الشعب السوري لديه طاقات انسانية وأخلاقية هائلة سمحت له بأن يستمر في احتجاجاته السلمية طوال هذه الفترة وستسمح بأن يمارس حريته بشكل واع وإيجابي دون انتقام وأن يتجاوز ذكريات هذه المرحلة القاسية التي يعيشها. وفي المقابل، يعتبر تطبيق العدالة الانتقالية هو أساس لكل تحول ناجح، وكذلك وضع أسس قويمة لإنصاف الضحايا وعائلاتهم وبناء قواعد المصالحة مع من اقترفت أيديهم أو ألسنتهم أو أموالهم الخطايا بحق الشعب الثائر. السوريون لم يمارسوا العنف بحق بعضهم البعض في تاريخهم الحديث. مورس بحقهم العنف من قبل قوى استعمارية، قوى احتلال، وأنظمة استبداد، ولكنهم ظلّوا موحدين متجانسين على الرغم، أو بفضل، تنوعهم الإثني والديني الذي تمت محاولة استغلاله من قبل القوى الثلاث السابق ذكرها لتأجيج الفرقة ومحاولة السيطرة على المجتمع.
دور المجتمع المدني السوري سيكون كبيراً في مرحلة إعادة البناء للخروج من عنق الزجاجة التي قبعت فيها سوريا منذ عقود.
ما هي قراءتكم لصعود تيارات الاسلام السياسي لسدة الحكم في تونس و مصر؟
من الجيد استخدام صيغة الجمع في السؤال حيث أن العادة أن يتم الحديث عن تيار الإسلام السياسي في البلدان العربية وهو غير موجود وإنما هناك تيارات متنوعة المقاصد والبرامج والطرائق. ففي تونس، يمكن اعتبار ما جرى انتصارا لتيار إسلامي وسطي ينأى بنفسه عن التطرف وعن الأحزاب المتطرفة في حديقته الخلفية مثل السلفيين وحزب التحرير. وفي هذا الإطار، فإن زعماء حركة النهضة مطالبون من قواعدهم قبل أن تتم مطالبتهم ممن يعادونهم فكراً، بأن يميّزوا أنفسهم بحق عن هذه التيارات ويبعدوا عن نفسهم شبهة، تتعزز بمقتضى بعض الأحداث، حول نوع من توزيع الأدوار والاستفادة السياسوية من خطاب متطرف لكي تُرفع عصا الطاعة أمام من يهاجم سياساتها.
أما الأخوان المصريون، فهم ليسوا في ذات موقع الوسطية التونسي، أو على الأقل، ليست قياداتهم التقليدية في هذا المكان. وهم قادرون، وربما راغبون، في عقد تحالفات على مستويات معينة مع الأحزاب السلفية المصرية. هذه الأحزاب التي ما فتئت تنأى بنفسها عن العمل السياسي، أو هكذا أدعت، والتي تعتبر بأن الانتخاب هو نوع من ممارسة الديمقراطية، وبالتالي، فهو نوع من المنكر حيث أن الديمقراطية بدعة غربية كافرة بعيدة عن مفهوم الشورى الديني، هذه الأحزاب إذا، انخرطت في العملية الانتخابية بهدف التأثير في مسار متحرك لا قدرة لها على إيقافه وإنما هي قادرة فقط على إبطائه أو تعديل اتجاهه. وهذه الأحزاب التي يمكن أن يقال عنها، وبلا أي تجن، بأنها تطور خطاباً ظلامياً متخلفاً يرفضه العقل الديني الواعي قبل أن تلفظه الأفكار العلمانية، تعتبر ظاهرة قروسطوية يُعاد إحياؤها في أرضٍ خصبة من الخيبات ومختلف أنواع الفشل للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي مرت بها.
تسعون إلى فتح مكتب "مبادرة الإصلاح العربي" في تونس, فما هي أهدافه؟
مبادرة الإصلاح العربي مؤسسة قائمة منذ ست سنوات تقريباً وهي تجمع خمسة عشر مركزاً بحثياً تعنى بشؤون الدمقرطة والإصلاح في العالم العربي، وجاء تأسيسها في محاولة للرد على مبادرات الإصلاح السياسي من الخارج والتي تبنتها الإدارة الأميركية بعد غزوها للعراق سنة 2003. وتتركز المبادرة على فكرة أن الإصلاح السياسي يأتي من قوى المجتمع العربي الحية من دون أن يكون مؤطراً أو محفّزاً من قوى خارجية. والمبادرة تنشر منذ ثلاث سنوات تقريراً عن حالة الإصلاح في البلدان العربية وتنظم المؤتمرات العلمية حول أمور الإصلاح وشجونه. ومن أهم مشاريعها البحثية التي تعمل عليها منذ سنوات أيضاً، مشروع إصلاح القطاع الأمني المرتبط عضوياً بالإصلاح السياسي. ونحن نتبين الآن ضرورة هذا الملف في الحالتين التونسية والمصرية. حيث الاستفادة من الحوار الصريح بين كل الجهات المعنية من قطاع أمني إلى منظمات حقوقية ومروراً بالإعلام، وهي ضرورة لا غنى عنها للوصول بالقطاع الأمني إلى تغيير عقيدة لازمته طوال عقود وارتبطت بحماية النظام، ليصبح قطاعاً أمنيا يعمل على حماية القانون في دولة القانون.
ولقد افتتحت المبادرة مكتباً لها في القاهرة لمواكبة عملية التحول الديمقراطي، وهي تقوم حالياً على مأسسة وجودها في تونس لكي تعمل أيضاً إلى جانب المنظمات التونسية غير الحكومية والمؤسسات العلمية على إطلاق برامج بحثية في مجالاتها التي سبق ذكرها وفي مجالات جديدة يمكن أن يتم استنباطها من خلال التعاون مع الأخوات والأخوة في تونس.
شيراز بن مراد
ما هي قراءتك للوضع الحالي في سوريا وللتطورات أو السيناريوهات الممكنة؟
انسانيا، الوضع مأسوي والحالة المعيشية في تدهور وعدد الضحايا من القتلي والجرحى يرتفع وكذلك عدد المعتقلين. سياسياً، هناك استعصاء محلي وعربي ودولي في إيجاد حل سياسي سريع. الأزمة السورية تتقاذفها مصالح إقليمية ودولية مختلفة، متقاطعة حيناً، ومتنافرة أحياناً أخرى. والأمر متوقع، فمتى كان صاحب البيت بالطبل ضاربا، فكل الجيران والمارين وحتى البعيدين، سيحاولون استغلال الفرصة أو مد اليد أو اللسان أو المساعدة أو التدخل أو الحماية أو إلخ. إخراج الأزمة من حلّها السوري هو مسؤولية الدولة السورية أولاً وأخيراً، ولا مسؤولية أيّة جهة أخرى.
وماهي مقترحات المعارضة السورية؟
المعارضة السورية ظلت تعرض حلولاً محلية منذ بدء الألفية الثانية ومدت يدها لأكثر من مرة لتلاقى بالصد وبالاعتقال. ومن المؤكد أن البلدان العربية التي تدعو النظام السوري للاستجابة لمطالب شعبه ليست واحات للديمقراطية وهدفها ليس بالضرورة حرية الشعب السوري وانتقاله إلى إدارة شؤون بلده بالأساليب الديمقراطية وبالتداول السلمي على السلطة وبالانتخابات الحرة.. هذا شيء، وإساءة الظن المطلقة واعتبار أن مجرد دعمها للتغيير هو سبب أساسي لرفض هذا التغيير، إنّما هو سذاجة سياسية وتخلّف تحليلي.
والجامعة العربية؟
الجامعة العربية تتخبط ويريحها تأخير موعد اتخاذ الموقف الواضح، وهي ليست وحدها في هذه الحالة، فالموضوع صعب ومعقد، وبالتالي، لا تمتلك الحلول. المهل تكررت وأصبحت مدعاة للسخرية من القاصي والداني. وهذا لا يعني أن الجامعة قادرة على الحسم، فدورها مستجد وهي بذلك تختلف عن الاتحاد الإفريقي الذي لديه مؤسسات وآليات فاعلة أكثر. الحل السوري ـ السوري كان متاحاً لمدة لا بأس بها كما ذكرت بداية. ثم هناك الحل السوري ـ العربي الذي يراوح بين بروتوكولات وشروط، وشروط على الشروط، وتحفظات على البروتوكولات المشروطة، وشروط على التحفظات.. وكأنها متاهات مدن الملاهي أو أحجيات الأطفال. أمّا التدويل فلا يعني التدخل الخارجي بالمفهوم العسكري أبداً. فالتدويل يمكن أن يتم عبر المنظمات الإنسانية غير الحكومية أو المنظمات الدولية أو مجلس الأمن أو الجمعية العامة. وهناك أشكال مخلفة لعملية التدويل والتدخل الخارجي ليس مطروحاً من قبل المعارضة السورية في شكله المباشر لأسباب عدّة، ثمّ إنّ رفض هذا التدخل مرتبط بتحليل منطقي حول عدم توقع حصوله في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة على المستوى الأوروبي على الأقل، والتجارب المؤلمة والتي نجمت عنها خسائر كبيرة أفغانيا وعراقيا وليبيا.
وموقف تركيا كيف ترونه؟
يجب أخذ الحذر التركي بجدية، تركيا معنية بشدة بالملف السوري وباستقرار الجار الأهم بالنسبة لها اقتصادياً واستراتيجياً وسياسياً. غير أنّ الملف الكردي ما زال يشكل للأتراك قلقاً واضحاً وقدرة السوريين على تحريكه تبدو للأتراك مصدر تهديد ولو نسبي. تركيا ليست قادرة، ولا ترغب، بأن تكون وحدها المسؤول عن إدراة عدم استقرار جارتها الجنوبية.
هل أنتم متفائلون بحلّ سلمي؟
التفاؤل بحلّ سلمي يفضي إلى تحقيق مطالب الشعب السوري، الذي استعاد السياسة ويبحث عن استعادة السيادة، يبقى حذراً في ضوء المعطيات المتوفرة. وفي المقابل، فإنّ التحليل المنطقي يقود إلى وجوب تحقق الحتمية التاريخية والتي تتعلق بمآل الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في دول عربية كتونس ومصر. رفض الإصلاح في البداية ومن ثم الإمعان في القمع، طريقان يؤديان إلى حائط مسدود لا يمكن أن تحطمه سوى إرادة شعبية كسرت حاجز الخوف بعد عقود من مصادرة الفضاء العام والتعبير.
كيف يمكن للشعب السوري أن يطوي صفحة «الـ9 أشهر الاخيرة» وما عاشه خلالها من ممارسات؟
الشعب السوري لديه طاقات انسانية وأخلاقية هائلة سمحت له بأن يستمر في احتجاجاته السلمية طوال هذه الفترة وستسمح بأن يمارس حريته بشكل واع وإيجابي دون انتقام وأن يتجاوز ذكريات هذه المرحلة القاسية التي يعيشها. وفي المقابل، يعتبر تطبيق العدالة الانتقالية هو أساس لكل تحول ناجح، وكذلك وضع أسس قويمة لإنصاف الضحايا وعائلاتهم وبناء قواعد المصالحة مع من اقترفت أيديهم أو ألسنتهم أو أموالهم الخطايا بحق الشعب الثائر. السوريون لم يمارسوا العنف بحق بعضهم البعض في تاريخهم الحديث. مورس بحقهم العنف من قبل قوى استعمارية، قوى احتلال، وأنظمة استبداد، ولكنهم ظلّوا موحدين متجانسين على الرغم، أو بفضل، تنوعهم الإثني والديني الذي تمت محاولة استغلاله من قبل القوى الثلاث السابق ذكرها لتأجيج الفرقة ومحاولة السيطرة على المجتمع.
دور المجتمع المدني السوري سيكون كبيراً في مرحلة إعادة البناء للخروج من عنق الزجاجة التي قبعت فيها سوريا منذ عقود.
ما هي قراءتكم لصعود تيارات الاسلام السياسي لسدة الحكم في تونس و مصر؟
من الجيد استخدام صيغة الجمع في السؤال حيث أن العادة أن يتم الحديث عن تيار الإسلام السياسي في البلدان العربية وهو غير موجود وإنما هناك تيارات متنوعة المقاصد والبرامج والطرائق. ففي تونس، يمكن اعتبار ما جرى انتصارا لتيار إسلامي وسطي ينأى بنفسه عن التطرف وعن الأحزاب المتطرفة في حديقته الخلفية مثل السلفيين وحزب التحرير. وفي هذا الإطار، فإن زعماء حركة النهضة مطالبون من قواعدهم قبل أن تتم مطالبتهم ممن يعادونهم فكراً، بأن يميّزوا أنفسهم بحق عن هذه التيارات ويبعدوا عن نفسهم شبهة، تتعزز بمقتضى بعض الأحداث، حول نوع من توزيع الأدوار والاستفادة السياسوية من خطاب متطرف لكي تُرفع عصا الطاعة أمام من يهاجم سياساتها.
أما الأخوان المصريون، فهم ليسوا في ذات موقع الوسطية التونسي، أو على الأقل، ليست قياداتهم التقليدية في هذا المكان. وهم قادرون، وربما راغبون، في عقد تحالفات على مستويات معينة مع الأحزاب السلفية المصرية. هذه الأحزاب التي ما فتئت تنأى بنفسها عن العمل السياسي، أو هكذا أدعت، والتي تعتبر بأن الانتخاب هو نوع من ممارسة الديمقراطية، وبالتالي، فهو نوع من المنكر حيث أن الديمقراطية بدعة غربية كافرة بعيدة عن مفهوم الشورى الديني، هذه الأحزاب إذا، انخرطت في العملية الانتخابية بهدف التأثير في مسار متحرك لا قدرة لها على إيقافه وإنما هي قادرة فقط على إبطائه أو تعديل اتجاهه. وهذه الأحزاب التي يمكن أن يقال عنها، وبلا أي تجن، بأنها تطور خطاباً ظلامياً متخلفاً يرفضه العقل الديني الواعي قبل أن تلفظه الأفكار العلمانية، تعتبر ظاهرة قروسطوية يُعاد إحياؤها في أرضٍ خصبة من الخيبات ومختلف أنواع الفشل للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي مرت بها.
تسعون إلى فتح مكتب "مبادرة الإصلاح العربي" في تونس, فما هي أهدافه؟
مبادرة الإصلاح العربي مؤسسة قائمة منذ ست سنوات تقريباً وهي تجمع خمسة عشر مركزاً بحثياً تعنى بشؤون الدمقرطة والإصلاح في العالم العربي، وجاء تأسيسها في محاولة للرد على مبادرات الإصلاح السياسي من الخارج والتي تبنتها الإدارة الأميركية بعد غزوها للعراق سنة 2003. وتتركز المبادرة على فكرة أن الإصلاح السياسي يأتي من قوى المجتمع العربي الحية من دون أن يكون مؤطراً أو محفّزاً من قوى خارجية. والمبادرة تنشر منذ ثلاث سنوات تقريراً عن حالة الإصلاح في البلدان العربية وتنظم المؤتمرات العلمية حول أمور الإصلاح وشجونه. ومن أهم مشاريعها البحثية التي تعمل عليها منذ سنوات أيضاً، مشروع إصلاح القطاع الأمني المرتبط عضوياً بالإصلاح السياسي. ونحن نتبين الآن ضرورة هذا الملف في الحالتين التونسية والمصرية. حيث الاستفادة من الحوار الصريح بين كل الجهات المعنية من قطاع أمني إلى منظمات حقوقية ومروراً بالإعلام، وهي ضرورة لا غنى عنها للوصول بالقطاع الأمني إلى تغيير عقيدة لازمته طوال عقود وارتبطت بحماية النظام، ليصبح قطاعاً أمنيا يعمل على حماية القانون في دولة القانون.
ولقد افتتحت المبادرة مكتباً لها في القاهرة لمواكبة عملية التحول الديمقراطي، وهي تقوم حالياً على مأسسة وجودها في تونس لكي تعمل أيضاً إلى جانب المنظمات التونسية غير الحكومية والمؤسسات العلمية على إطلاق برامج بحثية في مجالاتها التي سبق ذكرها وفي مجالات جديدة يمكن أن يتم استنباطها من خلال التعاون مع الأخوات والأخوة في تونس.
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق