السبت، 4 أبريل 2015

مسرحية «بــلاتــو» لـغـازي الـزّغـبـانـي: لِــمَ هـذه الانـتـصـارات الـزّائـفـة؟

 تحت ضوء القمر، أناس يدبّون على هذه الأرض، بعضهم بؤساء يحلمون بأشياء بسيطة والبعض الآخر متشعبطون همّهم «الانتصارات الزّائفة» على حساب المبادئ والقيم..
حول هذا الداء الذي زاد إستفحاله في ربوعنا، دارت أطوار مسرحية «بلاتو» للمخرج غازي الزغباني -وهي اقتباس حرّ لنصّ «نيكراسوف» للكاتب جون بول سارتر- فاضحة الزيف التي انغمست فيه أطياف عديدة من المجتمع وكاشفة خيوط اللعبة الميكيافيلية التي اجتمع فيها خبث السياسة بإنتهازية الإعلام وبدهاء الإرهاب..
الكل يستغلّ الطرف الآخر لتحقيق مآربه الخاصّة ضاربا عرض الحائط بالقيم الانسانيّة المشتركة: أن تنجح في الانتخابات مهما كانت الأساليب قذرة، أن تحقق نسب مشاهدة تلفزية قياسية وتدهس على المبادئ، ان تكسب أكثر، أن تقتل بإسم المصالح، أن تقدم الوعود الزائفة، هي بعض من قيم هذا «العالم الجديد» التي انتقدها غازي الزغباني في عمله الجديد الذي عُرض يوم 27 مارس بقاعة الفن الرابع احتفاء باليوم العالمي للمسرح.
تنطلق المسرحية من تحت قمر أبيض كبير كسا الرّكح وأشعّ على زوج يعيش تحت خطّ الفقر، تَلمح الزوجة من بعيد شابا يحاول الانتحار في عباب البحر فتدعو زوجها لانقاذه، ويتّضح أنّ الشابّ هو «منصف فاليرا»، واحد من أكبر المتحيلين الذين تعرفهم البلاد. تصل الشرطة التي كانت تلاحق فاليرا فيفرّ هذا الأخير بحثا عن مكان يُؤويه ويقتحم مسكن صحافيين يشتغلان بقناة تلفزية معروفة. لإبعاد الشبهة، يتنكر «منصف فاليرا» في ثوب «أبو تقي» الأمير السلفي الجهادي، ومن هناك تتلاحق الأحداث من خلال نصّ طريف طوّعه غازي الزغباني ليقترب من الواقع التونسي وليقدّم عملا مسرحيا جاء في شكل «مسخرة» تقصت ما نعيشه اليوم من انحرافات شابت عالمي السياسة والإعلام.
يدقّ غازي الزغباني نواقيس الخطر بقوّة ليلفت الانتباه وليحذّر من حالة الانفلات التي أضحت تميز المشهد العام مرتكزا في ذلك على لغة مسرحيّة مازحة وساخرة. فهذا جيلاني (محمد قريع في دور مدير القناة) يحلم بالسبق الصحفي على حساب كل النّواميس المهنية همّه الوحيد تحقيق أعلى نسب مشاهدة، وهذه مدام بوعون (فاطمة سعيدان في دور المترشحة للانتخابات الرئاسيّة) تحتفي بفوزها قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات، وهذا أبو تقي (غازي الزغباني في دور الأمير السلفي الجهادي) يبارك للإعلاميين ويهنّئم بوجود أسمائهم على قائمة الاغتيالات وهو يفرحون ويهللون.. أمّا «البيق بوس» (بشير غرياني في دور صاحب القناة) فحدث ولا حرج عن أطماعه اللامتناهية والتي بسببها أُهين الإعلام ودُمّرت السياسة.
وإلى جانب هذه الشخصيات التي نحتها غازي الزغباني بطريقة مميزة، يمكن القول إنّ مسرحية «بلاتو» تضمنت تجديدا على مستوى اللغة المسرحية حيث خرجت من القالب الكلاسيكي على مستوى التصوّر الركحي، فالركح متحرك واللوحات المتعاقبة تحمل طابعا خاصا ونستحضر منها على سبيل المثال لوحة البداية تحت ضوء القمر وأيضا لوحة صاحب القناة «البيق بوس» التي أعطاها الزغباني قوّتها بعد أن عكسها بشكل سريالي على الجدار الخلفي للركح بواسطة تقنية الفيديو، وكذلك اللوحة الراقصة التي أدتها بإقتدار الصحفية نجوى زهير، وأيضا لوحة فاطمة بن سعيدان التي قدمت فيها خطابها السياسي المثير، وهي كلها مشاهد نُحتت بطريقة أعطت روحا خاصة لـ«بلاتو». نفس الشئ بالنسبة للتعاطي مع التّيمات الرئيسية، فقد خاط الزغباني نصه بأسلوب مشوق ووزع حبكته بشكل يستوقف المشاهد ويستدرجه الى لبّ التساؤلات التي طرحها.
«نيكراسوف» أو «بلاتو» تماهت مع الواقع التونسي بانحرافاته السياسية والإعلامية فاضحة الدور الخطير الذي يمكن ان تلعبه بعض القنوات اذا ما فقدت البوصلة وأصبحت مطيّة سهلة لبارونات السياسة والارهاب، وقد قيل كلّ ذلك بلغة ساخرة تخاطب الضمير وتدفعه الى أن يبقى يقظا صاحيا متوهّجا وهي من أبرز الرسائل التي بعثت بها مسرحية «بلاتو».
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق