-على الثقافة أن تكتسح البلاد لتجاوز الخطاب التكفيري
-جفاف المدينة الفني لن يقودنا الى الا الهلاك
-دورة أيام قرطاج المسرحية كانت متذبذبة ودون رؤية واضحة
-لنا جمهور من ذهب في صفاقس والقصرين والمنستير وقبلي لكن...
-أغلب شخصيات مسرحية «في انتظار دون كيشوت» في صراع عبثي مع أنفسها ومع العدو الخفي الذي يتوزع في كل مكان
«سنقدم أجمل ما لدينا لنكشف أسوأ ما فينا» هكذا تحدث المخرج المسرحي وليد الدغسني عن عمله الجديد «في انتظار دون كيشوت» الذي من المنتظر أن يكون حاضرا للعرض خلال شهر مارس 2016.. وفي لقاء جمعنا به، كشف لنا الدغسني (مخرج "انفلات" و"التفاف" و"الماكينة") عن عوالم عمله الجديد وعن الصعوبات التي تعترضه كمخرج يعيش في «مدينة بلا مسرح، بلا روح» ، فكان الحوار التالي:
لو تحدثنا عن عملك المسرحي الجديد؟
«في انتظار دون كيشوت» ينهل من عوالم رواية «دون كيشوت» للكاتب الإسباني سربانتس.. وقد حاولت تقصي دون كيشوت المتخفي فينا، هذا البطل الذي يصارع طواحين الهواء... فعدد كبير منا يعتقد أنّه قادر على تغيير العالم في اتجاه العدالة والخير والحريّة، لكنّ العالم الذي نعيش فيه فقد ضوابطه ومرجعياته.. فإلى أي مدى يمكن أن نعيش فيه وقد أضحى شبيها بقمامة كبيرة لا تنتج إلاّ السيىء؟ ولعلّ ما أفرزته الإنسانية خلال الخمس السنوات الأخيرة ليس إلاّ الدليل القاطع عن الغمامة التي أضحت تغطي سماءنا.. وستحاول المسرحية الإجابة عن السؤال التالي: هل مازال بإمكان الإنسان المعاصر أن يحلم بالبطولة أم أنّ ذلك أضحى وهما ليس إلاّ؟..
وكأنك تقول أنّ حلم دون كيشوت بالقيم المثلى ليس إلاّ هراء؟
رغم الفوضى الحاصلة في مجتمعاتنا والتي ألقت بظلالها على الأدوار التقليدية للسلطة وللمواطن والقاضي وغيرهم، فإنّ طيف دون كيشوت سيكون حاضرا في المسرحية لأنّه لا يمكن لنا ـ كفنانين ـ أن نتنازل.. إذا كان العدو معروفا قبل بداية الربيع العربي ويسهل تحديده، فقد أضحى متعددا اليوم، وكأنّه محكوم علينا أنّ نتصارع مع طواحين الهواء... أغلب شخصيات المسرحية في صراع عبثي مع أنفسها ومع العدو الخفي الذي يتوزع في كل مكان.. فحتى مفاهيم الخير والشر أصبحت محاطة باللبس... عموما سنقدم أجمل ما لدينا لنكشف أسوأ ما فينا، أسوأ ما أنتجته الإنسانية من قبح ومن شر..
وماهو البديل بالنسبة إليكم؟
نتساءل في مسرحيتنا عن هدف وغاية الشرور المبثوثة والحروب التي تقاد اليوم في العالم في حين أنّ الحياة يمكن أن تكون أبسط... ماذا فعلنا بالمنتجات البشرية؟ هل حققت الرفاهية أم كرست الأنانية؟ مع الأسف الشخصيات الأنانية تعتقد أنّها قادرة على قيادة حروبها فرديا في حين أن القمامة كست الأرض بينما عمت الغمامة سماءنا حتى أضحت سوداء داكنة! لماذا كلّ هذا؟ وفي هذا السياق، ستعالج المسرحية عدّة قضايا بأسلوب الكوميديا السوداء.. هناك بحث على مستوى اللغة والتناول الركحي من أجل خلق مناخات شعرية تفتح باب الحوار -لأنّ المسرح فن الحوار بإمتياز- والنقاش حول الوضع الراهن في البلاد.
ماهي الصعوبات التي تعترض عملكم؟
تحصلت المسرحية على دعم من قبل وزارة الثقافة ولكنه دعم أقل بكثير من ذلك الذي كنا نتمنى الحصول عليه ورغم ذلك سنقدم عملا يرتقي الى طموحاتنا... هذا من الجانب المالي، وأمّا على مستوى الإعداد والتحضير للعرض فنفتقد لفضاءات تفتح أبوابها طيلة أشهر للقيام بـ«البرايف»، وهنا أوّد تقديم الشكر للمسرحي توفيق الجبالي وفضاء التياترو الذي وفر لنا قاعة تمارين حتى يتسنى لنا العمل في ظروف طيبة..
ودُور الثقافة؟ ألا يمكن أن تقدم بهذا الدور؟
أتساءل عن دَور دُور الثقافة اليوم في تونس.. بصراحة على وزارة الثقافة أن تفكر وتراجع دور هذه الفضاءات والميزانيات التي تتلقاها... فما جدواها وماذا تعطي للفن في تونس؟ من الضروري تحويل دور الثقافة الى مراكز فن تنتج وتشع على محيطها...
هكذا تُحمل الدولة مسؤولية قد تفوق إمكاناتها!
ولو إنّ دعم الثقافة لا يمكن أن يقتصر على الدولة بل يجب أن تنخرط فيه المؤسسات الاقتصادية التي عليها توفير تمويلات لتنظيم مهرجانات ولتشييد مسارح وللمساهمة في انتاج صورة مغايرة للبلاد، فإنّ دور الدولة يبقى كبيرا وهاما في هذا السياق.. المسرح هو روح المدينة، هو روح البلد... ومن هذا المنطلق، على الدولة أن تدعم المسرح، ولو غاب الدعم ولو سحبت الدولة يديها فسيندثر المسرح لأنّ تكلفة الإنتاج باهظة وكراء قاعة التمارين مكلف.. هناك جمهور مسرحي من ذهب في القصرين وقبلي وصفاقس والمنستير وللفنانين التونسيين عموما سمعة طيبة لكن الحلقة لا يمكن أن تكتمل الا بدعم الدولة. أكثر من ذلك أعتقد أنّنا، وفي المنعرج التاريخي الذي نعيشه، بحاجة الى أن تكتسح الثقافة البلاد لمواجهة الإرهاب. على الثقافة أن تكتسح المناطق المهمشة لتجاوز الخطاب التكفيري، خطاب الموت.. إذا لم تتوفر للمواطن نوافذ أخرى على الدنيا فإنّه لن يؤمن لا بالحياة ولا بالغد. جفاف المدينة الفني لن يقودنا الا الى الهلاك، وأمّا الإنسان المثقف فيقدم على الحياة والعمل بشغف وبحماس...
الدورة الأخيرة لأيّام قرطاج المسرحية.. كيف تقيّمها؟
الدورة كانت متذبذبة ودون رؤية واضحة لنوعيات المسرح التي نريد تقديمها للجمهور.. الدورات العالمية والكبرى لا تنظم بهذه الطريقة الرعوانية والسطحية.. مفروض أن يكون هناك تقرير أدبي وتقييم للدورة ككل مع تثمين المكتسبات وإبراز النقائص حتى يتسنى تفاديها في الدورات القادمة (لا ننسى أنّ التظاهرة أصبحت سنوية).. بودار الفشل موجودة وظاهرة للعيان إذا لم نحسن استغلال الكفاءات في البرمجة وفي التنظيم بالنسبة للمستقبل.
الجذاذة الفنية لمسرحية «في انتظار دون كيشوت»
العنوان: «في انتظار دون كيشوت»
المخرج: وليد الدغسني
ـ الانتاج: شركة كلندستينو
ـ تمثيل: يحي الفايدي ـ ناجي القنواتي ـ مختار الفرجاني ـ أماني بلعج ـ
ـ إعلام وتواصل: سهير اللحياني
ـ إضاءة: صبري عتروس
ـ مؤثرات صوتية: ميش
شيراز بن مراد
تصوير كريم العامري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق