نظمت مؤسسة فرحات حشاد وجمعية المقاومين التونسيين يوم الاربعاء 8 أفريل ندوة بعنوان «الزعيم الحكيم: محمود الماطري (1897 ـ 1972)» احتضنتها دار الكتب الوطنية وشاركت فيها مجموعة من أساتذة التاريخ ومن السياسيين فضلا عن عدد من أفراد عائلته.
وتولى الفنان رجاء فرحات تقديم الشخصية قائلا إنّ اسم محمود الماطري يعتبر رسالة حيّة لأنّه الرائد الذي دفع الثمن غاليا لبناء الصحة العمومية في تونس والذي لم يتوان على الدفاع على حق التونسيين في الصحة والطب وكان تواقا الى تنظيم المهنة على أسس صحيحة. كما ساهم بمعيّة رفاقه في تأجيج جذوة النضال في مختلف مراحل الحركة الوطنية.
وقال فرحات إنّه من الهام أن يُسلط الضوء على هذه الشخصية التاريخية وأن يعرف التونسيون كيف صنعت نخبة مثقفة وجامعية المعجزة وكيف قادت حركة التحرير الوطني بأقل التكاليف بفضل ذكائها وحسّها وكان الماطري من أبرز رموزها.
محمود الماطري: الطبيب المناضل
إثر ذلك تولى الدكتور عمر الشاذلي تقديم مداخلة أولى ذكّر فيها بأنّ محمود الماطري كان أوّل رئيس مسلم لعمادة الأطباء التونسيين. وتحدث الشاذلي عن مسيرة الماطري انطلاقا من رحيله الى فرنسا وتحصله على الباكالوريا هناك سنة 1919. كان الماطري معاديا للحماية الفرنسية التي جابهها بسلاح العلم وبفضل الانخراط في الحراك السياسي والمدني حيث التحق بالحزب الشيوعي وبالحزب الاشتراكي وكذلك برابطة الدفاع عن حقوق الإنسان.
وبيّن الشاذلي أنّ الماطري استعمل أيضا سلاح الإعلام في نضاله حيث كتب في عدّة مجلات وصحف فرنسية وتونسية ومنها «صوت التونسي» و«تونس الطبيّة» و«Clareté» والتي انتقد فيها تعامل المستعمر مع التونسيين على المستوى الطبي والنقائص التي كان تعرفها المستشفيات آنذاك. وعرّج الشاذلي على الدور الذي لعبه الماطري مع الدكتور إرنيست كونساي عندما حلّ بتونس وباء الطاعون سنة 1930، فساهم من خلال إجراءات طبية جريئة في وضع حدّ لتفشي المرض.
وكان الماطري من بين زعماء الحركة الوطنية الذين احتجوا أمام مقر الإقامة العامة الفرنسية بتونس في 9 أفريل 1938 للمطالبة ببرلمان تونسي رغم معارضته لذلك في بادئ الأمر خوفا على أرواح التونسيين. إثر ذلك نُفي الماطري بمعية عدد من زعماء الحركة الوطنية الى برج لوبوف في قلب الصحراء التونسية.
وختم الشاذلي مداخلته باستحضار ذكريات شخصية مع الدكتور الماطري ومنها رحلتهما الى بيروت وخصال الطيبة والتواضع اللتين كانت تميزه.
نضال بالفكر والموقف في مواجهة المستعمر
ثمّ تسلم الأستاذ عادل بن يوسف -الذي اهتم بدراسة الطلبة التونسيين بفرنسا في الفترة الفاصلة بين سنتي 1882 و1956- الكلمة معرجا على الدور الذي لعبه الدكتور سالم الشاذلي الذي اطّر وشجّع الماطري طوال فترة دراسته الطب التي دامت 8 سنوات في مدينة ديجون الفرنسية.
وتشهد المراسلات التي جمعت الطرفين على العلاقة المتينة التي ربطتهما وكان الماطري يمضي رسائله بكلمة «Hak» أو حق مما يعني أنّه كان يحمل قضية معينة. ولاحظ المتدخل أنّ الرقابة الأمنية كانت قوية ناهيك أنّ كتابات الماطري في مختلف الصحف التونسية والفرنسية كانت نقدية وإنّه انخرط في النضال السياسي والمدني وأضحى من أبرز وجوه الحركة الوطنية. وقال بن يوسف إنّ كتاب «عرق البرنوس» لأستاذ التاريخ لزهر الماجري ـالذي صدر مؤخراـ يرصد نضال زعماء الحركة الوطنية في مواجهة النظام الاستعماري.
محمود الماطري الزعيم السياسي
ثمّ تولى الأستاذ المحاضر في التاريخ المعاصر علي المحجوبي الحديث ليستحضر وجها آخر للدكتور محمود الماطري كزعيم سياسي قائلا إنّه في فترة إقامته بفرنسا كان يتردد على المجالس الأدبية ويكتب في الصحافة الفرنسية. وعندما عاد الى تونس سنة 1926، كان بمثابة المثقف الذي يحمل قضايا شعبه ويؤمن بقيم الحركة والعدالة وحقوق الإنسان.
انخرط محمود الماطري في الحزب الحرّ الدستوري وكان يعتبر أنّه يجب العمل على تعبئة القوى الشعبية ولا الاقتصار على الاجتماعات السياسية. كما اهتم الماطري بإعانة طلبة شمال إفريقيا بفرنسا وندّد بعرقلة السلطات الفرنسية لتعليمهم. وفي 1931، كان الماطري من بين مؤسسي جريدة «العمل التونسي» مع الحبيب ومحمد بورقيبة والبحري قيقة، هذه الجريدة التي لعبت دورا في مناصرة عديد القضايا الوطنية.
وفي ماي 1933 إنضم الماطري إلى الحزب الحر الدستوري ليستقيل منه ويساهم في تأسيس الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد في 2 مارس 1934 وقد انتخب الماطري رئيسا للديوان السياسي للحزب، لتتالى نضالاته السياسية إلى أن نفي في نفس السنة في برج البوف. أفرج عليه في سبتمبر 1936، وعاد الحزب الدستوري الجديد إلى النشاط ليستقيل من رئاسته في جانفي 1938. كان الماطري والبحري قيقة يعتبران أنّ المطالبة بالاستقلال غير واردة في هذه الظروف لأنّه يجب تهيئة الشعب ناهيك أن الفاشية الإيطالية كانت تطالب بتونس وأنّ فرنسا أهون من استعمار إيطاليا الفاشية.
ورغم توّجسات الماطري من حصول مجزرة تُزهق فيها أرواح التونسيين إلا أنه شارك في مسيرة 9 أفريل 1938 مطالبا بالاعتدال خلافا لعلالة البلهوان الذي كانت له نزعة راديكالية. وقال المحجوبي إنّ الماطري كان مثقفا ملتزما يتمتع بالرصانة وبالاعتدال وبالموضوعية. كان يحترم خصمه ويدافع بعقلانية مؤمنا بأهمية الأخلاق في السياسة.
محمود الماطري والمنصف باي
وفي مداخلة ثالثة، قدّم الأستاذ منصف باني قراءته لمسيرة محمود الماطري رجل الدولة معرجا على الفترات التي تولى فيها الماطري مناصب وزارية مشيرا الى انّ الماطري شارك في حكومة المنصف باي الثورية من 7 جانفي 1943 الى غاية 19 ماي 1943 وبالتحديد في حكومة شنيق الأولى حيث عُين وزيرا للداخلية كما عُهدت له الشؤون الصحية. وما يحسب للماطري أنه بعث منظمة الهلال الأحمر التونسي كما ساهم في تعميم وزيادة رواتب الموظفين مع العلم أنه تم تشكيل هذه الحكومة دون التشاور مع الفرنسيين وذلك بحثا على السيادة التونسية ووضعها فوق كل إعتبار.
وبعد نفي المنصف باي، إنظم الماطري الى الحركة الوطنية التي طالبت بضرورة إعادة الباي الشرعي. ثم شارك الماطري في حكومة شنيق الثانية مع صالح بن يوسف الى أن تم إعتقالهم. نفي الماطري الى الجنوب ثم أفرج عنه في 9 ماي 1952 ليواصل نشاطه في الحركة الوطنية متقلدا منصب الوزير بعد الإستقلال وذلك الى غاية 1957 تاريخ إنسحابه من السياسة.
وفي نهاية اللقاء، أخذت إبنة الدكتور الماطري أنيسة الماطري حشاد الكلمة لتؤكد أنّ والدها إستقال لا خوفا من الفرنسيين وإنما لأنه كان يتمسك بأن لا يسيل دم التونسيين. ولاحظت أن هذه نقطة الإختلاف الاساسية مع بورقيبة. ومن جهة أخرى، أشارت السيدة أنيسة الى تعلق والدها بالثقافة وبالمعرفة اللذين كانا يمثلان بالنسبة اليه أفضل سلاح لتحقيق التقدم.
شيراز بن مراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق