الاثنين، 18 يناير 2016

فيلم "قصر الدهشة" لمختار العجيمي: كم كان هذا البيت خربًا...

"كيانات محطمة في بيت خربٍ"، قد تكون هي الصورة الأبرز من فيلم "قصر الدهشة" للمخرج مختار العجيمي والذي انطلق عرضه يوم السبت 9 جانفي بمشاركة عدد من الممثلين على غرار هشام رستم وفاطمة بن سعيدان وجمال مداني وريم البنا وزياد التواتي..
ففي مشفى للمجانين أين تقيم عينة من شخصيات المجتمع التونسي، تدور أحداث هذا الفيلم الذي يعيد على أنظار المشاهدين حقبة اندلاع الثورة وما رافقها من أحداث قنص وفوضى.. وهكذا تتضاعف في المشفى حالة الانهيار بين الإنكسارات الشخصية والغليان المجتمعي لتؤذن بإنفجار كلي لن يسلم منه أحد..
ولعل النقطة الرئيسة التي ارتكز عليها فيلم «قصر الدهشة» هي الموازاة بين ما كان ينخر المجتمع من أمراض وما كان يحدث داخل مركز رعاية المجانين من انتهاكات. فالتسلط هو المبدأ، والتعذيب والتضييق هما السبيل حتى أنّ البعض قرر أن يلعب «لعبة النائم» في وضح النهار، لا يرى ولا يسمع شيئا تفاديا لممارسات النظام وقمعه..
ومن خلال ما يعرفه مشفى المجانين من وقائع، يتبيّن مدى الأمراض التي علقت بالتونسيين، فالنقابي (جمال المدني) حاصروه ثمّ سجنوه، والأستاذة (فاطمة بن سعيدان) لاحقوها وضيّقوا عليها حتى فقدت البوصلة، والفتاة الجميلة (ريم البنا) اغتصبوها، وأمّا مدير المشفى (هشام رستم) فقد جسّد دور «الحاكم» المتسلط الذي لا يتردد في ممارسة التعذيب لإلجام الأفواه والاغتصاب لإرضاء نزواته..
وعبر هذه الشخصيات المصابة في نفسيّتها، يسترجع مختار العجيمي في فيلمه «قصر الدهشة» الحالة النفسية التي كانت عليها البلاد زمن نظام بن علي والتي يتناساها البعض اليوم.. فالأجواء كانت خانقة والتوجسات قائمة والكلّ مريض ولو بدرجات متفاوتة.. فكيف للذاكرة أن تطمس اليوم تلك الحقائق، وكيف لنا أن ننسى ما كان يعانيه الفكر الحر والموقف المخالف من ملاحقات؟
ولئن بدا سيناريو «قصر الدهشة» دون مفاجآت، فإنّه يذكرنا دون شك بالبيت الخَرِب الذي كنا نعيش فيه: لكلّ منا معاناته وجراحه، وهو حال المجتمعات التي ترزح تحت حكم أنظمة سياسية مستبدة دفعت بأبنائها إلى عوالم البارانويا وغيرها من الأمراض النفسية فأصيبوا بها ولو بدرجات متفاوتة.
بقي أن نشير الى نقطة أخيرة وهي جمالية الصورة التي أمّنها مدير التصوير حازم بالرابح والتي أبرزت المفارقة بين روح المدينة المتقدة ونفسية الشخصيات المنكسرة.
في «قصر الدهشة»، تعددت أعراض الأمراض المجتمعية في وسط محاصر لتكشف كم كان البيت التونسي خَرِبًا.


شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق