الخميس، 12 يناير 2012

"صاحب الحمار" للفاضل الجزيري في افتتاح الدورة 15 لأيّام قرطاج المسرحية: الشعب.. الشعب.. ولا شيء غير الشعب

لقد استعصى على من حضر عرض افتتاح الدورة الخامسة عشرة لأيام قرطاج المسرحية، متابعة مسرحية «صاحب الحمار» للمسرحي فاضل الجزيري... فقد شهد العرض عثرات تقنية عديدة على مستوى الصوت ولم يتسنّ للمتفرجين تبين فحوى حوارات الممثلين، هذا فضلا عن النشاز الذي أحدثه بعض الحاضرين، فبحجة أنّهم لم يستسيغوا المسرحية، راحوا يكيلون التهم للفاضل الجزيري بطريقة اقل ما يمكن ان يقال فيها انّها فجّة وخالية من الحياء...
ورغم هذه العوائق نعترف بأنّ الفاضل الجزيري قدم عرضا مسرحيا ثوريا يقطع مع العروض الكلاسيكية وذلك على مستوى توزيع الأدوار والتنافذ بين الماضي و الحاضر... فقد قام الجزيري بتحويل وجهة البطولة من المفرد إلى الجمع، اذ لم تكن الشخصية الرئيسية للمسرحية ـ كما انتظرنا ـ «ابو يزيد صاحب الحمار» الذي قاد في عاصمة الفاطميين المهدية ـ في القرن التاسع ميلادي ـ ثورة ضد الفقر والظلم ثم انحرف بها ليصبح طاغية يقمع ويسفك الدماء، بل كانت «الشعب» أوتلك الطائفة من الشعب التي ساندت «ابو يزيد» في ثورته والتي اختار الجزيري أن يسلّط عليها الأضواء، ولتجسيد هذه الفكرة استنجد المخرج بقرابة 150 ممثلا شكلوا ذلك «الجسد الواحد» الذي سخط وثار وحارب وشيّع الجنازات ومثل في المحاكمات وكأن بالفاضل الجزيري يريد من خلال هذا التمشي تكريم الشعوب الثائرة في المنطقة العربية والتي أضحت صانعة الحدث وصاحبة الكلمة.
أما في ما يخص التنافذ بين الماضي و الحاضر، فقد سعى الجزيري إلى تذكيرنا بحقيقة سرمدية وهي أنّ التاريخ تكرار مستمر، إذ قامت الثورات العربية بعد مرور أكثر من إحدى عشر قرنا على ثورة «صاحب الحمار»، وأيضا بأنّ معارك الإنسان ضد الفقر ونضاله من أجل العدالة والمساواة قضايا أبديّة لم تجد لها لا الحكمة ولا الأزمان الحلول النهائية... وفي هذا السياق لم يحرم الجزيري نفسه من "اسقاطات زمنية خيالية" تداخلت فيها الأحداث والأقوال والأفعال بطريقة تفاجىء المشاهدين إلى حدّ صدمهم... هذا فضلا عن الشخصيات الطريفة التي أدمجها في العرض ومنها تلك الفتاة التي ارتدت لباسا أخضر وبدت كالدودة التي تنخر الجسم السليم، وأيضا تلك المرأة الحزينة التي ظلت تطوف بالركح وكأنها الذاكرة التي تراقب عاجزة الصراعات التي لا تنتهي.
وأمّا وقد شاهدنا ثورة الجزيري فليسمح لنا مخرج «النوبة» بأن نسوق بعض الملاحظات منها أن فضاء القبة لم يكن ملائما للمسرحية وللحميمية التي يفترض ان تربط الممثلين بالمشاهدين، وأمّا الإشارة الثانية فتتعلق بالموسيقى الجميلة جدّا التي رافقت العرض ونحن نعيب على الجزيري عدم التوفق في إستغلالها إذ بدت قوية وداعمة بشدة لبعض المشاهد كذاك الذي جمع عمار بعشيقته عائشة بينما كانت غائبة كليا من مشاهد أخرى... «صاحب الحمار» للفاضل الجزيري لم تفتتح فقط أيام قرطاج المسرحية بل استكشفت مسلكا مسرحيا ميزته الأولى الرمزية في التعاطي مع الاحداث.
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق