قد نعجز أحيانا عن نقل ما في أحد الأعمال الفنية من شحنة تجسّدها الصور
والكلمات وهي تنقل الألم والظلم والقهر وما تخفيه البراكين المقموعة..
هذا ما ينطبق على الفيلم الوثائقي «تالة.. عصيان أبديّ» للمخرج عادل البكري والذي عرض يوم الجمعة الفارط بدار الثقافة ابن رشيق وتابعه مشاهدون، تفاعلوا مع وقائعه ـ بالتصفيق طورا وبالدّموع طورا آخر ـ ومع الشهادات والنصّ الشعري الذي صاغه صلاح بن عياد وعادل البكري.. كانت رحلة سينمائيّة وشعريّة رائقة استحضر البكري من خلالها محطات من تاريخ تالة انطلاقا من يوغرطة وتكفريناس مرورا بعلي بن غذاهم وعمر بن عثمان وأحمد الرحموني وصولا الى مروان الجملي أول شهيد للثورة التونسية (8 جانفي 2011).
ولمّا كان التاريخ لا يمثّل إلاّ واجهة من مدينة تالة «ذاكرة الثورات» و«ستالينغراد شمال افريقيا» ـ كما وصفها بذلك أحد أبنائهاـ، فقد تطرّق المخرج أيضا الى جغرافيتها، فالمحيط التّالوي «يحمل ريحا لا تهدأ وعيونا لا تنضب وقوس قزح يحاول تهدئتها ولو بصريّا».. واسم «تالة» يعني «عين الماء» التي ـ من المفروض ـ أن تهب الحياة والأمل والرخاء، لكن الزّمن أدار لها ظهره، فأقصيت وهمّشت في عهدي بورقيبة وبن علي ممّا يوحي بأنّها أحيطت «بسياج من الكره» حسب عبارة كاتبي النصّ، لكن «تالة.. الخشم الّي ما ينكسر والجمر الي ما ينخمد والنجمة الّي ما تنطفي» ظلّت عصيّة على من أراد لها الذلّ والخنوع والاستكانة، وأهدت الثورة التونسية أول شهدائها (مروان الجملي ـ غسّان الشنيتي ـ ياسين الرتيبي ـ وجدي السائحي ـ محمد عمري ـ أحمد بولعابي) و«جنود حرّيتها»..
وعلى امتداد الفيلم، يرتفع نسق الغضب الشعري، «غضب تالة على تضاريسها وتاريخها وليلها» فيدفع المشاهد إلى حافّة المشاعر وشفا المنطق، فكيف يمكن للانسان أن يغمض عينيه على يأس يكابده أخوه في الوطن؟ وكيف له أن يسترجع شيئا من انسانيّته المفقودة؟.. ولأنّ «تالة.. أوّل ورقة من كراس عرس دم الثورة التونسية» فقد اختار عادل البكري ان يقرأ لنا سطورا منها وذلك من خلال تقديم شهادات لبعض عائلات الشهداء، فكان ان استمعنا ـ على سبيل المثال ـ الى سعاد الخشناوي (والدة غسان الشنيتي) التي تساءلت عن غياب العدالة ولماذا لم تنل الى حدّ الآن حق ابنها؟.. كما ذكرت انّ سكان تالة طووا صفحة الحكومة منذ سنة 1995 بعد أن تنكّر الحاكم للمحرومين من أبناء وطنه.. وفي السياق ذاته استمع المخرج الى سماح عمري (أخت الشهيد محمد عمري) التي تحدّثت ـ والغضب يزلزلها ـ عن الساسة الجدد قائلة:«كلهم جواعة.. يجريو ورا السلطة.. مشى الزين، جاو 1000زين.. تالة بركان تحت الرماد.. ما تنساوش هذا»، ولاحظت انّ الشبّان لم يثوروا على الجوع بل ثاروا من أجل الكرامة وحقهم في حياة لائقة.. وقد صرّح عادل البكري إثر العرض انه يرجو ان يكون ساهم في ايصال رسالة أمهات تالة، مع العلم انه أهدى شريطه هذا إلى كلّ نساء الخضراء.. جميلات، مبدعات ثوريات..
قد لا تنصف الكلمات التي بين أيديكم سحر الأشعار الغاضبة وصور تالة الحالمة والشهادات التي تنبض وجيعة، لكنها قد تدفعكم الى مشاهدة هذا الفيلم الذي يختزل معاناة مدينة صامدة صمود سنديانة لم يؤثّر فيها الزمن ولا كوارث الطبيعة، في انتظار ان تشعّ شمس جديدة على الحقول الخضراء وفي أحلام الطفولة وعلى وجوه أمّهات مروان وغسان ووجدي وأحمد ومحمد وياسين وكل أمّهات الشهداء..
• إشارة: الجمل الواردة بين معقفين مقتطفة من النص الشعري الذي رافق الفيلم.
هذا ما ينطبق على الفيلم الوثائقي «تالة.. عصيان أبديّ» للمخرج عادل البكري والذي عرض يوم الجمعة الفارط بدار الثقافة ابن رشيق وتابعه مشاهدون، تفاعلوا مع وقائعه ـ بالتصفيق طورا وبالدّموع طورا آخر ـ ومع الشهادات والنصّ الشعري الذي صاغه صلاح بن عياد وعادل البكري.. كانت رحلة سينمائيّة وشعريّة رائقة استحضر البكري من خلالها محطات من تاريخ تالة انطلاقا من يوغرطة وتكفريناس مرورا بعلي بن غذاهم وعمر بن عثمان وأحمد الرحموني وصولا الى مروان الجملي أول شهيد للثورة التونسية (8 جانفي 2011).
ولمّا كان التاريخ لا يمثّل إلاّ واجهة من مدينة تالة «ذاكرة الثورات» و«ستالينغراد شمال افريقيا» ـ كما وصفها بذلك أحد أبنائهاـ، فقد تطرّق المخرج أيضا الى جغرافيتها، فالمحيط التّالوي «يحمل ريحا لا تهدأ وعيونا لا تنضب وقوس قزح يحاول تهدئتها ولو بصريّا».. واسم «تالة» يعني «عين الماء» التي ـ من المفروض ـ أن تهب الحياة والأمل والرخاء، لكن الزّمن أدار لها ظهره، فأقصيت وهمّشت في عهدي بورقيبة وبن علي ممّا يوحي بأنّها أحيطت «بسياج من الكره» حسب عبارة كاتبي النصّ، لكن «تالة.. الخشم الّي ما ينكسر والجمر الي ما ينخمد والنجمة الّي ما تنطفي» ظلّت عصيّة على من أراد لها الذلّ والخنوع والاستكانة، وأهدت الثورة التونسية أول شهدائها (مروان الجملي ـ غسّان الشنيتي ـ ياسين الرتيبي ـ وجدي السائحي ـ محمد عمري ـ أحمد بولعابي) و«جنود حرّيتها»..
وعلى امتداد الفيلم، يرتفع نسق الغضب الشعري، «غضب تالة على تضاريسها وتاريخها وليلها» فيدفع المشاهد إلى حافّة المشاعر وشفا المنطق، فكيف يمكن للانسان أن يغمض عينيه على يأس يكابده أخوه في الوطن؟ وكيف له أن يسترجع شيئا من انسانيّته المفقودة؟.. ولأنّ «تالة.. أوّل ورقة من كراس عرس دم الثورة التونسية» فقد اختار عادل البكري ان يقرأ لنا سطورا منها وذلك من خلال تقديم شهادات لبعض عائلات الشهداء، فكان ان استمعنا ـ على سبيل المثال ـ الى سعاد الخشناوي (والدة غسان الشنيتي) التي تساءلت عن غياب العدالة ولماذا لم تنل الى حدّ الآن حق ابنها؟.. كما ذكرت انّ سكان تالة طووا صفحة الحكومة منذ سنة 1995 بعد أن تنكّر الحاكم للمحرومين من أبناء وطنه.. وفي السياق ذاته استمع المخرج الى سماح عمري (أخت الشهيد محمد عمري) التي تحدّثت ـ والغضب يزلزلها ـ عن الساسة الجدد قائلة:«كلهم جواعة.. يجريو ورا السلطة.. مشى الزين، جاو 1000زين.. تالة بركان تحت الرماد.. ما تنساوش هذا»، ولاحظت انّ الشبّان لم يثوروا على الجوع بل ثاروا من أجل الكرامة وحقهم في حياة لائقة.. وقد صرّح عادل البكري إثر العرض انه يرجو ان يكون ساهم في ايصال رسالة أمهات تالة، مع العلم انه أهدى شريطه هذا إلى كلّ نساء الخضراء.. جميلات، مبدعات ثوريات..
قد لا تنصف الكلمات التي بين أيديكم سحر الأشعار الغاضبة وصور تالة الحالمة والشهادات التي تنبض وجيعة، لكنها قد تدفعكم الى مشاهدة هذا الفيلم الذي يختزل معاناة مدينة صامدة صمود سنديانة لم يؤثّر فيها الزمن ولا كوارث الطبيعة، في انتظار ان تشعّ شمس جديدة على الحقول الخضراء وفي أحلام الطفولة وعلى وجوه أمّهات مروان وغسان ووجدي وأحمد ومحمد وياسين وكل أمّهات الشهداء..
شيراز بن مراد
• إشارة: الجمل الواردة بين معقفين مقتطفة من النص الشعري الذي رافق الفيلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق